السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الإسلام بين طريقين

الإسلام بين طريقين
الإسلام بين طريقين




كتب: د. ناجح إبراهيم

 ■ يضيع الإسلام والأوطان بين الإفراط والتفريط.. وبين الغلو والتقصير.. وبين التشدد والانحلال.. وبين التكفير والإرجاء.. وبين غلاة الدواعش وغلاة العلمانيين.. وبين دعاة التشيع وسب أبى بكر وعمر وبين دعاة التحلل من الإسلام والدين.
■ كلاهما يضر الإسلام والأوطان ويسىء إليهما ويضرهما.. وقد بين القرآن الأنواع الثلاثة الإفراط والتفريط والوسطية فى آية واحدة فى إعجاز عظيم وذلك فى قوله تعالى «أَلاَّ تَطْغَوْا فِى الْمِيزَانِ».. وهو يعبر عن الطغيان والزيادة والإفراط «وَأَقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ» وتعنى  الوسطية والاعتدال والعدل والحكمة.. أما قوله تعالى «وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَان» فهو يعبر عن التفريط والانحلال والتبخيس.
■ فمنذ بزوغ فجر الإسلام على الكون يتصارع الإفراط والتفريط مع الوسطية والاعتدال.. فيعلو الإفراط والتفريط زمناً.. ويظن الجميع اختفاء واندثار الوسطية والاعتدال والحكمة والرشد.. ولكن سرعان ما يزول الغبش والغث ويبقى ما ينفع الناس فى الأرض والأفئدة والقلوب «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضًِ».
■ فمنذ بداية الرسالة وحتى اليوم هناك صراعات مفتعلة كثيرة.. فالبعض يغالى فى سيدنا على.. فيرى أنه النبى الذى سرقت منه الرسالة أو الخليفة الذى سرق منه أبو بكر وعمر الخلافة.
■ والبعض الآخر يقصر فى حقه ولا يعرف مكانته السامية كواحد من خلفاء الرسول الراشدين ومن العشرة المبشرين بالجنة وله من الفضل والعلم والسبق ما تضيق عنه كتب ومجلدات.. وليس مجرد مقال مثل هذا.
■ والبعض يؤلف صراعاً وهمياً بين الدنيا والآخرة.. ناسياً أن الدنيا هى مزرعة الآخرة.
■ وآخرون يؤلفون صراعاً مزعوماً بين الأصالة والمعاصرة أو القديم والجديد.. مع أن كليهما ليس معصوماً وكليهما يؤخذ منه ويرد.. ولا خلاف بينهما.. فكلاهما يخدم الإسلام والأوطان مادامت المعاصرة لا تعارض أو تصطدم مع ثوابت الإسلام.. وتسعى لتطوير وتحسين متغيراته.. فلا تهدم عقيدته ولا أخلاقه ولا فرائضه وتطور فيما سوى ذلك من آليات وميكانيكات.
■ والبعض ألف صراعاً موهوماً بين العلم والدين.. مع أن العلم خادم للدين.. والدين يحث على العلم ويحض ويدعو إليه.
■ ألم تكن أول آية نزلت على نبى هذه الأمة هى «اقرأ».. فهل أمة «اقرأ» تصطدم مع العلم أم تكون من أهله وفرسانه؟!
■ وبعضهم اصطنع معركة وهمية بين النص والعقل.. فبعض العلمانيين المتغربين يقدس العقل ويقدمه على النص الصحيح.. ويدعى أن العقل حكم على النص وحكم على كل شىء وهو المرجعية العليا للبشر.
■ أما بعض المتشددين من الإسلاميين وبعض التكفيريين فيشتطون فى الناحية العكسية ولا يرون للعقل دوراً على الإطلاق أو يريدون تغييبه حتى لو كان فى فهم النص أو شرحه أو الوقوف على حكمته وبيان ما خفى من أسراره ومقاصده.. وهم يقولون ذلك بحجة الاستسلام والانقياد لله.. وأنه إذا قال النص قولاً فلا حديث لأحد وهذا ظاهره الخير وباطنه الشر.
■ والإسلام الحق وسط بين الاثنين.. فهو لم يأت بتقديس العقول من دون الله.. ولا بإلغاء العقول ليعيش العباد فى ضلالات الجهالة والغى.
■ ولكنه أعطى العقل دوراً محدداً وعظيماً وكبيراً فى الوقت نفسه.. فهو مهما علا قدره ومكانته إلا أنه يحتاج دوماً إلى نور الوحى وهدايته ولا يستقل بالتشريع ابتداء.. ولكنه يشرع أو يبدع فى كل مساحات تعمير الكون باتساعها ورحابتها.. وفى كل المساحات التى لا نص فيها وهى أوسع المساحات وأكبرها.. وفى مساحات المباحات وهى مساحة الدنيا كلها.. فكل آيات الأحكام فى القرآن 80 آية فقط وما هو خارج وبعيداً عنها يمكن للعقل أن يسرح فيها ويمرح متفكراً ومبدعاً وفاعلاً كيف يشاء فى خدمة البشرية.
■ وللعقل أن يجتهد فى فهم النص.. مثل النصوص ظنية الدلالة والتى تحتمل وجوها ً عدة للتأويل.
■ والخلاصة أنه ينبغى على العلمانيين ألا يقدسوا عقولهم وعلى الإسلاميين المتشددين ألا يلغوا عقولهم أو يربوا الناس على إلغائها.. وأن يدرك هؤلاء وهؤلاء أن النص الصحيح لا يمكن أن يصطدم مع العقل السليم أو العلم الصحيح.. لأن مصدرهما واحد من الله سبحانه.
■ وهناك معركة مصطنعة أخرى هى بين الإكراه على الدين وبين التحلل منه.. فالقرآن يصدح فى البشرية هاتفاً لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» و«أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه» فلا إكراه فى الدين ولا تحلل منه.. فالدين اختيار.. لأن مناطه القلب والقلب لا يملكه سوى ربه.
■ وقد جاءت عشرات الآيات والأحاديث التى تنهى عن إكراه الناس على الدين والهداية.. فالله غنى عن العالمين.. ولكن ذلك لا يعنى تعطيل الدعوة إلى الله أو نشر الانحلال والرذيلة أو الهجوم على ثوابت الإسلام والطعن فى أئمته.
■ إن الله غنى عن العالمين ولكنه لا يرضى لعباده الكفر والمعصية والفسوق.. والله لا يضره كفر أهل الأرض جميعاً.. ولا تنفعه طاعة الطائعين.. ولكن الله يحب الصالحين من عباده.. ويجب صلاح عباده لأنه يحب خيرهم وبرهم ويكره عذابهم «مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ» فيا أهل الإفراط والتفريط أرجوكم ابتعدوا عن مصرنا الحبيبة.. حتى لا تضيعوا  وتضيعوها.