الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

منزلة أهل النبوة فى القرآن







لعل الكثير من المسلمين لا يشغل باله بأهل بيت النبى محمد «صلى الله عليه وسلم»، وقد لا يعرف من هم، وقد لا يعرف ما معنى آل البيت الواردة بالقرآن، بل منهم من يهزأ بالأمر، وما ذلك إلا لغياب المسلمين عن كتاب الله، وأرى أهمية الأمر لأنه فضلا عن كونه فريضة ضائعة، إلا أنه يبرز أكثر حين تخرُج الفُرقة من تحت عباءته فتؤكِّد الخصام الدَّفين بين الشيعة والسُّنة، فى الوقت الذى يحتاج المسلمون فيه إلى الاتحاد، وما أحوجهم لأن ينفُضُوا غبار معتقدات موروثة أضرَّت بهم وبديارهم وأكسبتهم غضب ربهم. ولعل كثيرًا من أهل الإسلام لا يجدون واجبًا عليهم تجاه ما منحهم الله إيَّاه من بعثه رسول الله فيهم وهدايته لهم لاعتناق الدين الحق، فقد قال تعالى:- {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164؛ وقال تعالى:- {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }الحجرات17.
 
فمنَّة الله على عباده فى إرسال الرسول، ومنَّته عليهم فى الهداية للإيمان هما من أعظم العطايا التى يمكن أن تُؤتَى لكائن، لكن تبقى إشكالية أن تلك المِنَن ليست مجَّانية، بل طلب مانحها (الله) أجرًا لها لم يدفعه الفارُّون من تدبُّر القرآن إلى المعتقدات الفقهية الموروثة والمخالفة لدين الله، حيث قال سبحانه وتعالى:- {...... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} الشورى23؛ فلا يطلب الله منَّا إلا أن نكون على مودَّة مع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
والمودَّة المطلوبة هى فريضة على كل مسلم ومسلمة، وهى من أعمال العواطف، فلا بد أن تنبع من بين جنبيك ومن قلبك حُبًّا يفيض، يحُسُّه النَّاس حولك، فبهذا تكون قد أدَّيت الفريضة التى يَتَوَجَّبُ عليك أن تجعلها بثًا مباشرًا دائما بدوامك فى هذه الحياة، وكُلَّما ازدادت مودتك زاد الله هدايتك وفق الآية السابقة من سورة الشورى.
 
ولقد ذكر الله أهل بيت النُّبُوَّة بالطهارة ومنع الرجس عنهم، فقال:- {... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33؛ فلم تثبت الطَّهارة كما ثبتت لأهل بيت رسول الله فى قرآن يتلى إلى يوم القيامة.
 
والمسلم الحق له تفاعل حى مع آيات كتاب الله، فالانتماء والحب والمودَّة الممزوجة بالخشوع لمن طهَّرهم الله هو الواجب الفرضى الذى ضلَّ الكثيرون عنه.
 
وإن من بين أهل بيت النُّبوَّة من هم أحياءٌ عند ربهم يُرزقون لموتهم على الشهادة فى جهاد لأجل رفعة المسلمين وتحريرهم من أغلال وسطوة قهر الحُكَّام لهم، وحقًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر]، وقد فعل ذلك سيدنا ومولانا الحسين بن على  رضى الله عنهما ـ حتَّى استشهد فى وغى القتال لنصرة الإسلام والمسلمين من ظلم المسلمين.
 
 وباتت ضربات سيوف ممن ينتمون للإسلام اسمًا عَلَمًا على أن الإسلام ليس شهادة باللسان، ولا تلاوة صمَّاء وتراتيل عمياء عن تدبر كتاب الله، إنما هو تأكيد بشرى فِعلى لكلمات الله القولية.
 
لقد نهشت أنياب بنى أُميَّة وسيوفهم أجساد أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أوصانا الله بهم، وتجدنا وقد امتلأت عقولنا من ثقافة خطَّتها الطُّغمة الأموية الحاكمة إبان ازدهار التدوين والكتابة فى عهدهم، فظنوا ومن شايعهم فى ثقافتهم المدوَّنة أنهم قد أحسنوا الصُّنع، أو أنهم أقاموا الحضارة، بينما الحقيقة أنهم طمسوا تاريخ قتل أهل بيت النبي، وأبرزوا فقههم، وانساق النَّاس خلف تلك الثَّقافة ينتهلون منها، بينما هم يبتعدون عن الدِّين الحق والفريضة الواجبة.
 
إن من أعظم الجرائم قتل اليهود للأنبياء، وقتل بنى أُميَّة لأهل بيت رسول الله ومحاولتهم طمس تاريخهم الدموى فى ذلك الصدد.
 
ولقد ارتكست الأُمَّة، فصارت تستنكف المبالغة فى الحزن التى يقوم بها الشِّيعة من إسالة إرادية لدمائهم فى ذكرى استشهاد الإمام الحسين (يوم عاشوراء وهو العاشر من شهر محرم)، بينما تجدهم يحتفلون يومها بعيد لليهود اسمه عيد الكفَّارة، بل ويصومون فيه كما يصوم اليهود، ويعزون ذلك إلى أنه سُنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان يصومه، بينما لا يدرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقلع عن ذلك الصوم حين افترض الله على المسلمين صوم شهر رمضان، وذلك رغم أنف من يزعمون بأن النبى صلى الله عليه وسلم قال [لئن عشت إلى قابل لأصومن تاسوعا]، وهو الأمر الموجود بكتب الصِّحاح عندهم،  لكن غلبت عليهم عادتهم فهم لا يرون إلا بمنظار الأجداد مهما كان أسود، (راجع كتابنا كيف كان خُلُقُه القرآن موضوع إفطار عاشوراء هو السُّنة وليس صيامه ص170).
 
نعم لقد صام رسول الله يوم عاشوراء، وقد يكون قال لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر، لكن ذلك لم يحدث، ليس لأنه تُوفِّى لكن لأن الوحى الإلهى نزل بصوم رمضان الفريضة، فأقلع النبى عن صوم عاشوراء، وهو ما يتفق عقليا مع ما جاء بكتب الصحاح، لكن اليهود أو بنى أُميَّة دسُّوا علينا قول من قال: (فلم يأت العام التالى حتَّى توفى رسول الله) حتى يجبرونا على الصوم معهم فى يوم صومهم، أو حتَّى لا نتذكَّر فضائح بنى أُميَّة مع أهل بيت رسول الله، ونخالف فى كل حال سُنَّة نبينا، بينما ندَّعى أننا على السُّنة.     
 
   بل لم ينته الأمر عند هذا الحد، ففى مثل هذا اليوم من كل عام بينما الشيعة فى حزن شديد، ترى أهل السُّنة يأكلون طبق حلوى فى يوم استشهاد الإمام الحسين، يسمُّونه (عاشوراء)، وهو عبارة عن قمح وسكَّر ويُزيِّنوه بالزبيب والياميش، ويقولون إن هذا يوم أنجى الله فيه موسى ومن معه من فرعون وجنده، ولست أدرى لم لا يحتفلون بنجاة أبى الأنبياء جميعا من النَار؟، ولم لا يحتفلون بنجاة نوح ومن آمن معه من الغرق؟.
 
إن الذين يدورون حول الحقائق ليضلُّوا السبيل بابتعادهم عن مودَّة واجبة لأهل البيت، والذين يظهرون امتعاضهم من مغالاة الشِّيعة فى إبراز الحزن لاستشهاد الإمام الشهيد الحسين يوم عاشوراء، لن يستطيعوا الوقوف أمام المولى ـ عزَّ وجل ـ حين يسألهم عن عدم إبرازهم فريضة المودَّة لأهل بيت رسول الله والواردة بكتابه، ولن يستطيعوا مواجهة رسول الله الذى أوصى بكتاب الله، وأوصى بعترته أهل بيته، ولن تسعفهم ثقافة وفقه بنى أميَّة فى أنهم يقيمون سُنَّة الاحتفال بنجاة موسى ـ عليه السلام ـ من فرعون وجنده.
 
فأداء السنن لا يتم بطول اللِّحية ولا بالسواك والجلباب، ولا تسقط الفرائض بالتَّمسُّح بالسُّنن واتِّباع المذاهب المتناحرة، والإيمان لا يكون بإبراز الكراهية للشيعة تارة وللصوفية تارة أخرى، ولليهود مرة وللنصرانية مرّات، فما أرى ذلك إلا فقه الكراهية باسم التَّديُن.
 
إن فقه الكراهية وثقافة التَّخاصم لا تصلح عنوانًا ولا مضمونًا لمسلم يتبع نبيا، أرسله الله رحمة للعالمين. 
 

 
 
فى ذكراها يكون سُنَّة من سنن الفطرة لمن كان يحمل المودَّة لأهل بيت النبي، وقد يتعجَّب القارئ من كلمة سُنَّة، لكنك إن وقفت على تحليل الأمر فستتحقق من سُنيَّتها وهو ما أوجزه فى نقاط أربعة:-
 
1- بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحسين يوم مولده حين جاءه جبريل بما سيكون من استشهاده، وتقبيله صلى الله عليه وسلم لجسده كلَّه، وحين سُئل فى ذلك قال: أُقبِّل مواضع السيوف فى جسد ابني، وما كان من أمر إعلامه لأبيه على بن أبى طالب بالأمر.
 
2- بكاء السماء والأرض على فراق وموت الصَّالحين وهى فطرة استودعها الله فيهم وهو الأمر المُستفاد من عدم بكائهم على الطَّالحين والكافرين، وفى ذلك يقول تعالى:- {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ}الدخان29؛ بما يعنى أن بُكاء السَّماء والأرض على الصالحين من السُّنن الإلهية فى الكون.
 
3- من البديهى أن الله فطر النَّاس على البكاء حين فراق الأحبَّة، فإذا كنت ممن يؤدُّون حق المودة الواجبة لأهل بيت النبي، وتنفِّذ عمليًا أمر الله فى ذلك الشأن، فلا شك أن الفطرة ستغلبك، وستبكى الحسين وأهل بيت النبوَّة، الذين قتلتهم سيوف الغدر، بينما أصحابها يظنون أنهم على الإسلام، والحقيقة أنهم فى النار يذوقون عذابًا عظيما كما ورد فى قوله تعالى:- {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93.
 
4- بكاء يعقوب ـ عليه السلام ـ على فراق ابنه يوسف رغم يقينه بأنه حى يُرزق وبلغ به البكاء حد العمى، وكان الجاحدون يلومونه على تلك الأحاسيس، وهو ضمن ما قصَّه الله علينا فى أحسن القصص بالقرآن حيث يقول:- {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ{84} قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ{85} قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{86} }.
 
 
 ولم يكن يعقوب عليه السَّلام معترضًا على قضاء الله بانتحابه البكاء لكنها الأحاسيس والمشاعر وفق اليقين والإيمان، والقلوب معادن فمن كان له قلب فهو يتحسس به، ومن كان فى قلبه صمم فأنَّى له أن يشعر!؟.
 
إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال فيما بشَّره به جبريل عليه السَّلام:- [الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنَّة]، رواه أحمد فى مسنده والحاكم فى المستدرك والترمذى وابن ماجه وأبو يعلى وغيرهم، ويعنى الأمر أنهما لن يكونا سيدين فى الآخرة إلا إذا كانا سيدين فى الدنيا، لأن درجات الجنة تكون نتيجة لأعمال الدنيا لقوله تعالى:- {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} البقرة281؛ ويقول تعالى:- {لِيَجْزِى اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }إبراهيم51؛ ويقول جل فى علاه:- {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الزخرف72.
 
  فتخليد ذكرى الحسين ليس بمعصية، لكن المعصية تلحق بمن يفرحون فى ذكرى مقتله، ويقولون نفرح بآخرين من الملل الأخرى، ولو كان رسول الله حيًا ما كان أقام الاحتفالات التى يندى لها جبين الأحاسيس ومشاعر المهتمين بأداء فرائض الله، وما أريد من المسلم إلا عقلا يعى به الأمور، ويزن به الحقائق.
 
إن استمرار فرح أهل السُّنة فى ذات يوم ذكرى قتل الحسين واستشهاده الذى هو يوم حُزن عند الشِّيعة، يُزيد هوّة التباعد بين أهل الإسلام، وكل من يحتفى أو يفرح فى هذا اليوم إنما يُقيم سُنَّة طمس هويَّة فريضة، كان يجب أن تكون فى أوجها فى تلك الذكرى من كل عام (فريضة المودة فى قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
 
وإذا ما كانت هُوَّة التباعد ستضيق بين الشِّيعة والسُّنة إذا ما تنازل أهل السُّنة عن الاحتفال بهذا اليوم، ألا يكون ذلك أقل ثمن لأعظم هدف (وحدة أهل الإسلام)؟.
 
وإذا ما كان الشِّيعة يقومون بالمبالغة فى الحزن فإن مرجع ذلك عند أهل السُّنة الذين يقيمون الاحتفالات بذات اليوم، ولو سارت الأمور فى نصابها الصحيح عند أهل السُّنة ما تواجد المُبالغون من الشِّيعة على ساحة الأحداث.
 
فالمبالغة فى الحزن ليست هى لُبّ القضية، إنما تكمن القضية فى إقامة الأفراح والاحتفالات والسُّرادقات فى يوم ذكرى مقتل ابن بنت رسول الله......أفلا نستحي؟!، ومتى سنساهم فى وحدة الأُمَّة إن لم نساهم فى يوم تلك الذكرى الأليمة؟.
 
إن وحدة الشُّعور تخلق وحدة الهدف، فلابد أن تستيقظ الأمَّة، ولابد لعلمائها من قيام فى سبيل اتحاد هو من الفرائض أيضًا.