الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأبنودى.. والعدالة الاجتماعية

الأبنودى.. والعدالة الاجتماعية
الأبنودى.. والعدالة الاجتماعية




كتب: عاطف بشاى

مش ناصرى ولا كنت فى يوم وبالذات فى زمنه وف حينه / لكن العنف وفساد القوم / نسانى حتى زنازينه / فى سجون «جمال عبدالناصر».
عمره ما جاع فى زمانه فقير  / أو ملتقاش دوا للعلة / دلوقتى لعبة «اخطف طير» / والأمة فى خدمة شلة / تكره «جمال عبد الناصر»
دلوقتى رجعوا الفقرا خلاص / سكنوا جحورهم من تانى / رحل معاك زمن الإخلاص / وجه زمن غير إنسانى /  ماهوش زمن «جمال عبد الناصر»
هذه بعضًا مما أسماه «عبد الرحمن الأبنودي» مواويل وتناتيش للذكري، لكن «ناصر «الغلابة» وصديق الفقراء والمعدمين الذى رسم صورة ملحمية للمواطن المصرى البسيط والمهمش استطاع أن يحقق جماهيريته العريضة من الشعر يغطى بمظلته الشعرية وأبياته الصادقة النابضة بالحب الفياض كل مشروعه وكل رحلته الفياضة والمبهرة، التى كرسها يخاطب الذين يشبهونه ويشبهون لون الأرض المصرية الطيبة بكل عطائها الوفير وبكل حدبها فى الأوقات الصعبة، ففى قصيدة «الأحزان العادية» التى اكتشفها الشباب المصرى قبل الثورة بوقت ليس بالقصير ووضع على هواتفه مقاطع منها تحكى عن البوليس وتعامله القاسى مع الثوار، وأساليب التعامل القمعى مع من يقع تحت أيديهم من المعتقلين أو المتظاهرين أو المعتصمين والتى كتبت منذ أكثر من ثلاثين عامًا تعكس تجربة شخصية فى إحدى زنازين القلعة فى حالة الحبس الانفرادى والتى انعكست نفس التجربة فى قصيدة «ضحكة المساجين» وها هو وسط أصدقاء القهر يردد:
بصيت وحاسد نفسى بين خلانى / تعالوا شوفوا الدنيا مكانى / حاشتنا أغراض الحياة عن النظر / بالرغم من نبل الألم والانتظار / اتعلمنا حاجات أقلها الحذر / ونمنا سنوات مدهشة / نحلب ليالى حلمنا المنتظر / وامتلأت الأسواق بالمراكب / تبيع صديد الوهم والمراكب / وفارشة بالوطن على الرصيف / بالفكر والجياع والعناكب ومذلة الرغيف.
وبنفس التعاطف مع الصديق والأخ وابن الخال وابن العم المقهور فى زمن الهزيمة على خط النار وعلى الجبهة.. الصلب العنيد فى بناء السد العالى.
وفى قصيدة «الاسم المشطوب» والتى يقول إنه كتبها أثناء علاجه فى مستشفى بباريس وهو يعانى من عدم القدرة على امتلاك قواه بالكفاءة التى تسمح بوعى فى حجم القصيدة.. ولكن إلحاح «عبد العاطى صائد الدبابات ومحاصرة صورته له فى ليلة بعد ليلة أجبره على كتابة القصيدة على مناديل ورقية ونسيها حتى فوجئ بها بعد عودته وقد نشرت فى «المصرى اليوم» وهى ترثى بطولة جندى أكتوبر البسيط الفقير الوطنى الكبير الذى سرق انتصاره السفلة واللصوص وسارقو الأوان وقراصنة اللقمة والدواء الذى رحل «عبد العاطي» دون أن يجده.. لم تستثن القصيدة منهم أحدًا.
إن مشروع عبد الرحمن الأبنودى الذى يشاركه فيه أحمد فؤاد نجم الذى يضع «العدالة الاجتماعية» عنوانًا عريضًا له والذى يتماهى مع مشروع جمال عبدالناصر تتجلى ارهاصاته بأوضح ما يكون فى أشعارهما التى تكرس الشعور بالفوارق الطبقية نتيجة الثراء الفاحش فى مقابل الفقر المدقع والتناقض الحاد بين قاهرة الفقراء الذين يعيشون بالملايين فى العشوائيات والمقابر تحت مستوى الفقر وبين قاهرة أخرى ينعم فيها اللصوص بنهب ثروات الوطن وأراضيه، هذا التناقض كان المقدمة المنطقية للثورة وليس أدل على ذلك من أن الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فى الميدان هم أبناء البسطاء الذين يحلمون بالعدالة الاجتماعية، وهى أهم أهداف تلك الثورة التى حاول الكثيرون من المتحذلقين والمثقفين، الحنجوريين، إضاعة ملامحها وتغيير مسارها فى حوارات وطنية عقيمة ترفع لافتات وشعارات أخرى ملتهبة ومتداخلة.
وتجرى فى النهر مياه كثيرة، وتتوالد الائتلافات المتنافرة وتتناحر القوى السياسية من أحزاب ونخبة وجبهات وتكتلات وطنية ومذهبية، تتناحر تناحرًا مقيتًا تحكمه مصالح متباينة وأهداف متضاربة ومطامع صغيرة ومخزية.
وما أن نصل إلى حكم الإخوان حتى يتأكد ذلك التراجع المزرى عن تحقيق أهداف الثورة وأحلام البسطاء، وتأتى ثورة 30 يونيو لتزداد أوضاع الفقراء بؤسًا وشقاء لزيادة البطالة والكساد وتراجع وتراجع التنمية فيقول الأبنودى عواجيز شداد.. مسعورين أكلوا بلادنا أكل / ويشبهوا بعضهم.. نهم وخسة وشكل /طلع الشباب البديع قلبوا خريفها ربيع / وحققوا المعجزة / صحوا القتيل من القتل.
غاب الأبنودى بعد أن اطمأن إلى الحكم الجديد وإلى سعى «السيسى» للتحرك فى اتجاه العدالة الاجتماعية التى لم تحقق بعد.. لكن مشاريع التنمية تحاول أن تبعثها من جديد.
غيبه المرض  كان يود أن يصافحهم بصفته سفير الفقراء ومندوبهم الدائم ولسان حالهم فردًا فردًا فى الأزقة والحوارى والمقاهى.. وكل العشوائيات وتقاسم معهم اللقمة وشاركهم العناء والغناء فى الميدان كما شاركهم شظف العيش، ورقة الحالة فوضعوه فى حدقات العيون وأشعلوا بأشعاره الدنيا كلها.
لكن خلاص يا وطن / صحيت جموع الخلق / قبضوا على الشمس بأيديهم / وقالوا لا / م المستحيل يفرطوا عقد الوطن تانى / والكدب تانى محال يلبس قناع الحق.