الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قراصنة المتوسط تركيا.. تنهب الغاز القبرصى وتهدد أمــــــــــــــــــــــــن الطاقة العالمى

قراصنة المتوسط تركيا.. تنهب الغاز القبرصى وتهدد أمــــــــــــــــــــــــن الطاقة العالمى
قراصنة المتوسط تركيا.. تنهب الغاز القبرصى وتهدد أمــــــــــــــــــــــــن الطاقة العالمى




يبدو أن النظام التركى لا يزال على عناده فى انتهاك جميع القوانين الدولية وحقوق الدول المشاركة له فى الحوض الشرقى للبحر المتوسط، فبالرغم من التزام مصر وقبرص واليونان ولبنان وإيطاليا وإسرائيل، باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، إلا أن تركيا قررت انتهاك هذا القانون الدولى وبدأت فى تهديد الأمن والسلم فى شرق المتوسط، عبر التحرش والقرصنة على الحقوق القبرصية فى مياهها الاقتصادية الإقليمية، وهو ما أدى إلى ظهور حالة صراع جديدة يمكن أن تؤثر على أمن الطاقة العالمى الذى يعتمد على الحفاظ على استقرار الدول المصدرة، وعدم قيام نزاعات تؤثر على توريد الغاز للدول المستوردة.

التحرش التركى بالحقوق القبرصية


ففى مايو 2019، قامت تركيا ودون أى سند دولى بمنع شركات متعاقدة مع قبرص من التنقيب عن الغاز الطبيعى فى مناطق داخل حدودها البحرية، وإرسال سفنها البحرية المدنية بغرض الاستكشاف أو التنقيب أو الحفر للغاز، ويرافقها بارجات ومدمرات حربية مسلحة فى سابقة تركية خطيرة.
«تركيا»، تقوم بذلك رغم أنها الدولة الوحيدة التى لم تعين حدودها البحرية حتى الآن فى شرق البحر المتوسط، كما تزعم أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، ليست ملزمة للأتراك لأنها لم تكن طرفًا فى هذه الاتفاقية ـ وهو قول مردود عليه ـ حيث إن القانون الدولى للبحار لا يقتصر على هذه الاتفاقية وحسب، ولكن أيضًا يعتمد على اتفاقية جنيف لعام 1958، فضلاً عن العديد من الممارسات الدولية التى تعد عرفًا دوليًا بحريًا تم تقنين معظمه فى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
«الحكومة التركية»، تدعى أن عمليات التنقيب والاستكشاف والحفر التى تنتهجها فى المناطق البحرية القبرصية أو اليونانية تتم بشكل شرعى، بزعم أنها مناطق بحرية تخضع للسيادة التركية أو ما يسمى بـ«قبرص التركية»، والتى لا تعترف بها أى دولة فى العالم إلا تركيا ذاتها، وهى إشارة أخرى لمحاولة التنصل من عملية القرصنة، لأنه ووفقًا للتصريحات التركية فهى لا تعلم لمن تعود السيادة الفعلية فى المناطق التى تنقب فيها لأن «قبرص التركية» لم توقع أى اتفاق مع جيرانها، وبالتالى تجهل تركيا من هى الدولة صاحبة الولاية أو السيادة الفعلية على المناطق البحرية التى تنقب وتستكشف وتحفر السفن التركية فيها.
«أنقرة»، تتحدث عن امتلاكها لتقسيم خاص بها للحدود البحرية القبرصية، لم تودعه بالأمم المتحدة يستقطع مساحات من المياه الإقليمية القبرصية، ما يوحى باستمرار الأزمة حيث إن تركيا لا تستند إلى أى أسس قانونية لإعلان التنقيب عن الغاز والنفط بمياه البحر المتوسط، فيما تستند قبرص وهى عضو فى الاتحاد الأوروبى على اتفاقيات ترسيم حدود التى وقعتها مع كل من مصر وإسرائيل ولبنان، ومنها تستمد قوتها والدعم الدولى لموقفها.
التحركات التركية، أشعلت الصراع على الغاز فى شرق المتوسط، فهى الدولة الوحيدة التى تتصرف بصورة منفردة، رغم اتجاه دول تلك المنطقة للتعاون كما هو الحال مع تكتل الغاز الثلاثى فى شرق المتوسط بين مصر واليونان وقبرص، والذى من المتوقع أن يتسع ليشمل لبنان والأردن.

تهديد الأمن والسلم الدوليين


تصرفات «تركيا»، تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن والسلم الدوليين بلجوئها للتهديد العسكرى وعمليات القرصنة على حقول الغاز شرق المتوسط، فضلاً عن انتهاكاتها الصارخة لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، التى دخلت حيز النفاذ فى عام 1994، وتكمن المخالفة التركية فى أنها دولة ساحلية تطل على بحار دولية ومن ثم فهى معنية بالأحكام الواردة بالاتفاقية، خاصةً النص على «إلزامية تعيين العلامات البحرية المحددة لبحرها الإقليمى، والمنطقة الاقتصادية الخالصة لها، وكذا تعيين الحدود البحرية مع كل الدول المتجاورة والمتقابلة معها قبل الشروع فى عمليات التنقيب».
«القانون الدولى»، كشف أن تركيا لم تقم بتحديد النقاط والعلامات المحددة لحدودها البحرية، وإيداعها مشفوعة بالخرائط الهندسية لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، مؤكدًا أن من أوجه المخالفة التركية أن أنقرة أيضًا لم تنضم للاتفاقية، وعلى الرغم من عدم الانضمام إليها فإن تركيا تعد ملتزمة بجميع الأحكام الواردة بها، لكون الاتفاقية دولية مقننة لأعراف راسخة عامة ملزمة للدول كافة.
دول شرق المتوسط «مصر واليونان وقبرص»، وهم أطراف موقعة ومصدقة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، قاموا بتحديد العلامات والنقاط المحددة لحدودهم البحرية وأودعوها ضمن الخرائط الفنية لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة.

ردود الأفعال الدولية

المجتمع الدولى آدان التهديدات التركية، حيث أكدت «الولايات المتحدة الأمريكية» قلقها البالغ إزاء نوايا تركيا البدء فى عمليات تنقيب فى منطقة تقول قبرص إنها تابعة لمياهها الاقتصادية الخالصة، فيما قالت وزارة الخارجية الأمريكية: «إن هذه الخطوة بالغة الاستفزاز، وتهدد بإثارة التوترات فى المنطقة»، محذرة السلطات التركية من العبث فى المياه الإقليمية للدول المجاورة لها، بل وطالبت تركيا بوقف هذه العمليات وجميع الأطراف المهنية بضبط النفس فى تصرفاتهم.
«الاتحاد الدولى»، هو الآخر استنكر التحرشات التركية، حيث أعربت المنسقة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، فيديريكا موجيرينى، عن «قلقها الشديد» إزاء اعتزام تركيا التنقيب داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، داعية أنقرة إلى «التحلى بضبط النفس واحترام الحقوق السيادية لقبرص فى منطقتها الاقتصادية الخالصة، والامتناع عن الأعمال غير القانونية التى «سيرد» عليها الاتحاد الأوروبى «بشكل مناسب وفى تضامن تام «مع قبرص».
أما بالنسبة لـ«مصر»، فبعد إعلان القاهرة لمنتدى غاز المتوسط، أصبح أى آمر يزعج دولة من دول المنتدى يزعج باقى الدول، ولذلك تضامنت كل الدول الأعضاء فى المنتدى مع قبرص، وكانت مصر أول الدول القلقة من خطورة ما تقوم به تركيا من تحرش بالحدود القبرصية وعمليات تنقيب غير شرعية، محذرة فى بيان لوزارة خارجيتها من انعكاس أية إجراءات أحادية تقوم بها تركيا على الأمن والاستقرار فى منطقة شرق المتوسط، مؤكدة ضرورة التزام كل دول المنطقة بقواعد القانون الدولى وأحكامه.
الموقف المصرى من الصراع

«الاحتياطات المصرية»، تربعت على عرش قائمة احتياطات استراتيجية ضخمة من الطاقة فى منطقة شرق المتوسط، التى تبلغ فى مجملها نحو 122 تريليون قدم مكعب، وسعت مصر للاستفادة من هذه الموارد بشكل يتفق مع مقررات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية التى دعت إلى توقيع اتفاقيات بين الدول قبل بدء عمليات التنقيب للحد من النزاعات والصراعات الناشئة عن الصراع على الموارد الطبيعية وتعزيز فكرة التفاوض والتعاون بين الأطراف.
بناءً على ما سبق وقعت «القيادة المصرية» على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصریة القبرصية، فى 17 فبراير 2013 ببن حكومتى البلدين، كما دخلت الاتفاقية حیز النفاذ فى عام 2014، حیث عینت المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بالدولتين وفقًا لقاعدة خط المنتصف، والذى حددته الاتفاقية فى البند الثانى من المادة فى ثمانى نقاط إحداثية جغرافية، والزمت كلا الطرفين عند الدخول فى أى مشاورات مع طرف ثالث لتعیین الحدود البحرية الإبلاغ والتشاور مع الطرف الآخر، ولا يمكن لأى طرف أن ينازع فى قانونيتها، فى ظل اتساق الاتفاقية مع قواعد القانون الدولى وإيداعها كاتفاقية دولية فى الأمم المتحدة.
الاتفاقية «المصرية القبرصية»، جاءت فى شأن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مستندة بشكل كامل على نصوص وأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتى وقعت وصدقت عليها الدولتان، حيث اعتبرتها الدولتان بمثابة المرجعية الفنية والقانونية لاتفاقيتهما المشتركة، والتى حددت كل منهما نقاط الأساس الخاصة بها استنادًا إليها، فحددت مصر تنفيذًا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة، ثلاثًا وخمسين نقطة أساس تم إيداعها لدى الأمين العام للأمم المتحدة عام 1991، كما حددت قبرص سبعًا وخمسين نقطة أساس تم إيداعها لدى الأمين العام للأمم المتحدة عام 1996، وأودعت كل من الدولتين نقاط أساسها هذه مدعومة بالخرائط البحرية ذات الصلة، ولم يعترض على أى من هذه أو تلك أية دولة من دول العالم الأعضاء فى المنظمة الدولية على الإطلاق.
كما مرت الاتفاقية المصرية القبرصية بجميع مراحل إبرام المعاهدات التى حددتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون المعاهدات لعام 1969، واستقرت عليها الممارسة الدولية، فتم التفاوض حولها من جانب السلطات السياسية والفنية المختصة فى الدولتين، ومرت خطوات التوقيع عليها بمراحل عديدة عبر القنوات الدبلوماسية بكلتا الدولتين، ووفقًا لخطوط الأساس التى أودعتها كل من الدولتين لدى الأمين العام للأمم المتحدة فى عامى 1991 و1996 على التوالى، كما تقدمت الإشارة دون أدنى اعتراض من جانب أية دولة على هذه النقاط، وقد دخلت الاتفاقية حيز النفاذ بعد تصديق السلطات المختصة عليها فى كل من الدولتين والإعلان عنها فى الجرائد الرسمية فيهما.
وبذلك استوفت الاتفاقية المصرية القبرصية جميع الشروط الشكلية والموضوعية لصحة الاعتداد بالمعاهدات الدولية بموجب اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية لعام 1969، فضلاً عن قيام الدولتين بتعيين علامات ونقاط المحددة لحدودهما البحرية وأودعتها لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة مشفوعة بجميع الخرائط الفنية، ثم قيام الدولتين بعد ذلك بتعيين حدودهما المتقابلة وفق مبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وبذلك دخلت الاتفاقية المصرية القبرصية تحت حماية القانون الدولى، وأصبح من حق مصر وقبرص استغلال حقوقهما الاقتصادية فى المنطقة الخالصة لهما فى المتوسط، وأصبح لهما الحق فى الدفاع عن هذه الحقوق بالوسائل كافة.
التعاون الاستراتيجى بين «مصر وقبرص واليونان»، والقائم على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولى، تحول إلى صخرة فى مواجهة التصرفات التركية غير المسؤولة، ومصر ليست وحدها فى اتفاقيات ترسيم الحدود مع قبرص، فهناك كل من لبنان الذى وقع اتفاقية عام 2007، وأيضًا إسرائيل التى وقعت فى أكتوبر 2010 اتفاقية تحديد الحدود البحرية مع قبرص.

مكاسب ترسيم الحدود البحرية


تعددت مكاسب «مصر» من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، فبعد إعلان المزايدة العالمية للغاز فى البحر المتوسط عام 2014 عقب ترسيم الحدود مع قبرص، تم اكتشاف حقل ظهر فى منطقة شروق البحرية فى أغسطس 2015، هذا بالإضافة إلى إصدار قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز، وإنشاء جهاز تنظيم الغاز وصدور اللائحة التنفيذية ‏للقانون، مما يتيح مرونة فى سوق الغاز الطبيعى ‏بمصر، وسيتيح خيارات متعددة فى توفير الغاز للمستهلكين بالسوق المحلية لدفع النمو ‏الاقتصادى الذى يعد خطوة رئيسية نحو إعادة تنظيم سوق الغاز فى مصر بصورة تدريجية.
«المكاسب»، شملت أيضًا توقيع الاتفاق بين مصر وقبرص فى العاصمة القبرصية نيقوسيا فى سبتمبر 2018، بإقامة خط أنابيب بحرى مباشر بين البلدين لنقل الغاز الطبيعى من حقل أفروديت القبرصى إلى مصانع إسالة الغاز بمصر على ساحل البحر المتوسط لإسالته، وإعادة تصديره عبر مصر إلى الأسواق العالمية المختلفة، علاوةً على اتفاق رؤساء مصر وقبرص واليونان فى قمة كريت فى أكتوبر2018، على إنشاء منتدى للغاز لدول شرق المتوسط تكون القاهرة مقرًا له، بحيث يضم الدول المنتجة، والمستوردة للغاز ودول العبور بشرق البحر المتوسط.
«مصر»، حققت أيضًا 18 كشفًا للغاز لعام 2018، لتسهم فى زيادة إنتاج واحتياطيات الدولة، كما أنها انتهت من تنمية مراحل جديدة لزيادة إنتاج الغاز الطبيعى من 4 حقول كبرى فى البحر المتوسط، ووضعها على خريطة الإنتاج عام 2018، وهى حقول ظهر وشمال الإسكندرية ونورس وآتول.
وفى يناير 2019 غيرت مصر خريطة تجارة الغاز الطبيعى، بفضل إنتاجها المبكر من حقل ظهر، وهو الأكبر من نوعه فى المنطقة وفقًا لشركة الطاقة الإيطالية «إينى»، وتزامن ذلك مع ظهور إعلان القاهرة التأسيسى لمنتدى غاز شرق المتوسط، من جانب وزراء البترول والطاقة بسبع دول من دول شرق المتوسط وهم وزراء الطاقة فى قبرص واليونان وإيطاليا والأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر، ويعد اختيار مصر كمركز للمنتدى دليلاً على قوتها وتأثيرها فى المنطقة، والاعتراف بأنها محور الإقليم وتملك العديد من الإمكانيات الكبيرة، من خطوط ربط بالدول الإقليمية، وشبكة ضخمة داخلية تربط الشمال بالجنوب وشرق البلاد بغربها، بالإضافة إلى أنها الدولة الوحيدة بين الدول الأعضاء التى تملك بنية تحتية تضم وحدتين لإسالة الغاز «مصنعى أدكو ودمياط» بطاقة استيعابية تصل لـ4.1 ملايين طن سنويًا من الغاز بكل وحدة، أى بمعدل 1.35 مليون قدم مكعب يوميًا، كما أنها ثانى أكبر احتياطى من الغاز الطبيعى بحوض البحر المتوسط على مستوى العالم، وهى أيضًا الدولة الوحيدة بين الأعضاء التى تملك ممرًا ملاحيًا عالميًا يصل بين قارات العالم وهو «قناة السويس».