الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أجساد نابضة برجاحة الرقص..!

أجساد نابضة برجاحة الرقص..!
أجساد نابضة برجاحة الرقص..!




هند سلامة

«قلبى» اسم أحدث عروض المخرجة والمصممة وعازفة الإيقاع صابرين الحسامى، صراع طويل دائم بين الاستجابة لمشاعر القلب أو رجاحة العقل اختارت صابرين تقديمه فى أولى أعملها الإخراجية على خشبة مسرح الفلكى، برغم ما قد يوحى به العرض من تأويلات مختلفة ومغايرة للتأويل الأساسى الذى قصدته المخرجة،

 فقد تقرأه على أنه صراع بين جيلين الأم وأبنائها أو بمعنى آخر بين عاطفة الأمومة وتهور الأبناء لصعوبة السيطرة عليهم وبالتالى تتصرف الأم دائمًا بحسب مشاعر قلبها وعاطفتها، فقلب الابن ينبض من رحم الأم وأول إشارة لحياة الطفل دقات قلبه التى يسمعها الطبيب فى لحظة قدومه للدنيا أو ربما تقرأه كاختزال لصور العلاقات الإنسانية التى تسيطر عليها الأفكار المشوشة بدلا من عواطف ومشاعر القلب كل هذه التأويلات مفتوحة ومتاحة لكل من أراد التفكير وترجمة رموز العرض الراقص الذى مزج بحرفة شديدة بين الإيقاع وحركات الجسد والموسيقى.
إدراك وظيفة القلب

بينما كان لصابرين وصف آخر لعملها الراقص  الذى تراه بالدرجة الأولى صراع الإنسان فى مدى إدراكه لأهمية ووظيفة قلبه وعقله فى الإستجابة للمواقف الحياتية ترى صابرين أن المرأة أكثر شعورًا بالخطر من الرجل والأعلى إحساسًا لأنها تغلب أحكام قلبها على عقلها وتؤكد من خلال بحثها وقراءتها الكثيرة عن وظيفة القلب علميًا التى لا تتوقف عند ضخ الدم للجسد بينما هو مسئول عن منح إشارات للجسد فى اتخاذ قرارات مصيرية متعلقة بالحياة والموت قد يتخذ الإنسان قرارات صحيحة عن طريق الاستجابة لحدس قلبه وفى هذا العرض استعرضت صابرين من خلال تصميمات حركية مختلفة صراع القلب والعقل معا والتى تمثلت فى صراع انثوى حرصت فيه أن تكون بطلتى العرض اثنتين من النساء فى إشارة أخرى إلى أن حدس المرأة المستجيب لقلبها دائمًا لا يخطئ كما يشيع عنه مجتمع الرجال فدائمًا يتميز الرجل فى رجاحة عقله عن المرأة وفى حكمه على الأمور فهو من يجنح إلى استخدام أسباب واقعية وعقلانية دائمًا فى حين أن المرأة قد تحركها عاطفتها تجاه الأشياء وليس عقلها وبالتالى تصنف المرأة دائمًا فى المجتمعات الذكورية بأنها الكائن غير القادر أو مؤهل لاتخاذ قرارات مصيرية فى حياتها وفى حاجة دائمًا لرجل يرشدها.
المصالحة

دعت المخرجة هنا إلى المصالحة والمواءمة بين رجاحة العقل ونبضات القلب فى البداية وبعد مرور لحظات الولادة الأولى والتى يلعب القلب فيها الدور الأكبر فى تشكيل وعى وإدراك الطفل للأشياء ثم مرحلة نضجه ووعيه وهى مرحلة استخدام عقله ارتدت الراقصتان أزياء واحدة بينما اختلف لون كليهما الأولى أو رمز القلب ارتدت لونًا أحمر بينما رمز العقل ارتدت اللون الأسود وكلاهما وجهان لعملة واحدة فكل منهما تشكل إنسانًا واحدًا يمتلك العقل والقلب لكن الأخيرين غير متفقين على الدوام ويسعى أحدهما لجذب الآخر إلى أرضه كى يأتمر بأمره إلى أن يثور العقل ثورة كبيرة وينهض مظلمًا تاركًا القلب وحده بينما لا يزال القلب يدعوه للوئام والمصالحة كى تكتمل هذه العلاقة الشائكة المسئولة عن إرشاد جسد بأكمله، تؤكد صابرين فى أحاديثها.. «أنها لجأت لتقديم هذا العرض بسبب الدكتور مجدى يعقوب الذى يمثل لها قلبًا كبيرًا استطاع احتواء الجميع فهو لا يبخل بعلمه وطبه فى معالجة أحد وهذا الرجل كان ملهمى الأول لهذا العمل الفنى».
استخدمت الحسامى نغمات متنوعة من الإيقاع فى لعب الموسيقى المصاحبة للعرض فى البداية لعبت على آلة الدوف والتى تعتبر أشد وأقوى صوتا فى عزف إيقاع يوحى بنبضات القلب الأولى التى يسمعها المولود فى بطن أمه قبل خروجه للعالم وبعد خروجه تبدأ نبضات قلبه التى تمنحه أنفاس الحياة؛ ثم استخدمت الطبلة وآلة أخرى صغيرة تدعى «كالمبا» وهى آلة إفريقية عزفت صابرين بها بأسلوب العزف الإيقاعى حيث أعادت استغلال هذه الآلة التى تحتوى على نغمات ميلودى أو السلم الموسيقى بشكل أكبر من الإيقاع لكنها فكرت كما أشارت فى إمكانية استغلالها بالعرض كآلة إيقاعية.
تحرير الرقص المعاصر

انفرد هذا العمل بتقديم شكل مغاير ومختلف لفن الرقص المعاصر حيث تحرر العرض وبشدة من الشكل التقليدى الذى مازال يقدم عليه الرقص المعاصر وخرج من إطار الحبس فى حركة الباليه التى مازالت تسيطر على بعض ممارسى هذا الفن؛ إلى شكل أرحب وأكثر مرونة فى توظيف وتطويع الجسد لفكرة العرض وليس العكس تطويع الفكرة على مفردات حركية ثابتة لا تتغير بتغير محتوى العرض، استطاعت صابرين ومعها شيرين حجازى وسارة جبر تقديم رؤية أخرى وشكل مغاير بمزج حركات من الرقص الشرقى بالرقص المعاصر ليخرج نتاج جديد ومختلف يساهم وبشدة فى دفع الرقص المعاصر خطوة جديدة للأمام وتحرره من النماذج التقليدية التى باتت بعض الفرق تحتفظ بها حتى اليوم، «قلبي» نموذج لتحرر الجسد لخدمة الفكرة وقطعة موسيقية إيقاعية بديعة قدمتها الحسامى على انغام آلات إيقاعية متنوعة الدوف والطبلة والكالمبا لتؤكد صابرين على شدة تمكنها من اللعب على الطبلة التى أصبحت رفيقة دربها ومعبرها الأول عن كل ما يجيش بصدرها كامرأة صاحبة هم وقضية بآلتها المفضلة بينما كان للأغانى المصاحبة للعرض فى فواصله توظيف غير دقيق إلى حد كبير فلم يكن من الضرورى إقحام بعض المقاطع المغناة على الرقص التى لم تضف إليه بقدر ما ساهمت فى تشتيت انتباه المشاهد عن متابعة الرقص، «قلبى» تأليف موسيقى شهير ماجد وشاركها بالرقص والتصميم الحركى شيرين حجازى وسارة جبر حلمي، ديكور صابرين الحسامى وإضاءة نانسى إسكندر.