26 يونيو 2019 - 45 : 14
رئيس مجلس الإدارة
عبد الصادق الشوربجي
رئيس التحرير
احمد باشا

«انا كارنينا» راقصة على قضبان الحب والموت!

«جميع العائلات السعيدة متشابهة، لكن العائلات غير السعيدة تختلف فى أسباب بؤسها»..جملة استهل بها الروائى الروسى ليو تولستوى روايته الأشهر «آنا كارنينا»؛ بين التعاطف والإدانة أو الشجاعة فى الدفاع والإعتراف بقصة حب ربما تبدو غير أخلاقية لإمرأة هربت من منزل زوجها وابنها تاركة كل شيء من أجل أن تحيا فى سعادة وعزلة مع حبيبها بعيدا عن أعين المتطفلين، دارت أحداث رواية  «آنا كارنينا» الرواية الأشهر لمؤلفها ليو تولستوى الذى تناول فيها تفاصيل الحب والخيانة واضطراب المشاعر الإنسانية بينهما وتعتبر من أجمل وأعرق قصص الحب التى نالت إعجاب الجميع سواء فى نسختها السينمائية الأجنبية أو المصرية فى فيلم «نهر الحب» للمخرج عز الدين ذو الفقار وبطولة فاتن حمامة وعمر الشريف يعد اليوم من كلاسيكيات السينما المصرية وكذلك قدمت فى 15 نسخة سينمائية بالعالم بجانب تقديمها فى أكثر من عمل مسرحى بفرنسا وأوكرنيا والولايات المتحدة الأمريكية.   



لكن المفاجأة أن نفس القصة قدمت منذ أيام على خشبة المسرح الكبير فى عرض «باليه» لفريق باليه دى ميلانو من إيطاليا قدم الفريق العرض فى فصلين الأول ضم ثمانية مشاهد والفصل الثانى إحدى عشر مشهدا، خلال هذه الفصول تناول الراقصون فى أداء فنى راقص تفاصيل هذه العلاقة الشائكة، برغم ما تحمله الرواية من تفاصيل نفسية وأحداث كثيفة ومشاعر متنوعة قد يستعصى على فن الرقص تناولها ببساطة إلا أن الفريق ابدع فى تقديم هذه العلاقات بحرفة فنية عالية وإتقان يندر تكراره فى فن الباليه والرقص المعاصر.

 

السرد الروائى بالرقص

 

قد يعيب البعض على عروض الرقص المعاصر إغفالها سرد التفاصيل أو فتح مجال للتمثيل وتقديم دراما نفسية معقدة حيث تتناول عادة بعض عروض الرقص الروايات بشكل سريع سطحى ربما لم يتعمق بعضهم فى السرد القصصى أو الدرامى للرواية أو فى دقة نقل الانفعالات نظرا لصعوبة الجمع بين اتقان الرقص والأداء التمثيلى وبالتالى تخرج الأعمال احيانا باهتة على مستوى التناول الدرامى بينما مع فريق «باليه دى ميلانو» الذى قدم قصة تولستوى «آنا كارنينا» بأجساد رشيقة منطلقة بين الباليه الكلاسيكى والمودرن باليه، فلم يتقيد العمل بحركات الباليه الكلاسيكى المعتادة بل جمع فى إتقان وحرفة بين الرقص المعاصر وفن الباليه حيث تحرر الراقصون فى الأزياء والرقص من الحبس فى حركات الباليه التقليدية وقدم العمل فى مفردات أكثر رحابة من الباليه التقليدي، وبملابس أكثر حداثة ومعاصرة من ملابس الباليه المعتادة.   

 

التحرر من الباليه

 

سمح التحرر من الباليه الكلاسيكى فى تقديم رواية «آنا كارنينا» بالتنوع فى الحركة على خشبة المسرح وبالتالى منحت هذه الحرية الفرصة لتقديم مشاهد تمثيلية فى العرض فلم يكتف الراقصون بالرقص على انغام الموسيقى الممتعة والبديعة لتشايكوفسكى وإتقان الحركة عليها بينما بدأوا فى دأب وإجتهاد بأداء تمثيلى لكل مشاهد العرض خاصة مشاهد الحب التى اتقن تصميمها بين «آنا» وعشيقها «فرونسكي» ثم مشاهد الشجار والخلاف بينهما، وكذلك مشاهد علاقتها بإبنها وزوجها وتطور أحداث الرواية وتصاعدها فى عرض قصة الحب الشائكة نهاية بمشهد انتحارها بشرب السم ثم ذهاب روحها إلى محطة القطار التى ارتبط مصيرها بها منذ بداية العمل وحتى نهايته ففيها ولدت وماتت مشاعر «آنا» الصافية؛ فهناك دراما معدة لعمل فنى كبير كأنك تشاهد عمل مسرحى صامت أو كأن الفيلم السينمائى إنتقلت أحداثه على خشبة المسرح فهو ليس مجرد عرض باليه مر مرور الكرام يتوقف عند كفايتك بالإستمتاع برقصاته المتنوعة بل هو عمل متكامل نقصه الحوار المنطوق بينما استطاع صناعه استبدال كل الكلام بأجساد ناطقة بالحركة والإيماءة والتمثيل؛ برغم فقر العمل على المستوى البصرى بمعنى عدم إحتوائه على ديكورات تذكر حيث إكتفى أصحابه  فقط ببعض المقاعد وصور فى خلفية المسرح على ستارة سوداء عاكسة للمكان الذى تدور فيه أحداث المشهد إلا أن التصميم الحركى وأداء الراقصين الممتع والحيوى وكذلك التمثيل أغنى العمل بثراء فنى كبير ربما لن تفتقد معه عنصر الديكور كعامل مهم فى عرض من هذا النوع.

 

الجمع بين الحسنيين

 

لا يمكن أثناء مشاهدتك لهذا العمل الراقص مكتمل الحركة والأجساد والأركان أن تغفل ذكر البلارينا بطلة العرض «آريانا كابوديكاسا» فى آدائها الراقص الغير متكرر فى دور «آنا»؛ جمعت «آريانا» بين الحسنيين فى رشاقة جسدها ومرونة حركتها وحيويتها وبين الأداء التمثيلى المتقن؛ فلابد أن تتوقف كثيرا وتتأمل روعة الأداء الحركى لهذه البلارينا نادرة الوجود التى استطاعت أن تؤدى حركة وإيماءة وهمهمات راقصة وتشكيل جسدى متنوع بحركات مختلفة فى حركة واحدة وكأنها عروسة ماريونت منحت بمرونة جسدها الحرية لمحركها كى يشكلها كيف يشاء ففى نفس اللحظة تبهرك بحركات متشعبة للتعبير عن انفعالات المشهد الحالى يكمن تميزها فى جدارتها بالتعبير الجسدى المفعم بالمشاعر والأحاسيس ففى كل حركة تنتقل بك إلى الحالة الدرامية الراهنة، وبالتالى لم تكتف بتمكنها فى أداء مفردات حركية متنوعة كحال كل راقص متمكن من حرفته بينما غلفت هذه الحركة بمشاعر وأحاسيس «آنا» المتوهجة طوال العمل استحقت هذه البلارينا أن تنال حظها من الثناء الجماهيرى والحفاوة والترحاب الشديد فى التحية النهائية للعرض. شارك فى بطولة «آنا كارنينا» أنجليكا جيسموندو، أليساندرو أورلاندو، أليساندرو توريللى وفريديدريكو ميلا، جيوردانا روبيرتو، آريانا كابوديكاسا، أنجيليكا جيسموندو، أليسيا لوزاردي، فريدريكو ميللا، اليساندرو توريللي، جيرمانو تروفاتو، مارتا اورسي، تصميم رقصات تييت كاسك، ملابس فيديريكو فيراتي، المدير الفنى للفريق كارلو بيستا.