السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ذكرى ميلاده «مايكل أنجلو» هبة الفرشاة والأزميل

«كل كتلة من الحجر فى داخلها تمثال وهذه هى مهمة النحات فى اكتشاف ذلك.. فأنا أرى التمثال فى الطبيعة وكل ما أفعله هو إزالة الأتربة عنه».. هكذا أخذ على عاتقه مهمة تهذيب الطبيعة ونفض الأتربة عن تماثيله التى خلدت أسمه من بعده مايكل أنجلو فتجدها على أسقف الكنائس وجدرانها وساحاتها لتعبر عن فنان شديد التدين رضع الأزاميل والمطرقة مع حليب مرضعته على حد وصفه..  ولد الطفل مايكل أنجلو بوناروتى يوم 6 مارس عام 1475، حيث كان أبوه عاملا فى محاجر رخام ستيناتو بالقرب من فلورنسا فترعرع وكبر شغوفا بحب الرخام . بدأ منذ سن مبكرة استخدام الأزميل لتشكيل قطع نحتية بارعة الوجوه والأجسام، وفى عمر الثالثة عشرة أرسله والده مجبراً للتعلم فى مرسم الفنان دومينيكو جيرلاندايو ، الذى اعتاد على تصوير القصص المقدسة فى لوحاته بأسلوب بسيط ويومي، بعيد عن هالة القدسية المعتادة فى تسجيل هذا النوع من المشاهد فى اللوحات.



بعد عام واحد مع أستاذه، هجره ليلتحق بمدرسة النحت فى حدائق آل مديتشى التى تضم مجموعة من التماثيل اليونانية والرومانية القديمة، ومن خلال دراستها تعرف إلى أسرار تصوير حركة الجسم الإنسانى بكامل آثارها على العضلات والعروق، وبدأ دراسة التشريح وتطبيق ما يتعلمه من خلال رسم نماذج بشرية حية. بدأ مايكل أنجلو فى حدائق مديتشى نحت أول أعماله: رأس تمثال جنى الغاب «فون» الذى لفت الأنظار إليه، وكان سببا فى دعوته من أمير فلورنسا الأمير لورنزو للإقامة فى قصره، مع كبار الأدباء والفنانين والفلاسفة الذين صاغو فلسفة المذهب الإنسانى فى ذلك الوقت. عد سلسلة من الأحداث السياسية التى أدت إلى تصدع موقع عائلة مديتشى وانهيارها فى سنة 1494 فلورنسا. رحل مايكلانجلو إلى البندقية، بولونيا، وأخيرا إلى روما. هناك قام بإبداع أو نحت منحوتة ضخمة لجسد يفوق حجم الإنسان الطبيعى حيث صور باخوس السكير ( 1496-1498 ) فلورنسا ، إله الخمر الرومانى ويكتسب هذا العمل أهمية خاصة من خلال تصويره لجسد شاب عار يمثل موضوع من المواضيع الوثنية وليس المسيحية. أنتج مايكل أنجلو عمله الأول حينما كان فى الأكاديمية وهو نحت بارز يشوبه بعض التشويش، ويجمع بين الوثنية والمسيحية، بعنوان «معركة القنطورس» (وهى مخلوقات أسطورية متوحشة) وكان عمله الثانى نحتاً بارزاً لـ»عذراء السلّم». توفى لورنزو دى ميديتشى فى عام 1492، فعاد مايكل أنجلو إلى بيت أبيه، وواصل عمله فى النحت والتصوير، وتعلّم التشريح من جثامين الموتى. وفى عام 1494 هرب ميكلانجلو إلى بولونيا (الإيطالية) فى إحدى نوبات اضطرابه، وزار البندقية. وعند عودته إلى فلورنسا عام 1495 نحت للكاردينال تمثال»كيوبيد النائم» وقد ظن كثيرون أنه تمثال لأحد النحاتين القدامى. كان من الصعب على مايكل أنجلو أن يكسب قوته بأعماله الفنية فى مدينة يكاد عدد الفنانين فيها يبلغ عدد سكانها. وحين استدعى للذهاب إلى روما، انتقل إليها عام 1496 وقلبه مفعم بالأمل. وفى روما أنجز أنجلو أثره العظيم الأول؛ أحد أكثر أعماله شعبية: تمثال «الشفقة» فى سان بيير. الموضوع والتكوين غريبان وغير مألوفين، وتعود أصولهما إلى شمالى أوربا وليس إلى إيطاليا، ولكن الفنان استخرج من الرخام قصيدة مؤثرة ورائعة. الوجه الصافى للعذراء، وقد بدت صغيرة السن مثل المسيح المعذب، تميل بعذوبة باتجاه الجسد المسجى لمسيح جميل فى الموت مثل أدونيس Adonis، وقد برز تشريح جسده المتآلف فوق نسيج معطف فضفاض رائع الطيات يفصله عن الأم الحزينة، وكأن الفنان يريد أن يجعل من المعطف كفناً للجسد.

الجسد العارى

اعتبر مايكل أنجلو أن جسد الإنسان العارى الموضوع الأساسى بالفن مما دفعه لدراسة أوضاع الجسد وتحركاته ضمن البيئات المختلفة. حتى أن جميع فنونه المعمارية كانت ولابد أن تحتوى على شكل إنسانى من خلال نافذة، جدار أو باب  سواء كان تحدى جسدى أو عقلى كان مايكل أنجلو يبحث دائما عن التحدى وأغلب المواضيع التى كان يعمل بها كانت تستلزم جهدًا بالغاً سواء كانت عبارة عن لوحات جصية أو لوحات فنية كان مايكل يختار الوضعيات الأصعب للرسم إضافة لذلك كان دائما ما يخلق عدة معانى من لوحته من خلال دمج الطبقات المختلفة فى صورة واحدة وأغلب معانيه كان يستقيها من الأساطير، الدين ومواضيع أخرى. نجاحه فى قهر العقبات التى وضعها لنفسه فى صنع تحفه كان مذهلا إلا أنه كثيرا ما كان يترك أعماله دون إنجاز وكأنه يُهزم بطموحهِ نفسه بَرع مايكل أنجلو فى المهارات التقنية والحيل الفنية، بالإضافة إلى إتقانه فن الرسم، لكنه لم يتفق مع أسلوب أستاذه السهل المتداول، بل بدأ دراسة أساليب الأساتذة السابقين، أمثال جيوتو ومازاتشيو، ودوناتيلو فى الأعمال الموجودة بكنائس فلورنسا. كذلك اتسم أسلوب أنجلو فى النحت بالتحديد والدقة وتوضيح الإيماءات، وكانت سيطرته على الشكل والرؤية واضحة بقوة، حتى إن منحوتاته كانت ذات قدرة بالغة على النفاذ إلى المشاهدين، بكل تفاصيلها التى لم يغفلها مايكل أنجلو.

عذراء الدرج 

التمثال موجود حاليا فى كنيسة القديس بطرس بالفاتيكان، ويعد أول عمل نحتى من الرخام لمايكل أنجلو يجمع بين شخصيتين بالحجم الطبيعى فى مجموعة واحدة قام به فى عام 1490، متمثلين فى المسيح فى حِجر أمه، وبالرغم من تلك الوضعية الصعبة، نجح مايكل أنجلو فى ضم جسديهما فى تآلف وانسجام دون أى تشوهات نحتية أو زوايا حادة.

تمثال موسى

نفذه أنجلو عام 1515التمثال تظهر فيه سمات واضحة من أسلوبه المبكر الذى يفرط  فى تشكيل الطيات والكسرات، بالإضافة إلى ظهور واضح لأسلوبه الأحدث الذى يهتم فيه بإبراز شكل الجسم الإنساني، دون الصقل اللامع الذى يخلق أضواء معكوسة شديدة التأثير على المتفرج. يشير نقاد الفن ومؤرخوه إلى أن موقع التمثال الحالى فى كنيسة القديس بطرس بروما، لا يتجلى فيه الإيحاء الذى انطوى عليه هذا التمثال، خاصة عند النظر إليه من زواية مائلة، بسبب وجوده فى كوة شديدة الضيق بالقياس إلى حجمه الضخم. وتم إنجازه فى صورة البابا يوليوس «الرهيب»، مُشرع القوانين فى ذلك الوقت، كأنه بركان بشرى يتهدد العصاة، خاصة بجلسته التى تشبه جلسة قاض فوق منصة القضاء.

مايكل أنجلو مصورا ورساما

كان أحد أهم أهداف مايكل أنجلو فى الرسم هو تسجيل أقصى درجات الحركة فى أضيق مساحة متاحة، مما يؤكد على المعنى التشكيلى الحقيقى لتطويع الصورة، ولم يكن غير الجسد الإنسانى فى نظره يستحق التمثيل والتسجيل، وكان عنصر الحركة والقيمة اللمسية صفتان فنيتان لا غنى عنهما فى تمثيل شخوص مايكل أنجلو، الذى كان يعتبر العرى هو الطريقة الوحيدة لملاحظة توتر العضلات وتفاصيل البشرة وإيماءات الجسد. تعد لوحة «دفن المسيح» من اللوحات النادرة التى لم ينجزها مايكل أنجلو بشكل كامل، وهى تعرض حاليا فى المتحف الوطنى بلندن،الشخصيات المائلة للخلف فى اللوحة تمثل واحدا من المشاهد التصويرية الضخمة التى اعتاد مايكل أنجلو أن يصورها على السقوف والجدران. رسمت لوحة العائلة المقدسة «عذراء دوني» عام 1507، حيث كلف أنجلو دونى مايكل أنجلو برسم «العائلة المقدسة»، هدية لزوجته مادالينا ستروزي. استخدم مايكل أنجلو إطارا دائريا للرسم لإضفاء هالة من القدسية على اللوحة.