26 يونيو 2019 - 45 : 14
رئيس مجلس الإدارة
عبد الصادق الشوربجي
رئيس التحرير
احمد باشا

فى ختام الدورة الثلاثين لأيام الشارقة المسرحية

«سيمفونية الموت والحياة» الأفضل.. وصعود «مأساة الحجاج» من المسرحيات القصيرة

اختتمت فعاليات الدورة الثلاثين من أيام الشارقة المسرحية التى تحتفى فيها الشارقة بمرور ثلاثين عاما على تأسيس أهم مهرجان محلى بإماراتها يتميز هذا المهرجان على وجه التحديد باتخاذه طابعا دوليا برغم أنه يهتم بعرض إنتاج أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة لكن يظهر طابعه الدولى فى استضافة عدد لا بأس به من الضيوف المسرحيين من خارج دولة الإمارات من دول عربية شقيقة وكذلك تشكيل لجنة تحكيم دولية لرؤية العروض ومنحها ما تستحق من جوائز.  وفى هذا العام تشكلت لجنة تحكيم المهرجان من وليد الزعابى من الإمارات، زهيرة بن عمار تونس، أمين ناسور المغرب، محمد الضمور الأردن، جبار جودى العراق، أكدت اللجنة أنها استقرت واتفقت بالإجماع على منح الفائزين جوائز المهرجان والتى ذهبت إلى عروض «سيمفونية الموت والحياة» لمسرح الشارقة الوطنى حصل على جائزة أفضل عرض مسرحى متكامل، وفاز المخرج محمد العامرى بجائزة أفضل إخراج مسرحى عن «سيمفونية الموت والحياة»، بينما ذهبت جائزة أفضل تأليف للكاتب إسماعيل عبد الله عن نفس العرض، وحصل على جائزة أفضل ممثل دور أول الفنان حميد فارس عن دوره فى «ليلة مقتل العنكبوت»، وفازت بجائزة أفضل ممثلة دور أول الفنانة ريم الفيصل عن دورها فى مسرحية « أين عقلى ياقلب»، كما حصل الفنان محمود القطان على جائزة أفضل ممثل دور ثانٍ عن «أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمى»، بينما حصلت الفنانة نساء حيدر المازمى على جائزة أفضل ممثلة دور ثانٍ عن دورها فى «ليلة مقتل العنكبوت»، ونال جائزة أفضل ممثل واعد الفنان عبدالله خالد المهيرى عن مسرحية «أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمى»، بينما فازت الفنانة سارة حيدر المازمى بجائزة أفضل ممثلة واعدة عن دورها فى مسرحية «ليلة مقتل العنكبوت»، وفاز بجائزة أفضل ديكور الفنان وليد عمران عن مسرحية «سيمفونية الموت والحياة»، فيما فاز بجائزة أفضل إضاءة الفنان حميد العسيرى عن مسرحية ليلة مقتل العنكبوت، وأفضل مؤثرات صوتية وموسيقية فاز بها ابراهيم الأميرى عن مسرحية «سيمفونية الموت والحياة»، بينما حصلت نصرة المعمرى على جائزة أفضل مكياج مسرحية ليلة مقتل العنكبوت، وفاز بجائزة أفضل أزياء الفنان حسن رجب عن مسرحية «أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمى»، وذهبت جائزة الفنان المسرحى المتميز من غير أبناء الدولة إلى الفنان أحمد العمرى عن دوره فى مسرحية «سيمفونية الموت والحياة»، وفازت الفنانة إلهام محمد بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن إخراجها لمسرحية «ليلة مقتل العنكبوت».



فن الإلقاء بعيدا عن الجوائز وبرغم ما شهده المهرجان من حالة تنوع فى موضوعات الأعمال المسرحية المقدمة إلا أن بعض هذه العروض وقعت فى أزمة عدم وضوح اللهجة وضبط مخارج الألفاظ مما يستدعى ضرورة خضوع أبطالها الدورة المقبلة إلى دروس فى فنون الإلقاء فهناك أزمة واضحة فى عدم مراعاة السكتات بين الكلام وطريقة ضبط التنفس أثناء إلقاء الحوار، وبالتالى أدت هذه الأزمة إلى صعوبة التواصل مع بعض العروض لسرعة متحدثيها واستعجالهم فى قول الحوار جملة واحدة دون ضبط أو هدوء وكأنه قطار يسير على أقصى سرعة وتعد هذه الأزمة الشائعة بين عدد من العروض السبب الرئيسى فى فقدان المشاهد للتواصل مع العرض وتتبع تطور أحداثه من صعود وهبوط.

التشكيل البصرى لكن على جانب آخر يحسب للمهرجان وللمشاركين به اهتمامهم الكبير فى صناعة صورة مسرحية شديدة الثراء والجودة كان لعنصر الصورة الاهتمام الأكبر بالعمل المسرحى حتى ولو جاء أحيانا على حساب المضمون فهناك العديد من الأعمال التى اتضح فيها الابتكار والإبداع على مستوى صناعة ديكورات جاذبة وملفتة شديدة الإتقان والتميز مثل «أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمى»، «صبح ومسا»، «ليلة مقتل العنكبوت»، «بكاء العربى»، «سيمفونية الحياة والموت»، «أين عقلى يا قلب»، ربما استعرض فيها صناع هذه العروض مدى تميزهم واهتمامهم بصناعة صورة تشكيلية مبتكرة.

«مأساة الحجاج»      اشتركت آخر ثلاثة عروض ضمن فعاليات المهرجان فى أزمة النزاع على السلطة من يحكم ومن سينتصر فى النهاية على اختلاف تناولها لشكل هذا النزاع كان الصراع دينيا بالأساس حيث اقتربت هذه الأعمال من أزمة الصراع بين الحكم والدين كان على رأسها «مأساة الحجاج» إعداد وإخراج رامى مجدى، «بكاء العربى» إعداد وإخراج مهند كريم، «سيمفونية الموت والحياة» تأليف اسماعيل عبد الله وإخراج محمد العامري؛ فى «مأساة الحجاج» يستعرض المخرج فى مزج ذكى بين مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور وفترة حكم الحجاج بن يوسف الثقفى ببساطة وبلا استعراض فنى وبذكاء شديد تناول المخرج رامى مجدى أزمة الديكتاتور ومن حوله من منافقين ومصير كل من يعترض لنصرة الحق فى مشهد بديع يحمل فيه الممثلون مرايات عاكسة وكأنهم يشيعون النور «الحق» إلى مثواه الأخير لتبقى ظلمة الباطل سائدة وبعد سقوط الحجاج عن عرشه تتنازع الأطراف على تولى الحكم ويبقى الفراغ والفوضى عنوان لمرحلة ما بعد سقوطه فالفوضى نتيجة حتمية لانهياره هكذا يلخص العمل المسرحى رسالته عن النزاع حول السلطة، كان عرض «مأساة الحجاج» من بين الأعمال المشاركة ضمن مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة واستضافه أيام الشارقة المسرحية للعرض ضمن فعاليات المهرجان.

«بكاء العربى» تناول العمل آخر فترة حكم المسلمين للأندلس ولحظة سقوطها على يد آخر حكامها «أبو عبد الله محمد الثانى عشر» وصراعه أمام «فرناندو» هيأ المخرج خشبة المسرح لتصبح حلبة صراع وقتال بين الاثنين سواء بلعب الشطرنج التى تعد لعبة رمزية دائما تمثل الصراع على الملك أو بالحرب الكلامية بينهما لكن قد يؤخذ عليه أحيانا إقحام اللغة الأسبانية ضمن الحوار بينهما فلم يكن موفق فى استخدامها كثيرا بجانب رغبته فى تقديم شكل ابتكارى للصراع على السلطة والحرب الدائرة على خشبة المسرح بوضع مرايات عاكسة وحائط زجاجى متحرك ربما ساهم هذا الشكل فى استغلاله أثناء الصراع الخطابى والجسدى بين رمزى السلطة الإسلامية والسلطة المسيحية لكن أحيانا لم يكن استخدام نفس التشكيل مبررا على مدار العرض وبدا المخرج كما لو أن لديه الكثير من الطاقة والرغبة فى الخروج بشكل جديد لإبراز هذا الصراع وكأن زحمة من الأفكار تراوده أثناء العرض لكنها تنبئ عن موهبة لديها فكر وطاقة تحتاج إلى مزيد من الانضباط والتكثيف.

«سيمفونية الموت والحياة» يدور العرض حول فرقة موسيقية تسير فى طريقها بالقطار للوصول إلى مقر الجيش لإقامة حفل موسيقى للترفيه عن الجنود يعترضها مجموعة من المتطرفين الإرهابيين يحبسونهم ويحاولون تجريدهم من آلاتهم الموسيقية يدور العمل حول صراع سلاحى الحياة «الموسيقى»، وسلاح «الموت» كلا الفريقين يقاتل من أجل الإبقاء على قوة سلاحه ومن فى النهاية سينتصر بالطبع ينتصر الكاتب هنا لسلاح الحياة عندما يجرد قائد الدواعش من سلاحه النارى ويبدله بعصا المايسترو الموسيقية كان فى هذا المشهد ملخصا بليغا لفكر المؤلف ووجبت عنده النهاية التى كانت لا تستدعى المزيد من الحوار والشرح لكن استكمل العمل بشرح خلفية القائد الإرهابى وازداد الصراع بين اتباعه حول ضرورة التخلص من هؤلاء الفاسقين وقتلهم نصرة للإسلام والمسلمين تصاعد العمل وتكرر التأكيد على نفس الفكرة فى حين أنه كان لا يحتاج إلى مزيد من التصاعد بعد تجريد هذا الرجل من قوته ومنحه قوة أخرى للحياة؛ وبالتالى وقع فى فخ الشعارات والمباشرة لكن المخرج فى المقابل استطاع التغلب على هذه الأزمة بعمل تشكيلات جماعية منظمة ومتقنة وصورة مسرحية ناعمة حالمة بالديكور والإضاءة فى مشهد خروج ودخول الفرقة الموسيقية بالقطار كأنك تشاهد عملا أوروبيا يحمل صفاء وثراء بصريا كبيرا.