السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وزير الخارجية سامح شكرى يكتب: إيمان مصرى ثابت بتجديد شباب الجامعة

تحتفل مصر وأشقاؤها العرب هذا العام بمرور 75 عامًا على إنشاء جامعة الدول العربية، هذا الصرح الجامع الذى تأسس لقيادة مسيرة الشعوب العربية نحو الاستقرار والتنمية عبر عقود عملت خلالها الجامعة على خدمة المصالح العربية ومواجهة التحديات المشتركة التى يواجهها عالمنا العربي، حتى أصبحت بيت العرب الذى يجمعهم ويوحد مواقفهم، لاسيما فى أوقات الشدة. ولا شك أن الذكرى الخامسة والسبعين لإنشاء الجامعة العربية تأتى وقد أصبح الوطن العربى محلًا للعديد من الأزمات والتعقيدات والمؤامرات التى باتت تهدد أمن العديد من دوله، مما يثير التساؤلات حول الدور الذى يجب أن تضطلع به الجامعة العربية لمواجهة التحديات التى تعترى عالمنا العربي.



وانطلاقًا من الإيمان بأهمية العمل العربى المشترك، فقد أولت مصر أولوية متقدمة لعملية دعم آليات الجامعة العربية باعتبارها الضامن الأساسى للسلم والأمن والاستقرار العربي، حيث ترجع علاقة مصر بالجامعة العربية إلى ما قبل إنشائها، حينما بادر رئيس الوزراء المصرى مصطفى النحاس باشا بدعوة أشقائه للتشاور حول إنشاء منظمة عربية تخدم مصالح الأمة العربية، مما أسفر عن توقيع “بروتوكول الإسكندرية” عام 1944 كخطوة أولى فى هذا الاتجاه. وبالفعل، فقد تم إقرار ميثاق الجامعة العربية بالقاهرة فى مارس عام 1945، فى خضم مرحلة حرجة من تاريخ العالم العربى بل والعالم أجمع والذى كان لا يزال يتعافى من ويلات الحرب العالمية الثانية. ومن اللافت للنظر فى هذا المقام أنه تم التوقيع على ميثاق الجامعة العربية قبل توقيع ميثاق الأمم المتحدة بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية فى شهر يونيو من نفس العام.

وبإمعان النظر فى تاريخ العمل العربى المشترك، نجد أن مسيرة جامعة الدول العربية حافلة بالعديد من الإنجازات المهمة، حيث أسهمت الجامعة منذ نشأتها فى دعم نضال العديد من الدول العربية والإفريقية والآسيوية للتحرر من القيود الاستعمارية وانطلاقها نحو الحرية. ولعبت فيما بعد دورًا محوريًا فى تقديم الدعم للدول العربية فى أوقات الأزمات ومساندتها فى تحقيق تطلعاتها كافة. كما تقوم الجامعة العربية بتمثيل جميع الدول العربية فى العديد من المحافل الدولية، وفى مقدمتها منظمة الأمم المتحدة، وتُدافع عن مصالحها وتُنسق مواقفها. وفى إطار مواكبتها للتغيرات على الساحة الدولية وحرصها الدائم على التطور، فقد شهدت الجامعة إنشاء العديد من الهيئات العربية خلال تاريخها العريق، فضلًا عن التوقيع على الكثير من المواثيق المهمة واتفاقيات التعاون العربى فى العديد من المجالات.

وعلى الرغم مما أُحرز من تقدم على مدى سبعة عقود ونصف العقد، نحو تطوير العمل العربى المشترك، فإن السنوات الماضية قد حملت فى طياتها العديد من الصعوبات والتحديات غير المسبوقة التى ألمت بمنطقتنا العربية، وعلى رأسها انتشار الإرهاب والجماعات الإرهابية بدعم مؤسف من بعض دول المنطقة، فضلًا عن ظهور مساع تستهدف هدم ركائز وأسس الدولة الوطنية وزعزعة استقرارها فى البلدان العربية الشقيقة، والمساس بوحدتها الوطنية. ولعل هذه التحديات بالغة التعقيد تعد أكبر دليل على ضرورة الحفاظ على الجامعة العربية ومواصلة العمل نحو تطوير عملها. فدائما أكدت مصر أن الدول العربية وحدها هى التى تستطيع أن تعالج المشاكل التى تحدق بها، وشددت على أنه لا مفر من صياغة حلول سياسية من صنع العرب أنفسهم لتحقيق الأمن والاستقرار المنشود، فالتدخلات الخارجية التى نشهدها لم تؤد إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار وزيادة وتيرة العنف والإرهاب. وهنا تبرز أهمية دعم دور الجامعة العربية وتطوير آلياتها المختلفة لتواكب التحديات الجسام التى تموج بها المنطقة العربية، وبما قد يُلبى تطلعات الشعوب العربية فى قيامها بدور أكثر فاعلية. فقد آن الأوان لأن يستعيد بيت العرب دوره التاريخى فى حماية مقدرات الشعوب العربية، مدفوعًا بعزيمة أبنائه القوية وإرادتهم الراسخة.

 ومن هنا، فمن الأهمية بمكان التأكيد على أن إيمان مصر بدور جامعة الدول العربية ثابت ولن يتغير، وهو ما يدفعنا إلى التفكير العميق فى سُبل تطوير عمل الجامعة بغية الاستجابة للتحديات المتشابكة، وذلك فى أسرع وقت، وليس فقط من خلال تدعيم أطر التعاون القائمة، وإنما العمل أيضًا نحو استحداث آليات جديدة تحت مظلة الجامعة العربية، بالإضافة إلى تفعيل أطر واتفاقات التعاون المشترك، خاصة فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادى والاستفادة من الإمكانيات والموارد الهائلة لإقامة تكتل اقتصادى قوى على غرار التكتلات الاقتصادية الناجحة فى مناطق أخرى من العالم. ولنا فى نموذج الاتحاد الأوروبى مثال جيد، حيث لم يستطع الأوروبيون تحقيق التكامل السياسى بينهم بشكله الحالى إلاّ بعد الخوض فى عملية تكامل اقتصادى جادة أولًا. ويضاف إلى ما سبق أهمية عدم إغفال أولوية صيانة الأمن القومى العربى ومجابهة التحديات العديدة التى تحيط بنا اليوم باستخدام آليات الجامعة القائمة فعلًا وتلك التى يمكن استحداثها.

أود التأكيد مجددًا أن مصر مستمرة فى الاضطلاع بمسئولياتها ودورها المهم بالجامعة العربية من أجل الدفاع عن مصالح الدول العربية وتحقيق تطلعات وآمال الشعوب، كما سنستمر فى بذل قصارى جهدنا للحفاظ على الجامعة العربية ومكانتها الخاصة كبيتًا للعرب يجمعهم فى أوقات الشدة للدفاع عن مصالحهم والحفاظ على مقدراتهم، بل ودفع مسيراتهم نحو الرخاء والازدهار. فقد حان الوقت لكى تتكاتف الدول العربية تحت مظلة جامعتهم العريقة للاستفادة من مواردنا الطبيعية الشاسعة وقدرتنا البشرية الهائلة المُتمثلة فى شبابنا العربى الواعد المستنير.