الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحمد زكى باشا.. يروى قصة مخطوط الإسكوريال

أحمد زكى باشا الملقب بـ«شيخ العروبة» ( 1876- 1934) مصرى المولد أندلسى الهوى أصله من المغرب من بيت النجار « من البيوتات الأندلسية التى نزحت إلى المغرب واستقرت بمدينة سلا المجاورة للرباط»، قدم أهله من المغرب واستقروا فى عكا بفلسطين، ثم انتقل والده إلى مصر وتزوج فيها والدته واهتمامه بالتراث الأندلسى جاء من باب العناية بالأصول والجذور.



ويلقى الدكتور المغربى رشيد العفاقى فى كتابه الصادر حديثا تحت عنوان ( أحمد زكى باشا .. ومخطوط الإسكوريال) ضمن سلسلة كتاب المجلة العربية العدد 254 « صفر 1439هـ- نوفمبر 2017 « الضوء على إسهامات أحمد زكى باشا فى مجال تاريخ البلاد الأندلسية وإليه يرجع الفضل فى تسميتها بـ«الفردوس الإسلامى المفقود». . وكانت أول زيارة لشيخ العروبة إلى الأندلس عندما انتدب لتمثيل الحكومة المصرية فى مؤتمر المستشرقين الذى انعقد فى لندن عام 1892، ووجدها فرصة ليتقدم إلى حاكم مصر بطلب يسمح له بأن يعرج على البلاد الأندلسية فى رحلة الإياب للوقوف على آثار العرب بها، فأذن له بذلك.

وقبل أن تطأ قدمه أرض الأندلس لم يفته- وهو لا يزال فى مؤتمر لندن – أن ينوّه أمام حشد من المستشرقين بعناية أهل الأندلس بالعلوم والآداب والفنون. أما رحلته الثانية إلى الأندلس فكانت عام 1904 عندما دعى إلى سرقسطة للمشاركة فى تكريم شيخ المستعربين الإسبان فرانسيسكو كوديرا وقدم دراسة بعنوان « العلاقات المصرية الأندلسية» تُعد رائدة فى بابها.كما ارتبط المستعرب الإسبانى الكبير إميليو غرسية جومز بعلاقة صداقة متينة مع شيخ العروبة أثناء إقامة جومز بالقاهرة فى نهاية عشرينيات القرن الماضى وقد استفاد جومز من خزانته العامرة بالمخطوطات الأندلسية حيث أهدى أحمد زكى باشا ضيفه جومز مخطوطة نادرة لكتاب» رايات المبرزين وغايات المميزين»  لابن سعيد المغربى، وهو مجموعة مختارات شعرية أندلسية انتخبها المؤلف من موسوعته الكبيرة» المُغرب فى حلى المغَرب» فكان هذا المخطوط نقطة انطلاق لدراسات وأعمال جومز عن الشعر الأندلسى، ومفتاحاً لصياغة كتاب العصر» الشعر الأندلسى».

ويذكر الدكتور العفاقى أن شيخ العروبة ألقى عشرات المحاضرات، وكتب أكثر من مائة بحث عن تاريخ الأندلس منها : كتاب «مدائن الأندلس» الذى أتمه لم يطبع، و«قاموس الأعلام الأندلسية»، و«مدن الفن فى الأندلس»، «نصوص عن الأندلس» مترجمة عن الفرنسية، «سرقسطة أيام العرب» كتبه بالفرنسية، و«الرسالة الأندلسية» التى تعد مرجعا تاريخيا مهما لما انطوت عليه من وثائق وأسانيد اعتمد عليها أحمد زكى فى وصفه لما كان عليه الإسلام فى إسبانيا، وكيف عاشت حضارته وكيف اندثر من تلك البلاد وبقيت حضارته حية فيها.

كما قدم شيخ العروبة تقريراً عن الكتب التى خلّفها العرب بالأندلس إلى فخرى باشا ناظر المعارف عن الكتب المخطوطة فى مكتبة الإسكوريال فى إسبانيا وطالب بأن تحمل مصر لواء نسخها وطبعها خشية على هذه الكتب النفيسة أن تضيع من الوجود مرة واحدة بعامل الإهمال والطواريء الطبيعية كما سقطت عليها صاعقة عام 1671 فأحرقت منها نحو الثمانية آلاف مجلد، ولم تبق إلا أقل من ألفين، فكانت ذلك خسارة عظمى على الأمة العربية والعالم المتمدن .

ومن أبرز الكتب التى أوصى شيخ العروبة بإنقاذها الكثير من كتب لسان الدين بن الخطيب وزير الأندلس الذى ألف المقّرى فى حقه « نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب»، ومن جملتها  كتاب» الإحاطة فى أخبار غرناطة» وتكملته، حيث لا يوجد سوى جزء صغير من هذا الكتاب فى الكتبخانة الخديوية، ولكنه بخط عربى سقيم محرف مشوه بحيث إن فك الطلاسم وحل الرموز أسهل من قراءته بما لا يقدر.كما يوجد جزءان من كتاب « نهاية الأرب فى فنون الأدب» الذى صنفه النويرى فى ثلاثين جزءا، وهو من الموسوعات المعتبرة الحاوية لجميع العلوم ولا يوجد فى الكتبخانة سوى جزء صغير منه وجزء آخر بكتبخانة برلين.

والمثال الثانى الذى ضربه شيخ العروبة يتعلق بالجزءين الباقيين هناك من كتاب « المخصص» للعلامة اللغوى الضرير بن الضرير أبى الحسن المعروف بابن سيده المتوفى سنة 458 هـ .

وعموما فقد كان لأحمد زكى باشا فضل كبير على الدراسات الأندلسية فى بواكير عمرها، ولا شك أن الدافع الذى رمى بهذا الرائد المؤسس فى بحر الأندلس هو حبه للأندلس، وقد عبر عن هذا الحب فى غير موضع فى عبارات عذبة يقول فيها : «قلبى بأندلس مُدله، وعقلى بأطلاله موله، وهيامى بأهله حديث قديم، وغرامى بساكنيه مقعد مقيم، وحنينى إليه متجدد حيناً بعد حين، فاعذرونى على هذا الهوى العذري، فقد خاننى شعرى ولم يساعفنى نثرى، على أننى أُعلل نفسى بأن تستمعوا لهمسى، وتعاونونى على إحياء أندلسي،فذلك الهوس هوسي، وقد لازمنى فى حلمى وفى حسي، واستمكن من عقلى واستولى على نفسي».