الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سعد الله ونوس.. عاشق الأدب المسرحى

«المرض يكسر الكبرياء وهذا أقسى ما فيه» رغم ما تحمله كلماته التى سطرها منذ عقود من ألم إلا أنها تصف بدقة واقعاً نعيشه اليوم فقد انطلق بكتاباته المسرحية والأدبية من بيئة فقيرة فى الساحل السورى، ووصل بها إلى العالمية فى مرحلة تاريخية مفصلية وقاسية فى تاريخ الشرق الأوسط..إنه سعد الله ونوس الذى تحل ذكرى ميلاده الـ79 فى 27 من مارس الجارى. ولد سعد الله ونوس عام 1941 فى قرية حصين البحر التابعة لمحافظة طرطوس بسوريا لأسرة فقيرة، عندما التحق بالمدرسة الابتدائية ظهر ضعفه فى مادة التعبير الأمر الذى دفعه إلى مطالعة الكتب بشكل أكبر، كان أول كتاب اقتناه «دمعة وابتسامة» لجبران خليل جبران بعدها توسعت مكتبته لتشمل كتب ميخائيل نعيمة وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم ويذكر أنه كان يشترى كتبه بالدّين.



■  عشقه لمصر

ندرة هم الكتاب العرب الذين لاقوا القبول لدى الجمهور المصرى على رأسهم يأتى سعد الله ونوس الذى حصل على الثانوية عام 1959 من ثانوية مدينة طرطوس وحصل معها على منحة فى نفس العام لدراسة الصحافة فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، وكان للانفصال بين سوريا ومصر وقع كبير عليه حيث كتب مسرحيته الأولى «الحياة أبداً» عام 1961 ولكنها لم تنشر حتى هذا اليوم. تخرج «ونوس» عام 1963 وعاد إلى دمشق ليعين مدير قسم النقد فى مجلة المعرفة الصادرة عن وزارة الثقافة، خلال فترة عمله فى المجلة ازداد اهتمامه وتركز على المسرح، وعندما سنحت له الفرصة سافر إلى باريس فى إجازة دراسية لدراسة الأدب المسرحى فى معهد الدراسات المسرحية التابع لجامعة السوربون، عندما وصلته أخبار نكسة 5 يونيو عام 1967 شعر بأنها هزيمة شخصية له وكان رد فعله على ذلك كتابته لمسرحية «حفلة سمر من أجل 5 حزيران». وظل ونوس على ارتباط وثيق بالقاهرة وبأصدقائه من الأدباء والفنانين، وكان شديد الحرص دائما على انتهاز أى فرصة لزيارتها، وكان من الطبيعى أن تحرص مصر أيضا على حسن استقباله، وأن تقوم وزارة الثقافة المصرية بالاحتفاء به وتكريمه فى أكبر مهرجان مسرحى دولى فيها وهو مهرجان «القاهرة الدولى للمسرح التجريبى» فى دورته الثانية عام 1989.

■  مؤلفاته فى مصر

من أهم مسرحيات سعدالله ونوس التى قدمت فى مصر أكثر من مرة: «فصد الدم»، «جثة على الرصيف»، «مأساة بائع الدبس الفقير» عام 1964، «حكاية جوقة التماثيل»، «حفلة سمر من أجل خمسة حزيران»، «الفيل يا ملك الزمان»، «مغامرة رأس المملوك جابر»، «سهرة مع أبى خليل القبانى»، «الملك هو الملك» عام 1977، «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة»، «الاغتصاب»، «منمنمات تاريخية»، «طقوس الإشارات والتحولات»، «أحلام شقية»، يوم من زماننا» عام 1995، «ملحمة السراب»، و»الأيام المخمورة».

بعد عودته إلى دمشق أمضى أربعة أشهر من الأسوأ فى حياته ثم عاد إلى فرنسا التى شدته فيها الحياة الفكرية وأخرجته من عزلته، ومارس مع زملائه فى الجامعات الفرنسية العديد من النشاطات السياسية التى كانت تهدف إلى التعريف بالقضية الفلسطينية من خلال الكتابات والمنشورات، كان مؤمناً بالاشتراكية العلمية منهجاً وأسلوباً فى الحياة لكنه لم يعرف انتماءً إلى أى تنظيم حزبى.

بعد أن أنهى دراسته فى فرنسا عاد ونوس عام 1968 إلى دمشق ليتم تعيينه رئيس تحرير مجلة أسامة الخاصة بالأطفال بين عامى 1969 – 1975، عمل عام 1969 مع بعض عشاق المسرح مثل علاء الدين كوكش على إقامة مهرجان دمشق المسرحى الذى عرضت خلاله مسرحية «الفيل يا ملك الزمان» وقد حقق المهرجان نجاحًا على مستوى الوطن العربى وتوقف المهرجان بعد عام 1978 بسبب الظروف السياسية التى كانت تمر بها المنطقة.

أخذ ونوس إجازة بلا راتب وبدأ بالعمل محررًا فى صحيفة السفير البيروتية قبل الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975  وبعد أن نشبت الحرب عاد إلى دمشق ليعمل مديرًا للمسرح التجريبى فى مسرح القبانى الذى تشرف عليه وزارة الثقافة حيث أوكل إليه أن يؤسس المسرح ويضع برنامجه.

■  فرقة المسرح التجريبى

أسس ونوس فرقة المسرح التجريبى مع صديقه المسرحى فواز الساجر فى عام 1977 والتى كانت تهدف إلى تقديم مسرح وثائقى يكشف من خلاله مشاكل المجتمع ويدعو إلى الإصلاح والتغيير، عام 1977 أصدرت وزارة الثقافة السورية مجلة الحياة المسرحية والتى أوكل إلى ونوس رئاسة تحريرها حتى عام 1988 وهى مجلة متخصصة بشئون المسرح.

■  ونوس وحصار بيروت

اعتصم ونوس عن الكتابة بعد غزو إسرائيل للبنان وحصار بيروت عام 1982 لمدة عشر سنوات عاد بعدها إلى الكتابة فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى من خلال مجموعة من المسرحيات السياسية بدءًا بمسرحية «الاغتصاب» 1990 والتى تصور الصراع العربى الإسرائيلى، إلى جانب «منمنمات تاريخية»1994 و«طقوس الإشارات والتحولات»1994 و«أحلام شقية»1995، «يوم من زماننا» 1995 وأخيرًا «ملحمة السراب» 1996، و»بلاد أضيق من الحب» 1996. شخص الأطباء ورمًا أصاب عنق ونوس بأنه سرطان البلعوم عام 1992 وقد توقعوا أنه سيفارق الحياة خلال ستة أشهر، لكنه ناضل وكافح المرض واستمر بالكتابة لخمس سنوات لاحقة، ويصف ونوس أثر الواقع العربى والحروب وبالتحديد حرب الخليج على إصابته بالسرطان قائلًا: « أشك معها فى أنها كانت السبب المباشر لإصابتى بمرض السرطان، وليس مصادفة أن يبدأ الشعور بالإصابة بالورم أثناء الحرب والقصف الوحشى الأمريكى على العراق».

ويقول فى حديث آخر معه: «أعتقد أن إسرائيل سرقت السنوات الجميلة من عمرى وأفسدت على إنسان عاش خمسين عامًا مثلًا، الكثير من الفرح وأهدرت الكثير من الإمكانات».

خلق ونّوس مسرحًا جديدًا مختلفًا عن مسرح الخطابة. فقد آمن بـ (الكلمة – الفعل) وخلق مسرحًا وجوديًا فلسفيًا.وجدير بالذكر أنه بعد إصابة ونوس بمرض السرطان فى أوائل التسعينيات لم يستسلم للمرض، بل عاد إلى الكتابة بعد فترة توقف طويلة -شملت معظم الثمانينيات- فقدم أعظم أعماله ومنها «منمنمات تاريخية»، «الليالى المخمورة»، «طقوس الإشارات والتحولات»، و»يوم من زماننا»، وأنه ظل يكتب ويبدع حتى وفاته.

■  أفكاره وشخصياته الدرامية بعيون مصرية

يصعب، بل يستحيل إجراء رصد كامل وتوثيق لجميع مسرحيات عبد الله ونوس  التى قدمت فى مصر، وذلك لتكرار تقديم عدد كبير منها من قبل مختلف فرق وتجمعات الهواة والمدارس والجامعات، الشركات، الفرق الحرة والمستقلة، مراكز الشباب ومراكز الفنون،المراكز الثقافية الأجنبية، ومن ثم فى محاولة لتقديم صورة سريعة يمكن رصد العروض التى قدمت بمسارح المحترفين «مسارح الدولة والفرق الخاصة « وهى: الملك هو الملك: «المسرح الحديث» عام 1988، إخراج مراد منير، بطولة محمد منير، صلاح السعدنى، فايزة كمال، رحلة حنظلة: «مسرح الطليعة» عام 1988، إخراج ناصر عبدالمنعم، بطولة صلاح عبدالله، سلوى محمد على، أحمد صيام.،»منمنمات تاريخية» «المسرح القومى» عام 1995، إخراج عصام السيد، بطولة عبدالرحمن أبوزهرة، محمد السبع، سوسن بدر.»طقوس الإشارات والتحولات»: «مركز الهناجر للفنون» عام 1997، إخراج حسن الوزير.