الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمى للمسرح

رحل المبهج.. جورج سيدهم

مرت ذكرى الاحتفال باليوم العالمى للمسرح 27 مارس لعام 2020 حزينة بائسة وكأنها يوم المسرح الحزين؛ فلم يتوقف الأمر عند إغلاق جميع المسارح بالعالم بسبب ما يشهده اليوم من حدث استثنائى بانتشار وباء «كورونا » المستجد الذى تسبب فى توقف حركة الحياة الإنسانية وليست فقط المسرحية؛ بينما شهد الواقع المسرحى والفنى فى مصر حدث آخر حزين برحيل الفنان المبهج القدير «جورج سيدهم»  الذى أبى أن يرحل إلا فى هذا اليوم الكبير وكأن عشقه للمسرح وارتباطه الشديد به شاء أن تبقى ذكرى رحيله عالقة فى الأذهان بيوم احتفال العالم بالمسرح فى لحظة واحدة.



كوميديا عابرة للزمن كسر جورج سيدهم معايير الكوميديا النمطية بأسلوبه وأدائه فلم يعتمد على روحه الطيبة وطاقته المشعة بالبهجة والمرح فقط فى صناعة كوميديا غير اسهلاكية بل كان أيضا لمظهره وتركيبته الجسمانية دورا فى منحه شكل كاركاتيرى ربما ساعده كثيرا فى أداء بعض الشخصيات مثل تقمصه دور المرأة فى أكثر من موضع وبالتالى تفرد ثلاثى أضواء المسرح فى اللعب باختلافهم الجسمانى استغلوه استغلالا كبيرا فى صناعة تركيبة كوميدية ربما لم تتكرر فى عالم الفرق المسرحية؛ قدموا معا كوميديا ممتدة الصلاحية؛ لا تنتهى صلاحيتها برغم طول السنين وتغير مفاهيم كتابة وصياغة عمل كوميدى تماشيا مع العصر الحالى إلا أن الشكل والقالب الفنى الذى اعتاد ثلاثى أضواء المسرح تقديمه سواء فى إلقاء اسكتشات كوميدية مسرحية على طريقة «الاستاند آب كوميدى»  أو فى تقديم مقاطع مغناة بالأعمال السينمائية ارتبط بها الجمهور والمشاهد المصرى سنوات طويلة وامتد مفعولها إلى يومنا هذا، فالأجيال التى لم تعاصر هذا الفريق الذى أسس عام  1967 مازالت تتابع بشغف وتضحك على افيهات ومواقف كوميدية بذل أصحابها جهدا فى صناعتها وصياغتها على مستوى الكتابة والشكل والتكنيك والتأليف الموسيقى؛ فأصبحت خالدة دائمة فى صناعة البهجة والمرح لكل جيل لا تفسد أو تهرم بمرور الوقت وكأنها كوميديا عابرة للزمن..!

 

«ملاك البسمة» 

 

فى دورته الرابعة لعام 2019 كرم مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى الفنان الراحل وأصدرت إدارة المهرجان احتفاء به كتابا بعنوان  «مهندس الضحك» أعدته الكاتبة سلوى عثمان؛ كما كان قد سبق وأن كتب عنه الكاتب طاهر البهى كتابا آخر بعنوان «ملاك البسمة»  عام2003  كلا الكتابين تضمنا معلومات وافية ودقيقة عن حياة الفنان الراحل وكانا لهما الفضل الأكبر فى استغلالهما كمرجع كبير لمعرفة كواليس وأسرار حياة « جورج سيدهم» .

 

«دش بارد»

 

هو «جورج شفيق سيدهم » ولد فى مدينة جرجا بمحافظة سوهاج يوم 28 مايو  عام  1938 كان  يعمل أباه موظفا بأحد البنوك ويعتبر سيدهم هو الابن الرابع بين خمسة أشقاء بينهم بنت واحدة؛ بعد حصوله على الشهادة الإعدادية ترك أسرته فى مدينة جرجا وانتقل إلى الحياة فى القاهرة وكانت قد تفجرت موهبته فى التمثيل خلال مرحلة الدراسة الثانوية، كان يقوم بتقليد العديد من الشخصيات أثناء المرحلة الثانوية ثم أصبح رئيسا لفرقة التمثيل بالمدرسة وبعد انتهاء مرحلة الثانوية التحق بكلية الزراعة جامعة عين شمس وتخرج بعد حصوله على درجة البكالوريس عام 1961 وخلال فترة دراسته الجامعية ترأس فرقة المسرح بكلية الزراعة ثم تعرف عليه االجمهور لأول مرة خلال تلك الفترة عندما قدم فقرة صامتة بعنوان  «دش بارد»  فى برنامج تسالى للتليفزيون.

 

رفض الرباعية الفنية

 

تعرف على رفقاء دربه من خلال الفرق المسرحية والمنتخبات الفنية الجامعية الضيف أحمد من آداب القاهرة، سمير غانم كلية الزراعة بمدينة الإسكندرية؛ قاموا معا بتكوين فريق ثلاثى أضواء المسرح  حيث التقى الكوميديانات الثلاث عن طريق نجاحهم فى منتخبات الجامعات التى كانت تنظم مهرجانات مسرحية تضم منوعات فنية كان ضمن هذه المنوعات تقديم فقرات كوميدية، وكان يرأس سمير غانم فريق جامعة الإسكندرية والضيف أحمد رئيس فريق جامعة القاهرة وجورج سيدهم رئيس فريق جامعة عين شمس تنافس الثلاث على الفوز بكأس الجامعات للتمثيل وفاز به سمير غانم عام  1959، والضيف أحمد 1960 ، وجورج سيدهم 1961 اكتشفهم المخرج محمد سالم وقدمهم باسم  «ثلاثى أضواء المسرح » فى أول اسكتش « دكتور الحقني » ويعود إليه الفضل فى تقديمهم للتليفزيون وفوازير رمضان وكانوا هم واضعى أفكارها، ويقومون بكتابتها قدم معهم أنجح برامجه ثم بدأت تدور فى ذهنه فكرة تشكيل فرقة مسرحية تعتمد على مواهبهم ووضع لها اسم  «فرقة ثلاثى أضواء المسرح » كان هناك مشروع لانضمام عادل نصيف فى بداية تشكيل الفريق، قبل انضمام الفنان سمير غانم لكن نصيف لم يعجبه وضع العمل بالفريق وقرر الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد مشاركته فى عرض «حواديت وبراغيت » ثم حاول العودة من جديد بعد السفر لكنهم رفضوا عودته بعد اعتيادهم على سمير غانم والعمل معه بجانب أنهم لم يتنازلوا عن كونهم ثلاثى فقط ورفضوا أفكار نصيف بتحويل الفريق إلى رباعى أو خماسى كما اقترح عليهم لإعادته.

 

كوميديا منسجمة

 

صنع هذا الثلاثى حالة فنية متفردة واستثنائية بكل المقاييس سواء فى غزل وصياغة أعمال كوميدية جديدة ومختلفة عن العصر الذى ظهروا فيه مرورا بالقالب الفنى الذى وضعت فيه هذه الأعمال أو الذى تشكل عليه هذا الفريق فلم يعتمدوا على الاندماج أو التلاحم والانسجام معا فى الشكل والمضمون بل على العكس قدم كل منهم من خلال طبيعته الخاصة والمتفردة عن غيره كما ذكرنا، كوميديا منسجمة خرجت من رحم اختلافهم الجسمانى أولا والحس الفكهاى ثانيا بدءا من الضيف أحمد الذى كان يبدو ضعيف البنيان لكنه يتعمد التظاهر بالعكس، ثم سمير غانم النحيف الطويل وأخيرا جورج سيدهم القصير البدين، ساهمت هذه الطبيعة المختلفة فى اللعب على هيئتهم الخارجية وكذلك فى شكل واسلوب الإضحاك وإلقاء الإفيهات وبالتالى انسجموا معا عن طريق الاختلاف وليس عن طريق التشابه فى المنطق والبنيان الجسدى فخرجت أعمالهم محملة بمزيج من العفوية والتلقائية النادرة والتنوع المقصود فى صناعة الضحك ونجحوا فى إضحاك الجمهور دون تصنع أو ابتذال.

 

خلاف سالم والثلاثى

 

بدأت الفرقة عملها بمسرح الشاطبى بالإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة حتى وقع خلاف كبير بين محمد سالم والثلاثى حول أسلوب إدراة الفريق لأنه كان يريد أن تبقى هذه الفرقة فى قالب فنى غنائى استعراضى بينما رأى أعضاؤها أن هذا المشروع يحتاج إلى إمكانيات ضخمة لا تقوى الفرقة على تحملها، كان الفنان جورج سيدهم هو العقلية الإدارية المالية المدبرة للفريق ومن بين أفكاره التى ساعدت فريقه على تجاوز الكثير من المحن المادية فكرة ذهابهم وتقديم عروض فى السجون دعت الفرقة عددا كبيرا من ضباط الشرطة لمشاهدة العرض  «اتسجن آه إنما بمزاجي»  ثم تقدمت باقتراح لوزارة الداخلية ووزيرها فى ذلك الوقت شعراوى جمعة لتقديم عرضها على النزلاء بالسجون وافقت الوزارة وقدم العرض أمام ثلاثة آلاف سجين فى مايو 1971 لاقى العرض ردود فعل قوية وأصداء واسعة ثم قدمت الفرقة فى الشهر التالى نفس العرض بسجن القناطر وسهر المساجين فى سجن القناطر إلى الساعة الحادية عشرة مساء لأول مرة فى تاريخ السجن الذى لم يكن يسمح بالتواجد فيه خارج الزنازين بعد غروب الشمس، وكانت تعتبر المرة الأولى التى يقدم فيها عرض مسرحى للمساجين، تعرضت الفرقة إلى أزمة أخرى مع عرض  «مطلوب لمونة » لمؤلفه الإذاعى أحمد سعيد ففى يوم الافتتاح  تقرر إغلاق العرض بسبب أزمة بين أحمد سعيد والسلطة التى حالت دون تقديم عرضه ووقع وقتها جورج سيدهم فى ورطة لأنه كان يريد تقديم هذه المسرحية بشدة لكنه قرر آسفا إعادة التذاكر إلى الجمهور بينما حدث موقف غريب رفضت الجماهير بشكل جماعى استرداد النقود وقالوا«:إنها مقابل مقاعدنا فى عرضكم المقبل».

 

وجوه جديدة

 

   ساهم الثلاثى فى تقديم العديد من النجوم بالساحة الفنية بدأت بعرض «حواديت وبراغيت » عام 1967 قدموا سهير البارونى، زكريا موافى، هدى فريد، وأحمد نبيل، ثم «حدث فى عزبة الورد» 1968، و«طبيخ الملايكة» 1969  قدموا هالة فاخر، سناء ماهر، وأسامة عباس واستمر معهم نفس فريق العمل فى مسرحية «أحدث إمرأة فى العالم»، «كل واحد وله عفريت»، «الراجل اللى جوز مراته»، أما فى عرض «فندق الأشغال الشاقة عام 1970 قدموا الممثلة الشابة صفاء أبو السعود التى شاركت فيما بعد فى أشهر مسرحيات الفرقة « موسيقى فى الحى الشرقي»، «عارضة الأزياء بريجيت » بالإضافة إلى الممثلة الشابة فادية عكاشة، كما قدموا سبعة أطفال فى عرض  «موسيقى فى الحى الشرقي» 1972، وفى مسرحية «جوليو وروميت » سنة 1973 أسندت الفرقة البطولة النسائية إلى الوجه الجديد بوسى فى أول بطولة فى حياتها الفنية كما قدمت نجاح الموجى فى عرض «حواديت»، وفى فندق الثلاث ورقات» 1974 قدموا نسرين وصلاح ذو الفقار بعد الانسحاب الأول المفاجئ للفنان سمير غانم ثم فى «من أجل حفنة نساء» قدموا لأول مرة الفنانة معالى زايد ومعها الفنانة فريدة سيف النصر لعبوا نفس الدور فى «المتزوجون»، «حب فى التخشيبة»، «لو انت قط أنا فار«.

 

لحظات الانكسار

 

مر الفريق بفترات انتصارات وانكسارات ربما تعتبر فترة انطلاقه للساحة الفنية والنجاح الكبير الذى حققوه معا فى البداية هى أوج انتصاراتهم وفرض نفوذهم ككوميديانات لهم بصمة واضحة بالمسرح والسينما والتليفزيون، بينما بدأت مرحلة الانكسار بوفاة الضيف أحمد الذى أكد عنه سمير غانم أنه كان عقلية فنية هامة ومحركة للفريق وأخرج لهم بعض عروضهم أهمها «الراجل اللى جوز مراته»  و»كل واحد له عفريت » وهو آخر عرض شارك به مع الفريق حيث توفى أثناء البروفات النهائية لهذا العرض وهو يوصى سمير غانم بضرورة حضور البروفة فى موعدها قال سمير غانم عن هذه الواقعة ..«كنا عائدين من الأردن وبعد وصولنا لمطار القاهرة ظل يوصينى على ضرورة الحضور غدا فى موعد البروفة حتى أننى تعجبت من صرامته ثم تركنا ووقف وحيدا شاردا وفى منتصف ليل نفس اليوم فوجئت باتصال هاتفى من جورج سيدهم يخبرنى بوفاة الضيف أحمد كانت صدمة كبيرة لنا جميعا وغير متوقعة على الإطلاق لأننا كنا بدأنا حلما ومستقبلا نتمنى أن نكمله معا وبالتالى لم أقبل بأى شكل من الأشكال ملء مكانه الفارغ بأى شخص آخر مهما بلغ حجم التشابه بينه وبين الفنان الراحل وبالفعل تقدم لنا كثيرون منهم يشبهونه للغاية لكننا رفضنا بشدة وتمسكنا بأن يبقى اسم الثلاثى كرمز فأنا ممثل لكيان الثلاثى بمفردى وكذلك جورج سيدهم»؛ كتب أيضا الضيف أحمد فيلم «ربع دستة أشرار»، ولحن بنفسه اسكتشات فيلم «30 يوم فى السجن؛ بعد صدمة وفاته بقى شبح الخلاف المادى وأزمة الإدارة الذى طارد الفريق؛ استكمل الثنائى جورج سيدهم وسمير غانم المسيرة بمسرحيات «المتزوجون»، «فندق الأشغال الشاقة»، «موسيقى فى الحى الشرقى»، «جوليو وروميت»، «أهلا يا دكتور » وتعتبر آخر الأعمال التى جمعتهم سويا بعده انفصل الفنان سمير غانم تماما عن الفريق غازله العمل وقتها مع فريق «النيل»  لصاحبه مطيع زايد وبالفعل قدم معهم أكثر من عرض مسرحي؛ بينما ظل جورج مخلصا لاسم وسمعة فريقه فقدم ثلاث مسرحيات باسمه «لو انت قط أنا فار»، «حب فى التخشيبة»، «نشنت يا ناصح» وبالتالى تعرض الفريق لأزمات فنية ومادية شديدة تسببت فى أزمة قلبية للفنان جورج سيدهم نقل على إثرها إلى لندن لإجراء عملية فى شرايين القلب على يد الدكتور مجدى يعقوب وكانت سبب مراحل الانكسارات المتتالية وفاة الضيف أحمد المفاجئ، ثم إصرار سمير غانم على الانسحاب من الفريق ومطالبته بمستحقاته المادية، تلاه الحريق والخسائر التى لحقت بمسرح الهوسابير بعد أحداث الشغب فى منتصف الثمانينات والتى تسببت فى خسارة مادية كبيرة لجورج سيدهم حيث تضاعفت الديون على الفريق فقام شقيقه أمير سيدهم برهن مسرح الهوسابير لأحد البنوك وحجز البنك على المسرح لعدم سداد القرض، ثم هاجر أمير سيدهم مدير الفرقة والمسئول المالى والإدارى إلى أمريكا فتحمل جورج بمفرده سداد جميع الخسائر والديون ثم أصيب بجلطة خفيفة فى المخ وبعدها جلطة كاملة أعجزته عن الحركة والكلام منذ عام 1997، وهكذا انطفأ حلم الفريق بمرور الأزمات والزمن ولم يبق سوى ذكريات الأيام الجميلة التى جمعتهم معا.

 

مسرحيات سيدهم

 

تدرج عمل الراحل جورج سيدهم بالمسرح كما ذكره الناقد عمرو دوارة تاريخيا حيث عمل منفصلا أحيانا عن فريق « ثلاثى أضواء المسرح»  بعروض فى مسرح الدولة، المسرح الحديث  «المصيدة» عام 1963، المسرح العسكرى «العروبة» الأستاذ كالون 1964، مسرح الحكيم «الرجل اللى ضحك على الأبالسة» 1966، وفى فريق الثلاثى قدم «حواديت.. أبناؤنا فى الخارج_زفة العروسة»، «براغيت» 1967، «حدث فى عزبة الورد» 1968، «أحدث زوجة فى العالم»، «طبيخ الملائكة»، «كل واحد وله عفريت» 1969، «الراجل اللى جوز مراته»، «أنت اللى قتلت عليوة»، «آخر موضة» 1970، «فندق الأشغال الشاقة» 1971، «موسيقى فى الحى الشرقي» 1972، «جوليو وروميت» 1973، «موسيقى فى الحى الشرقى» 1972، «فندق الثلاث ورقات» 1974، «من أجل حفنة نساء» 1975، «المتزوجون» 1976، «أهلا يا دكتور» 1980، «لو انت فار أنا القطة» 1985، «حب فى التخشيبة» 1992، «نشنت يا ناصح» 1995، ومن المسرحيات المصورة للتليفزيون شارك سيدهم فى بطولة عروض «ضيوف فوق العادة»، «مين فينا الغبى»، «الراجل يخاف من خياله، «أزواج بلا ماضى»، «فى انتظار جودة»، «غرفة للإيجار»، «منطقة ممنوعة»، «درويش يتألق فرحا»، «جواز مع الاشتراك فى الأرباح»، «كلام خواجات»، «ثمانية على الهوا» تعاون مع مخرجين كبار مثل محمد سالم، عبدالمنعم مدبولى، نور الدمرداش، محمود السباع، جلال الشرقاوى، حسن عبدالسلام، «نجيب سرور، أحمد حلمى، الضيف أحمد، عوض محمد عوض، شاكر عبداللطيف، محمد فاضل، شاكر خضير، عصام السيد، وسمير سيف.