الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سحر المسرح يخطف جمهور رمضان

خلال أيام الحظر والمنع وتأكيد الجميع على الدعوة للجلوس فى المنازل؛ ومتابعة ما شئت من الفن والموسيقى كان الجمهور المصرى وفى جميع أنحاء العالم على موعد مع متعة الاكتشاف للسحر والفن، فى عالم آخر وبمستوى آخر من الإبداع بإحدى روائع برودواى تم تقديم العرض الموسيقى الغنائى الأشهر «شبح الأوبرا»، استمر العرض مفتوحا للمشاهدة على موقع اليوتيوب لمدة ثلاثة أيام متواصلة من الجمعة إلى الأحد؛ وهو ما اتاح للجميع رؤيته ومتابعته؛ تحت شعار «ابقى بالمنزل والعرض لابد أن يستمر».. تقرر تقديم يوم الجمعة من كل اسبوع إحدى روائع مسرح برودواى الموسيقية فى قناة بنفس العنوان على موقع اليوتيوب؛ واليوم الجمعة 24 إبريل الجارى سيتم عرض «الحب لا يموت» لنفس المؤلف الموسيقى اندرو ويبر ويعتبر هذا العمل امتداد او الجزء الثانى من «شبح الأوبرا»  ومن المنتظر ايضا عرض «القطط» و«البؤساء» وغيرها من الأعمال الموسيقية الغنائية الهامة التى لم يكن متاحا للجمهور المصرى رؤيتها من قبل؛ بجانب تزامن هذه العروض مع حلول شهر رمضان بمصر وهو ما يعد تحديا أكبر أمام متابعتها فى ظل زحام الدراما التليفزيونية.



«شبح الأوبرا»

يبدأ العرض بمزاد علنى يباع فيه مجموعة من القطع النادرة بجانب صندوق الموسيقى المصاحب للقرد يصفق عليه عازفا بموسيقى عذبة؛ والذى كان يلازم الشبح فى متاهته السرية بمسرح الأوبرا يشترى الصندوق راؤول حبيب كريسين الذى يظل محتفظا بموسيقاه بعد انتهاء كل شيء ثم يبدأ العمل وكأنه رحلة عبور للزمن لإستعادة ذكريات هذه الأوبرا وهذا المسرح الذى عاش بداخله الشبح سنوات ورفض تركه لكل من تولى إداراته يفرض الشبح على الفرقة المسرحية غناء الأوبرا التى كتبها خصيصا لهم ويخص ببطولتها كريستين التى يعتبرها الملاك الحارس لموسيقاه؛ وتدور وتحتدم الأحداث بين الشبح وحبه لكريسيتن ومطاردته لها ولحبيبها وإصراره لفرض سيطرته على المسرح بكل آلاعيبه السحرية وجرائمه القاتلة.

سحر الإتقان

تعتبر «شبح الأوبرا» قصة بسيطة أشبه بحواديت ألف ليلة وليلة الخيالية؛ من هذه البساطة فتحت الخيال إلى تصنيع وغزل فنون المسرح حولها بدءا من خشبته الأقرب إلى خشبة سحرية منها إلى خشبة واقعية ثم تركيب وصناعة ديكورات حول هذه الخشبة بجانب الموسيقى التى تم تأليفها خصيصا للعرض؛ الأوركسترا والممثلين المطربين المشاركين بالعمل هذه الكتيبة من المبدعين صنعوا حالة فنية فريدة، فى كل شيء غلبت عليها سحر الإجادة واتقان العمل فى صناعة مسرح غنائى كما يجب أن يكون بتقنيات شديدة الإبهار؛ منحوا به دروسا فى كيفية صناعة الأعمال الضخمة القادرة على خلق قاعدة جماهيرية عريضة تأتى إلى مسرح «برودواي» فى نيويورك ومسرح «الماجيستي» فى لندن المقر الأساسى لتقديم العرضين بصفة مستمرة فهذا العمل وغيره من على شاكلته صنعوا لبلدانهم ما يسمى بالسياحة المسرحية التى يأتى إليها الجماهير خصيصا من جميع انحاء العالم فقط لمشاهدة هذه النوعية الإستثنائية من العروض المسرحية غير المتكررة فى أماكن أخرى.

لماذا هو عمل استثنائي؟

لم يتوقف تميز أو استثناء «شبح الأوبرا» عند روعة الأداء الغنائى أو الموسيقى لأبطاله وعازفى الأوركسترا بعيدا عن الشكل النهائى الذى خرج عليه العرض أو الأداء الظاهرى الذى يراه الجمهور فى النهاية يجب أن نتأمل ونتوقف عند كواليس هذا العمل الضخم الذى لم يكن ليخرج بهذا الشكل لولا قوة كواليسه الداخلية فما وراء الستار عالم آخر ربما لا نعلم عنه الكثير ولولا هذا العالم المليىء بالأسرار والمزدحم بالعاملين المنضبطين ما خرج «شبح الأوبرا» بهذه الفخامة والضخامة والروعة والإتقان؛ كيف خرج هذا العمل أو يخرج عادة فى عرض مستمر لمواسم طويلة كاملة حتى أنهم كانوا يحتفلون عام 2011 فى عرضه بقاعة ألبرت هول بلندن بمرور 25 عاما على انطلاقه منذ عام 1986 وتوالى على بطولته والعمل فيه على المستوى التقنى والفنى أجيال وأجيال وفى كل مرة لم يتحرك أو يتغير مستوى حرفية هؤلاء فى الخروج بالعرض تقنيا، كما يخرج عليه دائما وبالتالى يبدو أنه يعمل خلف ستاره جيشا كبيرا من التقنيين ومهندسى الإضاءة والديكور لتنفيذ خدع مسرحية لا يمكن أن تجدها فى أى مسرح بإمكانيات عادية بدءا من خدعة سقوط «النجفة» وارتفاعها مرتين بالمسرح مرة فى مشهد المزاد والمسرح مغطى ومهدم بإعتباره أثر قديم ترقد نجفته مغطاه على الأرض ثم مع بدء أحداث استعادة الذكريات تنطلق هذه النجفة مرتفعة لتعلن عن إحياء ذكريات مسرح أوبرا باريس والمرة الثانية عندما يغضب الشبح غضبا عارما فيهدم على الفرقة المسرح بالكامل وتسقط النجفة من أعلى المسرح على الأرض مرة أخرى؛ تنفذ هذه الخدعة بحرفة فنية عالية فى جميع ليالى وأيام عروض «شبح الأوبرا» سواء بمسرح بروداوى فى نيويورك أو بمسرح الماجيسيتى بلندن؛ ثم ضخامة المسرح الذى ينقسم إلى مستويات متعددة مستوى لجلوس الأوركسترا فى المنتصف ومستوى أعلى للمتاهة وممر لهذه المتاهة حيث يسكن الشبح الذى يختطف كريسين بها ثم انقلاب المسرح رأسا على عقب كى نرى القبو الذى يختبئ به عن الجميع ودخول مركب وصعود شمعدانات ضخمة مزينة بالشموع بهذا المقر ثم ظهوره لكريستين للمرة الأولى من خلال مرآة تنعكس صورته بها وكذلك طريقة اختفائه التام بالمشهد الأخير بعد جلوسه على كرسيه وتغطية جسده كاملا ثم فجأة تدخل فتاة وتزيل هذا الغطاء لنجد قناعه فقط الذى كان يرتديه طوال العرض، حالة من السحر وعالم الخيال استطاع هؤلاء المبدعون  تنفيذها فنيا وتقنيا على خشبة مسرح وليس فيلم سينمائى وهنا تكمن الدهشة ففى المسرح يقاس مدى مهاراتك فى قدرتك على صناعة الدهشة وهو ما نجحوا فيه بإقتدار كبير كيف تدهش وتخلب عقول من يشاهد العمل مصور أو داخل قاعة العرض، وإن كانت النسخة المصورة على حد قول كل من رأى العمل فى حالته الطبيعية أقل تقنيا؛ فى حين أنها حظيت على احتفاء جماهيرى لكل من تابعها وحرضتنا على التساؤل والتعجب كيف خرج هذا العمل وكيف وصل هؤلاء إلى هذا المستوى من الحرفة والإتقان.

كلمة السر

بالطبع كلمة السر فى هذا العرض هى الإجادة الشديدة والإتقان والحرفية فى إحترام وتقدير العمل الجماعى الذى بسببه خرج هذا العمل على قلب رجل واحد؛ وكأن شخصا واحدا هو الذى أخرجه للنور فى حين أنهم جيش كبير من الإداريين والمسرحيين والتقنيين ثم يبقى المؤلف الموسيقى أندرو لليود ويبر الذى صنع مقطوعة موسيقية وتحفة فنية تتساوى فى عظمتها مع أعمال بيتهوفن وتشايكوفسكى قدم موسيقى خالدة للتاريخ وباقية فى آذان مستمعيها لا يمكن أن تفقد الرغبة فى الإستماع إليها المزيد والمزيد من المرات ولا يمكن أن تخطأ فى تمييزها فور استماعك لها ترك بها بصمة خالدة لا تمحى من الآذان والأذهان؛ ثم الحوار الغنائى الذى كتب بجهد كبير تنتقلنا معه الموسيقى إلى عالم أحلام كريسيتن دايي.

بطلان الادعاءات

انتشرت فى السنوات الأخيرة وترددت كثيرا على ألسنة كثيرين مقولة انتهاء المسرح لعدم قدرته على مواكبة تطور وسائل التكنولوجيا الحديثة والتواصل الإجتماعى وغلبة السينما والتليفزيون عليه بينما يأتى عمل كهذا أو غيره من العروض المسرحية المعتمدة على صناعة الدهشة وفتح آفاق الخيال إلى شكل آخر ومستوى أرقى من الإبداع الفنى فى صناعة مسرح تجارى غنى بالفنون البصرية والأدائية لتؤكد على بطلان كل إدعاء بتوقف المسرح عن صناعة دهشته وعن استمراره كفنا جماهيريا قادرا على جذب جمهوره والإحتفاظ به فهذه العروض من شأنها أن تحتفظ للمسرح بسحره وتألقه على الدوام ففى ظل استمرار الإجتهاد والإتقان والإستمرارية فى اكتشاف سبل ووسائل جديدة لعناصر الجذب الجماهيرى بالعمل الجاد تنتهى كل ادعاءات توقف المسرح عن القيام بدوره وفقدانه لقيمته بين الفنون الأخرى، بهذا المستوى الرفيع لن يسدل المسرح ستاره ما حيا الاجتهاد..!

استطاع مهندس الديكور حازم شبل الحضور والتواجد فى عرض «شبح الأوبرا» بنسختيه فى مسرح برودواى فى نيويورك ومسرح لاس فيجاس وخصنا بصور نادرة من داخل المسرح اثناء صعود وهبوط نجفة العرض فى التدريبات التقنية وشرح كيف يتم انقسام النجفة إلى ثلاثة أجزاء فى أحد نسخها الإنتاجية وإعادة تجميع وتركيب هذه الأجزاء من جديد أمام الجمهور بقاعة العرض وقال أن هذا العمل يحتوى على ثلاث فرق مختلفة تتبادل أدواره فيما بينها هناك فرق للسفر فى جولات فنية وتقديم العمل خارج مكانه الأصلى وفرق تعمل فى مقر إقامة العرض الدائمة كما أن هناك نسخ إنتاجية متعددة لنفس العرض تتواءم مع إمكانيات كل مسرح تقدم على خشبته؛ بجانب أنه مازال يؤكد على فكرة الإنضباط الشديد فى تنفيذ هذه التنقية شديدة التعقيد والإجادة الفنية والحرفية فى اتقان العمل الجماعى لإخراجه بهذا الشكل للجمهور لم ينفى شبل قدرتنا فى مصر  على تنفيذ هذا الشكل من العروض ولكنه أكد على ضرورة تمتعنا بهذا المستوى من الحرفة والإتقان الحقيقى.