السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قناديل بأمر الخليفة وفوانيس بأمر الشعب

زينة رمضان فى مصر

علبة مفرغة من الصفيح ومحاطة بزجاج ملون وفتيل مبلل بالزيت أو شمعة من الدهن يتسرب ضوءها الخافت لتصطف مع رفاقها لتفرش الأرض نورًا فى استقبال هلال شهر الرحمة هكذا تعلقت قلوب المصريين بشهر رمضان فظلوا لقرون وعقود يستقبلون شهر النور بالنور فوانيس وقناديل وزينة كأحد أهم الطقوس الشعبية الفلكلورية لاستقبال الشهر الكريم.. ولكل منها قصة وبداية تتلاقى أطرافها فى مصر المحروسة.



كان عمر بن الخطّاب أول من أمر بإنارة المساجد وتزيينها بالقناديل بدءًا من اليوم الأول من شهر رمضان حينما شرع بصلاة التراويح، حتى يتمكن المسلمون من إقامة صلاة التراويح وإحياء شعائرهم الدينية بشكلٍ سلس من جهة، واستقبالًا للشهر الكريم بحلّةٍ جميلة من جهةٍ أخرى،كانت إضاءة المساجد تتمّ من خلال السراج البسيط الصنع، حيث لم تكن أكثر من أوعيةٍ يوضع فيها زيتٌ له فتيل يُشعل بالنار. وشيئًا فشيئًا تتطور شكله، فظهرت القناديل المزخرفة والبلّورية متقنة الصنع. فقد ذكر أنّ عمر بن الخطاب علق القناديل على سور ساحة الكعبة للإنارة ليلًا. 

وفى العصر العبّاسى، كان الخليفة «المأمون بن هارون الرشيد» قد أمر خلال فترة خلافته بالإكثار من وضع المصابيح المزخرفة فى المساجد فى شهر رمضان. وطلب من رجاله حثّ الناس على الإكثار من المصابيح فى هذا الشهر المبارك، وتعريفهم ما فى ذلك من فضل.

أما فى العهد العثمانى، فيُشار إلى أنّ أول من أمر بإنارة الجوامع والمساجد احتفالًا برمضان، كان السلطان أحمد، وذلك فى عام 1617 للميلاد، فأضاء أنوار المصابيح والمشاعل التى اعتلت مختلف قبب ومآذن جوامع إسطنبول على كثرة عددها، حتى بدت المدينة وكأنها مرشوشة بالنجوم النيّرات.

الفانوس المصرى

للفانوس المصرى فى العهد الفاطمى أكثر من قصة تروى فتحكى الروايات التاريخيّة إنه فى عهد الفاطميين كان المصريون بانتظار الخليفة المعز لدين الله الفاطمى ليمرّ بالقاهرة، فأمرهم القائد العسكرى «جوهر الصقلّي» آنذاك أن يقفوا فى الطرقات التى سيمرّ بها الخليفة لاستقباله وليضيئوا طريقه بالشمعات التى وُضعت فى علبٍ خشبية مغطاةٍ بورق النخيل والجلود الخفيفة لضمان عدم انطفائها.ما أثار أعجاب الخليفة المعز لدين الله بمشاهد الفوانيس التى كان يحملها من خرجوا لاستقباله وأمر بألا تطفئ الفوانيس أنوارها طوال الشهر الكريم، ومنذ ذلك الوقت والتاريخ، ارتبط الفانوس بإضاءة شوارع القاهرة وإنارتها خلال شهر رمضان، ومع الوقت تحوّل إلى عادةٍ شعبية ورمزٍ أساسيّ لا يخلو الشهر منه ومن مظاهره.

أما الرواية الأخرى فترجع إلى حقبة الحاكم بأمر الله, حيث سمح للنساء بالخروج لأداء صلاة الجماعة والتراويح فى الجوامع بشرط أن يرافق كل امرأة طفل يحمل فانوسًا حتى يعرف المارّة أنّ ثمة امرأة تمرّ من الطريق فيوسعوا لها ويتنحّوا جانبًا.

الفانوس فى حكايات ابن بطوطة

كان للفانوس دور آخر فى استطلاع هلال شهر رمضان فى العصر المملوكى، فكان قاضى القضاة يخرج لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة كشهود ومعهم الشموع والفوانيس، ويشترك معهم المحتسب وكبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف، وكانوا يشاهدون الهلال من منارة مدرسة المنصور قلاوون المدرسة المنصورية «بين القصرين» لوقوعها أمام المحكمة الصالحية «مدرسة الصالح نجم الدين بالصاغة»، فإذا تحققوا من رؤيته أضيئت الأنوار على الدكاكين وفى المآذن وتضاء المساجد، ثم يخرج قاضى القضاة فى موكب تحف به جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس والشموع حتى يصل إلى داره، ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام.

وقد وصف الرحالة «ابن بطوطة» عام 727هـ الاحتفال برؤية هلال رمضان فى مدينة «أبيار» بالقرب من المحلة الكبرى، فقال:

 «وعادتهم فى يوم الركبة أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر بدار القاضى، ويقف على باب الدار نقيب المتعممين وهو ذو شارة – هيئة حسنة - فإذا أتى أحد الفقهاء أو الأعيان تلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلًا «باسم الله سيدنا فلان الدين» ويجلسه النقيب فى موضع يليق به، فإذا تكاملوا جميعًا وعلى رأسهم القاضى، وتبعهم مَن بالمدينة من الرجال والصبيان حتى إذا ما انتهوا إلى موضع مرتفع خارج المدينة - وهو مرتقب الهلال عندهم - وقد فرش الموضع بالبسط والفرش فينزل القاضى ومن معه يرتقبون الهلال ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشموع والمشاعل والفوانيس، فيكون ذلك دليلًا على ثبوت الرؤية فيوقد التجار الشموع بحوانيتهم وتكثر الأنوار فى الطرقات والمساجد.

ومن احتفال ليلة رؤية الهلال فى عام 920هـ عهد السلطان الأشرف قنصوه الغورى- فقد حضر القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية، وحضر الزينى بركات بن موسى المحتسب، فلما ثبت رؤية الهلال وانفض المجلس ركب المحتسب ومشى أمامه السقاءون بالقرب وأوقدوا الشموع على الدكاكين وعلقوا المواقد والقناديل على طول الطريق إلى «بيت الزينى بركات».

تطور أشكال الفانوس

 المناطق الفاطمية فى مصر أهم الأماكن التى تصنّع الفوانيس بمختلف أشكالها وأنواعها، فمنها ما يُصنع من النحاس وأخرى من القصدير أو الصفيح. ومنها ما يتمّ تزيينه بالزجاج المزخرف أو المبلور ومنها ما يظلّ على شكله الأصليّ. وهناك مناطق معينة مشهورة بصناعة الفوانيس حتى الآن مثل منطقة تحت الربع بالقرب من حى الأزهر.. والغورية.. ومنطقة بركة الفيل بالسيدة زينب فصناعة الفوانيس ليست مجرد حرفة تتوارثها الأجيال ولكنها فن يعتز به أصحابه، فطوروا من أشكالها فبعد أن كان الفانوس عبارة عن علبة من الصفيح توضع بداخلها شمعة، تم تركيب الزجاج مع الصفيح مع عمل بعض الفتحات التى تجعل الشمعة تستمر فى الاشتعال. ثم بدأت مرحلة أخرى تم فيها تشكيل الصفيح وتلوين الزجاج ووضع بعض النقوش والأشكال.وكان ذلك يتم يدويًا وتستخدم فيه المخلفات الزجاجية والمعدنية، وكان الأمر يحتاج إلى مهارة خاصة ويستغرق وقتا طويلا. وتوجد بعض الفوانيس المعقدة من ناحية تصميمها مثل الفانوس المعروف «بالبرلمان» والذى سمى بذلك نسبة إلى فانوس مشابه كان معلقا فى قاعة البرلمان المصرى فى الثلاثينات من القرن الماضى. وكذلك الفانوس المسمى «فاروق» أو تاج الملك والذى يحمل اسم ملك مصر السابق والذى صمم خصيصًا وقتها لاحتفال القصر الملكى بيوم ميلاده، وتم شراء ما يزيد على 500 فانوس من هذا النوع يومها لتزيين القصر الملكى. ومؤخرا تدخّلت الصناعة الصينيّة فى هذا الجانب أيضًا، فظهرت فى العقد الأخير تلك الفوانيس البلاستيكية رديئة الصنع منافسًة الفانوس التراثيّ العريق.