الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من صفحات كتب التاريخ

الجامع الأزهر.. قِبلة العمارة الإسلامية بأيد مصرية

كعبة العلم وحصن أهل السنة والجماعة وأقدم جامعة نظامية للعلوم الشرعية لأهل السنة ليس على وجه الأرض بقعة جمعت من علماء الأرض وصلحائها والجهد فى طلب العلم وتعلمه وتعليمه، والدأب فى ذلك الليل والنهار مثله؛ بحيث أجمعوا على أنه لم يقع منذ أزمان وإلى الآن أنه خلا من علم أو ذكر ساعة من ليل أو نهار.. إنه الجامع الأزهر..



الأزهر الشريف ليس فقط قبلة للعلوم الشرعية إلا أنه أيضا أسطورة معمارية خلدت فناً ذا طراز خاص لعصور سبقت الإسلام وتوجت أعمدته عند البناء العديد من الكتب تحدثت عن تاريخ العمارة الإسلامية وفنونها فى مساجد مصر وأفردت صفحات منها للجامع الأزهر الشريف إلا أن هناك كتاب خصها بالدراسة ووثق مابها من معلومات  عن تاريخ وعمارة وفنون أعرق مسجد فى مصر فى ألف عام تحول خلالها من مسجد للصلاة إلى أحد أبرز وأشهر الجامعات الإسلامية فى العالم.. وهو كتاب(الجامع الأزهر الشريف) الذى يقع فى 786 صفحة كبيرة القطع وهو ثمرة مشروع بحثى قامت به مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مشيخة الأزهر وأعد مادته محمد السيد حمدى وشيماء السايح بإشراف د.خالد عزب وراجعه محمد كمال الدين.

 

عمارة الأزهر

 

ان الأزهر أول مسجد جامع انشئ فى مدينة القاهرة، لهذا كان يطلق عليه جامع القاهرة. وكان عبارة عن صحن تطل عليه ثلاثة أروقة، أكبرها رواق القبلة. وكانت مساحته وقت إنشائه تقترب من نصف مساحته الآن. ثم أضيفت له مجموعة من الأروقة ومدارس ومحاريب ومآذن، غيرت من معالمه, عما كان عليه من قبل. و أول عمارة له قام بها الخليفة الفاطمى الحافظ لدين الله. عندما زاد فى مساحة الأروقة, وأقام قبة جصية منقوشة نقشا بارزا. وفى العصر المملوكى عنى السلاطين المماليك به, بعدما كان مغلقا فى العصر الأيوبي. بعده قام الأمير عز الدين أيدمر بتجديد الأجزاء التى تصدعت منه. وضم ما اغتصبه الأهالى من ساحته. واحتفل فيه بإقامة صلاة الجمعة فى يوم (18 ربيع الأول سنة 665هـ/19 من نوفمبر 1266م). و فى عهد السلطان المملوكى الناصر محمد بن قلاوون، أنشأ الأمير علاء الدين طيبرس أمير الجيوش المدرسة الطيبرسية سنة (709هـ - 1309م)، وألحقها بالجامع الأزهر. وأنشأ الأمير علاء الدين آقبغا من أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة (740هـ/1340م) المدرسة الأقبغاوية على يسار باب المزينين (الباب الرئيسى للجامع )وبها محراب بديع، و منارة رشيقة. أقام الأمير جوهر القنقبائى خازندار السلطان المملوكى الأشرف برسباى المدرسة الجوهرية فى الطرف الشرقى من الجامع. وتضم أربعة إيوانات. أكبرها الإيوان الشرقى وبه محراب دقيق الصنع، وتعلو المدرسة قبة منقوشة. و قام السلطانالمملوكى قايتباى المحمودى فى عهد المماليك الجراكسة بهدم الباب بالجهة الشمالية الغربية للجامع. وأقام على يمينه سنة (873هـ/1468م) مئذنة رشيقة من أجمل مآذن القاهرة، ثم قام السلطان المملوكى قنصوه الغورى ببناء المئذنة ذات الرأسين، وهى أعلى مآذن الأزهر. و تعتبر طرازا فريدا من المآذن بالعمارة المملوكية.

وكان عبد الرحمن كتخدا قد أضاف سنة (1167هـ/1753م) مقصورة جديدة لرواق القبلة يفصل بينها وبين المقصورة الأصلية قوائم من الحجر ترتفع عنها ثلاث درجات، وبها ثلاثة محاريب. وفى الواجهة الشمالية الغربية التى تطل حاليا على ميدان الأزهر أقام كتخدا بابا يتكون من بابين متجاورين، عرف أحدهما بباب المزينين لأن المزينين (الحلاقين) كانوا يجلسون أمامه. والثانى أطلق عليه باب الصعايدة و بجوارهما مئذنة لا تزال قائمة حاليا. ويؤدى البابان إلى رواق الصعايدة أشهر أروقة الأزهر. وسمى بالصعايدة, لأن الطلاب الصعايدة كانوا يقطنون بالرواق.

وفى عهد الخديو عباس حلمى الثاني, جددت المدرسة الطيبرسية فى (شوال 1315 هـ /1897م). وأنشأ رواقًا جديدًا يسمى بالرواق العباسى نسبة إليه، وهو أكبر الأروقة. وجدد الجامع تماما بعد حادث الزلزال.

 

تيجان الأعمدة

 

ويذكر الكتاب، أن أعمدة الجامع «جلبت من مبان سابقة على الإسلام امتازت بتيجانها المزخرفة» وأن بناءه تأثر «إلى حد كبير» بتخطيط مسجد عقبة بن نافع بمدينة القيروان التونسية ومسجد الزيتونة بالعاصمة التونسية ولكن الجامع الأزهر شيد بأيدى بناءين مصريين ومواد وتقنيات مصرية.

وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب، فى تصدير الكتاب، إن الأزهر عبر تاريخه ظل منارة تعليمية وثقافية أسهمت فى «تنوير الأمة... واستعصائها على الذوبان والتلاشى أمام تقلبات التاريخ واضطراب الحضارات» مضيفا أن هذا الكتاب باكورة إنتاج مركز دراسات الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامى المعاصر بمكتبة الإسكندرية.

وتنفيذا لأمر المعز لدين الله الفاطمى بدأ القائد جوهر الصقلى تشييد الجامع الأزهر عام 970 ميلادية فى العام التالى لوضع حجر الأساس لمدينة القاهرة. واستغرق بناء المسجد نحو 28 شهرا. ويقول الكتاب، إن المسجد فى البداية لم يحمل اسم «الجامع الأزهر» وإنما «جامع القاهرة» وإنه ينسب إلى بنت النبى محمد وأم الإمام الحسين السيدة فاطمة الزهراء التى ينتسب إليها الفاطميون. كما قيل إنه حمل هذا الاسم «تفاؤلا بما سيكون له من الشأن والمكانة بازدهار العلوم فيه.»

ولكن الجامع الذى تبلغ مساحته حاليا 11500 متر مربع ويعد الآن رمزا للإسلام السنى فى العالم شاهد على تقلبات سياسية كان لها تأثير كبير فى تغير المذهب الدينى الرسمى فى مصر. ويسجل الكتاب أن مؤسس الدولة الأيوبية صلاح الدين الأيوبى الذى حكم بين عامى 1169 و1193 ميلادية أبطل «كل مظاهر الدولة الفاطمية التى كانت تعتنق المذهب الشيعى الإسماعيلى المخالف للمذهب السنى مذهب الدولة الأيوبية» حتى إنه أبطل صلاة الجمعة سنة 1169 بالجامع الأزهر وأقر صلاة الجمعة فى جامع الحاكم بأمر الله. ورغم عدم إقامة صلاة الجمعة فى الجامع الأزهر فإنه احتفظ بدوره التعليمى وظل مدرسة لتدريس العلوم الدينية والعقلية واللغوية فضلا عن إقامة الصلوات الخمسة يوميا.

ويقول الكتاب: إن الظاهر بيبرس البندقدارى الذى حكم مصر بين عامى 1260 و1277 ميلادية أعاد صلاة الجمعة إلى الجامع الأزهر بداية من يوم الجمعة 18 ربيع الأول 665 هجرية الموافق 17 ديسمبر 1266 ميلادية «بعد انقطاعها مدة تقارب مئة سنة» وقام بالتجديد فى عمارة الجامع.

 

الأزهر على مسرح السياسة

 

ويذكر الكتاب جانبا من الدور السياسى الوطنى للأزهر، ويسجل أن ثورة القاهرة الأولى التى اندلعت يوم 21 أكتوبر 1798 ضد الاحتلال الفرنسى لمصر (1798-1801) وقتل فى ذلك اليوم الجنرال ديبوى فاتخذ الثوار من الجامع مقرا لهم فأطلق الجيش الفرنسى فى اليوم التالى القنابل على الجامع والمنطقة المجاورة «فانفجرت فى الجامع.. حتى كاد أن يتداعى. وتغلبت قوة النار على قوة الثوار» فاقتحمه جيش الاحتلال.

ووصف المؤرخ المصرى المعاصر للحملة الفرنسية عبد الرحمن الجبرتى ذلك بقوله «ثم دخلوا إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيل... وربطوا خيلهم بقبلته وعاثوا بالأروقة وكسروا القناديل... ونهبوا ما وجدوه من المتاع... ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الأرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها».

ويقول الكتاب: إنه فى ثورة 1919 كان الجامع الأزهر مركزا للتحريض على قوات الاحتلال البريطانى «ولم يتورع جنود الاحتلال البريطانى من انتهاك حرمة الجامع الأزهر كما فعل الفرنسيون» حيث قام جنود الاحتلال يوم 11 ديسمبر 1919 بمطاردة المتظاهرين المحتمين بالجامع واقتحموه «بنعالهم» واحتج علماء الأزهر بشدة على هذا السلوك فاضطر الجنرال اللنبى المندوب السامى البريطانى إلى «تقديم اعتذار رسمى لشيخ الجامع الأزهر».