الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قرأنا لك

«نظرات فى فكر الإمام الأشعرى» .. مباحث فلسفة علم الكلام

فى كتابه «نظرات فى فكر الإمام الأشعري» يذكر  الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر مبحثين من مباحث علم الكلام فى مذهب الإمام أبى الحسن الأشعرى، الأول: «أصول نظرية العلم عند الإمام الأشعرى»، الثانى: «أسس علم الجدل عند الأشعرى».



يذكر المؤلف أن كلا من هذين المبحثين يعد تعبيرًا عن الجانب النقدى فى فلسفة الأشعرى، بمعنى أن الأشعرى – وهو يُقعّد لمبحثى العلم والجدل – كان يرد بهما على أعتى التيارات العقلية والفلسفية فى عصره، متمثلة فى مدرسة أهل الاعتزال بفروعها المتعددة.

ويشتمل الكتاب على فصلين، الأول: «أصول نظرية العلم عند الإمام الأشعرى» ويضم عددًا من المباحث أبرزها: مصادر أصول نظرية العلم عند الأشعري، معنى العلم، أقسام العلم، مدارك العلوم، دليل السبر والتقسيم، شروط الاستدلال عند الأشعري.

الفصل الثاني: «أسس علم الجدل عند الأشعرى»، ويضم عددًا من المباحث أبرزها: مصادر علم الجدل عند الأشعرى، خصائص الجدل عند الأشعرى، معنى الجدل والنظر والمناظرة، السؤال الجدلى وإجابته، مراتب السؤال الجدلى، أقسام السؤال الجدلى، الجواب فى السؤال الجدلي، إجراء العلة وتصحيحها، مفهوم المنازعة فى العلة، مفهوم المعارضة فى العلة، العلة عند الأشعرى، آداب الجدل.

ولد الإمام أبو الحسن الأشعرى بالبصرة سنة 260هـ ، وتوفى ببغداد سنة 324هـ فى أرجح الأقوال. وقد نشأ فى بيئة فكرية ومذهبية شديدة التنافر والاضطراب،تشبه كثيراً ما تمر به الأمة اليوم من مذاهب التكفير والعنف الطائفى والمذهبى، فكان المعتزلة يتعصبون لمذهبهم العقلى، وكان غلاة بعض الفرق يتعصبون لمنهجهم النصى، وقد نشأ الإمام وتربى فى مدرسة الاعتزال، وتشرب مذهبهم، وصار من أكبر نظار هذا المذهب والمنافحين عنه،لكنه ظهر فجأة ليعلن على الناس أن أدلة المذاهب قد تكافأت لديه،وأنه يتبرأ من مذهب الاعتزال وينسلخ منه، ويعقد العزم على التفتيش عن مذهب أهل السنة والجماعة، وبيانه وإعلانه على الناس والدفاع عنه، والتصدى للمذاهب الأخرى التى تنحرف عنه يميناً أو يساراً؛ كالمعتزلة والمجسمة والجبرية والخوارج والمرجئة وما جرى مجراهم.

وما لبث هذا الإمام الجليل أن أعلن هذا المذهب الذى جاء مذهباً وسطاً بين مقالات الفرق الأخرى، وقد اعتمد فيه على القرآن والحديث وأقوال أئمة السلف وعلمائهم.

والجديد فى هذا المذهب هو المنهج التوفيقى بين النقل والعقل،أى إثبات مسائل العقيدة بالأدلة العقلية والبراهين المنطقية بحيث لا يُقتصر فى عرضها على النقل فقط،حتى وإن اصطدم بأوائل العقول وبدائة الأذهان،كما هو مذهب الجامدين على النصوص والواقفين عند ظواهرها.

كما لم يُفرط الأشعرى فى التأويلات الذهنية العقلية وإخراج النص من سياقه وجوَّه المقدس إلى تحكمات العقول التى ا تنبنى على النظر السليم والبرهان السديد كما هو الحال عند المعتزلة وغيرهم.

وهذه الخصيصة التى تميز بها إمام أهل السنة والجماعة، وهى الاعتدال بين الإفراط والتفريط أو لنقل: المزج بين الإيمان بالنقل واحترام العقل لم تكن بدعة استحدثها الأشعرى بداعية الهوى أو التطلع إلى السؤدد والظهور،وإنما نس فيها على منوال القرآن الكريم الذى تفيض نصوصه المقدسة بهذين الأصلين اللذين تأسس عليهما بناء المذهب الأشعرى وهما: التوسط واليسر ورفع الخرج، ومنزلة العقل ورفعة شأنه، والذى تكرر بلفظه ومعناه فى القرآن الكريم أكثر من (120) مرة، ومن أعسر العسر أن يعتقد الإنسان عقيدة ثم يُحجر على عقله أن ينظر فيها مخافة أن تتبدد وتصبح أثراً بعد عين إذا ما سلطت عليها بدهيات العقل وكسبياته، وبهذه الخاصة استطاع مذهب أهل السنة والجماعة أن يوفر للأمة الإسلامية استقرار العقل وهدوء النفس،والمصالحة المشروعة بين كل الثنائيات التى تبدو متناقضة الأطراف،وأرهقت أمما كثيرة ولا تزال ترهقها حتى يوم الناس هذا، وكانت سبباً فى أن يضرب كثير منهم بأديانه وعقائده عرض الحائط.

إن مذهب أهل السنة والجماعة لم يكن حارساً أمينا فقط على وحدة المسلمين على مدى ألف عام أو يزيد، ولم يكن باعثاً لثقافتهم الدينية والفكرية فحسب، بل كان باعثاً لحضارتهم المادية والعلمية فى شتى الميادين، وقد تنبه أبو منصور البغدادى فى لفتة غاية فى الذكاء إلى الربط المنطقى والطبيعى بين التقدم العمرانى وبين الاستقرار العقلى والروحى عند المسلمين، وكيف أن مذهب أهل السنة والجماعة كان هو باعث نهضة هذه الأمة وأن مؤلفات أهل السنة فى الدين والدنيا – فيما يقول عبد القاهر البغدادى – فخر خالد مدى الدهر للأمة المحمدية،وآثارهم العمرانية فى بلاد الإسلام مشهورة ماثلة أمام الباحثين خالدة فى بطون التواريخ بحيث لا يلحقهم فى ذلك لاحق؛ كالمساجد والمدارس والقصور والرباطات والمصانع والمستشفيات، وسائر المبانى المؤسسة فى بلاد السنة، ثم قال: «وليس لسوى أهل السنة عمل يذكر فى ذلك، وكل ما فى بلاد الحرمين وسائر الحواضر من شواهق الآثار فمن عمل أهل السُّنَّة( أصول الدين : 222) .