الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صــراع البقــاء بـيـن «القاعدة» و«داعش»

مازال تنظيم القاعدة الإرهابى يشكل الخطرالأكثر دموية على مدار التاريخ، فرغم الحرب الضاريةالتى شنتهاالولايات المتحدة الأمريكية عليه بعد هجمات ١١سبتمبر ٢٠٠١ وما ترتب عليها من تصفية وإستهداف واسعلقادته وقواعده واستطاعت خلالهاالقضاء على رأس التنظيم أسامة بن لادن فى باكستان عام 2011 ونجله حمزة 2019 ،لا زالت القاعدة تتمتع بالزخم والتواجد وسط مجموعة من محفزات النمو ومعوقات البقاء قد تدفعها مستقبلاً إلى العودة إلى ريادة الجهادية الدموية العالمية او الخروج منها وبلارجعة. 



ورغم أن تنظيم داعش هو من يصدر منذ 5 سنوات وحتى الآن عمليات الإرهاب حول العالمُ لم تستطيع وأشنطن تجاهل القاعدة التى تعانى من الشيخوخة التنظيمية بل لا زالت تضعها فى مقدمة أولوياتها الاستراتيجية لمواجهة «الإسلام الراديكالي» وهو ما كشف عنه قيامها بتوجيه أول ضرباتها الجوية مع بدء حملتها لمكافحة داعش بسوريا فى سبتمر 2014 الى جماعة خراسان إحدى أذرع تنظيم القاعدة المؤسسة لوجوده فى سوريا بل والاستمرار فى إستهدافها على مدار السنوات الخمس الماضية وحتى الان والتى توجتها بضربتها الأخيرة لتنظيم «حراس الدين» المرتبط بالقاعدة أيضا فى شمال غرب سوريا.

وقد حاول تنظيم القاعدة خلال الفترة الماضية وتحديداً فى سوريا تخليق نموذج تعايشى يعتمد على استراتيجية محلية براجماتية تحت مسمى «جبهة النصرة» ووجه هذا النموذج طاقته نحو بناء التحالفات عبر الأطياف الإسلامية لتحقيق الغلبة على المنافسين ولكن النصرة التى تحولت الى «جبهة فتح الشام» ثم إلى «هيئة تحرير الشام»سرعان ما نأت بجناحها السورى عن القيادة المركزية للتنظيم الأم لتفشل المقاربة القاعدية بسبب عدم مرونة القيادة المركزية مع ما أعتبرته تمييعاً لهوية القاعدة وتعكيراً لنقاء قضيتها بالاضافة الى التسارع فى آلية الحراك الثورى فى سوريا.  هذا الامر يدفعنا الى التسأل والبحث حول مدى فرص بقاء القاعدة وأستمرارها ومحفزات نموها حاليا ومستقبلاً وهل إستفادت بالفعل من تراجع تنظيم داعش بعد سقوط وانهيار جغرافيتهما هى معطيات نفوذه ومدى صمودها داخل مناطقه وسيناريوهات البقاء ومدى قدرتها على الاستمرار فى ظل استراتيجية أمريكية تتبُّع منهج التصفية والملاحقة لكل عناصره حول العالم. 

 

 

أولاً: فرص ومحفزات نمو تنظيم القاعدة 

 

على الرغم من حالة الشيخوخة التى تعانى منها القاعدة حاليا إلا أن التنظيم لا يزال يملك العديد من الفرص والمحفزات، التى ربما تساعده على إعادة تجديد دمائه والعودة مجدداً كمبارز رئيس فى الساحة الجهادية العالميةخاصة وانه لايزال يملك ديناميكية متسارعة تشكل حافزًا لخلاياه للعودة والإنقضاض عبر نشاطات إرهابية جديدة وأعمال عنف متنوعة ،يستطيع التنظيم تطويرها وتنويعها الأمر الذى يُسهِّل من مهامه وقدرته على التحرك والضرب فى أماكن أكثر حساسية وخطورة معتمداً على مجموعة من الفرص والمحفزات تتمثل فى : 

 حالة الصراع والتنافس بين تنظيم القاعدة وداعش والذى شكَّل للقاعدة تهديدًا جديًّا فى مناطق نفوذها سيدفعها الى إستنفارقواها وتتناسى -ولو مؤقتًا- الخلافات بين فصائلها المتضاربة مصالحها, لمواجهة داعش التى سرقت منها الأضواء والنفوذ خاصة وأن حالة كما أن حالةالتوحش التى أنتجتها داعش خلقت حالة من النفور ضدها تستطيع القاعدة توظيفها لصالحها لكسب أرض جديدة داخل الساحة الجهادية العالمية. 

 ولازالت العديد من الجماعات الإسلامية خاصة فى إفريقيا ووسط اسيا تتقاسم مع القاعدة نفس المنطلقات والتوجهات وآلية العمل بالاضافة الى  بالإضافة إلى أن التجذر والتمدد فى المجتمعات المحلية أتاحللتنظيمفرص واسعة للإنتشار مجدداً بل وتكوين حواضن بديلة لحواضنه السابقة.

كما أن فروع التنظيم فى إفريقيا وعلى رأسها القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وأنصار الشريعة فى ليبيا وتونس، وشباب المجاهدين فى الصومال، وجماعة المرابطين فى شمال مالى وجنوب ليبيا لازالت تحظى بأرضية ملائمة لأنشطتها؛ خاصة داخل منظومة الدول شبه المفككة كليبيا والتى تعانى من الهشاشة فى منظوماته الأمنية والإدارية وبنيته الاجتماعية كمالى والصومال .   وشكل تضائلالضغط الدولى على معقل القاعدة الرئيس فى أفغانستان وباكستان فرصة لترسيخ تحالفه مع حركتىطالبان أفغانستان وباكستان القوة الضاربة هناك والتى تقدم له كل وسائل الدعم الذى يساعد التنظيم على البقاء والاستمرار. 

 وحالة عدم الإستقرار وأشباه الحروب الأهلية فى منطقة الشرق الاوسط خاصة فى اليمن وليبيا وسوريا والتى تزدحم بالأهداف الأمريكية التى يسعى التنظيم الى إستهدفها أتاحت ملاذات وحواضن جديدة سواء من خلال البيعة او إعادة التأسيس لإعادة إنتاج وجوده وجذب واستقطاب مقاتلين ومؤيدين جدد.

 وهناك أيضا شبكة الخلايا النشطة والنائمة الكبيرة لتنظيم القاعدة وسيطرته على العديد من ممرات ومعابر تهريب البضائع والبشر حول العالم يجعل التنظيم دائما فى بؤرة الـ»فعل» الإرهابى وصدارة المشهد الجهادى العالمى على المدى الطويل حتى وإن انحسر هذا الدور مؤقتاً.  وربما توفربيئة العمليات الإرهابية الفوضوية حول العالم فرصة ملائمة للقاعدة لجذب مقاتلين ذوى خبرة ينفذون أعمالاً إرهابية لصالح التنظيم ويشكلون بؤر صغيرة تكون رأس حربه للتنظيم ضد الغرب.

وبالنظر الى فرص ومحفزات نمو القاعدة نجد أن التنظيم لا زالت لديه العديد منها لإعادة التموضع الذى ربما يشهد حالة من التدافعنحو مشروع أقل راديكالية ؛ يعيد القاعدة الى المشهد كـ»فاعل» رئيس داخل الساحة الجهادية الدموية. 

 

 

ثانيأً: معوقات تنامى وإستمرار وبقاء القاعدة 

 

وسط حالة التدافع فى المشاريع الراديكالية الجهادية حول العالم وخاصة من جانب تنظيم داعش يقف تنظيم القاعدة وسط عدد من الاختبارات والتغيّرات الصعبة والمعقدة والتى تضع سمعته كتنظيم إرهابيى عابر للحدود على المحك ، فغياب التنظيم خلال هذه المرحلة يكشف عن افتقاراً وأضحاً فىالقدرة على الفعل وغياباً للرؤية حول الأولويات وهو الأمر الذى يدفع الى التسأل حول حجم المعوقات التى تحول دون تنامى التنظيم واستمراره وحتى بقائه من عدمه والتى منها تمسك تنظيم القاعدة بنموذج النخبة الطليعية الذى اسس له زعيمه السابق أسامة بن لادن،والذى يعتمد على تثبيط الفروع والمجموعات التابعة عن محاولة السيطرة على الأراضى أو حكمها، وتجنب الروابط مع الجماعات غير النقية أو الحكومات الأجنبية، واتباع استراتيجية عسكرية صريحة، مع إبقاء عين على الأعداء “القريبين” فى المنطقة، وعلى “البعيدين” فى الغرب وهو ما سمح لداعش بـ»اغتصاب « الريادة الجهادية من التنظيم بعد باعتبار نفسه خلافة متمكنة ومسيطرة على الأرض. 

 وشكل تداخل مناطق النفوذ القاعدية مع مناطق تمدد داعش أزمة حقيقية للتنظيم ومع تطور الأحداث الإقليمية وموجة الحرب على الإرهاب فقدت القاعدة حالة الزخم الواسعة التى أكتسبتها على مدار عقدين لصالح داعش مما ترتب عليه خسارة مناطق تمدده وانتشاره فى العراق وسوريا وأجزاء من اليمن وأفغانستان وباكستان ومناطق عدة فى المغرب العربى والصحراء الكبرى.   بالإضافة الى هشاشة وضعف الآلة الإعلامية لتنظيم القاعدة وعدم قدرته على إنتاج ونشر أفلام دعائية تساعده على الإنتشار وجذب فصائل ومجموعات جديدة له بخلاف غريمه تنظيم داعش الذى حقق العديد من النجاحات من خلال آلته الإعلامية خاصة فى العراق وسوريا وليبيا ووسط اسيا وجنوبها وحتى فى الغرب. 

وإفتقار تنظيم القاعدة الى مصادر التمويل الذاتى والخارجى التى تساعده على تمويل عملياته وتوفير معسكرات للتدريب وإقامة ملاذات آمنة وهو الامر الذى يعوق الى حد كبير من فرص انتشاره بل يقوض ايضا فرص بقائه. 

وضبابية رؤية التنظيم فيما يتعلق باستراتيجيته الخاصة بإعادة البناء والتكوين فى الوقت الذى يسعى فيه فى بعض المناطق بالعالم إلى تحقيق أهداف أكثر محدودية، مع تركيزه على المحليةوإعادة بناء نفسه بهدوء وأناة كما يحدث فى سوريا واليمن، نجده يوسع من شبكة تحالفاته العابرة للحدود فى إفريقيا وهو الامر الذى سيحدث حالة من اختلال التوازن خاصة فى ظل التطورات التى طرأت على الساحة الإقليمية والدولية والتى لن تسمح له سوى بخيارات محدودة وسط حالة من التصاعد لنفوذ لقيادات فروعه والضغط الدولى على شبكة تحالفاته الإقليمية.

بالإضافة الى تصاعد حدة الضغوط التى يتعرض لها التنظيم، وتراجع قدرته على احتواء تداعياتها، التى يمكن أن تصل إلى حد تعزيز احتمالات اتجاه بعض المجموعات الفرعية والقيادات إلى الانشقاق من أجل تكوين تنظيمات منافسة أو الانضمام إلى تنظيمات قائمة بالفعل.

وبالنظر الى معوقات تنامى وإستمرار وبقاء القاعدة نجد أنه يعانى بالفعل من عدة معوقات تكشف عن افتقاراً وأضحاً فىالقدرة على الفعل وغياباً للرؤية الشاملة حول الأولويات مما يؤشر ربما عن تراجع قد يعصف بالتنظيم خارج المشهد الجهادى العالمى إن لم يكن على المدى القريب وسيكون على المدى البعيد.

 

 

ثالثاً: السيناريوهات المستقبلية لبقاء وانحسار تنظيم القاعدة

 

 بالنظر الى الحالة الجهادية الإرهابية التى إكتسبها تنظيم القاعدةعلى مدار عقود نجد أن التنبؤ بمستقبل هذا التنظيم امر بالغ الصعوبة والتعقيد فبجانب تنوعفرص ومحفزات النمو التى لا تزال تساعده على التعايش والبقاء والاستمرار نجد عدد من المعوقات التى حائلا أمام فرص بقاءه وهو الامر الذى يعدد منسيناريوهات مستقبل التنظيم والتى يمكن تلخيصها فيما يلى: 

 

السيناريو الأول: إعادة التموضع والانتشار وإستعادة النفوذ

 

ويقوم هذا السيناريو على فرضية قدرة التنظيم على إعادة تموضعه داخل الساحة الجهادية العالميةوالإستفادة من تداعيات الحرب ضد الإرهاب باستعادة نفوذه داخل مناطقه التقليدية وإكتساب أرض جديدة، وخطورة هذا السيناريو ان الاستقرار وإعادة التموضع سيدفع تنظيم“القاعدة” الى إعادة تكرار سيناريو مهاجمة الغرب ولكن هذه المرة سيكون بشكل أكثر كثافة وأشد دموية. 

 

 

 السيناريو الثانى: انهيار وتفكك الشبكة التنظيمية

 

 ويقوم هذا السيناريو على تصفية قيادات تنظيم القاعدة التاريخية التى استطاعت الحفاظ على التنظيم وعلى شبكة تحالفاته سواء بالإستهداف الخارجى او الصراع الداخلى وهو الامر الذى سيؤدى الى إنهيار وتفكك الشبكة التنظيمية والقبلية له فى حال فشل القيادات الوسيطة فى الحفاظ عليها ،بالاضافة الى عجزها عن تأسيس تحالفات جديدة أوسع، مع تفكك الجماعات التابعة لها او فك ارتباطها بها ، وهو الامر الذى سيؤدى فى النهاية الى انهيار حواضنه الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى أكتسبها على مدار عقود وسط ظروف معقدة ومركَّبة داخل مناطق نفوذه. 

 

 

السيناريو الثالث: الاستقرار التنظيمى  والخلاف الإيديولوجى

 

ويعتمد هذا السيناريو على بقاء الإستقرار التنظيمى كعنوان عريض للحالة القاعدية العامة بينما يضرب الخلاف الإيديولوجى تفاصيل قواعد التنظيم وهو الامر الذى سيؤدى إلى البقاء الشكلى للقاعدة دون فاعلية حقيقية فى الساحة الجهادية العالمية وخطورة هذا السيناريو أن التفكك الفكرى سيدفع بالعديد من عناصر التنظيم الى تبنى الأيديولوجية الداعشية الأكثر التى ستتسع قواعدها على حساب القاعدة وسيتحول عناصرها الى خزان بشرى لا ينضب لتنظيم البغدادى.  مما سبق يمكن الوصول الى الإستخلاصات التالية حول محفزات النمو ومعوقات البقاء لدى تنظيم القاعدة والتى يمكن تلخيصها فى أن القاعدة لازالت تتمتع بالزخم والتواجد وسط مجموعة متساوية تقريباًمن محفزات النمو ومعوقات البقاء وهو الامر الذى قد يدفعها مستقبلاً الى العودة الى ريادة الجهادية الدموية العالمية او الخروج منها وبلارجعة. 

كما انها استطاعت تخليق نموذج تعايشى يعتمد على استراتيجية محلية براجماتية وهو مايحاول تنظيم القاعدة الوصول اليه فى العديد من مناطق نفوذه بالعالم وليس بالضرورة فشله فى «جبهة النصرة» السوريةيعنى فشله فى باقى مناطق تواجد التنظيم فهناك مقاربة شبه ناجحة فى شباب المجاهدين القاعدية فى الصومال و وأنصار الشريعة فى ليبيا وتونسوجماعة المرابطين فى شمال مالى والحنوب الليبى. 

 كما تشكل شبكة التحالفات القاعدية أحد أهم آليات التنظيم التى تساعده على البقاء والإستمرار ولازال يسعى الى توسيعها داخل مناطق نفوذه وخارجها وهو الامر الذى ربما سيسمح له بالتمدد والوصول إلى مناطق جديدة، خاصة فى ظل تراجع نشاط تنظيم «داعش»وضراوة الحرب الدولية عليه.

 وأن تصاعد حدة الضغوط التى يتعرض لها تنظيم القاعدة ، مع تراجع قدرته على احتواء تداعياتها، يمكن أن تصلبه الى احتمالية اتجاه بعض مجموعاته الفرعية إلى الانشقاق من أجل تكوين تنظيمات منافسة أو الانضمام إلى تنظيمات قائمة بالفعل. 

 كما أن هناك حالة من ضبابية الرؤية لدى التنظيم فيما يتعلق باستراتيجيته الخاصة بإعادة البناء والتكوينوهو الامر الذىربما يحدث حالة من اختلال التوازن خاصة فى ظل التطورات التى طرأت على الساحة الإقليمية والدولية والتى لن تسمح له سوى بخيارات محدودة وسط حالة من التصاعد لنفوذ لقيادات فروعه والضغط الدولى على شبكة تحالفاته الإقليمية. 

وبالتالى أنالتنبؤ بمستقبل تنظيم القاعدةامر بالغ الصعوبة والتعقيد فبجانب تنوعفرص ومحفزات النمو التى لا تزال تساعده على التعايش نجد عدد من المعوقات التىربما تقف حائلا أمام فرص بقائه وهو الامر الذى يعطى له ميزة نسبية للبقاء والاستمرار على المديين القريب والبعيد وفق المعطيات الحالية.