الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القاصة التونسية هيام الفرشيشى: الکتابة قدرة علی التجدید لأن استنساخ تجارب سابقة یسىء للمبدع

هيام الفرشيشى قاصة وناقدة تونسية، صدرت لها مجموعتان قصصيتان: المشهد والظل، وأوشام سرية، وصدر لها فى مجال النقد كتابان: «أوركسترا الشاعر»، و«الرواية لدى الناصر التومى.. شهادة على العصر» وهى مؤسسة بيت السرد فى تونس وتشرف على أنشطة ثقافية متنوعة على غرار «بيت الفكر والابداع» و «قصص المدينة»..لها حضور نشيط فى الساحة النقدية والأدبية والصحافة الثقافية..توجت مجموعتها القصصية «المشهد والظل» بجائزة زبيدة بشير للإبداع الأدبى. وترجمت العديد من نصوصها الشعرية فى مجلات دولية أكاديمية بأمريكا واستراليا وبريطانيا.



نالت بعض نصوصها القصصیة الاهتمام إذ ترجم بعضها فى مجلات أمریکیة وأسترالیة أکادیمیة. وکتبت دراسات معمقة عن قصصها نشرت فى کتب مثل «جمالیات ما وراء القص فى قصة عرس الذیب» و «تبئیر داخلى للمکان/ البیت» للناقد العراقى الأکادیمى مئید علیوي، و«التماثل فى مجموعة أوشام سریة» للدکتور جراح کریم الموسوى نشرت فى مجلة الفنون والأدب وعلوم الانسانيات والاجتماع صدرت فى کلیة الإمارات للعلوم التربوية.

ولديها مجموعة قصصیة جاهزة «غرباء یطرقون أبوابا صدئة» فى طریقها للنشر لها صلة بالواقع الجدید وخاصة انکشاف وجوه الآخر الذى یحرك الخیوط من وراء البحار، من أجل مطامع شتی، ومن بینها نصوص تتعرض لتجرب اللاوعى للخروج من رتابة الأحداث المملة وتصویر قدرة المجال الباطنى علی تصویر تجارب متفردة.

■ حدثينا عن تجربتك الإبداعية فى زمن كورونا؟

- الحجر الصحى کان مناسبة للعودة إلی ذاتى والتفرغ للکتابة السردیة. کتبت قصة «عودة رافییل» وهى قصة حلمیة زاخرة بالرموز، تحفر فى الذاکرة البعیدة وتربط بین ماض قدیم وحاضر شبه متوقف من خلال شخصیة غریبة تظهر فى الحلم، فى مدینة لا تنام، ولکن  انطفأت أضواءها عند اجتیاح فیروس کورونا،  وتنبعث فیها شخصیة من الزمن الماضى لها دلالات فنیة ولاهوتیة وعلمیة تذکرنا بتکرر الأوبئة التى لا تفرق بین عصر وعصر ولا تفرق بین فنان وسیاسى وشخص عادي، ورغم کثافة القصة فقد اختزلت ارهاصات ذاکرة کاملة بکل ما اختزنته من معارف ودراسات وسفر. لکنها لمعت وأوجزت.

إثر کتابة قصة «عودة رافییل» انشغلت بکتابة عمل أدبى طویل علی شکل روایة متوسطة الحجم. قطعت فیها مسافات طویلة. عشت طقوسها بجمالیة مفرطة. إذ تحررت من کل الالتزامات والأنشطة الثقافیة التى منعتنى من التواصل مع أفکارى وشخصیاتي. والممتع فى هذه التجربة أننى عشت داخل النسیج الروئى من خلال ذاکرتى البصریة والتصوریة، إلا أننى ترکت الشخصیات تنسج خیوط علاقاتها فى فضاءات متنوعة لها أبعاد أسطوریة وسحریة ونفسیة.

■ ماهى طقوسك واستراجيتكفى كتابة الرواية؟

- الرواية تجربة رائعة خاصة إن تفرغت لها بمنتهی الإخلاص. نمط كتابى مختلف. أحداثها متشابكة وشخصياتها تتنوع وتحرر المبدع من الفضاءات الضيقة.. ولكن الاشكال فى «التكنيك» فى رأيى، وفى البحث عن شكل روائى جديد وإيجاد العلاقات الممكنة التى تربط الشخصيات الإشکالیة. ذلك أننى أنعتق عن الشخصيات الواقعية المطمئنة. وأنحت شخصيات لها خبرات نفسية وذهنية تتمثل الواقع عبر الأحلام والكوابيس والرؤى والحدس والجنون والظلال ولعبة المرایا. هذا هو العمل الروائى الذى  أشتغل عليه الآن.

■ كيف كانت بداية انخراطك فى عالم القصة القصيرة؟

- فى أيام طفولتى تعرفت على عوالم الحكى من خلال التراث الشفوى والشعبي، والحكايات العجيبة والغريبة والتى تعيش فيها الشخصيات مغامرات مشوقة فى أجواء فوق طبيعية، ولكنها ترضى الخيال وتتحدى الصعاب كلما تحلقنا حول جدتى أو أبى الذى يعيد تلك المرويات العجائبية كلما انقطع التيار الكهربائى واستنرنا بالشموع تضخم انعكاسات ظلالنا على الجدران خيالنا، ثم انتقلت لقراءة القصص والروايات المطولة. ولكن أثناء الکتابة الإبداعية، وجدت فى القصة القصيرة الوعاء اللغوى والفنى الذى يستوعب رغبتى فى تصوير بورتريهات وأحداث أقرب للمتلقى وأكثر تأثيرا، ففى لوحة كبيرة تكثر فيها الوجوه والملامح والألوان والأشكال تغيب الوجوه القريبة الحاملة لشحنات عاطفية مؤثرة، حتى حركة الجسد كلما ترجمت تفاصيلها بدقة عن قرب كلما اقتربنا من الخبرات والتجارب الإنسانية والطبيعية. والحدث يكون أكثر بروزا فى القصة. والقصة تحتاج إلى سعة صبر، وإلى تحرير صور الذاكرة البعيدة، وخاصة تلك الراكنة فى الزوايا العاتمة المهملة. ولكن تبرز من خلال اللاوعى على شكل رموز واستعارات كجذور لردود فعل آنية لأحداث ذاتية أو اجتماعية. وأحيانا تبرز كلوحات وكمشاهد أو مواقف تترك أثرا على المتلقي، وعبر القصة هناك إمكانيات متعددة لإيجاد أشكال فنية متنوعة وتوظيف الفنون والإنسانيات، فالقص إبداع وليس مجرد استنساخ للواقع أو انعكاس لشخصيات نمطية بل هو تنويع متواصل لأشكال اللعب الفنى وسبر لتجليات الذات ومغاور الواقع.

وقد انعكس ذلك من خلال نصوصى القصصية فقبل الثورة وفى مجموعتى القصصية «المشهد والظل» اشتغلت على الظل الداكن الذى تعيشه الشخصيات فى واقع تغطيه الستائر الداكنة وعبرت عن توتر الشخصيات من الداخل والتوق من الافلات من واقع كابوسي. وفى مجموعتى الثانية «أوشام سرية» الصادرة بعد الثورة تحدثت عن توتر الواقع عبر شخصيات تعانى من المسخ والقدرة على إيذاء الآخرين ودوافعها الغريزية الفجة وحيلها وفى نفس الوقت بحثت عن الجانب الفنى والأبعاد الجمالية الكامنة فى هذه الشخصيات والشخوص واعتبرتها بمثابة طاقات وقوى محررة. فانا أرى أن التوغل فى تصوير الواقع وإبراز بشاعته لا ينفى رغبتى فى إخراج السموم من هذا الواقع وإعادة الحياة إليه.

■ ما دافعك لممارسة الكتابة؟

- الکتابة بالنسبة إلى فن رسم البصمات المتفردة. فالنص یشبه صاحبه، ویفاجئ القارئ حین یأتى بالجدید. شکلا وأحداثا غیر متوقعة. والکتابة قدرة علی التجدید لأن استنساخ تجارب سابقة یسيء للمبدع. ولا بد أن نمتلئ بالنص ونثمل به قبل وضعه علی الورق. وبین نص ونص تتمخض قدرة الذهن علی تولید الصور والأفکار والأحداث. کما أن الکتابة عمل حر وإن وظف لإرضاء جهات معینة من أجل امتیازات یسقط المبدع سقوطا ذریعا.

■ كيف توفقين بين النقد والإبداع؟

- اهتم کتابى الصادر مؤخرا «الروایة لدی الناصر التومى شهادة علی العصر» بالمدونة الروائیة للأدیب التونسى ناصر التومى التى تناولت محطات تاریخیة مهمة عاشتها تونس قبل الاستقلال وبعده. مرحلة الکفاح الوطنى ضد المستعمر فى روایة  «لیالى القمر والرماد»، فشل تجربة التعاضد فى روایة «الصریر»، الإضراب العام فى 1978 فى روایة «النزیف»، تعامل السلطة مع المثقفین فى الفترة البورقیبیة فى روایة «الرسم علی الماء». وقد تناولت من خلال قراءتى لهذه الروایات اتساع الفضاءات الروائیة إلی أمکنة واقعیة ونفسیة وصوفیة وإلی أحیزة جغرافیة وهندسیة وعجیبة. المرجع الواقعى والرموز الفنیة والأسطوریة. المدینة بین سلطة المرکز وتهمیش القاع. روایة الأزمة والانفجار الاجتماعى. روایة الحلم والذاکرة. المسار المأسوى للشخصیات الخاضعة للقمر کرمز قدرى واستلهام مأساة فاوست لغوته لتصویر لعنة القدر، غیر أن المؤلف شحن الأحداث بالأسطورة والمعجم الصوفى وخاصة فى عمله الأول ..

■ حدثينا عن أنشطتك الثقافیة على الساحة التونسية؟

- أشرف علی «بیت السرد» وهو نشاط أدبى ونقدى شهرى يخصص للنظر فى المدونة  الأدبية  الحديثة والإشكاليات التى تطرحها من خلال أوجه متعددة عبر مجموعة من الضيوف تناولت أعمالهم الموضوع المطروح. والغاية من النشاط هو الخروج بأسئلة جديدة. وفى كل جلسة أعد دراسة نقدية للغرض حول الأعمال المقدمة بحضور أصحابها من مختلف الأجيال والمشارب الفكرية. ونثير الحوار والنقاش ونترك المجال للقراءات لعينات من نصوصهم.

کما أشرف على «بیت الفکر والإبداع» بالمکتبة المغاربیة ببن عروس وهو نشاط شهرى یهتم باستضافة أدباء وشعراء وأکادمیین وفنانین من مجالات مختلفة لتناول بعض المواضیع الثقافیة.