السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثورة 30 يونيو: أسس جديدة لتحرك خارجى شامل ومتوازن

ست سنوات من عمر ثورة 30 يونيو هى الأهم فى تاريخ مصر المعاصر، حيث خاضت مصر معارك عدة متنوعة الأهداف وعلى عدة جبهات على النحو الذى يمكن أن نوصفه على أنه عبور جديد ولكن هذه المره للداخل



، عبور جابهت فيه مصر تحديات جسام وما زالت، تحدى إعادة بناء الدولة ومؤسساتها بعد ما تعرضت له من هزة عبر سنوات من الاضطراب السياسى منذ عام 2011، فانتقلت من مرحلة البناء المؤسسى واستعادة كيان الدولة إلى عملية بناء شامل سواء كان الأمر يتعلق بالبنى التحتية من مشروعات قومية عملاقة وبنى اقتصادية من خلال برنامج مهم ورئيسى وصعب للإصلاح الاقتصادى, أعاد للاقتصاد المصرى كيانه واعتباره وقدرته على المنافسة والإنتاج، ثم انتقل لمرحلة مجابهة المخاطر الداخلية ومنها القضاء على نشاط الجماعات الإرهابية التى كانت تنتشر فى الداخل وفى سيناء ليكون لجيشنا وشرطتنا الباسلة اليد الطولة فى هذه المعركة التى تحاربها وحاربتها مصر نيابة عن العالم. 

وتستمر معارك مصر منذ ثورتها لتستعيد كيان الوطن وتستعيد مكانة البلاد على صعيد العمل السياسى الخارجى، فتتحقق آلية دقيقة من التوازن بين القوتين الأعظم التى يمكنها أن تطلق على علاقتها بروسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية قائمة على الاحترام المتبادل والندية والتقدير المتبادل والدعم والمساندة. بالإضافة إلى علاقتها الوطيدة بالاتحاد الأوروبى الشريك التجارى الأهم، والجار التاريخى للمنطقة العربية، بالإضافة إلى علاقات عربية تستعيد تدريجيًا كيان المنطقة والحفاظ على أمنه القومي، وتتصدى للتدخلات الخارجية الإقليمية منها من تركيا إلى إيران إلى إثيوبيا فإسرائيل، كلها تحديات تساعد فيها مصر أشقاءها للتوصل لحلول تضمن سلامة الأوطان ووحدتها الإقليمية، ومنها كانت المبادرة المصرية السياسية الأهم على الساحة الليبية، والتى نأمل أن يقود التحرك المصرى المجتمع الدولى لفرض الحل السياسى أمام دعاة الحرب والتدخل واستغلال الوطن الليبى والحيلولة دون توصل أبنائه للتوافق السياسى.

وتستكمل مصر مسيرتها فى علاقات مهمة تاريخية مع الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من بلدان آسيا، لتستمر عملية الانفتاح الخارجى على أسس من الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة, وتقدم مصر أيضًا نفسها كنموذج للحافظ على الأمن والاستقرار الإقليمي، وتتصدى لمحاولات زعزعة الاستقرار سواء كان الأمر يتعلق بمفاوضات المياه مع إثيوبيا والتى من خلالها تسعى مصر لتثبيت قواعد القانون الدولى والحيلولة بين الدخول فى خلاف مع دولة إفريقية شقيقة، حيث تدعو دائمًا فى حق إثيوبيا فى التنمية ولكن حق مصر فى المياه وهو حق مكفول وفقًا لقواعد القانون الدولى وحقها فى الحياة, بالإضافة لعلاقات مصر بالقضية الفلسطينية وهى قضية الأم التى بذلت مصر عبر تاريخ القضية تضحيات جسام، وتتصدى حاليًا بالتعاون مع الأشقاء لمحاولة إسرائيل ضم الأراضى الفلسطينية المحتلة. 

وتتعامل مصر بفاعلية مع الملف الإفريقى عبر السنوات الست لتنتقل عام 2017, لمرحلة نضج هذه العلاقات ووصولها مرحلة غير مسبوقة من التكامل والسعى المشترك لتحقيق الأمن والاستقرار فى القارة الإفريقية، وإسكات البنادق ومبادرات أخرى أسهمت فيها مصر، مثل إنشاء منتدى أسوان ليكون محفلًا لتبادل الرأى بين القادة الأفارقة حول العديد من القضايا الأمنية والاستراتيجية. وثبتت مصر حقوق القارة الإفريقية لدى تمثيلها لها فى كل المحاور الدولية سواء كان الأمر يتعلق بقضايا المناخ فى مؤتمر باريس، أو فيما يخص ديون القارة على مستوى التجمعات الاقتصادية الكبرى، كما دعت مصر لمساندة القارة وتخفيف الديون عنها، ومواجهة عملية الهجرة غير الشرعية عن طريق توطين استثمارات فى القارة. كما سعت مصر مع أشقائها لتأسيس منطقة التجارة الإفريقية الحرة فى يوليو من العام الماضى لتكون بداية لتحقيق تكامل اقتصادى منشود. وعمدت مصر ليس فقط على مجابهة المخاطر التى تهدد الأمن والسلم العالمى والأمن والسلم الإقليمي، بل تحركه لبناء وطن قادر لحماية مقدرات شعبه وحماية الأمن القومى العربى ومساندة الدول الإفريقية وإقامة علاقات شراكة وطيدة مع كل دول العالم دون تفرقة لانخراط فى جبهات وتكتلات والتصدى للمهددات التى يتسبب فيها تدخل قوى إقليمية فى الشأن العربي.

 وتأمل مصر من خلال جهدها المشترك مع الأشقاء فى استعادة عناصر الموقف العربى وعناصر الأمن القومى العربى لتجابه تلك التدخلات والمخاطر، وعلى رأسها التدخل الإيرانى فى الشأن الخليجي، والتدخل التركى فى الشئون الليبية بالإضافة لشمال العراق وسوريا. كل هذه المواجهات الخارجية تبذل فيها مصر ومن خلال الأطر السياسية مساع جادة بالتعاون مع الشركاء الدوليين.

 وقد، ولكن أيضا من خلال البنى التحتية التى شملت ليس فقط 7 آلاف كم من الطرق، أو بناء عاصمة إدارية جديدة، أو شق قناة السويس وازدواجها، ولكن ايضا بنية تحتية فى قطاع النفط والطاقة، وبنية تحتية عصرية فى قطاع البنوك، وكذلك تأسيس الجامعات وتأهيل قطاع التعليم وتحديثه والانطلاق لعصر الرقمنة digitalization من خلال عمل البنوك والمصارف. وقد أسهمت كل هذه التحولات فى استعادة الاقتصاد المصرى لفاعليته وشراكته وسط تقدير واحترام مؤسسات التمويل الدولية. 

ولم تكن ثورة يونيو بعيدة عن تبنى ذلك المشروع القومى الذى لم يشمل فقط البنى التحتية للمكان اى للوطن وتأسيس عاصمة جديدة وغيرها من المشروعات التى أشرت اليها، ولكن كان المشروع ايضا الاهم الذى حظى باهتمام مصر فى خلال ست سنوات من عمر ثورتها وهو الاهتمام بالإنسان وصحته، وهو «100 مليون صحة» والتخلص من فيروس سى فى حملة شهد لها العالم، بعد أن كان من الأمراض التى تهدد مصلحة الوطن وأبنائهم وصحتهم، لتنتقل بعد ذلك مصر للاهتمام بالتعليم وإنشاء الجامعات وتحديث نظم ومناهج المدارس حتى تكون العملية التعليمية هى مدخل لبناء الإنسان، بالإضافة للاهتمام بالثقافة والفنون. مجمل هذه الإجراءات توحى بأن مصر مصرة على تبنى مشروع قومى عصري. تمثل 30 يونيو ذكرى مهمة لانطلاقة شعب نحو المستقبل وبسرعة تسعى لتعويض ما فاتنا من سنوات وبناء وطن قادر على حماية مصالحه وحماية منطقته وحماية الأمن والسلم فيها، وكذلك الأمن والسلم العالميين.