الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بريد روزا

ثقة تبددها الذكريات

أنا شاب فى العقد الثالث من العمر أعمل بقطاع التربية والتعليم وحاصل على مؤهل عال، منذ أن كنت طفلا صغيرا تكونت لدىَّ عقدة من الزواج بسبب الصدامات الكثيرة بين أبى وأمى لأننى وحيدهما. نعم سيدى فمعظم تلك الصدامات كانت بسببى تقريبا - ما بين خوف أمى من ضياع مستقبلى التعليمى وإصرار والدى على إصطحابى إلى ورشته حيث يعمل بأحد الحرف بينما لازلت أنا بالمرحلة الإبتدائية - وذلك من أجل توفير جو اجتماعى واحتكاك بالناس واكتساب خبرات، لكن ربما لم تترك تجارب العمل مع والدى أثرا إيجابيا بداخلى لتأثرى بصراعات البيت والرعب الذى كان يدفعنى إلى الاختباء حتى ولو كنت بغرفتى - رعب لا يوصف لمجرد سماع انفعالات أبى على أمى التى كانت تصل أحيانا لضربها بسبب اعتراضها المنطقى وعدم خضوعها لأوامره على النحو الذى يرضيه، فهى كانت طيبة ومعطاءه بشكل مفرط للدرجة التى تدفعها للبكاء من جبروت زوجها دون الشكوى من قسوته أو غلظته لأهلها - كل همها كان هو الحفاظ على بيتها. أتذكر أننى عندما كنت أذهب معه لاكتساب مهارات حرفية بصنعته لم أكن مستجيبا له عن قصد لتأثرى بوجهة نظر أمى، فاجتهدت فى المدرسة حتى لا أستمر فى الذهاب للورشة، ربما ليس كرها فى تعلم حرفة قدر ما هو تفاديا لشخصيته الصلبة التى لا تحب التدليل. ولا أعرف يقينا ما إذا كانت الأسباب السابقة هى التى انعكست على شخصيتى بالضعف والانكسار - رغم أن والدى هو من كان المسيطر ومن المفترض أن تستقوى شخصيتى به لأننى رجل مثله. لكن بعد تخرجى من الجامعة والتحاقى بسوق العمل أصبحت خجولا بشكل مبالغ فيه ولا أميل للجنس الآخر بالشكل الذى يرقى لعلاقة عاطفية، ربما فقط إعجاب تجاه بعض الفتيات من الناحية الشكلية مع حرصى على تفادى التواصل المستمر معهم والذى قد يقودنى للارتباط، فى الوقت الذى لا يتوقف أبى وأمى عن الإلحاح بإنجاز تلك المهمة. الآن سيدى توجد فتاة فى محيط العمل على قدر من الجمال والرقى - أعتقد بأنها قريبة من شخصية والدتى الحنونة والطيبة، كما أشعر بميلها لى وإعجابها بى أيضا - لكن لا أخفيك سرا بأن شبح الخوف من ضعف شخصيتى أو ارتجالها بقوة غير محسوبة أو مجنونة تضعف من رغبتى فى خوض تجربة قد يكون الفشل حليفها. والمشكلة الأكبر هى اننى أبلغ الآن ٢٨ عاما وأعتقد بأننى تأخرت فى الزواج الذى أرفضه منذ ٤ سنوات، فبماذا تنصحنى أستاذ أحمد للتخلص من تلك الضغوط المؤرقة والخانقة.



 

إمضاء ر. ق

 

 

عزيزى ر. ق تحية طيبة وبعد...  

 

لا أجد أثرا واضحا على الإطلاق لأى مشكلة تعرقل ارتباطك بالفتاة التى مال إليها قلبك - طالما أنت واثق من وجود المشاعر المتبادلة بينكما، كما لا يوجد أى دليل على ضعف شخصيتك - فقط أنت متأثر بتلك الأحداث العائلية منذ الصغر، وهى حاضرة فى بيوت كثيرة وتلقى بظلالها على بعض الأفراد أثناء فترة تعد كأساس البنيان النفسى والاجتماعى للفرد داخل أى مجتمع وهى فترة الطفولة - كما تترك التجارب والمواقف التى تمر من أمامنا بعض الندبات أحيانا، لذا يجب على كل أب وأم الحرص على تجنيب صغارهما سماع حتى همس الأبواب المغلقة. لكن مجرد تصميمك على تكملة دراستك والاهتمام بها للهروب من ضغوط وطريقة والدك هو فى حد ذاته دليل على قوة شخصيتك وعقلانيتها، فأنت لم ترفض التمرد على صنعة والدك بل على طريقته الخاطئة مثل تعنيفه لك بالعمل ووالدتك بالمنزل - وهذا رد فعل قوى من طفل يمتلك أدوات اتخاذ القرار. فأنت أردت أن تثبت له بذكاء تحسد عليه أن تفوقك فى دراستك يستحق التفرغ لها، وهو كأب فرح بأن يحقق ابنه مالم يستطع هو تحقيقه من العلم، وأنا أرى أن دافعك للهروب من خطر التأثر بشخصية والدك الصلبة هو نفسه من سيقودك للنجاح فى إدارة حياتك بالشكل الصحيح كرب أسرة بعد زواجك، وما تحسبه خوفا وتتوهم بأنه ضعف شخصية أو رعونة هو نتيجة الصراع الداخلى فى عقلك الباطن بين شخصية والدتك المغلوبة على أمرها وشخصية والدك المفرطة فى تسرعها وغطرستها - لكن هذا الصراع هو طبيعى لأنه يعبر عن شخصيتك الوسطية الكارهة للظلم. فأنت عزيزى تميل لإنصاف الحق الذى مثلته والدتك بخوفها عليك من الفشل فى التعليم وضياع حلم نجاحك واستقرارك، وانطلاقا مما سبق يجب أن تكون حريص بالتبعية على تقديم نفس الدعم المعنوى لها ولوالدك أيضا - فهو فى الأساس كان يهدف من ذهابك للعمل إلى إكسابك المزيد من الخبرات لكنه جانبه التوفيق فى اختيار الوقت المناسب. واعلم أن زواجك ونجاحك فى حياتك العاطفية وخوفك على زوجتك وحسن معاملتك لها سيعوض والدتك عن سوء معاملة والدك لها وسيقوى بداخلها ثقتها فى قيمة صبرها وتعبها من أجلك.

دمت سعيدا وموفقا دائما ر.ق