الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

فى ذكرى ميلاده الـ 129

زكى مبارك.. حكاية «ثائر رغم أنفه»

«لم يبق ما أسكن إليه فى هذا الوجود غير حديث الحب، وبلايا المحبين» هكذا اختار لنفسه مدامع العشاق سكنا وترك لنا من كلماته إرثاً فى الأخلاق والفلسفة والأدب ولم يترك باباً للعلم وللدراسة إلا وطرقه حتى صار بحق د. زكى مبارك والتى تحل ذكرى ميلاده فى الخامس من أغسطس الجارى 



ولد زكى عبد السلام مبارك بقرية سنتريس منوفية سنة1891م بدأت حياته بحفظ القرآن الكريم، ودرس بالأزهر، ثم الجامعة المصرية حتى حصل على الدكتوراة سنة1924 فى رسالته عن «الأخلاق عند الغزالي» وقد جاءت دراسته الأولى أول دكتوراة تمنحها الجامعة المصرية وكان ذلك قبل أن تتحول إلى جامعة حكومية عام 1924، كما درس فى باريس وتخرج من السربون التى حصل منها على الدكتوراه فى «النثر الفنى فى القرن الرابع الهجرى سنة1931 «La Prose Arabe Du IVe Siecle de I Hegire» كما حصل على دكتوراة ثالثة من الجامعة المصرية عن كتابه» التصوف الإسلامي» سنة1937 لذا سمى بالدكاترة زكى مبارك.

حصل زكى مبارك على عدد من الشهادات جاء ذكرها فى أحد رسائلة كالأتي: شهادة الأهلية من الأزهر الشريف سنة1916 ، الليسانس فى الآداب من الجامعة المصرية سنة 1921، الدكتوراه فى الآداب من الجامعة المصرية سنة 1924 بدرجة جيد جدا، دبلوم الدراسات العليا من مدرسة اللغات الشرقية فى باريس سنة1931، دكتوراه فى الآداب من جامعة باريس سنة1931 بدرجة مشرف جدا، الدكتوراة فى الآداب من الجامعة المصرية سنة1937 .

سافر إلى فرنسا عام1927 للدراسة على نفقته الخاصة وكان بقضى هناك أربعة أشهر من العام ثم يعود إلى القاهرة ليقضى فيها بقية السنة وكان يعمل فى الصحافة والتدريس ليجمع نفقات اقامته فى باريس وظل على هذا النحوحتى 15 ابريل 1931حين حصل على الدكتوراه.

وبعد عودته إلى مصر قام بنشر رسالته ذاتها إلى اللغة العربية لكن المراجع للأصل الفرنسى والترجمة العربية يجدها أقرب إلى إعادة التأليف منها إلى الترجمة، حيث يتضح عدد من الأختلافات تتلخص فى أن عدد صفحات الرسالة فى الأصل الفرنسى 290 صفحة بينما فى النسخة العربية تزيد علي 750 صفحة، كما أن فى النسخة العربية نقدا شديدا للأساتذة الفرنسين المشرفين على الرسالة فضلا عن هذا وذاك هناك أحداث ومراجع لم تكن قد حدثت أوظهرت قبل صدور الأصل الفرنسى ويبرر زكى مبارك هذه الأختلافات بأنه فى النسخة العربية تفصيلات لا يحتاج إليها أهل الغرب إحتياج المستشرقين، كما أن النسخة الأصيلة وضعت بهدف علمى بحت بينما النسخة العربية وضعت بغرض التثقيف والتعليم . معارك مبارك

أثرت ظروف نشئته الفقيرة بإحدى قرى المنوفية فى شخصيته وشكلت مزاجه الغاضب الثائر على من حوله  إذ مات جميع إخوته عند ولادتهم، ونجا هو بالصدفة، وذهب لتلقى العلم فى الأزهر فلم تعجبه آراء أساتذته هناك، وقرّر الانتقال إلى الجامعة المصرية ليكمل تعليمه هناك.

قاد المظاهرات والمسيرات فى ثورة 1919 حيث كان خطيباً مفوّهاً، لكنه خلافاً لغيره من المثقفين لم ينخرط فى الشأن العام ولم ينضمّ إلى حزب من الأحزاب التى دعمت منتسبيها فى وظائفهم، ولما سافر إلى باريس ظهر باكراً رفضه المطلق على تيار التغريب الذى بدأ فى مصر منذ ناقش منصور فهمى أطروحته فى السوربون حول المرأة فى الإسلام، وتبعه طه حسين وسلامة موسى ولطفى السيد فى تقديم آرائهم الصادمة للسائد.

ومع عودته إلى القاهرة، كان متأهباً للقيام بكل تلك المعارك الشرسة التى خاضها، حيث كتب حول عزمه على «ترويع الآمنين من رجال الأزهر والجامعة المصرية ووزارة المعارف، ففى تلك الديار رجال يأكلون العيش باسم العلم والأدب، ثم لا يقدمون ولا يؤخرون فى دين ولا دنيا».

وقد قال ذكى مبارك فى كتابه مدامع العشاق «اما بعد فقد اخرجنا للناس كتاب «الأخلاق عند الغزالى»، فرمونا بالكفر، واليوم نخرج لهم مدامع العشاق؟ وسيرموننا من اجله بالفجور، وسنصبر على عدوانهم حتى نخرج لهم كتاب «آراء الجاحظ الفلسفية والأدبية» وكتاب «افنان الجمال» ثم نجنح بعد ذلك الى المتاب.. وقد زعمت ليلى بانى فاجر ....... لنفسى تقواها أو عليها فجورها الملحد الفاجر فيما يزعمون..زكى مبارك»

معركته الأشد كانت مع طه حسين الذى ناصره فى محنته حين قُدّم للمحاكمة بسبب كتابه «فى الشعر الجاهلى»، لكنهما سيختلفان على رؤية الأدب العربى القديم، فى خصومة قادتهما لكتابة مقالات أقل ما يقال عنها أنها تتسم بالقسوة، مع جرأة أكبر من جانب مبارك أدّت إلى أن يُفصل بسببها من الجامعة فى موقف من صاحب «الأيام» استنكره كثيرون.

لن يتوقف بينهما الجدال، فحين كتب مبارك مقالاته الاثنتين والعشرين ضد أحمد أمين، متهماً إياه بالجناية على الأدب العربي، كان يكرّر بصريح العبارة أن صاحب «مستقبل الثقافة فى مصر» هوالذى دفع بأمين أن يدوّن تهجمّاته الفارغة على الشعر العباسى ووصفه بـ«شعر المعدة».

يشير أنور الجندى فى كتابه «المعارك الأدبية فى مصر منذ 1914 – 1939» أن المعركة مع حسين وأمين انزاحت إلى بُعد شخصى محض ولّده إحساس عميق بالظلم والضيم لدى مبارك لانقطاع لقمة العيش، ما جعل جزءاً غير يسير من كتاباته تبتعد عن الموضوعية، إلا أنه لا يغفل أن يضع الخلاف ضمن سياقه التاريخى والثقافى.

خارجاً عن النخبة لكن على هواه، ووفق رؤيته الخاصة، حيث لم يسلم التيار المحافظ والأزهرى من انتقاداته أيضاً، استنزف مبارك بتلك الخصومات التى تدل على عمق فكره وأصالته وثقافته الموسوعية، ما اضطرّه إلى الذهاب إلى العراق بحثاً عن العمل، وهناك سيحظى بتكريم لم ينله فى وطنه، ثم يعود إلى مصر ويرحل بعد سنوات عن أربعين كتاباً وآلاف الأوراق غير المنشورة.