الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

قصة قصيرة

يوميات مغترب فى زمن الكورونا

لأننى أعيش بخيالى بأكثر مما أكون بواقع الحياة، فإن فكرة العزلة التى أنا عليها بسبب كورونا تفتح لى أبواباً ومتّسعاً من الخيال أكثر فأكثر، بل أنها تدفعنى أكثر إلى واقع ملموس ممزوجاً بخيال مبهم.



استيقظت اليوم قبل موعدى، وبداخلى طاقة غير عادية تدفعنى إلى الجنون.. لم أستطع الجلوس فى فراشى أو الانتظار فى البيت، لم يبق سوى ساعات قليلة على الحظر.. بدت الشوارع شبه فارغة، الخطوات بالكاد تشق السكوت، استقبلنى هواء بارد فانتعشت وكأن العالم ملكي، لم أعد أكره الحياة كما كنت من قبل فى هذه اللحظة التى استيقظت من نومى ورأيت العالم بشكل مختلف كطفل يراقب بابتسامة حالمة وبراءة مبهجة.. أنا نفسى لا أدرى كيف ومت؟

قد تكون حياتنا فى الغربة خشنة وقاسية، ولكننا نشعر فى وقت ما على الأقل بالتحرر من القلق، ولقد كان كل شيء يسير على ما يرام، ولكن فيروساً لا تراه العين المجردة جعل الشوارع فارغة والعصافير تترك أغصان الأشجار، جعل العالم يعيش فى هدوء، وحال دون العمل فى وقت مبكر.

النهار طويل فى هذه الأيام، سأسير 3أميال أخرى ثم أنحرف يميناً.. هذا المكان جميل، وكلما أمعنت فى السير تبدو لى الشوارع أجمل.

نظرت إلى الشمس قد حازت الأرض، واختفى جانب منها، فأدركت حينها أن عليّ العودة إلى البيت، عندها شعرت بالاضطراب إلى أبعد الحدود، وساد الصمت العميق لساعات.

فى ساعات الليل تهتز الروح بالذكريات، وتميل ميلاً خفيفاً فى حزن وأسى، هناك أشياء نفيسة وعزيزة بداخلنا، نؤثر أن نبقيها كامنة فى زاوية من أرواحنا بعيدة عن العيون المتطفلة، وتبدأ ساعات الوحدة والسكون.. أيام وليالٍ لا مثيل لها، ولم أعرف من قبل شيئاً يقاربها أبدا.

جلست متأملاً تلك السنوات التى مضت من عمري، وهى تلوح لى بعيداً، بين عدد لا نهائى من الذكريات والمشاعر المتضاربة، والقليل من الأمنيات المتحققة، أجدنى أتساءل بينى وبين نفسى: هل أنت سعيد فى الغربة؟

رغم كل الإخفاقات والصراعات الحياتية، كان يجب أن أعترف لنفسى بأننى سعيد وسط كل هذا العالم الصاخب الحزين.. سعيد رغم هذه الأيام التى نعيش فيها، تذكرنى كل دقيقة بضعفى كإنسان.. تذكرنى من أنا، ومن كنت، ومن أريد أن أكون.

لديّ 5 أصدقاء أتواصل معهم يومياً على برامج التواصل الاجتماعي، هم: «آدم أبوالمعارف، عمر عبدالمغيث ، علاء جابر، أحمد رشدى ، وائل حسن » نتناقش فى بعض الأمور، نتسلَّى ليمر الوقت بسلام، نتبادل بعض النصائح، نحكى ما مر معنا خلال اليوم.

فى أحاديثنا الأولى كنّا نستلذ باعترافات خطرة.. نخشى أن يضحك أحد منا فى الظلام، وفى منتصف الحديث كنا مدهونين بالأسى والخوف، ويبقى الصوت حاضراً، وفى نهايته أعرف جيداً لما ذا افترقنا؟، وينتهى بى الأمر إلى الصمت، وإنصاف الواقع الذى نسعى لإنكاره، وسيكولوجية العقل التى نحاول أن نعارضها، والحقيقة التى نزيفها من أجل أن ترتاح ضمائرنا: نحن نعانى فراق الأحبة والأهل، ونعانى من غربة مجهولة الهوية.

سأكتب بقدر انزعاجي، بقدر الأيام التى تنقضى فى هذا الحظر، بقدر الوقت الذى يتسرب بخوفى من كورونا، حتى الأكل والنوم والاستحمام أصبحت معوقات أنجزها بصعوبة.. لن أفعل أمراً خارقاً، فقط أردد النشيد الوطني، وأشتاق لقريتى الصغيرة.. هذا ما أستطع فعله، فماذا كانت تُريد هذه الغربة السخيفة أن أفعل غير ذلك؟