الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بريد روزا

انتحار الأمل

أنا موظف بسيط حاصل على مؤهل عالٍ ولا أملك من حطام الدنيا غير وظيفتى الحكومية التى توفر بالكاد ما يكفينى أنا وأسرتى الصغيرة، مما اضطرنى للعمل بوردية إضافية فى المساء بسوبر ماركت لتوفير باقى متطلبات حياتنا بما فيها دروس ابنى الذى انتهى منذ أيام من امتحانات الثانوية العامة بحصوله على مجموع ٩١% علم رياضيات  - وهو ما لا يتوافق مع مستواه لأنه كان متفوقًا ويشهد له كل أساتذته بذلك، لكننا لا نعرف كيف حصل على هذا المجموع الذى لا يعبر عtن ذكائه وقدراته، بينما هو على يقين بأنه ظُلم فى تصحيح بعض المواد مما دفعنا للتقدم بطلب تظلم على أمل أن يلتحق بكلية الهندسة كما يتمنى، وأنا كأب لم أقصر يومًا فى نصحه وتذكيره بما أبذله من مجهود مضاعف فى العمل كى أراه مهندسًا كبيرًا يساعدنى فى نفقات دراسة أشقائه مستقبلًا، وأحمد الله أنه متدين ومطيع لى ومتفهم للوم والدته حتى وإن بدا مبالغًا فيه عند شعورها بتقصيره قليلًا فى المذاكره، أو تأنيبها لضميره بسبب معاناتى فى العمل، وهو كان يشعر بالندم لدرجة البكاء ويضاعف من مجهوده. مشكلتنا الكبيرة التى تكاد أن تعصف بنا جميعًا هى إصابة ابنى بحالة نفسية سيئة بعد ظهور نتيجته وتعليقات الجيران والأصدقاء على الفيسبوك بالدهشة وعدم التصديق لمجموعه - حيث كانوا يتوقعون له ترتيبًا ضمن أوائل الثانوية على مستوى الجمهورية إلا أنه صدم الجميع. كل ما سبق جعله يغلق باب غرفته على نفسه ويرفض تناول الطعام ولا الحديث مع أحد، وذلك تحديداً بعد بكاء والدته وعتابها له على ضياع الهدف الكبير الذى كنا نأمل تحقيق الكثير والكثير من ورائه، ليخرج هو عن شعوره ويقول لأمه بأنه سينتحر ويخلص الجميع من عاره للأبد، تلك الكلمات جعلتنى لا أنام وحاولت الحديث معه وإقناعه بأننى لا أهتم بمجموعه وأنه بذل كل ما بوسعه أمامى لكن قدر الله وما شاء فعل. ما يؤرقنى بشدة سيدى الفاضل أننى بعد أن غافلته وحصلت على هاتفه المحمول للاطمئنان على نشاطاته وتواصله مع أصدقائه اكتشفت أنه كتب لأعز صديق قريب منه على تطبيق الواتس بأنه يفكر فى الانتحار شنقًا حتى يريح الجميع من فشله، كما اهتم بالبحث بواسطة جوجل عن طرق الموت الرحيم وكذلك جزاء الموت للمنتحر، وكانت جملته التى بحث بها هى نصًا «جزاء المنتحر اليائس»، الآن أشعر بحالة من الشلل فى التفكير بعد رفض نجلى لأى محاولة من أجل التواصل معه ورفع معنوياته - بل وتوقف عن أداء الصلاة بسبب ميله للنوم معظم ساعات اليوم، وعندما يدخل عليه أحد يجده شاردًا مهمومًا أو باكيًا،،، لا أعرف حقا أستاذ أحمد ماذا أفعل من أجله وأنا أراه يضيع أمامى وأخشى أن يؤذى نفسه.. فبماذا تنصحنى!؟.



إمضاء خ. س

عزيزتى ى. ش تحية طيبة وبعد ...

لا يستطيع أحد أن ينكر مجهودك الكبير الذى بذلته بحب وصبر من أجل أن ترى أفراد أسرتك سعداء لايشعرون بنقص أو تقصير معهم - مثل أى أب هو بمثابة العمود الفقرى لأسرته، لكن دعنا نتفق أن تصدير الإحساس بالمسئولية الإجتماعية بوجه عام للأبناء هو أمر ضرورى بكل تأكيد إذا تم فى وقته وبالكيفية التى تناسب كل فئة ومرحلة عمرية وإدراكية لهؤلاء الصغار محدودى أو معدومى الخبرات، وفعل ذلك بالتدريج يعد أمر بالغ الأهمية لما له من تداعيات مستقبلية على نفسية أبنائنا خلال فترتى الطفولة والمراهقة على وجه التحديد، والمثال نجده حاضراً هنا فى ربطك لمستقبل الأسرة بنجاح ابنك فى الثانوية وبمجموع مؤهل لكلية الهندسة كى يشاركك فى مسئوليتك العائلية - وهذا الربط حتى وإن كان يبدو تحفيزيًا إلا أنه يتحول لأمر تعجيزى بالنسبة للولد إذا فشل فى القيام بالدور المطلوب منه، وهو يشبه إلقاء حجر ثقيل على عاتق من يفتقر للخبرات المطلوبة لوضع الأمور فى نصابها الصحيح دون مبالغة، أضف لما سبق توبيخ أمه عند تقصيره نسبيًا - مع تذكيرها المستمر له بما تعانيه أنت من مشقة لتحقيق هدف وحيد لا مجال للإنحراف عنه ولو بملليمترات قليلة وهو المجموع الكبير - ناهيك عن ضغوط التحصيل العلمى بتلك المرحلة التعليمية العصيبة، لذا عليك أن تعرف بأن ابنك ربما يعانى من حالة إكتئاب ويحتاج لمجهود كبير من أجل رفع أنقاض المسئولية الواثبة على نفسيته، حاول أولا الوصول لصديقه القريب منه والذى اكتشفت انه راسله على الواتس واطلعه على الحالة النفسية التى يمر بها ثم اطلب منه أن ينصحه بإلغاء فكرة الإنتحار لأنها ستقوده إلى الموت كفرًا وجزائها جهنم وبئس المصير - وذلك حتى يقتل بداخله شيطان التبرير الذى دفعه إلى محرك بحث الإنترنت عن «جزاء المنتحر اليائس» وهى عبارة تدل بشكل قاطع عن الصراع الدائر بين ضميره ونفسه المحبطة التى تحاول الخلاص من الحياة حتى ولو بمبررات وهمية، ثم على صديقه محاولة ترميم جسر الثقة بينك وبينه حتى يتقبل كلامك ويفتح لك قلبه، وهنا يجب عليك رفع معنوياته بالتأكيد على أن الحياة مليئة بالفرص لكن علينا فقط التحلى بالصبر والثقة وروح التحدى للظفر بها، وأن اى كلية يلتحق بها ستكون بمثابة بوابة العبور إلى الحياة التى تنتظره - رجلا مؤمنا بالله وبالأهداف التى خلق من أجلها ومن أجل تحقيقها لوطنه ولنفسه، وبعد أن تستشعر الأمل فى عودة التواصل المثمر بينكما واقتناعه بكلامك وانتصاره على شبح الهروب من اليأس بالنوم أو التقوقع فى غرفته وهجر صلاته - فإن كل تلك المؤشرات تعبر عن تعافيه، أما إذا لم تنجح بهذه الطريقة عليك بعرضه على طبيب نفسى كبير يستطيع بتخصصه وخبراته إنقاذه من براثن أفكاره الهدامة والإبتعاد به عن طريق الهلاك بمشيئة الله.

دمت سعيدًا وموفقاً دائمًا خ. س