السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الشاعر المصرى عبد العليم حريص: للقرية التأثير الأكبر على كتاباتى

عبد العليم حريص شاعر وروائى وإعلامى مصرى مقيم فى الإمارات، حيث يعمل بالصحافة الثقافية هناك ومستشارا لعدد من المؤسسات والمعاهد العربية والدولية، تخرج فى كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، ونشأ فى صعيد مصر، فى قرية الشيخ بركة بعائلة الشوافع التى تعود جذورها لقبائل هوارة.صدر له أربع دواوين شعرية هى: وأشرقت بعينيك أشعارى «1999»، الحلم وأشياء أخرى( 2002)، لا تعجلى باللوم ( 2002) ديوان شعرى مشترك مع الشاعر أنور فراج، قصائد لم تكتمل ( 2019)، وصدر له مؤخرًا رواية «كوم الخادم» عن دائرة الثقافة بالشارقة. فاز بمسابقة القصة القصيرة لمجلة العربى الكويتية عدة مرات.



 ماذا أعطتك الغربة وماذا أخذت منك؟

فى الغربة يزداد الحنين إلى موطنك الذى درجت فيه، ونشأت به، وكونى أنتمى إلى قرية مصرية، فالأمر أكثر حنينًا واعتزازًا بانتمائك إلى قرية ضاربة فى القدم، والبيئة الخليجية خاصة والعربية عامة تهتم وبكل ما هو تراثى وتاريخي، من تبادل الحكايات وتشابه العادات والتقاليد بين الشعوب، فكنت أورد بعضًا من القصص والحكايات التى تخص قريتى الشيخ بركة، فلاحظ الزميل والأديب نواف يونس شغفى بالحديث عن المكان والزمان، وكأنى لا أجد متعة سوى فى الحديث عن المآثر والعادات والتقاليد والقيم الإنسانية المستمدة من الثقافة العربية والإسلامية الراسخة فى العقل الجمعى لأى عربي، إلى جانب أثر الحضارة الفرعونية فى تكوين ثقافة شعب ومنطقة بعينها، فأشار عليّ بتوثيق هذه الحكايات والأيديولوجيات، وطبيعة البيئة الصعيدية بحلوها ومرّها، والتى يتداخل فيها الواقع مع الأسطورة، لتظل فى ذهن أبناء منطقتكم على الأقل، فى ظل تغيّر كثير من هذه العادات والتقاليد بفعل عامل التطور الذى يلحق كل شيء، وهى أيضًا رسالة من ابن الجنوب إلى الوطن العربى تلقى من خلالها الضوء على حالة زمانية ومكانية عاشها أناس فى مكان ما فى الوطن العربى المليء بالحكايات والأساطير التى تتباعد حينًا وتتقارب كثيرًا.

فأعجبتنى الفكرة خاصة أننى لن أحتاج كثيرًا من المصادر للاطلاع فكل شيء هى ذهنى تقريبًا، ولا أنكر استعانتى بمصادر من قريتى من الأقارب، ومن مسنين الذين عايشوا أحداثًا بعينها، لتأكيد الروايات والأحداث.

- ما هى الظروف المحيطة بكتابة روايتك «كوم الخادم»؟

أخذت الرواية ما يقارب 9 أشهر فى الكتابة، ومن ثم سلمتها لإدارة الدراسات والنشر بدائرة الثقافة بالشارقة،، ضمن سلسلة إبداعات عربية. فى الرواية أزمنة متراكمة متداخلة من الوعى الجماعي، وطبقات من الذاكرة المحتشدة وبحركة الأسلاف وكثافة حضورهم الحى فى الهياكل المتداعية والدهاليز، وعرق السعى الخلاق ودبيب التراب المتطاير، ذلك هو التنقيب الموهوب فى كتابة عبد العليم حريص باعتبارها الجذر الأصيل لأيام يجب أن تجيء دلالتها، التقاط الشعر مما هو يومى عابر، فى الأشياء والتصوير الشامل لوطن تنداح فيه الشيخوخة.

- كيف ترى الكتابة فى زمن الكورونا؟

برغم أن جائحة كورونا رمت بثقلها على العالم أجمع وغيرت بداخلنا الكثير من العادات التى ما كنّا نتخيل أن نقدر أن نعيش بدونها إلا أنها أفادت فى اتجاهات أخرى فالتقارب الأسرى فى أيام الحظر الأولى قارب بين الأهل بشكل أفضل، أما على المستوى الإبداعى، فهى فرصة سانحة للأعمال المؤجلة إبداعيًا، وقد خرج نتاج أدبى كثير للزملاء والمبدعين العرب خلال الفترة الأخيرة برغم عدم الاحتفاء بهذه الأعمال من خلال حفلات التوقيع وإقامة حلقات نقاشية حول تلك الأعمال، ولكن فى المقابل ازداد الإقبال على القراء والمتابعة من قبل الكثير.

أما على المستوى الشخصى فأنا من أولئك الذين لم يتأثروا بالحظر المنزلى، لأنى بمنتهى البساطة رجل بيتوتي، إلا أن قلة الزيارات واللقاءات ساعدتنى على أن أجد نفسى فى خلوة إبداعى قلما تتكرر.

رواية كوم الخادم حالة توثيقية للبيئة التى وجدت فيها، وعودة إلى نقطة البدء فمن تراب هذه القرية الطهور تخلقت نطفتى الأولى، هناك أطلقت أولى صرخاتى وكبرت وترعرعت فى أحضان هذا البيئة التى يسود فيها العرف على كثير من الأمور، وفى باطن أرضها دفنت سرتى حينما كانت القابلات هى التى تولّد النساء، وأينما حللت أو ارتحلت فى الأرض لا أجد نفسى إلا فى قريتي، وكأننى مشدود بحبل سرى تجاه قريتى قرية الشيخ بركة (كوم الخادم) والتى ما زلت مسجلة بهذا الاسم فى الوثائق المصرية للآثار، ومن هنا جاءت تسمية الرواية من باب رد الجميل والاعتراف بحق هذه القرية عليّ من حيث تثقيفى وتنشئتى.

- هل تستعين بالواقع على الكتابة؟

حينما أكتب الرواية لم يكن فى بالى أى منهج سردى سأتناول الرواية، فقط كنت أنفض عن ذاكرتى تلكم الذكريات أربطها بأحداث سمعتها من حكايات العمّات والجدات، وكنت حريصًا على حفظ الحدوتة بأكثر من رواية ومن أكثر من شخص، وإن كانت عمتى هى من كانت تتولى ونحن صغار مهمة قص الحواديت علينا فلم تكن الكهرباء قد دخلت القرية، ومن بعد غروب الشمس كانا نقيم حلقة ويجتمع أغلب أفراد العائلة والجيران ونستمع إلى الحواديت، وعلى الجانب الآخر كان جدى يحكى لنا قصص الأنبياء والصالحين، وما تيسر عليه من حواديت حول النجوم والأساطير الفرعونية.

وقد - كيف استقبل الوسط الثقافى الرواية؟

لاقت الرواية فور صدورها استحسانًا كبيرًا ولامست مشاعر الكثير من الإخوة العرب المقيمين بالإمارات، وكانت الفرحة الحقيقية لأنباء قريتى الذين دعمونى بشكل لم أكن أتوقعه، إلى جانب الاحتفاء الإعلامى من الزملاء فى نشر خبر الرواية فى كافة أرجاء الوطن العربي. تستمد الكتابة تلك القوة من صدقها، نتعب على تجسيد الناس حتى يستمدّوا حقيقتهم ويعيشوا طويلا على الورق، الكتابة الحقيقية صادقة كى تستمر الشخصيات والأحداث والزمان والمكان طويلا على الورق وتقرأها الأجيال بشغف.

والرواية تسلط الضوء على عوالم خفية فى قرانا المصرية، كما تعالج العادات والتقاليد التى كانت سائدة فى زمن ما بحكم أمور كانت مفروضة عليهم، والصراع القبلى والطبقى وأحيانًا العقائدي، ونظرة المجتمع للمرأة فهى ما بين القانعة بكل شيء أو المتحكمة فى شىء، وتلقى الرواية الضوء على فترة زمنية بعينها وهى فترة التحول من الملكية إلى الجمهورية، وترصد ردود أفعال المجتمع تجاه هذا التحول، والتسامح بين الأديان وبرغم الاختلاف الطبقى بين الكثير، إلا أن الجميع يعتز بنفسه، كما شاء، ولكنه لا يسىء للآخر.

أما الأساطير والحكايات المتوارثة عن اللقية والعادات والتقاليد فهى وإن قَلّت، ولكنها لم ولن تنتهي، فما زال الكثير يحلم بالثراء بعد أن يجد الكنز المدفون، وهذا الأمر ينخلع على أغلب قرى ومدن الصعيد، وكأن باطن الأرض فى الصعيد عبارة عن كنز كبير وسيفتح فى يوم ما. والغموض لا يجب أن يكون سعيًا لإحداث الغموض ولكنّه سعى لطرح أسئلة على القارئ والوصول إلى المعنى، كما أن الكاتب فعل عركته مع نصه على القارئ أن يفعل جهده فى قراءة النص.

- كيف كانت بدايك مع فن الكتابة؟

بدايتى مع الكتابة بدأت مبكرًا من خلال كتابة الشعر وما شجعنى أن خالى كان شاعرًا معروفًا فى الجنوب الشاعر محمد على عبدالله، والذى أورثنى محبة الكتابة، فكان الجميع يقول بأن خاله شاعر كبير فورث الملكة منه (رحمه الله) وحينما أصدرت أول ديوان شعرى لى فرح والدى (رحمه الله) بأنى أصدرت ديوان شعر لي، إلا أنه علق بأنى تخطيت اسمه واسم أبيه لأضع اسم جده (حريص) فقال أن أدفع المال ولا تضع اسمى ولا اسم أبي، إلا أنه دعمنى كثيرًا وهو الوالدة أطال الله فى عمرها.

وبرغم ذيوع اسمى كشاعر فى المرحلة الاعدادية والثانوية إلا أن فى كلية اللغة العربية بجرجا بدأت فى الظهور فى المهرجانات والأمسيات الشعرية، وبعدها التحقت ببيت ثقافة جرجا والبلينا، وصولا للمشاركة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب.

وفى الإمارات بدأت مرحلة أخرى من الإبداع، فالإمارات والشارقة تحديدًا بيئة خصبة لكل المبدعين، وخاصة أنى التحقت بالعمل الصحفي، وتخصصت فى الشأن الثقافي، ومؤخرًا التحقت بمجلة الشارقة الثقافية، بإمارة (الشارقة التى لم أغادرها منذ أن وطأت قدماى أرض الإمارات قبل 10 سنوات)، وقد أصدرت حتى الآن 4 دواوين شعرية منهم ديوان مشترك مع الشاعر الراحل أنور فراج ابن قريتى أيضًا، وكان آخر إصدار ديوان قصائد لم تكتمل.

وقد لاحظت أنى كلما كتبت قصة قصيرة كانت تفوز بمجلة العربى الكويتية، هنا تحرك ذهنى لكتابة الرواية، ولا أدرى هل الحنين هو الذى دفعنى لكتابة رواية؟ أم توثيق أمور بعينها راسخة فى ذهنى أردت أن أضعها فى عمل سردى لتبقى فى ذاكرتى مدة أطول؟

- ما هو أثر الغربة على إبداعك؟

تعتبر الغربة مصدرًا مهمًا للإبداع، فالحنين والاختلاط وتبادل الثقافات كل هذه روافد يستقى منها المبدع كتاباته.

والنظرة إلى وطنك من على بعد لها خصوصيتها لدى أى مغترب فكيف الحال مع الكاتب، فمشاعره دومًا متجه لوطنه، فهو من وضع اللبنة الأولى بداخله، وعلمه أبجديات القراءة والمعرفة، وأصقل موهبته، لذلك فهو مدين لوطنه بكل شيء.

إن الأدب يخلق واقعه، فهذان هما الصيغة والتخييل المطلوبان لخلق كتابة حديثة لا تشبه الواقع، نحن لا نكتب الواقع ولكننا نكتب بالواقع الموجود فى وعينا ككتاب، المسألة هى لملمة هذه العوالم وتحويلها إلى فن وإبداع.