الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

يدعمون الإخوان خوفا من روسيا.. هل تكرر أمريكا خطأ أفغانستان فى ليبيا

لماذا لا يتعلمون من جرائمهم؟!

فى فبراير (شباط) عام 2015، خلال قمة ميونيخ للأمن حذّرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى فى ذلك الوقت، فيدريكا موغيريني، من مخاطر انفجار ليبيا على أوروبا، مشيرة إلى تحوّل ليبيا إلى ملاذ للإرهابيين، وهو التحذير ذاته الذى ردده الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند، وقتها، قائلاً إن الإرهابيين فى بعض مناطق ليبيا يهددون أمن المنطقة، حيث كانت عناصر «داعش» بدأت تعلن عن نفسها، فضلاً عن التنظيمات الأخرى مثل «أنصار الشريعة» التى أدرجها مجلس الأمن على لائحة الإرهاب فى عام 2014.



على الرغم من المخاوف الأوروبية المتواصلة حيال تحول ليبيا إلى ملاذ آمن للإرهابيين تنطلق منه العمليات الإرهابية إلى دول القارة العجوز وغيرها فى الشرق الأوسط وحتى الولايات المتحدة، فإنه مع تحوّل البلد المطل على البحر المتوسط إلى معركة بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية، فإن الشواهد تهدد بوضعٍ أكثر انفجاراً على غرار أفغانستان عندما أقنع زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومى الأميركى الرئيس جيمى كارتر عام 1980 بأن تسليح ودعم الجماعات الإسلامية المتطرفة فى أفغانستان سيكون استراتيجية فعالة فى مواجهة الجيش السوفيتى الذى ذهب لدعم حكومة موالية له.

 وما أشبه الليلة بالبارحة، فالرئيس التركى رجب طيب أردوغان استطاع الحصول على ضوء أخضر من إدارة الرئيس الأميركى دونالد ترامب التى تلتزم الصمت حيال نقله آلاف العناصر الإرهابية من سوريا إلى ليبيا، تحت ذريعة مواجهة النفوذ الروسى فى البلد الواقع فى شمال أفريقيا. فهل لم تتعلم الولايات المتحدة الدرس؟ وتذهب نحو تكرار خطأ كانت إحدى نتائجه متمثلة فى هجوم دموى حصد نحو 3 آلاف شخص فى تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر 2001، فضلاً عن توريطها فى حرب كبدتها آلاف الأرواح ومليارات الدولارات.   مرت أفغانستان خلال السبعينيات باضطرابات سياسية كبيرة، بدأت بانقلاب عسكرى وإنهاء الحكم الملكى وإعلان الجمهورية عام 1973 على يد محمد داود خان. وفى منتصف السبعينيات، خطط الإسلاميون مراراً لانقلابات عسكرية والاستيلاء على الحكم. حدث ذلك أولا فى عام 1974 لكن نظام داود اكتشف المؤامرة وسجن قادة التحرك ممن لم يتمكنوا من الهرب إلى باكستان. وفى العالم التالى حاول الإسلاميون الانتفاضة مجدداً فى وادى بنجشير وفشلوا وفر القادة الإسلاميون إلى باكستان.

 وبحسب مجلة «ميدل إيست ريفيو»، فى عدد مارس (آذار) 2002، فإن إسلام آباد وجدت أن دعم حركة إسلامية أفغانية يمنح باكستان نفوذًاً طويل الأمد، ستكون باكستان أكثر قدرة على التأثير فى الحكم لدى جارتها الهند.  

 داخلياً استمرت الاضطرابات وأُطيح النظام الجديد لداود فى أبريل (نيسان) 1978 على يد حزب الشعب الديمقراطى الأفغاني، الماركسي، حيث أصبح نور تراكى السكرتير العام للحزب رئيساً للمجلس الثورى ورئيس وزراء جمهورية أفغانستان الديمقراطية. ورحب الاتحاد السوفياتى بالنظام الجديد بتدفق كبير من المساعدات، لكن الأمور لم تسر كما تشتهى السفن إذ نشبت الصراعات على السلطة بين جناحين من حزب الشعب الديمقراطى الأفغاني، وهما «خلق» الذين كان يقودهم تراكي، و»برشم» بقيادة حفيظ الله أمين، واشتعلت الثورة فى نورستان شرق أفغانستان.

 وفى سبتمبر عام 1979، استولى أمين على الحكم وقتل تراكى فى القصر الرئاسي. سعى الاتحاد السوفياتى إلى إنقاذ نفوذه فى أفغانستان، لكن أمين على الرغم من العلاقة القوية التى جمعته بالسوفيات فإنه لم يكن موالياً لهم بالكامل، وبسبب وحشيته ضد معارضيه تواصلت الاضطرابات السياسية وسرعان ما أرسل الاتحاد السوفياتى الجيش الأحمر للإطاحة بأمين ودعم حلفاء الاتحاد السوفياتى فى الحزب الماركسي، الذين واجهوا تمرداً من الجهاديين. 

فى غضون أسبوعين من الغزو السوفياتى لأفغانستان، جاء قرار تسليح المقاومة الأفغانية من قبل القوى الغربية المناوئة للاتحاد السوفياتي، بقيادة الولايات المتحدة.

 وبحسب ورقة بحثية نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (معهد أبحاث سياسية)، فإنه فى عام 1980، خصصت إدارة الرئيس الأميركى جيمى كارتر 30 مليون دولار للمقاومة الأفغانية، ونما هذا المبلغ بشكل مطرد فى ظل إدارة رونالد ريغان. وفى عام 1985، خصّص الكونغرس 250 مليون دولار لأفغانستان. بعد ذلك بعامين، أفادت التقارير بأن المساعدة الأميركية السنوية للمجاهدين الأفغان وصلت إلى 630 مليون دولار. ولا يشمل هذا إسهامات دول إسلامية وإسرائيل والصين وأوروبا.

 ويستشهد العديد من المعلقين بالتدفق الهائل للمساعدات الأميركية إلى أفغانستان. وفى كتابه «تمويل العدو: كيف موّل دافعو الضرائب الأميركيين حركة طالبان؟»، يذكر الصحافى الأميركى دوغلاس ويسينج، أن الولايات المتحدة سلّحت الجماعات الإسلامية المتطرفة لمقاومة الجيش السوفياتى وحلفائه الأفغان. ويشير إلى أنه فى عام 1986، بدأ الأميركيون مد المجاهدين بنظام الصواريخ المضاد للطائرات «ستينغر» وغيرها من العتاد، ما ساعد على هزيمة السوفيات وانسحابهم أخيراً فى عام 1989.

 ويقول ويسينج إن الدعم الذى وفرته الولايات المتحدة لجماعات المجاهدين منحهم القوة، وفى عام 1992 اندلعت حرب أهلية على أساس عرقى بين ميليشيات أمراء الحرب التى دمرت العاصمة كابول، كما أسفر ذلك عن صعود حركة «طالبان» فى جنوب البلاد والتى بدأت حملة أسفرت عن سيطرتها على معظم البلاد بحلول عام 2000. وفى نهاية الأمر تحوّلت «طالبان» ضد الولايات المتحدة واستمرت فى إيواء أسامة بن لادن، بعد تورطه فى تفجيرات السفارتين الأميركيتين فى كينيا وتنزانيا عام 1998، وصولاً إلى شن هجمات 11 سبتمبر 2001.

 يقول بعض المحللين إن صانعى السياسة الأميركيين كانوا أمام خيار صارم للغاية فى الثمانينيات، إما أن تدعم الولايات المتحدة معارضة أفغانية، أو ببساطة تتخلى عن أفغانستان للهيمنة السوفياتية، وهو خيار قد يؤدى إلى توسيع النفوذ السوفياتى فى المنطقة الأوسع. ومع ذلك كان بوسع واشنطن أن تمارس ضغطًاً أكثر فعالية على باكستان لتخفيف حدة دعمها للمتطرفين الإسلاميين، خصوصاً بعد صعود «طالبان». وبدلاً عن ذلك، تخلت واشنطن عن مسؤوليتها وأعطت باكستان مجال نفوذ فى أفغانستان غير محدود بأى ضغط خارجى آخر، وهو ما تحتاج الولايات المتحدة الانتباه إليه حالياً فى علاقتها مع تركيا، بحسب مايكل روبين، الباحث الأميركى لدى مركز أبحاث «إنتربرايز» الأميركي.

 ويشير روبين إلى أن اندفاع تركيا إلى ليبيا يجب أن يرفع الأعلام الحمراء، لافتاً إلى أن أردوغان دعم حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، بعناصر «داعش» وغيرهم من الفصائل الإرهابية وبالطائرات من دون طيار، ما يعنى أنه يسلّح المتطرفين الذين حاربتهم الولايات المتحدة سابقاً. ويضيف أن خطأ أمريكا فى أفغانستان لم يكن توفير الدعم لـ»طالبان» وإنما التغاضى المستمر عن دعم باكستان وغيرها من الجهات للميليشيات المتطرفة.

 ويوضح الباحث الأميركى أن النمط نفسه يظهر اليوم، ففى حين يهمس أردوغان بأشياء مغرية فى آذان الأميركيين، فإن تركيا اليوم لا تغذى وتموّل التشدد فقط، بل تسلحه. قد يعتقد أردوغان أنه يستطيع السيطرة على وكلائه المتطرفين، لكن التاريخ يشير إلى أنه مخطئ. فمتى وقع الهجوم الإرهابى الكبير التالى ضد الأميركيين، فلا ينبغى أن يُفاجأ أى مسؤول بالعثور على بصمات وكلاء الأتراك عليه. 

 وحذّر الكاتب البريطانى كون كوفلين، فى مقال بصحيفة «ديلى تليغراف»، من الخلايا الإرهابية فى ليبيا، مشيراً إلى أن موقعها الجغرافى يعنى أنه من الأسهل كثيراً استخدامها كقاعدة لشن هجمات إرهابية ضد أوروبا، وهو الاعتبار الذى سيأخذه المسؤولون البريطانيون، من دون شك، على محمل الجد فى معركتهم ضد التهديد الإرهابى المستمر.  وأشار كوفلين إلى أن الجماعات الإسلامية المتطرفة فى ليبيا تلقت دعماً كبيراً فى الأشهر الأخيرة الماضية بعد التدخل العسكرى التركي. وأضاف أن قرار الرئيس التركى بالتدخل نيابة عن حكومة السراج التى تعتمد على عدد من الميليشيات الإسلامية، يعود جزئياً إلى رغبته فى تأسيس نظام حكم إخوانى فى طرابلس، على غرار ما كان فى مصر فى 2012. ويقول إنه خلال الفترة الوجيزة لـ»الإخوان» فى حكم مصر، تحت رئاسة محمد مرسي، غرقت البلاد فى فوضى بسبب سعيه إلى ترسيخ أجندة إسلامية متطرفة، بحسب قول الكاتب.

  التدخل الروسى فى ليبيا يثير قلق الغربيين، وذلك من خلال دعم قائد الجيش الوطنى الليبي، خليفة حفتر، مما يزيد نفوذ الكرملين فى المنطقة، ربما لذلك تم الصمت على نقل الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا.

 يقول بشير عبد الفتاح، الباحث لدى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الرعب من الدور الروسى فى ليبيا متعاظم للغاية، لأن روسيا إذا نجحت فى تموضع استراتيجى فى ليبيا تستطيع نشر منظومات تسليحية متطورة للغاية تشكل تهديداً لأوروبا، ويمكن أن تكون رأس جسر للانتقال إلى أفريقيا، خصوصاً أن روسيا تريد أن تكون لاعباً فى شرق المتوسط، ولا يجب أن ننسى أنها عرضت مساعدة تركيا فى التنقيب غير القانونى عن النفط والغاز فى شرق المتوسط.