الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ذكرى ميلاد مكتشف المواهب الأدبية

رجاء النقاش.. المتأمل

ذاكرته تعج بحكايا الثقافة وطرائف المبدعين وبداياتهم عبر الزمان‏‏ ويسيل منه عذب الكلام عن الذين يملأون حياتنا أدبًا وشعرًا أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس ونزار قبانى وكامل الشناوى وزكى نجيب محمود‏..‏ بلغت ثقته بنفسه حد تمجيد مواهب الآخر‏.‏ ينقد ولا يجرح‏.‏ من كلامه الهمس وصوته رنين العقل‏.‏ من يصيبك بالفرح كلما التقيت به ويترك لك أغلى الذكريات كلما غاب عنك.. فنجح فى نقش اسمه على جدران القلوب حتى صار رجاء النقاش الناقد العربى الأول الذى يمدحه الأدباء والشعراء فهو صديق للجميع.



محمد رجاء عبد المؤمن النقاش الذى تحل ذكرى ميلاده فى الثالث من سبتمبر الحالى  ولد فى عام  1934, بمحافظة الدقهلية بشمال البلاد وتخرج فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة 1956، وقبل تخرجه اتجه الى النقد الأدبى وعرف بدراساته التى كان تنشر آنذاك فى مجلة الآداب البيروتية.

وبدأت رحلة النقاش مع الصحافة فى مجلة «روز اليوسف» عام 1959 ثم تولى بين عامى 1969 و1971 رئاسة تحرير (الهلال) أقدم مجلة ثقافية عربية وانتقل عام 1971 رئيسا لتحرير مجلة (الإذاعة والتليفزيون) وجعل منها مطبوعة ذات توجه ثقافى, حيث نشر رواية (المرايا) لنجيب محفوظ مسلسلة قبل صدورها فى كتاب.

عمل رجاء النقاش بالصحافة منذ عام 1953..عندما اختاره زكريا الحجاوى ليعمل فى جريدة كانت تحت الإنشاء فى ذلك الوقت وهى جريدة الجمهورية. كانت وظيفة متواضعة وهى التصحيح، وكان طالباً فى الجامعة فى تلك الفترة وبأشد الحاجة لمثل هذا العمل فقد كانت ظروفه الاقتصادية سيئة ولم تساعده على إكمال تعليمه الجامعي، وكان مرتبه بالشهر 10 جنيهات وهذه الجنيهات القليلة كان لها فضل على إكمال تعليمه الجامعى.

أما عن أول صدمة ثقافية فى حياته هى عندما فوجئ قبل صدور العدد الأول من الجريدة تم إصدار قرار من السادات بإيقاف زكريا الحجاوى عن العمل ومنعه من دخول الجريدة، بناءً على ما وصله من تقارير زائفة بالطبع إن الحجاوى يتآمر عليه، وبعد فترة من صدور الجريدة تعرض النقاش أيضاً للفصل، ثم رشّحه الاستاذ أنور المعداوى للعمل فى المجلة الأسبوعية وكان عمله مراجعاً لكل المادة التى تنشر فيها.

عمل فى مجلة «روز اليوسف» عام 1959 ثم تولى بين عامى 1969 و1971 رئاسة تحرير «الهلال»، أقدم مجلة ثقافية عربية، وانتقل عام 1971 رئيسا لتحرير مجلة «الاذاعة والتليفزيون»، وجعل منها مطبوعة ذات توجه ثقافى, حيث نشر رواية «المرايا» لنجيب محفوظ مسلسلة قبل صدورها فى كتاب.

وعاد النقاش إلى مصر كاتبا بمجلة «المصور» فى نهاية ثمانينات القرن الماضى ثم تولى رئاسة تحرير مجلة «الكواكب» فى التسعينات، وفى السنوات الاخيرة أصبح كاتبا متفرغا بصحيفة الأهرام.

قدّم النقاش عددا من أبرز المبدعين الذين يكبره بعضهم سنا ومنهم الروائى السودانى الطيب صالح الذى أعاد النقاش اكتشاف روايته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال»، والشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى الذى كتب له مقدمة ديوانه الأول «مدينة بلا قلب»، والشاعر الفلسطينى محمود درويش الذى أصدر عنه عام 1969 كتاب «محمود درويش شاعر الأرض المحتلة».

استهل رجاء النقاش كتابه «أبو القاسم الشابى شاعر الحب والثورة » الذى صدر عام 1965، بكلمة للأديب الروسى تشيكوف تقول: «إن كان فى وسعك أن تحب، ففى وسعك أن تفعل أى شىء» بهذا المعنى الإنسانى العميق، أدار رجاء النقاش مشروعه الأدبى والثقافى والفنى على مدى نحو خمسين عاما - كما تقول عنه أمينة النقاش - كانت المحبة الغامرة هى إحدى أدواته الأساسية فى كل ما يفعل، وكل ما ينتج، وكل ما يكشف عنه الستار من مواهب، أو ما يحتفى به من قيم ومثل ومبادئ، أو ما يبتدع من مشروعات أدبية وفنية وثقافية.

فقد جمع رجاء النقاش بين شغفه بالأدب وشغفه بالصحافة، ولذلك أقام مشروعه الثقافى منذ البداية على فكرة تتخذ من الصحافة وسيلة إلى نشر الذائقة الأدبية والفنية الحديثة على امتداد النصف الثانى من القرن العشرين، ساعده على ذلك أسلوبه السلس الذى ينتقى مفرداته بعناية فائقة، والذى يقول أعمق الأفكار بأبسط الكلمات.

وقد عزز هذا التوجه لدى رجاء النقاش، دراسته فى قسم اللغة العربية فى كلية الآداب، وقراءاته الواسعة التى قادته إلى الانضمام إلى تيار الحداثة فى الأدب والفن والثقافة، الذى تخلق فى أربعينيات القرن الماضى، حين برز الجيل الرائد منه فى نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، واتخذ من الصحافة منبرًا للتأثير فى الحياة الأدبية والفنية والفكرية، وسعى فى هذا السياق إلى استكمال ما قامت به الأجيال السابقة عليه فى سبيل تحديث الأدب العربى.

من مواقفه الثقافية دعوته لإعادة إحياء الإنتاج الثقافى للقرن العشرين، فهو يرى أنه قرن عبقرى فى الثقافة العربية، لأنه بداية نهضة كبيرة ؛ فهو قرن تجديد اللغة والفكر الدينى وفتح الأبواب أمام الفكر السياسى الغربى الذى دون استيعابه والاستفادة منه لا يمكن أن نقيم حياة سياسية سليمة برأيه، وهو القرن الذى عرفنا فيه المسرح وأصبح فيه كتاب موهوبون وعرفنا القصة والرواية.

نال النقاش جائزة الدولة التقديرية بمصر عام 2000 وكرم فى يناير السابق فى حفل بنقابة الصحفيين بالقاهرة حيث نال درع النقابة ودرع مؤسسة «دار الهلال» ودرع «حزب التجمع». وبهذه المناسبة بعث محمود درويش برسالة إليه عبر فيها عن حبه معترفا له بالفضل، وقال درويش فى رسالته «عزيزى رجاء النقاش .. كنت وما زلت أخى الذى لم تلده أمى منذ جئت إلى مصر أخذت بيدى وأدخلتنى إلى قلب القاهرة الإنسانى والثقافى».

وتابع درويش: «وكنت من قبل قد ساعدت جناحى على الطيران التدريجى فعرفت قراءك على وعلى زملائى القابعين خلف الأسوار عمقت إحساسنا بأننا لم نعد معزولين عن محيطنا.

واعتبر درويش أن النقاش كان له دور «فى تطوير وعى المسئولية وفى تعميق العلاقة بين حرية الشعر وشعر الحرية».

وأضاف «نحن مدينون لك لأنك لم تكف عن التبشير النبيل بالمواهب الشابة وعن تحديث الحساسية الشعرية والدفاع عن الجديد الابداعى فى مناخ كان ممانعا للحداثة الشعرية ومدينون لك لأنك ابن مصر البار وابن الثقافة العربية الذى لم تدفعه موجات النزعات الإقليمية الرائجة إلى الاعتذار عن عروبته الثقافية».