الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فقدان متعة اكتمال المعايشة بالمشاهدة عن بعد لعروض التجريبى أون لاين

عزلة المسرح فى زمن الكورونا

 فرضت علينا جائحة فيروس «كورونا» العالمية؛ عزلة العرض وعزلة المشاهدة؛ حرم صناع العروض من تقديم أعمالهم المسرحية بين الجماهير فى مصر ضمن فعاليات الدورة السابعة والعشرين بمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبي؛ واكتفوا بإرسال مجموعة من الفيديوهات المصورة لأعمالهم التى سبق عرضها من قبل على خشبات المسارح؛ وبالتالى لم يتحقق ما يميز المسرح عن غيره من الفنون بالحضور والمعايشة والتفاعل الحى مع العروض؛ اكتفى الجمهور بعزلته فى المنازل ومشاهدة تلك الأعمال الهامة على شاشة «اللاب توب» على قناة المهرجان التى أطلقها خصيصا هذا العام لاحتواء عدد لا بأس به من العروض؛ والتى ضمت أعمالا مسرحية فى ثلاثة أقسام متنوعة قسم العروض المصورة «المسابقة الرسمية»، مسابقة مسرح الحظر، وعروض من ذاكرة المهرجان.



تسببت هذه العزلة فى مشاهدة الأعمال المشاركة فى فقدان حالة المعايشة وجزء كبير من متعة العرض؛ وكذلك فى ضياع بعض التفاصيل الهامة أثناء المتابعة لكون التصوير يهتم بإبراز مشهد عن غيره فلا يمكن أن تتبع خشبة المسرح وجوانبها بالكامل اثناء المشاهدة التليفزوينة؛ وبالتالى قد يشكل خضوع هذه العروض إلى منطق التسابق ظلما لها لعدم توفر الشكل الملائم أو لعدم اكتمال أجواء المشاهدة المتكاملة التى قد تمكن أعضاء اللجنة من الأحكام العادلة، وربما كان أبرز مثال على ضياع التفاصيل وفقدان ركن أساسى من أركان المشاهدة المسرحية بالحضور والرؤية الحية عرض «هاملت أور هاملت» من الولايات المتحدة الأمريكية وإخراج روبين بوليندو، تجسدت هذه الأزمة فى هذا العرض على وجه التحديد الذى اتخذ من خشبة المسرح شكل وقالب جديد ومغاير للتقاليد، كان يصعب على المشاهد تمييز شكل خشبة المسرح وكيفية تركيب وتكوين الديكورات حولها والشاشات التى وضعت اثناء استعراض واستحضار نماذج جسدت هاملت على خشبات مسارح متنوعة وفى أعمال سينمائية سابقة، بينما كان العمل وبوضوح يسخر من شخصية هاملت المضطربة وجدانيا سخرية لاذعة وفى استعراض هذا الاضطراب الوجدانى انتقل الاضطراب والانفجار لهذه الشخصية ليتحول إلى اضطراب درامى حقيقى على المسرح سواء فى وضع الموسيقى واستخدام موسيقى راب صاخبة إلى جانب مراحل اجتماع وصراخ الممثلين ثم الحوارات المتناثرة بينهم والتى قد توحى فى جزء كبير منها بالسخرية من شخصيته وجنونه الدائم الذى لا يتوقف، قدم العمل فى قالب فنى جنونى ربما رأى صناع أن هذا الشكل العنيف المضطرب غير الواضح وغير المنمق هو الأنسب لتناول هاملت شكسبير لكن يبقى عنصر فقدان إكتمال الصورة مسرحيا ومعايشتها مفقودا وبشدة مما اضاع الكثير من متعة إكتشاف الرؤية فى بناء هذا الديكور الصادم والغريب.

«الجانب الآخر من الحديقة»

امتدت أزمة متعة عدم اكتمال المعايشة ايضا للعرض المسرحى «الجانب الآخر من الحديقة» للمخرج اللبنانى أسامة حلال وهو إنتاج مشترك سورى لبناني؛ لكن العرض تمكن من تعويضها إلى حد كبير لما حمله من جماليات ورموز بديعة فى تصوير المعاناة الإنسانية التى تواجهها الأم من الحروب ففى هذا العمل استعراض لنموذج الأم الثكلى فى بقاع الأراضى العربية التى عانت ومازالت تعانى من ويلات الحرب والموت عن نص «حكاية أم» لكريستيان هانز أندرسن يتناول أم تذهب خلف ملك الموت لإستعادة ابنها؛ وكأن الأم التى يذهب ابنها تذهب وراءه متمنية الموت حتى تبقى بجانبه ولا تتركه وحيدا، تفقد فى هذه الرحلة عيونها وشعرها وصوتها لتصبح جاهزة تماما لملاقاته حتى ولو بالموت، فى شكل مسرحى غير تقليدى انتصر للرمز والإكسسوار على الدراما التقليدية ومدارس التمثيل القديمة؛ قدم صناعة مقطوعة مسرحية موسيقية بالحركة والسرد الدرامى والملابس البيضاء وكأنهم مجموعة من الأكفان المتحركة يحملون مناخلا كثيرة رمز لمرحلة الولادة ثم الزهور المتناثرة على ملابسهم وفى أركان المسرح رمز للشباب الذين يولدون ويموتون فى عمر الزهور، تحيطهم رائحة الموت من كل مكان فى أداء سردى جماعى حركى بديع، وبمشاركة رأس دمية خشبية حملها الممثلون رمزا للأم التى تبحث عن ابنها بينهم تريد أن يرشدها أحدهم عليه، استخدم الممثلون هذه الرأس المتنقلة بين ايديهم وبأفواههم، وكأنها تحولت إلى إمرأة حقيقية بحركة اليد والجسد ثم حملها بين رؤوسهم؛ اتقان واجادة وقدرة على الابتكار فى تناول قضية حياتية يومية ربما تعانى منها كل أم فى أرض عربية مختلفة، رغم تكرار هذه القضية وتداولها مسرحيا فى أكثر من شكل إلا أن هذا الشكل الطقسى البديع الذى قدم عليه صناع العمل وتناول به هذه القضية الإنسانية المؤلمة؛ تفوق فيه على كل اشكال المسرح التقليدى التى تناولت ومازالت تتناول تلك القضية بشعارات رنانة وجمل فضاضة فى حين انتصر هنا مبدعو «الجانب الآخر من الحديقة» حيث يقع الموت هناك كما ذكروا للفن؛ كيف تحول مأساة إلى متعة بصرية باللعب بالإكسسوار وبعض الكلمات وحركة الجسد التى لم يكتفوا فيها بعرض مأساة أم فقدت ابنها بينما تعرضوا بالسخرية والنقد لأوضاع سياسية واجتماعية واستعرضوا اشكال لأحداث سياسية مختلفة أثرت فى مستقبل أجيال قادمة؛ قدموا عملا إنسانيا فى غاية العذوبة والروعة ويعتبر من بين أكثر أعمال المهرجان تميزا هذه الدورة.

«النفس» 

من عروض المسابقة المصورة العرض التونسى «النفس» تأليف طاهر الرضوانى وإخراج دليلة المفتاحى تناول العمل قصص لمجموعة من السجينات ورجل، كل منهم حكم عليه بالسجن منهم مؤبد ومنهم مدى الحياة والثالة بالإعدام يزورهن الرجل من حين لآخر لأنه المسؤول عن إحضار الطعام لهن، لكنه فى الوقت نفسه يحاول إقامة علاقة مع إحداهن؛ تتصارع النساء فيما بينهن ثم تروى كل منهن مشكلتها وجريمتها يعتدن الحبس حتى أنهن مع نهاية العرض يرفضن الحرية والخروج للعالم، بل يفضلن احتباس الأنفاس على استنشاق الهواء بالخارج لأنهن اعتدن السجن وفقدان الحرية، قدمت دليلة المفتاحى عرضها المسرحى داخل قوالب سجنية متحركة استعانت فيه بحركة هذه القوالب واجساد الممثلين الموهوبين الذين استطاعوا تقديم هذه المعاناة والتناقض بين الجانب الإنسانى والشرير فى كل منهن بمهارة واحتراف كبير؛ بداية من السجانة ونهاية بالسجينات جميعا؛ من بين الأعمال المتميزة ايضا خلال هذه الدورة فى قسم العروض المصورة والتى قدمت رؤى جديدة ومختلفة فى تناول قضاياها المسرحية عروض «مسافر ليل» من مصر تأليف صلاح عبد الصبور وإخراج محمود فؤاد صدقي، العرض الصينى «أرض لوتشا» الذى إعتمد على مسرح الجسد لغى به حاجز اللغة تأليف هوانج وايرو وإخراج زاو مياو، «التحول إلى فراشة» إخراج وتأليف تصميم رقصات صوفيا بيرزى قدم العرض فى شكل مبتكر لتناول قضية التحول.

عروض المسابقة الحية

شارك ضمن عروض المسابقة الحية والتى تحمل اسم الدكتور حسن عطية عدد كبير من العروض المصرية على خشبات مسارح دار الأوبرا والجمهور والمعهد العالى للفنون المسرحية؛ فى محاولة من المهرجان لتعويض أزمة «الأون لاين» هذه الدورة وغياب العروض العربية والدولية عن خشبات المسارح المصرية؛ استبدل المهرجان هذا الغياب الدولى بعدد من العروض المحلية، حتى ولو لم يكن أغلبها مناسبا لفلسفة التجريبى فمعظم  هذه العروض قد تكون الأنسب لفلسفة المهرجان القومي، لكن نظرا لما تشهده هذه الدورة من ظروف استثنائية، كان عنصر إعادة الروح للمسرح المسيطر على سياسة المهرجان أكثر من الإنتصار لفلسفته التجريبية؛ وبالتالى شارك ضمن هذه الدورة عدد من الأعمال المتميزة ومتعددة الأطياف المسرحية والإنتاجية مثل «كعب عالى» إخراج محمد الطايع، «مفتاح شهرة» إخراج دعاء حمزة، «العمى» إخراج سعيد منسي، «بلا مخرج» إخراج أحمد فؤاد، «الوحوش الزجاجية» إخراج يوسف الأسدى، «ريا وسكينة» تصميم وإخراج كريمة بدير، «الأبرياء» إخراج حسام قشوة وإن عانى العرض من ظروف سيئة فى طريقة عرضه ومشاهدته على المسرح المكشوف حيث احيط بضوضاء أثرت بشكل ملحوظ على أداء الممثلين وبالتالى كان من الظلم تقديمه فى ظروف غير ملائمة له فنيا ساهمت فى انفصال الجمهور عن معايشة اجواء العرض.

«كعب عالي»

فى مزج متقن بين الرقص المعاصر والدراما، التى تناولت قضية قهر المرأة جسدا وروحا على يد أنانية الرجل الذى لا يرى سوى سلطته الذكورية وشهواته الجنسية ومحاولة المرأة التحرر من هذا القهر بشتى الطرق فى قالب فنى راقص قدم المخرج محمد الطايع فى «كعب عالي» بطولة ريهام عبد الرازق هذه القضية بلوحات رقص متنوعة تخللها مونولجات مسرحية تشرح فيها البطلة قضيتها ودوافعها للتحرر من هذه السلطة ثم تبدأ العلاقة فى شكل رومانسى شديد وتنتهى بمأساة قتل البطلة وهو نوع من الرمز بقتل اشكال الحياة والطموح داخل المرأة على مر العصور، حيث استشهد المخرج هنا بجزء من شفيقة ومتولى ثم تبدأ القصة وتتكرر من جديد فى نهاية العرض مع بطلة جديدة وقصة حب أخرى، تميز العمل بإجادة اللوحات الراقصة وحرفية المزج بين الدراما والحوار بالرقصات المتنوعة استطاع المخرج ضبطه مع شاشة العرض الكبرى بالفيديو بروجيكتور، وبالتالى خرج العرض فى قالب فنى منضبط وممتع.

«الوحوش الزجاجية»

قدم المعهد العالى للفنون المسرحية «الوحوش الزجاجية» تأليف تنسى ويليامز وإخراج يوسف الأسدى تناول أزمة الإنتظار وفراق الأحبة أو فراق كل حلم محبب للنفس الإنسانية هو عمل إنسانى بالدرجة الأولى يروى قصة أم تركها زوجها ولا تعلم طريقه لكننا نراقب صورته المبتسمة إبتسامة بلهاء للعالم طوال العرض والتى ستتحول إلى ابنه فيما بعد الذى سيشاركه الهرب والتواجد بين أفراد الأسرة كذكرى بلهاء ايضا، بعد أن يتسبب فى جرح عميق لأخته الرقيقة بنفس رقة الوحوش الزجاجية الصغيرة التى قررت ان تحيا بينها منعزلة عن العالم فهى تعانى من عرج فى قدميها وتظن أن هذا العيب قد يتسبب فى عجزها عن ممارسة الحياة بشكل طبيعي، لكن أمها تحاول اقناعها بالعكس، يأتى أخاها بصديق له ليكون خاطبا لأخته استجابة لرغبة أمه، بينما هذا الخطيب بعد أن تقع الفتاة فى حبه يخبرها بإنشغاله بحب إمرأة أخرى، ينكسر قلب الفتاة مثلما انكسر احب الحيوانات الزجاجية إليها، «وحيد القرن» الذى أخبرته بأنه شديد الرقة لو «تنفست سينكسر»؛ استطاع الممثلون جميعا ريم المصرى فى دور لورا، وشيريهان الشاذلى فى دور الأم ومازن جمال جيم اتقان أدوراهم بسلاسة واحتراف شديد كما لفتت شيريهان الشاذلى انتباه الجميع بأدائها الكوميدى البسيط والمميز لشخصية الأم؛ بينما كان ليوسف الأسدى النصيب الأكبر من تحمل عبء ومسئولية مراقبة العمل كمخرج وكممثل على خشبة المسرح وعادة يكون من الصعب أن يجمع المخرج بين التمثيل والإخراج فى وقت واحد، حيث يحتاج هذا الجمع إلى مهارة ومستوى تركيز من نوع خاص إلا أن الأسدى رغم صغر سنه وحداثة تجربته استطاع الجمع بين الحسنيين مما ينبىء له بمستقبل كبير فى مجالى التمثيل والإخراج على وجه التحديد.

«العمى»

عن رواية «العمى» للكاتب الأشهر جوزيه ساراماجو قدم المخرج سعيد منسى عرضه المسرحى «العمى» ضمن فعاليات المهرجان؛ يتناول العرض قصة إصابة أهل بلدة بوباء يدعى «العمى الأبيض» ويتم احتجاز المصابون بهذا المرض فى الحجر الصحى الذى سنكتشف أنه سجنا فيما بعد وليس مكانا لرعاية المرضى وبين جدران هذا السجن تولد حماقات النفس البشرية التى تفقد أخلاقها وإنسانياتها وكأن هذا الوباء كشف فساد نفوس البشر وتخليهم عن كل مبدأ فى مقابل ارضاء غرائزهم، استخدم المخرج تقنية الفيديو بروجيكتور فى مشاهد متفرقة ومتداخلة مع خشبة المسرح مما أضفى على العمل صورة بصرية جيدة وكذلك فى مشاهد الإغتصاب التى حاول فيها الرجال استغلال اجساد النساء المحبوسون معهم تحت تهديد السلاح استعان المخرج بحرفة عالية بتقديم هذه المشاهد عن طريق شاشات عرض خلفية بالمسرح؛ بجانب تقسيم خشبة المسرح لفتح مداخل ومخارج لهذا العنبر الذى سجنوا فيه جميعا خشية من أن يتسببون فى مزيد من العدوى، فبدلا من السعى لعلاجهم تم حبسهم حتى يتخلص بعضهم من بعض بشكل وحشى وغير آدمى فى أداء جماعى متكامل قدم الممثلون قضية العرض الشائكة التى تعتبر حرب للصبر على الإحتفاظ والتمسك بالمبادىء مهما تعرض البشر لزلازل تؤدى إلى فقدانها والتخلى عنها.