الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الشاعر والمترجم المصرى ميسرة صلاح الدين: الترجمة تجربة حياتية صادقة تضاف لرصيد المترجم

على ضفة موازية لضفة الإبداع يبدع المترجم بأنامله وحسه اللغوى المرهف فيخلق عالماً إبداعياً. معاً نبحر بين عوالم المترجمين لعدد من اللغات.



نتحاور اليوم مع ميسرة صلاح الدين شاعر وكاتب مسرحى ومترجم حصل العديد من الجوائز فى مجال شعر العامية وكتابة المسرح أبرزها الجائزة المركزية من الهيئة العامة لقصور الثقافة، وجائزة المركز القومى للمسرح والفنون الشعبية. وصدر له من الدواوين « أنا قلبى مش فارس، شباك خجل، أرقام سرية، الأسد الحلو . ومن أبرز ترجماته رواية الناقوس الزجاجى لسيلفيا بلاث، وغيرها .

■ كيف ترى واقع الترجمة المصرى والعربي؟

ــ حركة الترجمة فى مصر والوطن العربى تضررت مؤخرًا كثيرًا، بسبب إلغاء معارض الكتاب الدولية، وكذلك مشاكل حركة التوزيع، وتراجع المبيعات وما صاحب ذلك من ظواهر بسبب الوضع الصحى العالمى الاستثنائي، وهو ما أثر سلبًا على حركة دور النشر وإقبالها على ترجمة الأعمال الفكرية والإبداعية على وجه خاص. وزاد من حدة الأزمة التراجع الملحوظ لدور النشر الحكومية. متمثلة فى سلاسل الترجمة المختلفة، وكذلك دور المركز القومى للترجمة وانغلاقه على ذاته.

قبل ذلك كانت حركة الترجمة تستعيد عافيتها بظهور دور نشر جديدة مهتمة بالترجمات، وأسماء جديدة من المترجمين الشباب، الأمر الذى ساعد فى ترجمة العديد من الكتب المهمة، وكان مبشرًا فى حالة استمراره بنهضة كبيرة فى حركة الترجمة إلى اللغة العربية.

■  كيف بدأت تجربتك فى الترجمة وأنت ظهرت فى البداية كشاعر عامية؟

ــــ بدأت علاقتى بالترجمة، بترجمة عدد بسيط من القصائد والقصص القصيرة لعدد من الكتاب والشعراء مثل جون ميلتون وفيرجينا وولف، كما ترجمت جزءًا من دكتور فاوستس للكاتب الإنجليزى المعروف كريستوفر مارلو، ونشرعدد قليل من تلك الترجمات فى دوريات متفرقة. لكن لم آخذ الموضوع بالجدية المطلوبة، وربما لم أكن مستعدًا بالشكل الكافى لألقى نفسى فى أحضان الترجمة بالكامل، ولكن تغير كل ذلك، بعد حوار قصير مع صديقى الناشر والصحفى محمد البعلى عام 2014 والذى عرض على ترجمة «الجبل العميق» للكاتبة التركية إيجى تملكران، تزامنا مع الذكرى المئوية للمذبحة التى ارتكبتها القوات العثمانية فى حق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، كنت مترددًا فى البداية لرغبتى فى دخول عالم الترجمة عن طريق ديوان شعرى أو رواية، تتناسب مع طبيعة خبراتى السابقة فى الترجمة والكتابة على حد السواء. ولكن بعد الإطلاع على الكتاب وافقت على الفور وتحمست كثيرًا، لطبيعته الاستثنائية، وقدرة كاتبته الفائقة على إحياء التاريخ عبر شهادات معاصرة لأحفاد الضحايا، وطرح وجهات نظر ورؤى مختلفة تتميز بالصدق والثراء الإنسانى الشديد.

■  هل تضع معايير بعينها فى اختيارك لما تترجمه؟

ـــ ترجمت العديد من الأعمال وفقًا لذائقتى الخاصة ولكنها تواجه فى الأغلب صعوبات فى النشر وخاصة بالنسبة للأعمال الشعرية. ولكن ذلك لا يمنعنى من التدقيق فى الأعمال التى أقبل ترجمتها عن طريق دور النشر.

معيارى الأول فى الترجمة هو متعتى الشخصية التى لا تتحقق إلا عن طريق جودة العمل الذى اتفاعل معه، ومقدار الثقافة وعمق التجربة التى يقدمها الكاتب، والتى أطمع فى نقلها، استمتع كثيرًا بترجمة الروايات التى تحمل طابعًا تاريخيًا،أو التى تحمل طابعًا تراثيًا وثقافيًا يبحر بى عبر وعى مختلف لتجارب حياتية لم أعشها.

■ كيف تراوح ما بين الشعر والمسرح والترجمة ولمن الغلبة؟

ـــ روح الشاعر هى المحرك الأساسى الذى أشحن طاقتى من خلاله، واستمر فى العمل، فلا يعادل شيئًا بالنسبة لى كتابة قصيدة جديدة، حتى المسرح فهو رافد آخر للشعر، أتمكن من خلاله من طرح رؤى وأفكار تحتاج إلى قالب مختلف عن قالب القصيدة، وخاصة أنى أكتب مسرحًا شعريًا وغنائيًا بجانب تجاربى السردية فى المسرح التى أعتز بها.

أما الترجمة فأنا اعتبرها تليسكوبًا، أنظر من خلاله إلى داخل عقول الكتاب، وأتفاعل بحميمة مع تجاربهم، وأجد نفسى شريكًا متورطًا فيها، وهو ما لا يتيحه لى غيرها.

■  هل تفضل الترجمات المنفصلة أم المشروع الواحد ولماذا؟

ـــ بدأت رحلتى مع الترجمة منذ ست سنوات على وجه التقريب، وترجمت خلالها عشرات الأعمال المختلفة ما بين الرواية، والمقالات الصحفية، وأدب الرسائل، وقصص الأطفال، وقد نشر معظمها حتى الآن، ولكن تلك الفترة لا يمكن اعتبارها فترة كبيرة, فالترجمة عمل شاق يحتاج إلى إخلاص ودأب. واقتصرت تجربتى حتى الآن على ترجمات منفصلة وشعرت معها بالراحة والمتعة، واستفدت كثيرًا من الخبرات المتنوعة على مستوى الكتابة، وعلى مستوى الترجمة، أدرس فى الوقت الحالى عدة اختيارات لبدء مشروع جديد فى الترجمة.

■  ماذا أضافت لك الترجمة كأديب ومترجم بحس إبداعى؟

ـــ لا يستطيع الإنسان أن يكتب بصدق إلا من خلال تجربته، والترجمة هى تجربة حياتية صادقة تضاف لرصيد المترجم رغما عنه، إذا تعامل مع النص الذى يترجمه بصدق وإخلاص، أتصور أن الترجمة فتحت لى أفاقًا جديدة فى فهم الطرق والآليات التى يتبعها الكتاب من بلاد مختلفة، كما فتحت لى أبوابًا على ثقافتهم وأحلامهم ورؤيتهم للعالم.

وخصوصا أننى أقرأ كثيرًا حول الكاتب الذى أتصدى لأعماله بالترجمة، وأتواصل معه فى بعض الأحيان.

كما ساعدتنى الترجمة فى فهم عادات وتقاليد وثقافة شعوب مختلفة، كما حدث عن ترجمة رواية تلغراف للكاتب العالمى بوتو واجيا، الذى برع فى وصف عادات وتقاليد إندونيسيا، ورواية العودة للكاتبة دولسى ماريا كاردوسا، التى تدور أحداثها بين البرتغال وأنجولا، وتصف عادات وتقاليد الشعبين والتفاعل بينهم فى فترة ما قبل استقلال أنجولا، وما تلاها من أحداث. ■  ما القضايا التى تحب أن تركز عليها فى ترجماتك؟

ـــ أهتم فى أعمالى وترجماتى بالجانب الإنسانى من الحكايات، المشاعر والتفاصيل الخاصة بالعلاقة بين الناس والأماكن المحيطة بهم، وعلاقة الإنسان بالمكان، وأحاول من خلال الترجمة اكتشاف عوالم جديدة، وفك الشفرات الخاصة بالشعوب وعاداتها وتقاليدها. أتصور أننى سأبدأ قريبا فى اختيار مشروع كبير، وأعكف على ترجمته، يحتوى على نمط ورسالة واضحة.

■ حدثنا عن مشروعك الحالي؟

ـــ انتهيت للتو من ترجمة رسائل ستيفان زفايج وزوجته لوت خلال الحرب العالمية الثانية، وانتظر صدورها قريبا عن بيت الياسمين للنشر والتوزيع.

وتعتبر رسائل زفايج واحدة من أعماله القليلة التى لم تترجم من قبل إلى اللغة العربية، رغم ترجمة معظم أعماله, حيث يعتبر زفايج واحدًا من أهم وأبرز الكتاب الأوروبيين فى القرن العشرين.

يتميز أدب الرسائل بالصدق والحميمية وقد أضافت ظروف الحرب والضغط النفسى الذى يشعر به زفايج وزوجته بسبب اضطرارهما للهرب من النازية من ناحية، وتدهور صحتهما بعيدًا عن الأهل والعائلة من ناحية أخرى، والإحساس المتنامى بالفقد والغربة، إلى أن يجعل تلك الرسائل ذات طابع خاص، وكاشف لنفسية فايج وزوجته قبل إقدامهما على الانتحار فى كامل أناقتهما، وقد احتضن كل منهما الآخر فى شغف كمشهد لن ينساه العالم.

كانت ترجمة الرسائل فى غاية المتعة بالنسبة لي، إلا أنها كانت تمثل تحديًا كبيرًا, فزفايج كتب الرسائل باللغة الإنجليزية وهى لم تكن لغته الأصلية، حيث كان يفضل الكتابة بالألمانية، ولكنه كان يخشى أن تفقد الرسائل بسبب ظروف الحرب والرقابة الصارمة على الرسائل المتداولة، كما كانت تنتشر بين سطور الرسائل كلمات بلغات أخرى كالفرنسية والبرتغالية والإسبانية وغيرها.