الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

المخرج إسلام إمام: فى «المتفائل» كان همى استغلال طاقات سامح حسين كممثل وحافظت على روح فولتير والمسرح القومى

صاحب الضحك المنضبط أو «المرتب» إن صح التعبير يصنع الكوميديا فى أعماله المسرحية بميزان ومقياس محدد لا يخرج عن إطاره؛ مهما امتلك ابطال عروضه من حس كوميدى كبير؛ يمثل المخرج المسرحى إسلام إمام تيارا لجيل مختلف من المسرحيين الشباب؛ لعب إسلام على أنماط جديدة ومتنوعة فى مجال الكوميديا سواء بمسرح القطاع العام أو الخاص يجنح دائما لصناعة كوميديا ذات فكر ومعنى وليس ضحك لمجرد الضحك؛ عن تكوينه الفنى ورؤيته فى صناعة الكوميديا بأنماطها المختلفة قال إسلام فى هذا الحوار: 



■ كيف كانت مرحلة التكوين الفنى؟

فى البدايات كنت أتمنى العمل بمجال التأليف وهذا ما جعلنى التحق بقسم نقد ودراما بالمعهد العالى للفنون المسرحية،  بدأنا دراسة مناهج وأسس إخراج بعد أكثر من شهر من دخول المعهد؛ احببت ترجمة النصوص فنيا أكثر من كتابتها دراميا، وبالتالى شعرت برغبة فى العمل بالإخراج، ظل الموضوع يراودنى حتى اخرجت عروضا مسرحية بالمعهد؛ ثم ساعدت عدداً من المخرجين الكبار مثل عصام السيد وخالد جلال، بعد تخرجى قدمت أول مسرحية بمجال الاحتراف كان وقتها خالد جلال مديرا لمسرح الشباب كانت «محاكمة خالد سعيد» لعب بطولتها نضال الشافعى ومحسن منصور أحمد عبد الهادى قدمت ونجحت فى زينب خاتون ومسرح السلام، بعدها خاصة عقب حصولى على جوائز أفضل عرض وافضل إخراج ايقنت أن هذا طريقي.

■ ما الذى كان يشغلك كمخرج فى البداية؟

مع التجارب الأولى كنت أقدم اشياء تعجبنى بمفردى وكنت اقدمها بشكل فنى دون أن اطرح على نفسى سؤالا لماذا ولمن أقدم هذه العروض؟!؛ بدأت أفكر فى كيفية تقديم عروض تهم وتشغل الجمهور، قررت اختيار طريقة تنفيذ العرض بشكل يتصل مع الجمهور بجانب اهتمامى بجودة العمل الفني، وبالتالى بدأت تفوز أعمالى بجوائز وهى عروض جماهيرية فى نفس الوقت وهذا كان من النادر حدوثه إما أن تحصل العروض فنيا على جوائز أو أن تكون مجرد أعمال جماهيرية.

■ هل كنت متعمدا تحقيق هذه المعادلة الصعبة؟

بالتأكيد فى «رجالة وستات» ركزت فى كيفية اختيار كتاب له جماهيرية واسعة على مستوى العالم عدد كبير من الناس اقبلوا على شرائه أخذت الكتاب وحولته إلى مسرحية قدمت لمدة ثلاث سنوات بنجاح كبير وحصلت على جوائز متعددة فى العالم العربى كله وبالتالى عندما ذقت طعم هذا النجاح الجماهيرى الكبير كان من الصعب العودة لتقديم عمل مسرحى فئوى.

■ إيطاليا شكلت لك مرحلة نضج أخرى، حدثنا عن هذه المرحلة؟

حصلت على منحة السفر إلى إيطاليا عام 2005 وبالتأكيد كانت أهم مرحلة، لأن إيطاليا تمتلك سوق مسرح مختلفا تماما، عندما سافرت للمرة الأولى حضرت مهرجان الاتحاد الأوروبى للمسرح وهو أكبر واهم مهرجان مسرح رأيته فى حياتي، شاهدت عروضا متنوعة من كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال شاهدت «تاجر البندقية»، «ريتشارد الثالث» كانت فى صالة ديسكو، «روميو وجوليت» فى حى العائلتين يبيعان خبزا لديهما مخبز ويتشاجران حول المنافسة على البيع والشراء، ريتشارد الثالث فى صالة ديسكو وهو صاحب الكباريه، «تاجر البندقية» رأيتها فى قالب موسيقى ساخر مشهد المحكمة القاضى بيغنى والمتهمين يغنون معه، وبالتالى تعتبر ايطاليا من الدول التى لا تنسى، فى كل ميدان الناس ترسم لوحات وتعزف فى الشارع فنون تشكيلية وموسيقى استعراضات فى الميادين العامة، الشعب ينزل ليعرض موهبته بين الناس فى الشوارع، وأحيانا يتم تأجير محال حتى تصبح معارض للفن التشكيلى بعد هذا المهرجان حضرت بينالى فينسينا، البينالى كل دولة تقدم شكلا من اشكال الفنون والعمارة بطريقتها بفكرة بسيطة جدا تشاهدين كل دول العالم، هناك سوق مسرح ضخم ومتنوع فى كل شيء. 

■ كيف اثرت ايطاليا على تجربتك فى المسرح وعلى فلسفتك فى تقديم الكوميديا؟ 

إيطاليا بدأت آليات «الكوميديا دى لارتى» بشكل عام فى العصور الوسطى وظلت تنمى فيها حتى الآن لدرجة أن داريفو الذى حصل على جائزة نوبل عام 98 كان مطور آليات الكوميديا حتى اليوم يقدمون مسرحيات «كوميديا دى لارتى» إضافة إلى الأنواع الأخرى لديهم ورش ومناهج فى التمثيل مختلفة للغاية، حتى أنه يتم الإعلان عنها فى الجرائد والمجلات، بجانب أن لديهم رؤى مختلفة على مستويات صناعة الصورة والتقنيات والإبهار لذلك أتمنى أن يحدث احتكاك دائم للمخرجين بالخارج، لأن هذا من شأنه أن يغير فى شكل ومستوى المخرجين والنقاد؛ من المهم أن تعيد وتكرر تعرضك لتجربة السفر حتى تواكب التطور والأحدث، فأهم شيء للفنان أن يشاهد دائما ويطلع ويرى أشياء جديدة مهما كانت موهبته دون الإطلاع الدائم ستصبح قديمة وستحوله إلى فنان محدود.

■ لديك نمط مختلف فى تقديم فن الكوميديا دى لارتى ربما لم يتشابه كثيرا مع آخرين؟!

من أهم من قدم كوميديا دى لارتى المخرج خالد جلال والمخرج محمد الصغير، احب العمل على ال «دى لارتي» الذى يحمل الدراما ليس مجرد تقديم نص يعرفه الجمهور جيدا مثلما يفعل الصغير، ما يقدمه صعب للغاية وإدراك المتلقى له أصعب، لأنه ليس الجميع يعلم تفاصيل النص الأصلى كى يستوعب ما فعله المخرج، «روميو وجوليت» و«هاملت» عندما عرضوا فى الجامعة شيئا والعرض الجماهيرى شيئا آخر، هذا الشكل متواجد فى العالم، لكن بالنسبة لى عندما اقدم شكلا احب تقديمه من خلال حدوته، «الكوميديا دى لارتي» عند جولدونى فى «خادم سيدين» او «الأرملة الماكرة» بها خطوط درامية واضحة، فى خادم سيدين الكوميديا تخرج من المواقف مهزلة هذه مسرحيات مكتوبة «للكوميديا دى لارتى»، عندما قدمت «اترك انفي» لم يكن هناك نص مكتوب لل«دى لارتي»، بينما ادخلت «اليس فى بلاد العجائب» وذهبت لمنطقة الألوان وغيرت فى النص نفسه لم يصبح النص كما هو تشعب الموضوع وادخلت عليه اسكتش من الكوميديا دى لارتى يقدم فى الشوارع بعنوان «الأنوف المتصارعة» اصبحت هناك مراجع متعددة، بينما فى «رجاله وستات» لم اقدمها بمنطق الـ«دى لارتى»، لأن القصة لابد أن تكون حاكمة فى الكوميديا لابد أن يكون المخرج فاهم دراما بشكل جيد، مثلا فى «ظل الحمار» كانت كوميديا دى لارتى صرف حصلنا به على جوائز القومى ورأت وقتها اللجنة أن هذه من أكثر المسرحيات التى تطبق الكوميديا دى لارتى بشكل جيد جدا كان بيومى فؤاد حمزة العيلى وعمرو عبد العزيز ومحمد ثروت الأبطال، ووقتها كان من الصعب تمثيل مصر بمهرجان تجريبى دولى بعرض كوميدى لكن خالد جلال كانت لديه ثقة شديدة من شدة اتقان العمل على مستوى المعنى والصورة.

■ عادة ما تتعمد إحكام الضحك وكأنه مرتب ومنظم للغاية كيف تحرص على ضبط ايقاع الضحك فى أعمالك؟

احب الضحك للغاية، والمسرح معظمه قائم على الضحك، وليس الجمهور المصرى فقط؛ لكننى رأيت هذا فى الخارج، فى كل دول العالم يشكل المسرح بالنسبة للجمهور الضحك او الإبهار، كل الإنتاج الضخم قائم إما على مسرحيات كوميدى أو مسرحيات معتمدة على الإبهار البصرى من رقص وموسيقى وغناء؛ بينما التجارب النوعية قد لا تستمر كثيرا وكذلك فى مصر، احب الضحك جدا لأنه يمنحنى تقديم معنى ورسالة للجمهور، فما أسعدنى تحقيق أعمال مثل «رجالة وستات»، «ظل الحمار»، نجاح على مستوى الفنى والنقدى وكذلك الجماهيرى وهذه معادلة صعبة للغاية احب وأحرص على تحقيقها بقدر علمى بصعوبتها أعلم جيدا أنها تمنحنى نجاحا جماهيريا أكبر لأن المسرحية رسالتها تصل لأكبر قدر من الناس، وبالتالى ضبط الضحك يأتى من عدم رغبتى فى ايقاف حدث درامى من أجل الضحك؛ بمعنى لا اوقف معنى لأقدم ضحك ضد المعنى.

■ وماذا عن سامح حسين فى «المتفائل»؛ شعرت وكأنك كنت تغلق عليه مساحات الضحك هل للمسرح القومى عامل فى هذا الانضباط؟

بعيدا عن الإفيهات الدارجة هناك نوع آخر من الضحك، من الشخصية نفسها فى شكل تمثيلها مثل «سهر الصايغ» فى «المتفائل» سهر لا تقول افيه واحد لكن الناس بتضحك من أدائها كيف استطاعت ان تسيطر على شكل تقديم الشخصية بأسلوب كوميدى وهى برنسس ثم تحولها إلى عامة الشعب ضحك راق وشيك، «المتفائل» بشكل عام هو عمل كوميدى لكننى حاولت بقدر الإمكان المحافظة على روح فولتيير وعلى روح المسرح القومى ونحن نقدم عملا كوميديا غنائيا فى نفس الوقت؛ إلى جانب حرصى على تقديم سامح حسين فى شكل جديد الجمهور شاهده وهو يبكى ويحزن ويقدم استعراضات فخرج بأكثر من شكل، كنت حريصا الا يكون تكنيك العرض «فارس» لمجرد الضحك فقط، بينما بناءه معتمد على الإبهار والموسيقى والديكور وملابس الممثلين، صنعنا قدرا كبيرا من الضحك والبهجة وبالتالى الجمهور خرج مبتهجا ومبتسما يشعر براحة نفسيه حتى دون وجود ضحك، الشعور بالتفاؤل راكب روحك، كان التعليق المتكرر من الجمهور خروجهم بطاقة ايجابية وتفاؤل، وهذا هو هدفى الأساسى من العرض بجانب استغلال سامح حسين كممثل لديه طاقات أخرى كما أنه كان سعيدا بهذه النقلة ولديه إمكانيات تمثيلية يريد إظهارها، كنت حريصا على الحفاظ على لحظات درامية محددة وحريصا فى مشاهد معينة أن يسكت الجمهور عن الضحك ويسمع وبالفعل تحقق ذلك فى مشهد ملكة الذهب، المشهد يقال فيه كلام مهم الناس تستمع لما يقال، وهو من أكثر المشاهد التى تحصل على تصفيق وليس فيه أى كوميديا، هذه معادلة صعبة جدا الجمع بين مشاهد خالية من الضحك تحمل معنى مهم بجانب مشاهد مضحكة للغاية ثم كيف احتفظ بالجمهور حتى آخر وقت دون أن يشعر بالملل.

■ كانت لك تجربة جريئة فى القطاع الخاص «صولو» بتقديم عروض مونودراما «كوميدي» حدثنا عنها؟

فى مشروع صولو كانت لدينا خطة بتقديم 26 مسرحية بهذا الشكل الجديد، من خلال 26 نجماً ونجمة، بدأت مع حنان مطاوع وهى ممثلة إمكانياتها قوية جدا، اختارتها لإحساسى أنها وسهر الصايغ يتم اختيارهما عادة فى أدوار كئيبة بينما كنت أرى أنهما لديهما قدرات كوميدية لم تستغل؛ عندما قرأت حنان مطاوع النص وأعجبها وبدأنا العمل على مشروع صولو ليس مونودراما بقدر ما هو «وان مان شو»، هى تغنى وترقص وتمثل من خلال حدوتة درامية  تحمست للنص بدأت تنوع وتضحك وفجأتنى بطاقتها الكبيرة فى العمل كانت مرعبة، اعتمدت على أدائها الكوميدى لأنها تتقن التشخيص بجدية شديدة، كل من شاهدها كان منبهرا بها.

■ هل ترى أنكم جيل ظلم وتأخر فى الظهور للعمل بسوق القطاع الخاص؟

جيلنا لم يظلم لكن فى رأى الأجيال التى سبقتنا كانت محظوظة لأن مسرح القطاع الخاص وقتها كان متواجدا وبقوة على سبيل المثال المخرج عصام السيد كانت له ستة افيشات فى وقت من الأوقات، حسن عبد السلام، سمير العصفورى كل هؤلاء كانوا متواجدين جنبا إلى جنب فى وقت واحد وبنفس كم المسرحيات هذا يعنى وجود انتاج غزير فى تلك الفترة، لكن عندما بدأت فى 2001 بشكل احترافى كان القطاع الخاص يغلق ابوابه حتى 2010 ظل القطاع الخاص شبه ميت وحدثت حالة هبوط شديدة، ثم أحداث يناير وغيرها حتى 2014 الدولة تحملت بمفردها كل الطاقات الفنية الموجودة على الساحة وهذا غير ممكن.