الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع ..

عشق الماضى

الأعمال للفنانة:  أسماء الدسوقى



يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة أو خواطر «على ألا تتعدى 550 كلمة» مرفقا بها صورة شخصية على الإيميل التالى:

[email protected]

 

عشق الماضى

 

قصة قصيرة

 

كتب - محمد عبدالله الديب

للمرة الثانية يعلن ضوء شاشة الهاتف عن مكالمة جديدة، نفس الرقم لنفس الشخص الذى لم تكن فى حاجة لتدوين اسمه، سامر، عشق الماضى الذى لم يبرح ذاكرتها قط،  وبين الرفض والقبول، هناك خوف، وحيرة، وقلق، هناك شوق يلح عليها بالقبول، وعقل ينذرها ويوصى بالرفض، وبين قلبها وعقلها، تشتعل نار توازى تلك التى تسوى عليها طعامها، مع تصاعد أنفاسها السريعة، تحرك يدها وتضعها على شاشة الهاتف، ولسان حالها يقول، توقف، أيها المستعمر قلبى، ارجوك لا حيلة لى، وبينما هى كذلك إذ اتجهت ببصرها نحو الصالة المكشوفة أمامها، طالعت وجه زوجها وقد غط فى سبات عميق، ذاك الذى لم يدر بخلدها لحظة أن يقترن اسمها بأسمه، اقتران وثق بالأوراق على يد مأذون شرعي، الوثيقة قربت بين اسمها واسمه، لكنها أبدأ لم تقرب المسافة بين فكرها وفكره (هكذا شعرت)، و ندبت حظها كثيرا، وتسربت دموعها من مقلتيها، دموع كثيرة، صحبها نحيب مكتوم، ومن بين دموعها ترائت أمام ناظريها مشاهد متداخلة، بين ماض زينته ورود حب، وكلمات عذبة، وألحان تراقص على اثرها فؤادها  ابان ذاك الماضى المسطور بداخلها، مع «سامر» فتى أحلامها، ونقيض كل ذلك، من صدامات فى طريقة التفكير، واهمال فرضه الانشغال بالعمل من اجل توفير لقمة العيش، وماترتب عليه من جفاف فى المشاعر بينها وبين زوجها فكرى،  وبينما كان الصراع بداخلها بين الماضى والحاضر فى أوج احتدامه، أحست بثوبها ينجذب لأسفل، نظرت، فاذا بصغيرها يقول بصوت رقيق  _ ماما أنا «دعان»

هكذا كان ينطقها كلما  أراد أن يعبر عن حاجته للطعام، وهكذا كانت « داليا « تحب سماعها منه،  تنبهت حينها أن عليها تهدئة نار شعلة «البوتجاز»، لتهدأ معها نارها الموقدة جراء رنين الهاتف الذى طرق باب الحنين بقوة. 

حملت اليها صغيرها تداعبه، تتأمل ملامحه التى تعشقها، فجأة نمى الى ذهنها سؤال لا يعرف أجابته أحد غيرها،  كيف تعشق ملامح صغيرها لهذه الدرجة التى تجعل حافظة الصور على هاتفها تكاد تكون ممتلئة بصوره، تلك الصور التى تتباها بها أمام أخوانها وأخواتها، وهى فى الوقت ذاته لا تذكر أنها قد فعلت ذلك مع زوجها الذى يحمل النسخة الأصلية من ملامح صغيرة؟ _ هكذا تساءلت _ انها حتى لم تلق على مسامعه ولو كلمة اطراء واحدة،  

« فكرى « ذلك الزوج الذى اطاعها عندما طلبت منه أن يعمل عملا آخر فوق وظيفته الأساسية لتوفير المزيد من المال

ذلك الذى صرخت فى وجهه ذات مرة عندما أهداها باقة من الورود، بل وأخبرته أنها لا تحب ذلك، لا تحب الهدايا عموما،  ولا تروق لها كلمات الغزل - تذكرت أنها قالت له كل ذلك وأكثر، تنبهت لأشياء كثيرة حدثت، واستعادت مواقف عدة، كان هو فيها المقبل، وهى المعرضة هو الذى يعطى وهى دائما ترفض،  أدركت حينها أن المساحة الشاغرة بينها وبين زوجها «فكرى» كانت بيدها، كانت هى التى حددتها، بل إنها أيقنت أن تلك المساحة لم تكن شاغرة ابدا، بل كانت ممتلئة، لكن ما كان يملؤها هو ذلك الماضى الذى ظل يكبلها طيلة السنوات الماضية، سحبت الشريحة من هاتفها  الجوال، وطلبت من صغيرها أن يلقيها فى سلة القمامة، ثم اقتربت نحو زوجها الذى كان غارقا فى سباته، أقتربت وهى عازمة على طى صفحة الماضى الذى كان دائما هو الحائل بينها وبين زوجها، وقررت أن تكون ولأول مرة هى المقبلة على من أشبعته أعراضا.