الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القـاعـدة V.S داعـش

معركة النفـوذ بين شيـوخ الـدم

خلال الأيام الماضية، وبينما كان نبأ موت أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، يشغل واجهة الأحداث، كشفت مصادر استخبارية أمريكية كواليس عن عملية الاغتيال السرية التى نفذها عملاء إسرائيليون لـ»أبى محمد المصري»، الرجل الثانى فى التنظيم، داخل الحى الذى كان يُقيم به فى العاصمة الإيرانية طهران، لتزداد أوضاع التنظيم وأنصاره غموضًا وتعقيدًا.



ولم تكن الأنباء المتداولة عن موت «الظواهري»- رغم عدم تسليمنا بها-، واغتيال «المصري» سوى استمرار لمسلسل نزيف قيادات القاعدة، الذى بلغ مرحلة دراماتيكية، خلال الفترة المنصرمة، بمقتل سلسلة من القيادات التنظيمية البارزة فى أفغانستان، وشبه القارة الهندية، وسوريا، والصحراء الإفريقية الكبرى، فيما يبدو وكأنه حملة منسقة للإطاحة برؤوس التنظيم القديمة، وخلق حالة من الفجوة الداخلية بين الجيل التاريخى للقاعدة والأجيال الشبابية الأحدث.

وتُعيد عمليات الاغتيال السابقة، تشكيل خريطة القيادات الفاعلة فى داخل التنظيم، وبالتالى تُسهم بشكل مباشر فى صياغة مستقبله، الذى لا زال يبدو غائمًا، فى ظل المعطيات المتاحة عن وضعه الحالي.  

من شيخوخة القيادة إلى خلخلتها

فمنذ تأسيسه الأول فى ثمانينيات القرن الماضي، سيطرت مجموعة قيادات محدودة، على مقاليد الأمور داخل «القاعدة»، كان أغلبهم من «الشيوخ» الكبار نسبيًا فى السن، لكنهم تمكنوا، مع ذلك، من الحفاظ على حالة تواصل إيجابى مع الأجيال الأصغر سنًا والذين شكلوا الوقود التشغيلى للتنظيم الذى تربع على رأس هرم ما عُرف بـ»الجهاد المعولم».

وبحلول أوائل الألفية الجديدة، برز جيل شبابى جديد داخل القاعدة، أكثر تمردًا على الأُطر الحاكمة التى أرساها شيوخ التنظيم، ومَثل الأردنى «أبومصعب الزرقاوي» الوجه الكاريزمى الأبرز لهذا الجيل، لكن «القيادات المؤسسة» نجحت فى استيعاب هذا الجيل تحت خطوط فكرية وتنظيمية عريضة، ووظفت الكاريزمية التى يحظى بها «الأخير» فى خدمة مشروعها الإرهابى القائم على فكرة «قتال العدو البعيد».

لم تدم حالة «الوفاق الجهادي» للأبد، فبرحيل القيادات التاريخية، بدت الخلافات الكامنة بين الأجيال القديمة والتى مثلها «أيمن الظواهري» زعيم تنظيم القاعدة، وبين الأجيال الجديدة التى كان منها أبوبكر البغدادي، الزعيم السابق لداعش، ورفيقه أبومحمد العدنانى (أحد عناصر القاعدة السابقين، ونائب البغدادى لاحقًا)، وكانت محصلة هذه الخلافات حدوث «شقاق جهادي» غير مسبوق أدى لتمايز وانفصال تنظيمى القاعدة وداعش عن بعضهما إلى غير رجعة.

صعد تنظيم داعش لموضع القيادة فى حركة «الجهاد المعولم»، ومثل وجهة مغرية للأجيال الشبابية من الإرهابيين، الذين سارعوا إلى السفر لمعاقله والانضمام له، خاصةً بعد أن نجح فى إقامة ما سُمى بـ»الخلافة المكانية»، فى حين خفت بريق غريمه التقليدى «القاعدة» الذى انكفأ على نفسه وخسر عددًا من قياداته البارزة، وعاش انشقاقات هيكلية كبيرة خصوصًا فى سوريا واليمن، فيما بدا وكأنه شيخوخة للقيادة والتنظيم معًا.

حاول «القاعدة» المناورة بأوراقه القديمة، فلجأ لاستدعاء رمزية مؤسسه «أسامة بن لادن» عبر تقديم نجله «حمزة» كوريث محتمل للقيادة التى كانت لا تزال فى قبضة «الظواهري» ذئب التنظيم الشائخ، غير أن تلك القيادة تعرضت لخلخة كبيرة فقتل حمزة بن لادن «2019»، و3 من أصل 4 خلفاء محتملين لزعيم القاعدة، هم: (أبو الخير المصري، أحمد حسن أبوالخير، «سوريا- 2017»، وأبومحمد المصري، عبد الله أحمد عبد الله «إيران- 2020»، وأبوبصير الوحيشي، ناصر الوحيشى اليمنى «اليمن- 2015»).

وبرحيل هذه المجموعة القيادية وغيرها، تعرض تنظيم القاعدة، لأكبر خلخلة تنظيمية فى تاريخه، والتى لم تُفلح معها محاولات «الظواهري» لجبر الخلل وترميم الهيكل المتضرر، عبر زيادة عدد أعضاء المجلس القيادى للتنظيم والمعروف أيضًا بمجلس الشورى العالمى (يتكون حاليًا من 12 عضوًا بعد زيادة 3 أعضاء خلال الفترة الماضية)، إذ قتل 2 من أبرز أعضائه هما: (أبوهريرة الصنعاني، قاسم الريمى «اليمن- 2020»، وأبوالقسام الأردني، خالد العارورى «سوريا- 2020»).

بقاء التنظيم 

أثرت حالة الخلخلة القيادية بشكل كبير على أداء تنظيم القاعدة، وساهمت مع عوامل أخرى منها «الشقاق الجهادى مع داعش»، فى ضعفه وتراجع أفرعه الفاعلة فى خراسان واليمن وسوريا، وغيرها، حتى صار ظلًا لما كان عليه سابقًا، بتعبير وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو.

ومع ذلك، أبدى التنظيم قدرة عالية من المرونة والقدرة على التكيف التشغيلي، إضافة للصبر الاستراتيجى والتركيز على الأهداف النهائية التى تشمل حاليًا السعى لاستغلال مجموعة من الصراعات المحلية، واستهداف الولايات المتحدة الأمريكية، كما أبدى براجماتية كبيرة فى خطابه الإعلامى عبر تخفيف حدة الألفاظ والمصطلحات المستخدمة فى وسائله الدعائية، واللعب بورقة مراجعات الاستراتيجيات والتكتيكات دون الأفكار، لاستقطاب أجيال جديدة من شباب الإسلاميين وفى مقدمتهم شباب الحراك المسلح لجماعة الإخوان فى مصر.

 ومن الواضح أن تراكم الخبرات الإرهابية، وتركيز العالم على قتال ودحر تنظيم داعش فى سوريا والعراق وغيرها، ساعد «القاعدة» على الصمود، والعمل على تكوين وتعزيز شبكاته الإرهابية التى تضم حاليًا، وفقًا لتقديرات أمريكية، ما بين 30: 40 ألف مقاتل، موزعين على رقعة جغرافية كبيرة تمتد من جنوب آسيا حتى شمال إفريقيا.

واستغل تنظيم القاعدة، الفترة الماضية، فى تجنيد وإعداد وتخريج جيل جديد من الإرهابيين ليمسكوا بمقاليد الأمور داخله، بدلًا من الجيل القديم، لكن لا زالت قدراته التجنيدية محدودة نسبيًا، إذ تراجعت بشكل كبير لصالح تنظيم «داعش» الذى يستقطب الأجيال الإرهابية الصغيرة التى عادة ما تكون أكثر حماسةً لتنفيذ أى عمل سريع لإرضاء تعطشها لسفك الدماء. ومن المرجح أن يستغل «القاعدة» أى فرصة سانحة لتدعيم شبكاته وتعزيز أفرعه الخارجية، فى ظل حالة السيولة السياسية الحاصلة فى الولايات المتحدة، وانشغالها بسياستها الداخلية وصراعها مع أعدائها التقليديين (روسيا، والصين، وكوريا الشمالية)، إضافة للانسحاب الأمريكى المتوقع من أفغانستان وسوريا، وانشغال غالب الدول بأوضاعها الداخلية ومواجهة تداعيات جائحة كورونا العالمية.

واستنادًا للمعطيات السابقة، يمكن القول إن الحملة الأخيرة على تنظيم القاعدة لن تؤدى إلى إنهاء وجوده أو تعطيل شبكاته الفاعلة بشكل كامل، لاسيما وأنها تتم، على ما يبدو، دون اعتماد نموذج أو استراتيجية شاملة لمواجهة التنظيم.

وفى هذا الصدد، تبرز نقطة أخرى شديدة الأهمية، متعلقة بفشل الحملة العالمية فى تفكيك الأفكار المؤسسة التى قام عليها تنظيم القاعدة، وهو ما يكسبه مساحة عمل ومناورة، يمكن أن تؤدى إلى خلق تنظيمات وكيانات جديدة تحمل فكر القاعدة وتعمل وفق رؤيته دون أن تكون على ارتباط مباشر به، وهذا يمثل تهديدا أمنيا عالميا، على المدى المتوسط والبعيد.

وختامًا، لا بد من وجود تعاون وتنسيق عالمي، معتمد على استراتيجية مدروسة لمواجهة الإرهاب والتطرف، والاستفادة من التجارب السابقة فى مكافحة الإرهاب وعلى رأسها التجربة المصرية فى تفكيك التنظيمات والأفكار التى قامت عليها، كما يجب حرمان الجماعات المتطرفة كالإخوان من الملاذات الآمنة لها فى الولايات المتحدة ودول القارة الأوروبية، إذ إن الخبرة السابقة فى هذا المجال تُشير إلى أن تلك الملاذات تُشكل «قنطرة» يعبر منها الإرهابيون المحتملون لتنظيمات الجهاد المعولم كالقاعدة وداعش.