الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الدكتور مهند خورشيد مستشار الحكومة النمساوية فى حوار لـ روزاليوسف :

الرئيس السيسى أول من نادى بتجديد الخطاب الدينى ومصر رأس الحربة فى مواجهة الإرهاب

استمرارًا للضربات المتلاحقة التى تلقتها جماعة الإخوان الإرهابية، بات التنظيم الإرهابى محاصرًا عالميًا، وخاصة فى أوروبا التى شنت عدة حملات ضد قادة التنظيم كان آخرها مصادرة 25 مليون يورو من أموال قيادات الجماعة فى النمسا عقب الهجوم الذى وقع وسط فيينا فى 2 نوفمبر الجارى وأسفر عن مصرع 4 وإصابة 22 شخصًا.. وزارة الداخلية النمساوية شنت حملة مداهمة على 60 منزلًا ومتجرا لجماعة الإخوان فى 4 ولايات نمساوية وتم اعتقال 30 شخصا قيل إنهم لهم علاقة بالحادث، وقدرت الأصول التى تمت مصادرتها بشكل مبدئى بنحو25 مليون يورو.



 وسبق النمسا فرنسا التى اتخذت عدة إجراءات لتقويض دور الجماعة الإرهابية فى باريس والحد من عملياتها المشبوهة.. وللحديث عن الحملات الأوروبية المتلاحقة ضد الجماعات الإرهابية وفى مقدمتها تنظيم الإخوان، أجرت جريدة «روزاليوسف» هذا الحوار مع الدكتور مهند خورشيد، مستشار الحكومة النمساوية، وعميد المعهد العالى للدراسات الإسلامية فى جامعة مونستر الألمانية.. «خورشيد» أشاد بدعوات الرئيس السيسى المتكررة بضرورة تجديد الخطاب الديني، مؤكدًا أن مصر فى مقدمة الدول الإسلامية المُحاربة للإرهاب، كما كشف أن تركيا هى الراعى الرسمى للفكر المتطرف فى أوروبا وفضح تمويلات قطر لجماعات الإسلام السياسى فى فرنسا.. وإلى نص الحوار..

 

■ بداية ما الذى يحدث فى النمسا فى الآونة الأخيرة؟

- ركزت النمسا مثلها مثل بلاد أوروبية كثيرة فى السنوات الماضية ‏على مواجهة الإرهاب والعنف باسم الإسلام، وقد كان هذا أمراً مهماً، خاصة أن أوروبا كانت ومازالت تعانى من إرهاب داعش وأتباعه.. لكن الذى لم يتم التنبه إليه والاهتمام به حتى فترة بسيطة هى مشكلة الإسلام السياسى فى أوروبا. 

■ والآن بدأت أوروبا تنتبه لهذا الخطر؟

- نعم، مشكلة أوروبا هى ليست فى خلاف مع الإسلام كدين ولا مع المسلمين إطلاقاً، مشكلة أوروبا هى مع الإرهاب من جهة ومع جماعات الإسلام السياسى من جهة أخرى، حتى وإن أظهرت هذه نفسها للعلن إنها ضد العنف.

الحملة الأوروبية

■ لماذا انتفضت دول أوروبا مؤخرًا ضد هذه الجماعات؟

- بعض الحكومات الأوروبية بدأت تعى أن الإرهاب لا يأتى من فراغ، وأنه لا يتحرك فى فضاء فكرى فارغ، بل إن هناك منابع فكرية أيديولوجية للإرهاب، تغذى خطاباً معيناً قد لا يكون إرهابياً ولكنه خطاب كراهية.

سأعطى هنا بعض الأمثلة: حين ينشأ المسلم فى أوروبا ويتعلم فى مسجد الجماعة أن المسلم أفضل من غير المسلم، أن غير المسلم نجس لا يجوز له حتى لمس القرآن، أنه يجب تطبيق الحدود من قطع أياد ورءوس ورجم وجلد فى أوروبا بعد أسلمتها، ويرسخ فكر أن الإسلام يرفض قيم الديمقراطية من مساواة وحرية وعدالة، حين يسمع الشاب خطيب المسجد يدعو على غير المسلمين بالهلاك والدمار، حين يتعلم أن أوروبا هى عدوه وأن عليه الحذر من الاندماج فى المجتمع وأن الإسلام يرفض المساواة بين الرجل والمرأة وأمور كثيرة أخرى، أقول حين يتعلم الشاب المسلم الذى ولد ونشأ فى أوروبا فى المسجد كل هذا، فكيف له أن يبنى نظرة إيجابية عن المجتمع الذى يعيش فيه؟ سوف يبقى فى حالة تشنج بل وعداء إزاء المجتمع.

ومن ثم حين تأتى أيديولوجية الهيمنة السياسية، بمعنى إرادة قيادة العالم باسم الإسلام كما يدعى الإخوان، فتصبح صورة الآخر فى ذهن الشاب المسلم أنه ليس فقط العدو، بل العدو الذى عليه إزاحته كى يتمكن هو من احتكار السلطة لنفسه.. وهنا أصبحنا قريبين جداً من فكر الجماعات الإرهابية التى لا تتورع عن استخدام العنف من أجل تحقيق أهدافها..  بعض الحكومات الأوروبية بدأت تستوعب هذا، وهو أن فكر الإخوان الأيديولوجى يصب فى ذات المنبع للفكر الإرهابي، ونظرة سريعة على كتابات البنا وسيد قطب وغيرهم من رواد الحركة بالأمس واليوم توضح هذا تماماً.

■  الحملة  الأخيرة على مراكز ومقار تعمل لصالح جماعة الإخوان  فى النمسا هل هى مجرد ردة فعل طارئة على الحادث الإرهابى الأخير أم بداية لتغيير نوعى فى التعامل مع تلك الجماعة الإرهابية؟

- توقيت الحملة مع الحادث الإرهابى هو مجرد مُصادفة، فالحملة مخطط لها منذ أشهر، لذلك هى ليست بحال ردة فعل طارئة، بل نتيجة عملية مراقبة لتحركات جماعة الإخوان فى النمسا منذ حوالى  سنة والنصف السنة.

زاد وعى الحكومة النمساوية فى السنوات الأخيرة بأن مشكلة الإرهاب مشكلة فكرية قبل كل شيء، لذا لا بد من تجفيف المنابع الفكرية للإرهاب، حتى ولو لم يكن هناك علاقة مباشرة بين الحادث الإرهابى الأخير فى فيينا وجماعة الإخوان، لكن هذه الحملة التى قامت بها السلطات النمساوية ضد جماعة الإخوان تشكل نقلة نوعية فى التعامل مع جميع هذه الجماعات والتى استطاعت فى السنوات الماضية مد جذورها فى طبقات المجتمع المختلفة.

من خلال هذه الحملة أرسلت الحكومة النمساوية رسالة واضحة أنها ترصد كل تحركات التنظيمات المتطرفة وأنها ستضيق عليها مجال تحركاتها قدر الإمكان، وهذا بلا شك سوف يضعف هذه التنظيمات ويشل تحركاتها بصورة كبيرة. 

6 أسباب لنفوذ الإخوان

■  كيف تفسر تنامى نفوذ الجماعات الاسلامية المتطرفة وعلى رأسها الإخوان فى النمسا؟

-  أولاً: معظم هذه الجماعات منظمة هرمياً بشكل يمكنها من السيطرة على أعضائها وتوجيه نشاطاتهم وفق أجندة معينة. ثانياً: معظم هذه الجماعات مدعومة بأموال طائلة، سواء من دول مثل تركيا، أو من رجال أعمال ومؤسسات تجارية فى الداخل والخارج.

ثالثاً: هم يجيدون التلاعب بعواطف الجماهير المسلمة من خلال استخدام سرديات تُشعر المسلم أنه لن يكون مسلماً حقيقياً إلا إذا تبع هذه الجماعات، فمثلاً سردية الإسلام هو الحل، أو الإسلام فوق المجتمع والمسلم أفضل من غير المسلم، مثل هذه السرديات التى تدغدغ عواطف خاصة من يشعر بالمهزومية أمام المجتمع الغربى تستطيع تحريك الشباب ليفهموا هويتهم الإسلامية أنها هوية معادية للغرب.

رابعاً: هم يجيدون التلاعب على الحقائق والوقائع، فمثلاً حين تغلق الحكومة مسجداً يدعو إمامه لعمليات إرهابية، فتجدهم يصورون هذا على أن الحكومة تريد إغلاق جميع المساجد، فترسخ صورة لدى المسلم أن حكومته النمساوية هى عدوه الرئيسى الذى عليه أن يعلن الحرب عليه.

خامساً: جماعات الإسلام السياسى كالإخوان تشجع أتباعها على الانخراط بالمجتمع، بغية تغييره وفق أجنداتهم السياسية، وذلك من داخل منظومة المجتمع، فهى تظهر للخارج بصورة المسلم المعتدل الذى يرفض العنف، وهذا يعطى هذه الجماعات مجالاً أكبر للتحرك مقارنة بالجماعات الجهادية.

سادساً: تحصل هذه الجماعات على تعاطف اليسار والذى إما عن سذاجة أو بسبب معارضته لبعض الحكومات الغربية يدعم جماعات الإسلام السياسى بدفاعه المستمر عنها.  

■ كيف ساعدت التمويلات التى توفرها النمسا للمجموعات العرقية المهاجرة فى تضخم نفوذهم؟

- النمسا كدولة ديمقراطية وتعددية تلتزم بمساعدة جميع الأقليات والحرص على حقوقهم، لكن هناك من يستغل هذه القوانين الإنسانية لينفذ أجنداته السياسية، مما بدوره يزيد من استياء الأوروبيين من استغلال البعض للمنظومة الاجتماعية ليتسلق على أكتاف جهد الغير وهذا مما يقوى بدوره اليمين المتطرف والذى يرفض التعددية، لذا لا بد من تشديد القوانين فى أوروبا لمنع استغلالها من قبل جماعات الفكر الإرهابي.

الإسلاموفوبيا

■ ألا يمكن ان يؤثر ما تشهده أوروبا اليوم من هجمات ارهابية على قدرتها على التفريق بين الخطر الإسلاموى الارهابى وبين صحيح الإسلام وربما الانزلاق إلى هوة الإسلاموفوبيا؟

- هناك وعى متزايد فى المجتمعات الأوروبية للتفرقة بين الإسلام كدين والإسلاموية كأيديولوجية معادية، فمثلاً كرر رئيس الوزراء النمساوى سباستيان كورتس فى أكثر من كلمة له عقبت الحملة على الإخوان أن الحرب ليست بأى حال ضد الإسلام أوالمسلمين، بل ضد الإرهاب، كما قال إننا نريد حماية الإسلام والمسلمين من أولئك الذين يريدون تشويه صورته حين يستغلوا الإسلام من أجل تحقيق أجنداتهم السياسية، لكن خطاب الإخوان والإسلام السياسى يحاول أن يتلاعب على عقول وعواطف الناس، فيفسر الحملة ضد الإخوان وضد الإرهاب على أنها حملة ضد الإسلام وأن هذا إسلاموفوبيا.

كثير من المسلمين وغير المسلمين يرفضون استخدام هذا المصطلح لأنه أصبح سلاحاً بيد جماعات الإسلام السياسى كى تحمى نفسها من أى نوع من الانتقاد، حيث يصورون أن انتقاد الإسلام السياسى هو حرب على الإسلام نفسه.

 علينا كمسلمين أن نكون أكثر وعياً وموضوعية وأن نخرج من دوامة فكرة المؤامرة وفكرة معاداة الغرب وفكرة الضحية، لأننا نحن لسنا ضحية الغرب، بل ضحية الجهل، لذلك يسهل الضحك على الكثيرين بالتلاعب بعواطفهم الدينية.

نحتاج لتوعية دينية صادقة، نحتاج لتجديد الفكر الديني، فلنكن صريحين، ليس بالقليل من المفاهيم الدينية لدى جماعات الإسلام المتطرف موجود عند بعض المؤسسات الدينية هنا وهناك وتدرسه وتنشره بين الشباب.

 لذلك نحتاج اليوم لخطاب جديد، خطاب يجعل المسلم إنساناً مواكباً فى فهمه للدين علوم عصره.

 فى خطوة هى الأولى من نوعها فى أوروبا أعلنت النمسا أخيراً أنها تنوى استحداث جريمة جنائية تسمى «الإسلام السياسي»، ضمن  الإجراءات التى تستهدف مكافحة الإرهاب.

الريادة المصرية

 ■ هل تابعت ما تقوم به مصر من محاربة الإرهاب والمتطرفين ودعوات الرئيس السيسى الدائمة بضرورة تجديد الخطاب الديني؟

- مصر رائدة فى التجديد، وتعتبر من أوائل الدول الإسلامية التى نادت بصوت مرتفع لتجديد الإسلام، وهذا ما لمسناه فى أكثر من خطاب لرئيس الجمهورية المصرى عبدالفتاح السيسى والذى وجه دعوة فى أكثر من مناسبة للعلماء ورواد المؤسسات الدينية لوضع رؤى واضحة لتجديد الفكر الدينى وكان من أوائل المنادين بذلك.

■ هل لديكم تنسيق مع علماء مصريين؟

-  لقد تشرفت بلقاء وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة ومفتى الدولة، الدكتور محمد شوقى علام وعايشت اهتمامهما بمسألة التجديد عن كثب، ولكن فى ذات الوقت هناك قوى ظلامية لا تريد التجديد وهى تشكل تحديًا أمام حركات التنوير اليوم.

■  ألا يمكن أن يؤثر ذلك على الجالية المسلمة المعتدلة والمتعايشة داخل البلاد؟

- أرى العكس تماما، حيث أن استبعاد حركات الإسلام السياسى والتى تتسبب فى تشويه صورة الإسلام، سيحمى المسلمين من خطر وضعهم فى سلة واحدة مع هذه الجماعات والتى تتبنى رؤية رجعية للإسلام وتعكس صورة سلبية عنه فى المجتمع، المهم أن يتم تحديد معايير واضحة يتم من خلالها معرفة من ينتمى لهذه الجماعة من غيره كى لا يظلم أحدا.

■ وكيف تعامل المسلمون مع هذه الجريمة البشعة؟

- معظم المسلمين فى النمسا يرفضون كل مظاهر الإرهاب، كما يرفضون أيديولوجيات الإسلام السياسي، هم يريدون فقط العيش بسلام وممارسة دينهم بعيداً عن كل هذه الجماعات، المشكلة لدينا فى النمسا كما فى ألمانيا تكمن فى أن معظم المساجد والهيئات الإسلامية هى من تمويل تركى أو تابعة بصورة أو بأخرى لجماعات الإسلام السياسي، فينقصنا البديل عن هذه البنية ببنية أخرى قائمة على إسلام التنوير.

التطرف التركى

■ هل هذا يعنى أن تركيا هى الراعى للفكر المتطرف فى أوروبا عبر تمويلاتها؟

- نعم .. 70% من مساجد النمسا وألمانيا تقع تحت رعاية تركية وتعمل بتمويل تركي، كما أن هناك تمويلات قطرية كبيرة لجماعات الإسلام السياسى  الموجودة فى أوروبا خاصة داخل فرنسا.

■ هل يمكن أن تكون الإجراءات التى اتخذتها النمسا تجاه الجماعات المتطرفة، ومن بينها الإخوان، مقدمة لحملات داخل الدول الأوروبية الأخرى فى القريب العاجل؟

- بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا، بدأت فعلاً بإجراءات مماثلة، لكننا مازلنا فى بداية الطريق.، خاصة أن اليسار السياسى يتعاطف أحيانا مع تيارات الإسلام السياسى انطلاقا من فكرة الخوف من اضطهاد المسلمين من قبل اليمين، لكن على اليسار السياسى أن يفهم أن الإسلام السياسى هو الذى يمثل يميننا المتطرف.

فالدفاع عن الإسلام السياسى ليس فيه خدمة للمسلمين بل نقمة عليهم وتشويها لدينهم.

■ ما هى الأدلة التى استندت إليها الحملة النمساوية التى صادرت 25 مليار يورور من أموال رموز الجماعات المتطرفة؟ - الأدلة حصلت عليها الجهات المعنية فى الدولة من خلال مراقبة الإخوان فى النمسا منذ سنة ونصف السنة، والآن صودرت أجهزة إلكترونية وهواتف نقالة يتم فحصها.

■ هل تعتقد أن هذه الحملة تأخرت كثيرًا؟

- ليس فقط الحملة التى تأخرت كثيراً، بل الوعى بأن الإسلام السياسى هو جزء من منظومة التطرف الدينى وأنه مجرد تيار يتسلق على ظهر الإسلام والديمقراطية للوصول إلى هدفه الرئيسى المتمثل فى الوصول إلى السلطة والهيمنة على المجتمع.

■ فى نهاية حديثى معك.. ما هى الدعوة أو النصيحة التى توجهها؟

- ملاحظتى الأخيرة هى دعوة مرة أخرى لتجديد الفكر الدينى الإسلامى على غرار دعوات الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى الدائمة فى هذا الشأن، فالحرب ضد الإرهاب وضد هذه الجماعات هو قبل كل شيء معركة فكرية، لذا نحتاج البديل القوى عن إسلام الإرهاب والمنفى نحتاج مثلاً لما أسميه إسلام الرحمة القائم على المحبة من جهة والعقل والتفكير الفلسفى النقدى من جهة أخرى وهذا ما أتمنى من الحديث عنه ربما فى سلسلة مقالات فى المستقبل القريب بإذن الله.