الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الناقد الأدبى العراقى د.عبدالله إبراهيم: «الرواية» تنتزع الصدارة من «الشعر» فى العصر الحديث

الدكتور عبدالله إبراهيم. ناقد وأكاديمى عراقي، متخصص فى الدراسات السردية. حاصل على جائزة الملك فيصل العالمية فى الآداب لعام 2014، وجائزة الشيخ زايد لعام 2013. نال درجة الدكتوراه فى الآداب العربية عام 1991 من كلية الآداب- جامعة بغداد. عمل أستاذا للدراسات الأدبية والنقدية فى عدد الجامعات العربية. صدر له أكثر من عشرين كاتبا، آخرها «موسوعة السرد العربي» فى تسعة أجزاء فى عام 2016، حيث يرى أن الرواية فى صعود مثير للعجب، فى حين ينحسر الشعر وهو باحث مشارك فى الموسوعة العالمية (Cambridge History of Arabic Literature).. كما صدر له : السرد النسوى ، والتخيل التاريخى ، وغيرها من المؤلفات المهمة .. حول رؤيته وأفكاره دار حوارنا معه فإلى نصه.



■ أنجزت كتابك الكبير «موسوعة السرد العربي» وخصصته للظاهرة السردية فى الأدب العربي، لماذا فضلته عن الشعر؟

- لست أكتب لإثبات أمر السرد ونفى الشعر، غير أننى أرى فى القول بغلبة الشعر على السرد خدعة ينبغى إعادة النظر فيها، فلم يشكل الشعر فى تقديرى غير نشاط ثانوى فى الآداب العربية، وكان السرد قديما وحديثا هو الأكثر تأثيرا، فالمرويات السردية تؤلّف مدوّنة لا سبيل إلى حصرها، كالمقامات، والحكايات الخرافية، والسير الشعبية، والسير الموضوعية، والسير الذاتية، والنوادر، والطرف، وقصص الحيوان، ومرويات الإسراء والمعراج، وقصص الأنبياء، والإسرائيليات، وكتب الأخبار والتراجم، ومدوّنات الارتحال فى دار الإسلام وخارجها، وكتب المسالك والممالك، فضلاً عن قصص العجائب والغرائب، وكانت تتداول لدى النسّاخ فى بغداد ودمشق والقاهرة وغرناطة وقرطبة وفاس ومراكش وأصفهان وسمرقند وبخارى، ومثالها الأشهر «ألف ليلة وليلة» و»سيرة سيف بن ذى يزن»، و»سيرة الأميرة ذات الهمّة»، و»سيرة عنترة بن شداد» و»سيرة أبى زيد الهلالي»، و«سيرة الظاهر بيبرس»، أما فى العصور الحديثة، فهنالك القصة القصيرة، ثم الرواية التى غطت معظم نتاج الثقافة الأدبية، وهذه التركة الهائلة هى الحامل الحقيقى لهويّة الأمّة فى الماضى والحاضر، ولا يمكن مقارنة الشعر، لا من ناحية الوظيفة ولا من ناحية الكم والنوع، بتلك التركة الضخمة التى صاغت مشاعر الأمة، وعبّرت عن عواطفها وتصوراتها تجاه نفسها، وتجاه الأمم الأخرى.

■ إذا، ما سبب شيوع الوهم القائل إن العرب أمة شعر لا أمة سرد؟

  - يعود ذلك إلى الاهتمام الرسمى بالشعر فى قصور الخلفاء والولاة والأمراء فى الماضي، وحضورهم فى المنابر والمحافل والمناسبات ووسائل الإعلام فى العصر الحديث، وحضور الشعر مرتبط بوجود الشعراء فى المجالس والأندية والقصور، وما دام السرد يروى بعيدا عن ذلك، أو يقرأ فى البيوت او المكتبات، فقد جرى إهماله لأن رسالته تتجه إلى ناحية لا صلة لك بالثقافة الرسمية فى الغالب، فارتسم تصور خاطئ بأنه قليل، وغير مهم. ذلك الخطأ بدأ يتعرّض للتعديل، فثمة مراجعة جادة للسرد العربى القديم بأنواعه كافة، وإلى ذلك فقد انتزعت الرواية المكانة الأولى فى العصر الحديث، وهى فى صعود مثير للعجب، فيما انحسرت وظيفة الشعر، ويعود ذلك إلى انهيار قيمة القول الشعري؛ لأنه عجز عن تمثيل الأحوال الاجتماعية، ما أدى إلى العزوف عنه. هذه الحقيقة ينبغى الالتفات إليها، وإبطال المسلّمة القائلة بأننا أمّة شعر فقط، فإذا كان لا بد من وصف يندرج فى تاريخ الأدب العربي، فالصواب هو القول بأننا أمّة سرد لأن السرد نهض بمهمة تمثيل الأحوال العامة للأمة أكثر مما قام به الشعر.

■ هل استطاعت الرواية انطاق المسكوت عنه، وتحطيم الثوابت الباقية من ميراث التخلف والتطلع إلى وعود الزمن القادم بلوازم التقدم ؟ 

- لطالما قلت بأن الرواية هى «ديوان العرب» لأنها قامت بتمثيل متنوّع لأحوال المجتمعات العربية، ومعلوم بأن السرد لا يسجل واقعًا، بل يقوم بتركيب عوالم متخيّلة مناظرة للعوالم الواقعيّة. لقد تزحزحت الوظيفة التقليدية للرواية من كونها حكاية متخيّلة إلى خطاب رمزى باحث فى الشأن العام، فبالتمثيل السردى أضحت الرواية العربية سجلّا نتلمّس فيه ما يثير الهلع فى النفوس عن البطانة المركّبة للجماعات القبلية والمذهبية والعرقية، فهى «ديوان» كاشف للاحتقانات الفردية فى مجتمعات تتوهّم بأنها طاهرة لا يأتيها الإثم على الإطلاق.

■ حصلتم على جائزة الملك فيصل العالمية فى الآداب عام 2014، وعلى جائزة الشيخ زايد فى الدراسات النقدية عام 2013، هل تعتقدون أن هذه الجوائز الكبيرة هى تتويج لجهد استمر ربع قرن فى إنجاز موسوعة السرد العربى؟

 - منحت الجائزتين المذكورتين على بعض مؤلّفاتى فى دراسة السرد العربى الحديث، ومعظمها اندرج، لاحقا، فى «موسوعة السرد العربي» فقد كنت أعمل طوال ربع قرن على خطّة متماسكة حول السرد العربى من ناحية النشأة والبنية السردية والدلالية، وحينما اكتملت خطتى بعدد من الكتب أظهرتها فى كتاب موسوعى جعل من الظاهرة السردية فى الثقافة العربية موضوعا له. كشفت فى الموسوعة السياقات الثقافية الحاضنة لنشأة الأنواع السردية القديمة والحديثة، ثم توسّعت فى وصف الأبنية السردية والدلالية لكل نوع بالتفصيل، وقدمت تفسيرا ثقافيا لظهور الأنواع السردية وأفولها، ومنها تفسير جديد لنشأة السردية العربية الحديثة غير ما هو شائع فى الدراسات النقدية، فالموسوعة تتطلع إلى استخلاص سردية عربية من ممارسة العرب للسرد عبر ألفى سنة.

■ هل تمنح الجوائز الكبيرة مثل جائزة نوبل وغيرها الاعتراف بالكاتب، فيكون قد تخطّى العقبات التى تعترض أغلبية الروائيين والنقاد؟

- نعم، تلفت الجوائز الكبيرة الاهتمام العالمى والمحلى بالكتّاب، فقد حملت نوبل كثيرا من الكتاب، ورمتهم فى خضم تداول الأدب فى العالم، وجعلت منهم أعلاما بعد أن كان ذكرهم خاملا فى بلادهم، وينطبق هذا جزئيا على الجوائز العربية التى مازالت حديثة عهد، ولم تعثر على طريقة لتحقيق ذلك، وأتمنى الا يقتصر الأمر على قيمة مالية تمنح للكتاب بل إدارج مؤلفاته فى تيار الثقافة القومية والعالمية كما تفعل نوبل، والبوكر الانجليزية، والغونكور الفرنسية، وربما تكون بوكر العربية قد حققت طرفا من ذلك، لكن الجوائز الأخرى بحاجة ماسة إلى خطة تنشيط الأدب بما يربط بين أهمية الجائزة وأهمية الكاتب الذى نالها، وظنى أن الإدارات المسؤولة عن الجوائز بحاجة إلى وضع خطة تدمج فيها أهمية الجائزة بأهمية الأعمال الأدبية، والدفع بالاثنين فى تيار الأدب العربى والعالمي.

■ هل استفاد الروائيون فى الخليج والجزيرة العربية من تقنيات الكتابة السردية عند الروائيين العرب والأجانب؟

- ينبغى القول بأن الرواية فى الخليج وشبة الجزيرة العربية هى جزء من حركة السرد العربى الحديث، وهى امتداد للرواية العربية فى البلاد التى ارتادت كتابة الرواية منذ القرن التاسع عشر، كما ينبغى الاعتراف بتأخر ظهور الرواية فى هذه المنطقة لأسباب اجتماعية وثقافية، والتأخر التاريخى لا يقصد به التأخر فى توظيف طرائق السرد الحديثة، ويصح القول بأن الرواية عالجت كثيرا من المشكلات الاجتماعية، مع مراعاة أن مجتمعات هذه المنطقة محافظة لا تقبل المسّ بالقيم التقليدية ، وعليه فالكتابة السردية الحقيقية تعترضها بعض الصعاب، وينظر إليها بارتياب. إننى غير ميال للانتقاص شأن الكتابة على أسس جغرافية، فمعيارى الجودة،  وعلى الرغم من ذلك فهذه المنطقة تتولى تفريخ «خدّج السرد» بعدد كبير، وهم يمرحون فى كل مناسبة غير آبهين بعبثهم. وظنى أن التراكم الكمى سيفضى إلى تطور نوعى فى رواية شبه الجزيرة والخليج.

■ تثار نقاشات كثيرة حول قدرة الجيل الجديد من الروائيين على التجاوز. كيف تتلقّى كتابات شباب السرد؟

 - باعتبارى راصدا ومحللا للظاهرة السردية أجدنى متفاعلا مع الروائيين الشباب، فبعد جيل الرواد الذى منح شرعية للكتابة الروائية فى نحو منتصف القرن العشرين، ظهر الجيل الثانى فى آخره، وباستثناءات قليلة لاحظت على رواياته الرتابة فى حركة الأحداث السردية، والإغراق فى الإنشاء، كتب هذا الجيل نصوصا مسترسلة، فيها تكرار غير محمود فى السرد على الإطلاق، وظنّى أن كثيرا منهم ركنوا إلى ذلك، فانحسر تأثيرهم الإبداعي، وبقى تأثيرهم الشخصي، غير أننى أعول كثيرا على الجيل الثالث الذى لاحظت أنه ينهل من المكاسب الكبرى فى الرواية، ويتفاعل معها، بكتابة باحثة فى أحوال المجتمعات، والغوص فيها، ولم تنقصه الشجاعة فى الإفصاح عن وجهات نظر كاشفة، ولهذا استحقّ بعضهم التقدير النقدي، هذا الجيل الجديد دفع بالرواية إلى منطقة حساسة فى الرؤية وأسلوب الكتابة، والموضوع الجديد.