الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«أوضة نومى» تجربة جريئة فى مسرح الغرف المغلقة

تعد غرف النوم مكانا للأسرار والكشف، يتكشف فيها الإنسان على حقيقته النفسية والجسدية تحوى داخلها كل أسراره وقد يبحث كل فرد عن متعته بطريقته الخاصة التى ربما لا يجرؤ على مواجهة العالم بها، فى تناول جرىء قدم المخرج الشاب محمود سيد تجربة مسرحية داخل غرفة نوم حقيقية بمقر «دوار» وهو أحد المراكز الثقافية بحى وسط البلد،



 نظرا لطبيعة المكان الأشبه بشقة عائلية صغيرة اختار محمود منه «غرفة نوم» لتكون مقر أحداث العمل الحميمية، حيث يرسخ محمود سيد لفكرة العمل خارج فضاءات المسرح التقليدية بالبحث عن مساحات أخرى وشكل آخر متجاوز المسرح التقليدي.

   فى أربع قصص منفصلة ومتصلة بصلة الصداقة بين ابطالها قدم المخرج والممثلون قصص علاقات عاطفية شائكة، علاقات قد تكون لديها أزمة فى مواجهة المجتمع، العلاقة الأولى لشاب وفتاة تعارفا عن طريق أحد مواقع التواصل الاجتماعى «تندر» وهو موقع للمواعدة، وخلال ثلاثة أيام كان هذا الشاب فى غرفة نوم الفتاة التى سنعلم فيما بعد أنها كانت مطلقة وتبحث عن علاقات أخرى خارج إطار الزواج، ثم العلاقة العاطفية الشائكة بين شاب ووالدته والذى يذهب لتوديعها يوم وفاتها بعد مقاطعة طويلة دامت بينهما عقب طرد هذه الأم لابنها بعد اكتشافها ميوله المثلية، ثم ندخل فى علاقة أخرى لشاب وفتاة يعيشان معا بينما تواجه علاقتهما العاطفية مراحل صعبة بعد اكتشافها خيانته لها، وأخيرا أزمة الوحدة والاكتئاب يعانى منها فنان تشكيلى سنكتشف فيما بعد أنه صديق للثانى «المثلى الجنس».

بين جدران هذه الغرفة المغلقة دارت أحداث القصص سالفة الذكر، فى كل مرة يدخل ابطال كل قصة من باب الغرفة يتجولون داخلها بين الجمهور الذى أصبح جزءا من تكوينها، جلس الجمهور على أرضها متابعين لأحداث القصص التى بدت جريئة فى طرحها وأسلوب وطريقة معالجتها الفنية، لكن بعيدا عن جرأة التناول وصدمة الطرح المسرحي، هناك أزمة وقع فيها العرض فى الأسلوب الفنى الذى اعتمد عليه  فى الانتقال من قصة لأخرى، ففى الانتقال من كل قصة ربط بينها وبين الأخرى مقاطع مغناة لمطرب ومطربة باللغة الإنجليزية بجانب عزف الجيتار أثناء الغناء لم توظف هذه المقاطع بشكل ممتع أو مؤثر فى سياق الأحداث وبالتالى كان حضورها باهتا فى بطانة العمل إلى جانب استخدام أغان أجنبية طوال العرض مما أوحى بحالة من التغريب غير المبرر وكأننا نتحدث عن مجتمع آخر غير المجتمع المصرى فى حين أن هذه القصص قد تكون واقعية للغاية وإن خصت فئات اجتماعية محددة.

أزمة أخرى سيطرت على العمل بشكل واضح فى أداء الممثلين لقصص وحكايات هؤلاء البؤساء، تبنى الممثلون هنا شكلا معينا من الأداء وهو التمثيل بإيقاع الحياة اليومية، بمعنى أن يبدو الجميع وكأنهم إناس عاديون يقدمون هذه القصص وكأنهم هم أصحابها الأصليون دون محاولة لمعايشة حالة كل حكاية، وبالتالى خرج معظمهم رتيبا هادئا منزوع المشاعر، فإذا كان العمل يتبنى فى الأساس قضايا عاطفية لها أثر نفسى معين أراد أن يتركه فى المتفرج ذهب هذا الأثر هباء بسبب الأداء الرتيب لمعظم أبطاله، لم ينج من هذه الأزمة سوى سارة خليل فى دور الفتاة التى اكتشفت خيانة حبيبها وناجى شحاتة فى دور خال الشاب المثلى الذى يعاتب أمه المتوفاة يحاول هنا الخال مصالحة الشاب على والدته وإحياء ذكرياتها معه ظهر فى هذين العنصرين بالتمثيل فارق الخبرة والتجربة المسرحية بين سارة خليل وناجى شحاتة وأبطال العمل بالكامل وإن جاء بعضهم من خلفية سينمائية، إلا أن هذا النوع من التجارب المسرحية شديدة الخصوصية تحتاج إلى حرفية عالية فى الأداء التمثيلى وحساسية خاصة من الممثل يستطيع بها ضبط ايقاع تمثيله بين المعايشة للشخصية ونقل ايقاع الحياة الطبيعية استطاعت سارة وناجى ضبط هذا الشكل من الأداء التمثيلى الفريد بميزان حساس.

لكن هناك قضية أخرى ربما يثيرها هذا العرض دون أن يدرى صناعه وهو التساؤل حول هذا النوع من المسرح لماذا ولمن يتم تقديمه..؟!، باعتبار أن المسرح فن جماهيرى بالقطع يجب أن يشتبك مع الجمهور كأى عمل فني، بينما للأسف اعتمد العرض هنا على فئات محددة ومنتقاة للغاية من الجمهور فهو عرض «فئوي» بامتياز وبالتالى انتفت عنه صفة من عصب هذا الفن وهى «الجماهيرية» خاصة والعرض يتناول قضايا شديدة الحساسية ربما لم تمس قطاعا عريضا من المجتمع لكنها قد تثير استفزازه وجدله وقد تطرح أفكاره للنقد والنقاش بشكل أوسع مما بدا عليه، بينما فضل صناعه الاكتفاء بهذا العدد القليل جدا من الجمهور المغلق داخل غرفة مغلقة على عدد لم يتجاوز العشرين فردا، فخ كبير قد يوقع هذه النوعية من العروض فى غياهب النسيان وكأنها لم تكن، لأن حجم أثرها الفنى لم يتجاوز المساحة التى عرض بها، بالطبع هو شكل جديد ومختلف من المسرح يحسب للمخرج التطرق إليه فهو نوع ربما لم نعتد عليه فى مصر لكن من الأولى أن يتم تسويق هذا النوع وفتح المجال لعرضه بصورة أكبر مما جاء عليه!