الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يقودها الإخوان وتمولها قطر وتركيا

خريطة الجماعات الإسلامية فى بريطانيا

ترجمة: سعيد شعيب



«الحركة الإسلامية» هو الاسم الذى يطلقه العديد من الإسلاميين على أنفسهم، كما يفعل مُنظّروهم فى الخارج؛ مثل المرشد الروحى لجماعة الإخوان المسلمين فى قطر، يوسف القرضاوى، على الرغم من أن مصطلح «إسلاموى» أصبح شائع الاستخدام. الفرعان الرئيسيان للحركة فى بريطانيا هما الجماعة الإسلامية التى تنبع من شبه القارة الهندية بقيادة أبوالأعلى المودودي، وجماعة الإخوان المسلمين التى أسَّسها حسن البنا فى مصر عام 1928. من هذه البدايات تطورت فى أوائل الستينيات فى بريطانيا (وفى وقتٍ سابق فى أماكن أخرى فى أوروبا) الجماعات لتحقق «استقلالية عملياتية» كبيرة، حسبما يرى بيري، وهذا دعا البعض لتسميتهم «الإخوان المسلمين الجدد».

توجد قائمة واسعة من هذه الجماعات التى تُشكّل الحركة الإسلامية أو الحركة الإسلاموية أو جماعة الإخوان المسلمين الجديدة فى بريطانيا، بدءًا من جمعية الطلاب المسلمين التى تأسست عام 1961 والمجلس الإسلامى فى أوروبا فى عام 1973 إلى منظمة المعونة الإسلامية (1985) والمنتدى الإسلامى لأوروبا (1988)، والأهم من ذلك، المجلس الإسلامى لبريطانيا، والرابطة الإسلامية لبريطانيا، واللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان فى عام 1997. ولم يتوقف انتشار هذه الجماعات حتى الآن. 

ومن بين الجماعات الأحدث عهدًا، تعتبر منظمة «كيج»، التى تأسست فى عام 2003 كمنظمة مناصرة للإرهابيين الجهاديين المسجونين فى جوانتانامو وأماكن أخرى. وفى بريطانيا، باتت منظمة كيج معروفة لدى عامة الناس بعد أن أعلن مدير أبحاثها عاصم قرشى فى فبراير 2015 أن محمد إموازي؛ عنصر تنظيم «داعش» الذى ظهر فى العديد من مقاطع الفيديو التى تشمل قطع الرؤوس، والذى أطلقت عليه وسائل الإعلام الشعبية اسم «الجهادى جون»، كان «شابًا جميلًا«!، وكان هذا فى معرض إجابة قرشى عن سؤال حول علاقة منظمة كيج بإموازي.

 هناك مؤسسة إسلاموية مهمة أخرى تأسست فى بريطانيا، وهى قناة الإسلام (فى عام 2004)، التى تتمتع بانتشارٍ أوسع إلى حد ما فى المجتمع المسلم البريطاني، التى يشاهدها بانتظام أكثر من نصف المسلمين فى الدولة، وفقاً لمسح أجرته الحكومة البريطانية فى عام 2008.

 التعاون فيما بين جماعات الحركة الإسلامية «يستند إلى طريقة مشتركة يعتبرونها مستنيرة دينيًا لرؤية العالم وتقييمه»، لا سيما كيفية التواصل مع المسلمين غير الإسلامويين ومع غير المسلمين أيضاً. «إنهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم طليعة كيان جماعى فريد، هو الأمة، التى تمتلك الفهم الصحيح للإسلام، ومكلفة بنقل التعاليم الحقيقية للنبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومعالجة الفهم غير الصحيح للإسلام لدى المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وبشكلٍ جماعي، يطمح ناشطو الحركة الإسلامية إلى إحداث تحوّل شامل داخل الهياكل الاجتماعية والسياسية السائدة، تحوّل يقوم على الإسلام، فى كل من بريطانيا والعالم».

من السمات الجديرة بالملاحظة للحركة الإسلامية فى بريطانيا أنها «تشاركية»: فهى تؤمن باستخدام النظام كما هو قائم حاليًا -بما فى ذلك الانتخابات- لتغيير النظام. وهذا على النقيض من الجهاديين، الذين يدعون إلى العنف لفرض الإسلام، وبعض المتطرفين الإسلاميين غير العنيفين، الذين يتجنبون أى صلة بالديمقراطية تمامًا.

فالحركة منقسمة ظاهرياً حول مسألة الدولة الإسلامية، على الرغم من أنه قد يكون من الأنسب القول متحفظة أو غامضة: إنها لا تحدد كيف أو متى يفترض أن تقوم دولة إسلامية فى بريطانيا، ولكن منطق «النهضة» الإسلامية التى تدعو إليها الجماعات كافة يقود إلى الاتجاه نفسه. وقد أوضح القرضاوى أن الدعوة هى مفتاح النصر الإسلامى فى الغرب: «الإسلام سيعود إلى أوروبا فاتحًا ومنتصرًا بعد طرده منها مرتين»، فى إشارة إلى انتكاسة الغزو العربى لإسبانيا، والتراجع اللاحق عن الغزو التركى لأجزاء كبيرة من شرق ووسط أوروبا. «فى هذه المرة لن يكون الفتح بالسيف بل بالدعوة والفكر».

ومن الأمور المثيرة فى  الطريقة التى تتم بها حملات الدعوة: «ترتكز على الشريعة الإسلامية»، لتنشر بوسائل مموهة إلى حد ما المعايير الثقافية والاجتماعية التى تتسق مع القيم الإسلامية. والجدير بالذكر أن «أسبوع التوعية بالإسلام»، الذى ينظر إليه البريطانيون على أنه احتفال بالتسامح والتعددية الثقافية، يستخدمه الإسلاميون لنشر عقليتهم التى تستبعد الآخر، التى تفهم الإسلام على أنه لا ينفصل عن السياسة، والغرض من السياسة هو فرض الإسلام على المجتمع بأسره. وغنيّ عن القول إن نسختهم من الإسلام لا توفر مساحة كبيرة للأقليات الدينية، بينما توفر وضعًا مهينًا للنساء.

فيما يتعلق بقضية الجهاد المركزية، التى كانت تعنى فى التاريخ الإسلامى بشكل عام استخدام القوة العسكرية لنشر العقيدة، تميل هذه الجماعات إلى إعادة تعريف الدعوة والأعمال الأخرى التى يمارسونها لتعزيزِ أَسْلَمة المجتمع على أنها جهاد، وهى كلمة تعنى بعد كل شيء حرفياً «السعي». ولكن هذا لا يعنى أن معارضتهم للعنف هى معارضة كلية، أو حتى قائمة على المبادئ، بل حسب الظروف وحتى تلك تنطوى على استثناءات.

 الطريقة التى كانت تُركَّز عليها هذه الحركة فى الثمانينيات والتسعينيات: هى تأسيس منظمات كثيرة على أساسٍ عرقى أو على أساس قطاعات أخرى. لكنها راحت، تدريجيًا، تنضوى تحت راية الإيمان، وبدأت تمارس الضغط على الدولة والمجتمع ككتلة موحدة. والملاحظ استخدام هذه الجماعات أحداث السياسة الخارجية كوسيلة للتعبئة والتنظيم.

شكَّلَت فتوى آية الله الخمينى؛ المرشد الأعلى لإيران آنذاك، فى عام 1989، التى دعا فيها إلى قتل سلمان رشدى لأنه لم يُعجب بروايته «الآيات الشيطانية»، حدثًا رئيسيًا. وقد أدّت عمليات حرق الكتب التى دبّرها الإسلاميون فى شوارع بريطانيا، وأعمال الشغب التى قام بها المسلمون إلى تواصل العديد من هذه الجماعات من أجل قضية مشتركة للمرة الأولى، دعمًا للخمينى، الذى كانت جمهوريته الإسلامية فى بدايتها أقل طائفية، مما هى عليه الآن بعد الحرب السورية. بعد ذلك بوقتٍ قصير، استغل الإسلاميون المعارضة لحرب الخليج ودعم العناصر الجهادية فى البوسنة، التى جعلت من تنظيم القاعدة ظاهرة عالمية حقًا، لنشر أيديولوجيتهم تحت ذرائع إنسانية.

 بالإضافة إلى الانتهازية وبراعتهم التنظيمية، كان لدى الإسلاميين فى بريطانيا، عاملان مساعدان مهمَّان؛ أحدهما محلي، وآخر خارجي. على الصعيد المحلي، كان لقرار الحكومة بإشراك المجلس الإسلامى لبريطانيا الذى يسيطر عليه الإخوان، باعتباره وسيطًا رسميًا للربط بين المسلمين البريطانيين أهمية كبيرة: لقد خلق حوافز منحرفة للأشخاص الذين يرغبون فى التأثير على التغيير للقيام بذلك من خلال هذا المجلس، كما أنه جعل أيديولوجيته -التى لا يمكن أن تدعى أى شيء من قبيل أنها تمثل أغلبية المسلمين البريطانيين- تبدو سائدة ومشروعة. ورغم أن لجنة التنسيق للمنظمات الإسلامية، وهى هيئة جامعة تضم الرابطة الإسلامية لبريطانيا، واللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان، وبعض المنظمات الأخرى، «لم تحظ باهتمام كبير فى وسائل الإعلام أو مركز الأبحاث أو الأدبيات الأكاديمية»، فإن المجلس الإسلامى لبريطانيا احتل مركز الصدارة بين الشبكة الإسلاموية فى بريطانيا.

على الصعيد الخارجي، أسهمت بعض الدول فى تمكين الاتجاه الإسلاموى فى بريطانيا، لا سيما قطر وتركيا وإيران، والأخيرة من خلال تمويل المساجد والجماعات مثل اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان. مثل مؤسسة نداء، التى تُعتبر ظاهريًا مؤسسة خيرية تعليمية، تمولها قطر، لكن لديها شبكة عميقة من الصلات داخل الحركة الإسلامية، لا تقتصر على بريطانيا فقط. وإنما تمتد صلات مؤسسة نداء إلى طارق رمضان؛ حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، والمتهم حاليا فى قضايا تحرش واغتصاب. وقد رَعَت الحكومة التركية، التى يديرها الرئيس الإسلاموى رجب طيب أردوغان، عددًا من الجماعات فى بريطانيا المرتبطة بحركة حماس، الفرع المتشدد بشكل خاص فى جماعة الإخوان المسلمين ومقرها فى غزة.

 يستخدم الإسلامويون ما يمكن تسميته فى الأدبيات النظرية السياسية «نقاط تنسيق»؛ أى الفعاليات التى تهدف إلى تحفيز التنسيق بين الجماعات غير المنظمة الحالية، والتى تهدف فى نهاية المطاف إلى الثورة وتحقيق الدولة الإسلامية، وإن كان يتم ذلك «بهدوء».

 الحركة الإسلامية فى بريطانيا تشارك بنشاط فى إطلاق وقيادة عدد من الحملات ذات الصلة بتفعيل الإسلام السياسى كنظام كامل للحياة وللأمة الإسلامية فى بريطانيا وخارجها». ومن بين هذه القضايا، هناك أربعة تعتبر «الأكثر ديمومة، وتمويلًا، وإثارة للخلاف»، و»تركز على فلسطين، واستراتيجيات الحكومة البريطانية لمكافحة التشدد والتطرف، والإسلاموفوبيا، فضلًا عن التعليم والمشاركة السياسية».

 ربما تكون فلسطين هى أهم هذه القضايا بالنسبة للإسلامويين. تواجه الدولة البريطانية تحديات بسبب مشكلات تتعلق بحفظ النظام العام من هؤلاء الأشخاص عندما يتم تنظيم احتجاجات مناهضة لإسرائيل ومعادية للسامية، وغالبًا ما يتم تنظيم الاحتجاجات بالتعاون مع الجماعات اليسارية المتطرفة مثل «تحالف وقف الحرب»، وهى مجموعة تابعة لحزب العمال الاشتراكى (SWP) عملت بشكل وثيق مع الرابطة الإسلامية فى بريطانيا.

 والأخطر من ذلك هو المسائل المتعلقة بتمويل الإرهاب، حيث إن مجموعة الجمعيات الخيرية فى بريطانيا التى تجمع الأموال لأغراض إنسانية ظاهريًا لغزة، إما تُوجه الأموال إلى حركة حماس أو تنظِّمها حماس مباشرة. ومن أبرز هذه المجموعات «اتحاد الخير»؛ وهو مظلة أنشأها القرضاوى وجمعية انتربال (Interpal) التى تهدف لمساعدة الفلسطينيين المحتاجين. الجمعيات الخيرية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين غالباً ما تكون على علاقة ببعضها بعضًا ومتداخلة، ويحظى بعضها برعايةٍ من قطر.

 الحركة الإسلامية هى عنصر رئيسى فيما يسميه البريطانيون لوبى «عرقلة استراتيجية مكافحة التطرف»، كون هذه الاستراتيجية تشكّل الركيزة الرئيسة فى سياسة الدولة لمكافحة التطرف. وربما تكون هذه ثانى أهم الحملات الأربع المذكورة أعلاه، وتسعى إلى إقناع المسلمين بأن جهود مكافحة التطرف تمثل اعتداء على عقيدتهم ومجتمعهم. وهذا العنصر من عناصر الحملة التى تقوم بها الحركة الإسلامية يرتبط إلى حد كبير ببعد «الإسلاموفوبيا»، وهو ما يُزعم أنه حملة ضد كراهية الإسلام، وهى متلازمة اكتسبت نفس دلالة العنصرية فى كثير من الأوساط. ويقول اتحاد الجمعيات الإسلامية الطلابية؛ بوصفه إحدى مجموعات الحركة، «إن كراهية الإسلام جزء لا يتجزأ من استراتيجية مكافحة التطرف».

استخدام الإسلامويين للإسلاموفوبيا كسلاح يعود لقضية سلمان رشدي، وظلوا منذ ذلك الحين يحاولون تعريف الإسلاموفوبيا على أنها أى انتقاد للعقيدة على الإطلاق. هذا المطلب الفعلى لسن قانون لتجريم التجديف -الذى يستحيل تلبيته، وبالتالى سيبقى دائماً قضية تستخدم فى التحريض- هو جزء من الجهد العام للحركة الإسلامية لتنفير المسلمين فى بريطانيا بإخبارهم بأنهم مضطهدون من قبل دولة ومجتمع معاديين، مما يترك المسلمين معزولين ومُعرّضين للتجنيد من قبل الإسلامويين، الذين يمكن أن يقدموا أنفسهم على أنهم نظام الدعم الذى لا توفره الدولة.  لقد تعرّضت بريطانيا لسلسلةٍ من الهجمات الإرهابية من الإسلامويين فى عام 2017 عندما كان تنظيم داعش فى ذروة عنفوانه. وفى السنوات التى تلَت ذلك، توارى هذا الجانب الأكثر وضوحًا من التحدى الإسلاموي. لكن التحدى لم ينته، بل إن الإرهاب سيعود، قريبًا وبشكل أسوأ عما كان عليه، ما لم تُتخذ تدابير للحد من انتشار الحركة الإسلامية ونجاحها فى تشكيل البيئة بوسائل غير عنيفة.