الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الروائى الفلسطينى أسامة العيسة: نعيش مرحلة دفاع عن الحكاية الفلسطينية

يرى الروائى الفلسطينى أسامة العيسة أن الرواية الفلسطينية لم تكتب بعد ،حيث يعتبر كل ما كتب عن الوطن والثورة مجرد ثرثرة، نظرا لسيطرة الأحزاب الفلسطينية وكتاب منظمة التحرير الفلسطينية على الشأن الثقافى. والعيسة يطلع علينا من قلب المحنة والعذاب بعدد من الروايات تحيل الوجود العربى المختنق بأخبار المأساة والدم إلى قطرات صافية من السرد والفن، ليفتح سقف السجن السياسى على سماء الحرية ،والمثير للإعجاب أنه يفعل ذلك من داخل التجربة والبيوت الفلسطينية ذاتها.. حول فكره الثقافى ومنجزه الإبداعى دار الحوار معه:



■ روايتك الجديدة «قط بئر سبع» تروى حلقة من حلقات الشتات الفلسطينى والتى انتهت بمشهد مصرع القط الفلسطينى بين أنياب الكلاب الفلسطينية الكنعانية ..فهل قصدت كتابة رواية تاريخية أم شهادة على مراحل تاريخية معينة ؟

- رواية (قط بئر السبع) تستند إلى حكاية واقعية، جرت فى سجن بئر السبع الإسرائيلى فى نهاية سبعينيات القرن الماضي، إنها تستعيد صفحة من تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة الغني، عندما كانت المعادلات الوطنية، إن جاز التعبير، معروفة، فالعدو واحد والأصدقاء كثر، وهو ما تغير الآن وخصوصا بعد اتفاق أوسلو، الذى أعاد خلط المعادلات لصالح العدو الإسرائيلي.

أنا لا اكتب رواية تاريخية أو غيرها، أنا اكتب رواية فحسب، أحاول أن أغوص فى دقائق محليتها، وتقديم رواية أرجو لو أن قرأها أى إنسان فى العالم يشعر بصلة 

 معها، وهذا ما حاولته فى (قط بئر السبع)، فهى ذات موضوع إنسانى عام، كما أعتقد وأرجو، تخترق أسوار السجن، وتجربة السجن سواء فى فلسطين، أو فى أى مكان فى العالم، هى تجربة شديدة الوجودية.

■ تنزع أعمالك نحو التأريخ وأحيانا تقترب من التسجيلية.. ما سبب هذا النزوع برأيك؟

- أنا لا أكتب رواية تاريخية، ولكننى أكتب عن الناس فى فلسطين خلال تطور هويتهم التى تعيش حالة دفاع مستمرة عن الذات منذ قرون، نتيجة الاحتلالات التى لا تنتهى.

أكتب عن الناس المهمشين، وأنا واحد منهم، هؤلاء الذين لن تتذكرهم كتب التاريخ الرسمية أو شبه الرسمية، ولكنهم يشكلون عصب تاريخ شعبنا، أعتقد أنه مضى منذ زمن استحواذ النخب الإقطاعية على التاريخ والرواية الأحادية، المجتمع الفلسطينى متنوع وهو ما يجعل تاريخه موضوعا لا ينتهى لكتابة الروايات، إنه تاريخ موح وملهم، إذا صنف ناقد ما أكتبه أو بعضه بأنه روايات تاريخية، فلعله يقصد بأننى أكتب عن النَّاس فى محطات تاريخية فارقة.

■ برأيك.. كيف يمكن للأدب أن ينقذ التاريخ من التزوير؟

- الأدب وخصوصا الرواية كما يظهر الآن، هو ما يعول عليه لتقديم تاريخ آخر، فى مقابل التاريخ الرسمى الذى يقدم فى وسائل الإعلام والمدارس وبعض المجتمعات الأكاديمية، دعنا نتذكر بعض الأعمال الأدبية العظيمة مثل (الحرب والسلام)، أو حتى كتب ذات طابع تاريخى مثل تاريخ الجبرتي، وفى فلسطين ستحضر مذكرات واصف جوهرية، مثل هذه الأعمال هى التى أنقذت فعلاً التاريخ من التزوير. فى مذكرات جوهرية مثلاً، عرفنا مدينة القدس، كما لم تعرف من قبل، قدس أخرى، قدس حيوية وأكثر مرحا وثقافة، قدس يقصدها كبار فنانى العالم العربى من الريحانى إلى بديعة مصابني.

■ ماذا عن الوضع الثقافى فى فلسطين فى ظل المجازر الإسرائيلية؟

- تقهقر الوضع الثقافى فى فلسطين منذ اتفاق أوسلو، وبدا للمواطنين بأن كل ما كُتب عن الوطن والثورة، لم يكن سوى ثرثرة فى أحسن الأحوال، خصوصا بعد أن عاد كُتّاب منظمة التحرير الفلسطينية، ليبحثوا عن مصالحهم، ومناصبهم فى السلطة الجديدة.

ولأن الوضع الثقافي، مثل أى وضع آخر لا يعرف الفراغ، برز نوع من الأدب المقاوم، تمثل بالأهازيج والأغانى والقصص، ولكن دونما إبداع حقيقي، وفى مقابله نزع الكُتّاب المكرسين إلى المواضيع الذاتية، حتى قبل سنوات قليلة عندما بدأت بعض المؤلفات تبرز بشكل كبير محليا وعربيا وعالميا، وقد يكون من الملاحظ أن أصحابها جاؤوا من خارج المشهد الثقافى التقليدى الذى يسيطر عليه نشطاء الأحزاب الفلسطينية التى لم يعد لديها أى شيء تقدمه، بل أصبحت عبئا على شعبنا وقضيتنا، وكذلك الشلل الأدبية وقوامها من موظفى السلطة.

الفلسطينيون، فى مواجهة يومية مع الاحتلال، الذى يقتحم البيوت الفلسطينية، ويقتل ويجرح ويدمر، لكننى أعتقد بأن المشهد الثقافى العام (بما فيه السلطة الثقافية الرسمية)، أو أصحاب الأصوات العالية فيه، ما زالت وكأنها بعيدة عن الهموم اليومية لشعبنا.. الرواية الفلسطينية لم تُكتب بعد، فى الأراضى الفلسطينية ما زلنا نعيش تبعات زلزال أوسلو، وبينما الزلزال يدمر، من الصعب البناء، ويلوذ الناس للنجاة إذا استطاعوا إليها سبيلاً.

■ برأيك.. هل الحزن والموت مهنة فلسطينية؟

- من أقسى الأمور التى يعيشها الفلسطينى فى الأرض المحتلة، ان الموت أصبح عاديا، بل فوق العادي، وهذه مشكلة، كل يوم نشيع شهداء، وبدلا من أن تؤدى تضحياتهم إلى المزيد من الوحدة الوطنية، وإعادة البوصلة باعتبار اننا فى مرحلة تحرر وطني، نجد أن ذلك لا يحدث، لا نريد أن يكون الموت والحزن مهنة لنا، نريد أن ننجز مهمة التحرير الوطني، وإزاحة الاحتلال الذى طال أكثر من اللازم، وبأقل قدر من التضحيات، ومن موت وحزن وألم.

فى فلسطين يبدو المشهد فانتازيا، شعب يقاوم ويضحي، وأكثر من نصف مخابرات العالم تعمل على كى وعيه، وسلطة شكلية عاجزة، ترتكب حماقات وهى تعتقد أنها تقوم بدور الدولة، واحتلال يعمل على مدار الساعة فى نهب الأرض الفلسطينية، وأكثر من خمسة آلاف أسير فى سجون الاحتلال يتضاءل الأمل بالإفراج عنهم.

فى مثل هذه الظروف، لا بد أن تضطلع الثقافة والأدب بحراسة المشروع الوطني.

■ هل الإبداع يكتسب أهميته من قيمته الفنية أم من القضية التى يعالجها؟

- لا مضمون جيد بدون شكل جيد، بالنسبة لى كل عمل لى هو اقتراح لشكل أدبى جديد، لا أكتب الرواية مرتين، بمعنى كل رواية تكتب بشكل يناسب مضمونها، الأدب يعنى القيمة الفنية، ولا يمكن لمضمون مهما كان رفيعا أن يصبح أدبا بدون شكل فنى مناسب، نحن نقرأ الأدب لأسباب كثيرة وليس فقط لمضامينه.

إذا فقد الأدب فنيته يكف عن كونه أدبا..!

■ هناك اتهام للمبدع الفلسطينى بأنه جندى برتبة شاعر أو روائى أو رسام أو مغن.. ماذا تقول؟

- لا أحب وصف الأديب أو الفنان بالجندي، لأنه مهما عظم ما يقدمه يتضاءل أمام نقطة دم تسح من جريح أو شهيد، الكاتب فى فلسطين يعمل فى ظروف صعبة من صعوبة الاحتلال وظروفه، ووسط حصار وانقطاع عن فضائه العربى ووسائل الإعلام ودور النشر وأسواق التوزيع. ربما يحتاج لاستعدادات تجعله أكثر تحملا للاستمرار فى مهنته من كتاب يعيشون فى ظروف أخرى.

■ فى روايتك «وردة أريحا» اهتمام بالمهمشين والمسحوقين . هل تعتقد أن الأدب هو الملاذ الأخير لهذه الفئة؟

- تستكشف هذه الرواية، الأوضاع فى برّ القدس الجنوبى خلال النصف الأول من القرن العشرين وهى فترة زاخرة من حياة شعبنا، تبدأ مع أيام الحكم العثمانى الأخيرة، مرورًا بالحرب العالمية الأولى، حتى نكبة شعبنا.

■ حاولت استعادة الأساطير والعادات والأغانى وطرق العيش فى هذه الفترة، فى محاولة للإجابة على سؤال لماذا هُزمنا وانتصر غيرنا؟

- فى الأدبيات الفلسطينية عن تلك الفترة يغيب دائمًا صوت المهمشين والمسحوقين، على حساب صوت طبقة الأفندية العالي. أنا أحاول رفع صوت طبقتى عاليا.

■ هناك حضور قوى للأسطورة فى هذه الرواية.. ألم تخش أن تصبح الأسطورة عبئا على العمل؟

- الأساطير مهمة لفهم مجتمع ما، ومن عبقرية شعب ما خلق أساطيره، وهو ما حدث بالنسبة للشعب الفلسطيني، الذى راكم أساطير منذ سبعة آلاف عام، وحافظ على هويته من خلال الأساطير، والأديان، حتى وهو يتحول من دين إلى آخر، لم يكن التحول مجانيا، وإنما مع أساطيره التى بدورها تطورت حتى وصلت لنا، فى نسغها ملامح الهوية.

أردت أن تشكل الأساطير غنى للرواية، لا أن تكون عبئا عليها، ولكن بين إراداتي، ورأى القراء والنقاد قد تكون هناك مسافة، أنا أحاول أن أقدم ما لدي، ولكن النجاح من عدمه هو من يقرره القراء.

■ ألم يحدث وأن تورطت فى تحميل إحدى الشخصيات قناعاتك الخاصة، فحملت البطل مهمة الذود عن قناعاتك المخبأة؟

- اعتقد أن الشخوص فى العمل الأدبى تكتسب قوة دفع ذاتية، وإذا حاول الكاتب أن يلجمها، ويحملها قناعاته أو أقنعته، فانه سيجد القراء يخرجون له ألسنتهم هازئين.

أرجو أن لا أكون قد تورطت فى هذا المطب المعيب لأى عمل أدبى.

■ وصفك النقاد بأنك حكاء ماهر.. هل تعتقد أن الحكاية هى من يمنحنا المعنى الحقيقى للحياة؟

- فى فلسطين نعيش مرحلة دفاع عن الحكاية، وصراع على الرواية فى مواجهة رواية المحتل، ما يكسب الحكاية هنا أهمية مضاعفة.

أنا من الجيل الذى ولد فى مخيمات اللجوء ونجا من الموت، ليروى حكايات من لم ينجوا، أريد أن أحكى وأحكي، من اجلنا نحن أولا ثم من أجل أن يسمعنا العالم.