الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

وزير الثقافة والزراعة اللبنانى فى حواره الأول للصحافة المصرية

د.عباس مرتضى: العلاقات الثقافية بين مصر ولبنان تكاملية وليست تنافسية

للحديث إلى وزير الثقافة والزراعة اللبنانى الدكتور عباس مرتضى رونق خاص لما تتمتع به مصر ولبنان من علاقات تاريخية وثقافية ضاربة فى التاريخ وأيضا لما تتمتع به الثقافة من رصيد كبير لديهما فكما قال الأديب والمفكر المصري، طه حسين فى مقولته الشهيرة «القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ».



حول العلاقات الثقافية بين البلدين دار الحوار متطرقا لأهم المشكلات والعوائق التى تواجه الثقافة والنشر خصوصا بعد جائحة كورونا وكيفية مواجهتها بالاضافة إلى المشكلات التى واجهت لبنان خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت.. فإلى نص الحوار.

■ بداية.. حدثنا عن أوجه التعاون الثقافى بين مصر ولبنان؟

ـ إن العلاقات الثقافية ما بين مصر ولبنان علاقات عريقة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ منذ العصر الفرعونى فى مصر ثم الفينيقى فى الشام وتتوجها رموز حديثة فى العديد من المجالات الابداعية كان لهم دور أساسى فى الريادة الثقافية المصرية تتعدد مصادره وتتابع مراحله ولكن صوت لبنان يظل يصدح فى محيطه العربى فيطرب له كل الناطقين بالضاد. العلاقات الثقافية بين مصر ولبنان يمكن اعتبارها علاقات تكاملية وليست تنافسية، وأكبر دليل على ذلك ان الحركة الثقافبة المصرية قد تأثرت سلبا خلال الحرب الأهلية اللبنانية وتراجعت معدلات النشر والأداء الفنى بسبب الترابط الوثيق والارتباط العضوى بين البلدين. حاليا هناك الكثير من الاتفاقيات الثقافية منها البرنامج التنفيذى للتعاون الثقافي، ومذكرة تفاهم للتعاون فى مجال الآثار والتراث وغيرها فى مجال التعاون والتبادل على صعيد النشر، الأعمال الفنية؛ المسرح.... ونحن فى وزارة الثقافة نسعى إلى تفعيل الاتفاقات الموقعة ووضع البرامج التنفيذية لها وخطط زمنية لتطبيقها.

■ ما أهم مشكلات الثقافة فى لبنان؟

ـ إن الثقافة فى لبنان المتعددة والغنية بتنوع مصادرها وتشعبها فى كافة المجالات الابداعية يمكن اعتبارها ثروة استثمارية هامة يمكن الاستفادة منها فى تعزيز مداخيلها ودعم قطاعاتها سيما بعد خروجها من نخبويتها ومركزيتها لتصبح بمتناول الجميع فى كل ارجاء لبنان. اما الثروة الثقافية الحقيقية للبنان فهى فى موارده البشرية وقدرتها على ايصال المفاهيم الثقافية فى مجالات الإبداع والفن والادب وغيرها الا ان غياب الدعم والتمويل يشكلان عائقا هاما أمام الابداع بجميع اشكاله سيما فى الآونة الأخيرة بعد جفاف المنابع المساهمة فى نهوض القطاع الثقافى والقدرات الضئيلة لوزارة الثقافة على تقديم الدعم. ■ كيف ترى مشكلات الثقافة العربية؟ 

للأسف أن العام ٢٠٢٠ كان عاما صعبا على كل الدول فى كل العالم وبالطبع فإن لبنان عانى كما غيره من جائحة كورونا وما خلفته من جمود وتراجع على جميع الصعد، يضاف إليها الوضع الاقتصادى المتردى للبنان إلا وانه وبالرغم من كل ما تقدم فقد لعبت الثقافة دورا كبيرا وحاضنا للناس خلال أزمة كوفيد ١٩، بل يمكن القول إنها شكلت ملجأ للناس اللذين عاشوا تجربة العزل الاجتماعى، وكانت سترة النجاة الأساسية للتنمية الفردية والجماعية وكذلك للتماسك الاجتماعى.

■ حدثنا عن أهم الفعاليات والأنشطة التى قدمتها الوزارة فى لبنان؟ 

ـ كما تعلمون، فإن لبنان من أوائل الدول التى سارعت إلى اتخاذ عدد كبير من الاجراءات والترتيبات الاحترازية ضمن التعبئة العامة، ووزارة الثقافة أدت دورا كبيرا بالرغم من عدم وجود استراتيجية لإدارة أزمات مماثلة، تمكنت من القيام بخطوات ضمن امكاناتها المتواضعة فى ظل الأزمة الاقتصادية التى يعيشها البلد قضت بالحد من نشاطاتها واقفال المتاحف، المكتبات، المواقع الاثرية والسياحية، المراكز الثقافية، المسارح، دور السينما، المعهد العالى للموسيقى إلى اشعار آخر، ومواكبة منا لهذا الاقفال والشلل فى الحياة الثقافية، ذات التأثيرات السلبية على المستويات الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية أطلقنا عددا من المبادرات التى تتماشى مع الواقع المستجد تجسدت مشاريع افتراضية للترويج للتراث المادى وغير المادى: حملة «خليك بالبيت»، الثقافة بمتناولك تحت شعار «ثقافتنا جزء أساسى من حياتنا، وزارة الثقافة دائما معكم»، وضع عدد من المتاحف والمواقع بمتناول الجمهور عبر زيارات افتراضية على شبكة الانترنت منها: المتحف الوطنى الافتراضى للفن الحديث (الفن التشكيلى)، المتحف الوطنى اللبنانى، عدد من المواقع الأثرية والتراثية، وتحت عنوان «خليك بالبيت... الاوركسترا بتيجى لعندك» قدمت الاوركسترا الوطنية اللبنانية (المعهد الوطنى العالى للموسيقى) معزوفة «بحبك يا لبنان» مباشرة على الانترنت شارك فيها ٣٠ عازفا و٩١ شخصا من الكورس الغنائى، إتاحة النتاجات الفكرية والفنية والأدبية المختلفة عبر مواقع الوزارة الافتراضية، مواكبة المناسبات والتواريخ الثقافية (الأيام العالمية للتراث والكتاب والملكية الفكرية وغيرها...) لترسيخها فى أذهان الناس بالرغم من الأزمة.

■ - كيف ترى التعاون مع هيئة الكتاب المصرية ممثلة فى فرعها ببيروت؟ 

قال الأديب والمفكر المصرى، طه حسين مقولته الشهيرة «القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ» التى وصفت واقع النشر والكتاب فى عالمنا العربى، لا ريب أن المشهد اليوم مختلف كثيرا عن ذلك الماضى الجميل حيث إن هناك نكسة أصابت عجلة الحركة الثقافية فى عالمنا العربى فتوقفت عن الدوران أو بدأت تدور عكسيا أو تتراجع للخلف. وبالرغم من عدم وجود احصاءات متخصصة بأعداد الكتب المكتوبة والمطبوعة المقروءة حسب مقولة طه حسين، إلا أن هناك تراجعا ملحوظا فى عدد إصدارات دور النشر العربية من الكتب والمؤلفات الجديدة والجيدة، فضلا عن قلة عدد المناسبات الثقافية والمهرجانات الأدبية المقامة فى العواصم العربية اضف عليها أزمة كوفيد ١٩، وانطلاقا مما تقدم فإن بيروت تأثر موقعها فى مجال صناعة الكتب بالرغم من محاولات العاملين فى القطاع للنهوض به وسعينا مع فرقاء محليين ودوليين لدعم الكتاب والأدباء ودور النشر، وإعادة إحياء وتعزيز دور الثقافة والمعرفة.

■ هل انتهى عصر الكتاب الورقى لصالح الالكترونى؟

ـ فى عصرنا الحالى، أصبح من الطبيعى ان الوعاء الالكترونى للمعرفة بات أكثر طلبا لسرعة وصوله إلى المتلقى سيما مع تطور وسائل التواصل الالكترونية، وبالتالى فإن ما نعيشه اليوم هو تراجع الكتاب الورقى أمام الالكترونى وبات أكثر تراجعا مع ازمة كوفيد ١٩ التى استبعدت كل ما له علاقة بالاوعية المادية لصالح الافتراضية درءا للخطر.

■ كيف أثر انفجار مرفأ بيروت على شكل الثقافة فى لبنان؟ 

ـ الرابع من أغسطس 2020، لم يكن يومًا عاديًا فى العاصمة بيروت، سيبقى صدى انفجار هذا النهار المشؤوم يتردّد فى ذاكرة اللبنانيين، وستظل دموع بيروت تبكى مئات الشهداء وآلاف الجرحى، ولكن لن يغطى الغبار المتناثر وجه بيروت المضيء، وسنعمل يدًا بيدٍ لإعادة ضخ الحياة فى شرايين عاصمتنا المجروحة.

ان وقوع انفجار بيروت فى منطقة المرفأ، وسط أحياءٍ تراثيةٍ وتاريخية، أدى إلى تضرر الآلاف من الوحدات السكنية، والمئات من الأبنية التراثية والتاريخية، وانسحبت الأضرار على الصناعات الثقافية. باختصار، لقد ترك الانفجار بصماتٍ مدويةً فى قطاعنا الثقافى المادى واللامادي، شكلت نداء استغاثةٍ للمجتمع الدولى والمحلي، فسارعت جهاتٌ دوليةٌ ومحليةٌ، رسميةٌ وخاصةٌ إلى بذل الجهود، كلٌّ ضمن اختصاصها وإمكانياتها لإنقاذ تراثنا المعماري، والحفاظ على النسيج الاجتماعى الوطنى فى هذه الأحياء».

■ ما خطتك لتأهيل الأبنية التراثية خاصة بعد تفجير ميناء بيروت؟

 ـ أما وزارة الثقافة، المؤتمنة على التراث الوطنى بجميع أشكاله، فقد ضرب الانفجار مساعيها الحثيثة وجهودها فى الحفاظ على الأبنية التراثية. منذ اليوم الأول، سارعنا إلى احتواء هول الكارثة على صعيد الإرث العمراني، فشكلنا خلية أزمةٍ قوامها الجهاز الفنى فى هذه الوزارة، والعديد من المهندسين والخبراء المتطوعين الذين وضعوا خبراتهم لإعادة تدعيم وترميم الأبنية التراثية المتضررة، وتواصلنا مع العديد من الجهات المانحة لمؤازرتنا فى هذه الظروف العصيبة.

بدايةً، اعتمدت وزارة الثقافة على المسح الأولى للأحياء المتضررة، وتمّ تحديد الأبنية التراثية المتضررة وفقًا لدرجة تضررها. وأطلقت، على أساس هذا المسح، خطة عملٍ تمتدّ على ثلاث مراحل، تمّ تحديد هدف كلّ واحدةٍ منها بالاستناد إلى أولويات التدخل الميدانى والتقنى، وخصصت المرحلة الأولى لأعمال التدعيم الطارئة وتغطية أسقف القرميد ورغم ذلك قررنا أن نمشى قدمًا فى خطتنا الإنقاذية للنسيج الاجتماعى والمعمارى للعاصمة بيروت، متسلحين بإرادة الحياة والصمود المنبعثة من كل فردٍ فينا، ومن كل زاويةٍ من زوايا بيروت، معتمدين على دعم الدول الصديقة والجمعيات والمنظمات المحلية والدولية. 

أما المرحلة الثانية فتداخل فيها العنصر الإنسانى مع أعمال الترميم التى تتطلب 300 مليون دولار أمريكى، وبما أن بيروت لن تبنى إلا بجهودنا جميعًا، أفرادًا وجمعياتٍ ومنظماتٍ محليةً ودولية، مواطنين مقيمين أو مهاجرين، فقد اطلقنا خطة ترميم وتأهيل أحياء بيروت التراثية من خلال حملة «تبنى مبنى تراثيا Adopt a House أو تبنى مجموعةٍ من الأبنية التراثية تشكل فيما بينها نسيجٌ متماسكٌ يشمل فى طياته البعد الإنسانى والاجتماعى والثقافى للمكان.

■ تجمع بين وزارتى الثقافة والزراعة فى حكومة تصريف الأعمال.. كيف توفق فيما بينها؟ 

ـ أما فيما خص الجمع بين وزارتى الزراعة والثقافة فهى مهمة ليست بالسهلة ولكنها غير مستحيلة وترابطهما المتمثل بالغذاء المادى فى الزراعة والروحى الفكرى فى الثقافة جعلهما أولويتين ملحتين سيما فى ظل الوضع الاقتصادى المتردى وأزمة كوفيد ١٩. ولهذا فقد اوليت اهتمامى وكرست وقتى بالكامل للعمل لكثرة الملفات الشائكة وتابعت بشكل حثيث ويومى كل التفاصيل للاضطلاع فى هذين المجالين ووصل بى الأمر إلى استكمال العمل فى عطلة نهاية الأسبوع حتى خارج العاصمة بيروت لا أتوقف عن استقبال المراجعات ومتابعة الأحداث والمشاركة فى المناسبات الزراعية والثقافية والزيارات الميدانية فى كل أرجاء لبنان لتفعيل التواصل مع كل شرائح المجتمع اللبنانى سواء فى المجال الثقافى والزراعى.

■ ناقشت رسالتك لنيل الدكتوراه فى التاريخ بعنوان «إشكاليات العلاقات المصرية ـ البريطانية».. ما أهم ما جاء فيها؟

ـ هناك عدة شواهد منه: أنه لم تنجح سياسة الاحتلال البريطانى فى استيعاب الدولة المصرية حيث بقيت متمركزة فى العاصمة وقناة السويس وبعض المدن الكبرى، أيضا لم تؤثر بريطانيا ثقافيا على مصر على خلاف ما يقوم به الاستعمار الفرنسى من سياسة الفرنسة بصبغ البلاد التى تحتلها بالصبغة الفرنسية.

كذلك لقد بقيت العلاقات بين مصر وبريطانيا هامشية فى مختلف المراحل التى سيطر عليها الاحتلال البريطانى على مقدرات الدولة المصرية حيث لم يتحقق للانجليز ما تحقق لهم فى الهند مثلا: لم يقبل المصريون لا الثقافة ولا اللغة اللتين جاء بها الاستعمار البريطانى، كما لم تدخل مصر مجموعة الكومنولث واختارت لنفسها طريقا آخر، كما بقيت العلاقة بين مصر وبريطانيا متواترة بين مد وجزر، فهى من أسوأ أوضاعها عام 1906 (حادثة دنشواى)، مرورا بثورة 1919، لكن التدهور الكبير للعلاقات كان فى ثورة 1952 وتأميم قناة السويس وما تبعه من العدوان الثلاثى على مصر 1956، وكان السقوط الحقيقى من خلال الكفاح المسلح والنضال الوطنى الذى خاضه الشعب المصرى لنيل الحرية.

وكان مما عاد على المصريين من مكاسب أن العدوان الثلاثى أخفق فى تدويل قناة السويس، والتى أصبحت هيئة مصرية، والتى عملت على النهوض بالاقتصاد المصرى فأصبحت إيرادات القناة تعود إلى مصر، أيضا أتاح العدوان التخلص من قاعدة عسكرية أجنبية فى القناة، وحقق أيضا دعما لفكرة الوحدة العربية، وأصبح عبد الناصر رائد هذه الوحدة وخرجت مصر وقياداتها من العدوان اقوى مما كانت عليه مما مهد للوحدة بين مصر وسوريا الا انها لم يكتب لها الاستمرار، فقد دامت ثلاث سنوات وسبعة أشهر.

وباستعراض هذه اللمحة السريعة نجد أن التاريخ سجل فى صفحاته بطولات الشعب المصرى وثوراته وكفاحه ونضاله الوطنى فى وجه الاحتلال والنفوذ البريطانى لنيل الحرية والاستقلال وهو الامر الذى يجب أن تتعرف عليه الأجيال.