الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بالأسماء.. إمبراطورية الإخوان الاقتصادية فى الغرب

ترجمة: سعيــد شعيــب



يشكل الاقتصاد أهمية استثنائية لدى جماعة الإخوان المسلمين، ليس لأنه يعد أحد مرتكزات قوة الجماعة وأهم أدوات تنفيذ مشروعها الفكرى والسياسى فقط، وإنما لأنه يتم توظيفه فى بناء الذراع الاجتماعية المؤيدة للجماعة أيضًا من خلال المساعدات والمشروعات الخدمية التى تقيمها الجماعة لاستقطاب فئات المجتمع إليها، وخاصة الفقيرة والمهمشة، والاستقواء بها عند الضرورة، بل واستغلالها سياسيًا فى أوقات الانتخابات.

اهتمام الإخوان المسلمين بالغرب يعود إلى خمسينيات القرن الماضى وبالضبط غداة حادث المنشية عام 1954، وما تلاه من حظر قانونى للجماعة وتواتر الاعتقالات فى صفوفها وتحفظ على أموالها وممتلكاتها، حيث شكل هذا الحادث نقطة انطلاق قوية لإخوان مصر للتحرك نحو الخارج وكانت بداية الانطلاق من دول الخليج العربى.

تبعًا لذلك طورت الجماعة رؤية استراتيجية لـ «غزو» بقية الدول العربية وصولًا إلى الدول الغربية، فى أوروبا وأمريكا، التى شكلت صمام أمان لمشروعها الشمولى مستفيدة من توظيف خطاب براغماتى يستوعب هوامش الحرية فى الديمقراطيات الغربية وينشد ترسيخ جذورها فى الجاليات المسلمة المقيمة بمجتمعاتها. وقد شكل الاستثمار الاقتصادى أحد مداخل الجماعة الأساسية لتحقيق أهدافها فى التمدد بهذه الدول. وهو ما تحقق لها بالرهان على عنصرين أساسيين، تشكيل نخبة اقتصادية نافذة من جهة؛ وإنشاء مؤسسات مالية فى الدول الغربية من جهة أخرى.

النخبة الاقتصادية الإخوانية، على غرار نخبتيها الدينية والسياسية التى اجتهدت الجماعة فى تشكيلهما لصياغة خطاب أيديولوجى يوظف الدين فى خدمة السياسة، برعت الجماعة فى تشكيل نخبة اقتصادية قادرة على استثمار المال والأعمال فى تعزيز قوتها ونفوذها، ومن هنا ظهر من بين أعضائها أسماء شخصيات اقتصادية وازنة برز نجمها فى عالم المال والأعمال على المستوى العالمي، نذكر منهم، يوسف ندا، رجل أعمال مصرى حمل جنسيات دول عدة منها ليبيا وتونس وإيطاليا، وكان يشغل منصب المفوض لجماعة الإخوان المسلمين فى الخارج، ويقدم على أنه «وزير مالية الإخوان». كما يلقب بـ «البرنس» استنادًا إلى علاقاته مع العديد من أجهزة المخابرات الأوروبية والشخصيات السياسية البارزة التى منها الرئيس التونسى الأسبق الحبيب بورقيبة الذى منحه الجنسية التونسية.

وقد فتحت الجنسية التونسية لـ يوسف ندا أبواب السفر والتنقل فى أوروبا، وأهلته للحصول على تأشيرة لمدة عشرة أعوام فى الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنه تزوج ابنة الرئيس السورى الأسبق (أديب الشيشكلي) ذى الصلة الوثيقة بأجهزة الاستخبارات البريطانية، فيما تزوجت ابنته من نجل مراقب الإخوان المسلمين فى سوريا عصام العطار.

أسس يوسف ندا، الذى لم يكن يملك سوى معمل ألبان عند خروجه من مصر «قبل أن يكوّن إمبراطوريته المالية المعروفة»، «بنك التقوى» عام 1988 الذى يعد أول بنك اخوانى يعمل خارج العالم الإسلامي، حيث يوجد مقره الرئيسى فى جزيرة ناسو بجزر البهاما المجاورة لـ كوبا والولايات المتحدة الأمريكية، التى تسمح بالاستثمار والعمل المصرفى خارج الرقابة الحكومية وفق نظام «الأوف شور». وقد وصلت تقديرات بعضهم لرأس مال البنك عند التأسيس بـما يعادل «(229) مليون دولار». كما وصلت ميزانيته فى 31 ديسمبر 1994، مبلغ 258.667.162 دولار أمريكى.

كما قام ندا بتأسيس العديد من الفروع لبنك التقوى فى ليختنشتاين وبريطانيا، وأنشأ شركتى «ندا إنتر ناشيونال للخرسانة» و»التقوى للإدارة» اللتين تمت تصفيتهما فى فبراير 2004 بعد ما تم اتهام مجموعة التقوى، فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، بدعم الإرهاب من طرف الإدارة الأمريكية التى باشرت عمليات تجميد أموالها.

إبراهيم الزيات، من مواليد عام 1968، مصرى الأصل وحامل للجنسية الألمانية، ويعد أحد أعمدة التنظيم الدولى للإخوان المسلمين. ينتمى إلى أسرة إخوانية بامتياز فوالده هو القيادى الإخوانى السابق فاروق الزيات إمام سابق لمسجد هامبورج فى ألمانيا، وشقيقه بلال هو أحد مؤسسى «منظمة الشباب الألمانى المسلم»، فيما شقيقته منال هى زوجة أحد أنجال عضو مكتب إرشاد الجماعة، والمتحدث الرسمى باسمها فى الخارج قبل استقالته الدكتور كمال الهلباوي، وهى التى تتولى الإشراف على عدد من المنظمات الإسلامية فى الدول الأوروبية.

تولى إبراهيم الزيات قيادة عدد من الأنشطة الإخوانية فى الغرب مثل رئاسة كل من «الجماعة الإسلامية فى ألمانيا»، والمركز الإسلامى فى ميونخ، والمركز الإسلامى فى مدينة كولون، ودار الوقف الإسلامى فى بريطانيا. كما تولى مهام إدارية مهمة فى هيئة الإغاثة الإسلامية فى بريطانيا، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، ويُحسب له تأسيس منتدى المنظمات الأوروبية للشباب والدارسين المسلمين الذى يتخذ من بروكسل مقرًا له، وهو المنتدى الذى يقود حملة عدائية ضد نظام الحكم القائم فى مصر حاليًا ويساند بشدة تنظيم الإخوان المسلمين منذ عزل محمد مرسى عام 2013.

كما اكتسب إبراهيم الزيات عضوية مجلس أمناء مؤسسة ميللى جروش التركية، وهى مؤسسة معروفة بقدرتها على جمع التبرعات وأموال الزكاة من المسلمين الأتراك فى ألمانيا والدول الأوروبية، وذلك بحكم زواجه من صبيحة أربكان ابنة شقيق الزعيم التركى الإسلامى نجم الدين أربكان. فضلًا عن نشاطه الدؤوب فى إنشاء عدد من الشركات الاستثمارية والعقارية فى ألمانيا، التابعة للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين.

وعلى الرغم من نجاح إبراهيم الزيات فى ربط صلات قوية مع عدد من المنظمات البحثية والفكرية فى أوروبا مثل المعهد الأوروبى للعلوم الاجتماعية، والبرلمان الألمانى (البوندستاج)، والبرلمان الأوروبى فإن شبهات كثيرة حامت حوله فى عقب أحداث 11 سبتمبر 2001. كما ظهرت شبهات قوية بشأن تورطه فى عمليات اختلاس وغسيل أموال فى ألمانيا.

كان الدكتور عصام الحداد، الذى تولى منصب مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية على عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، واحدًا من أهم الشخصيات فى تمويل الإخوان فى لندن، وهو الذى أدار حملته الرئاسية. كما أن الجميع يعرف دوره الاقتصادى البارز داخل مصر وخارجها حيث يعتبر الحداد همزة وصل بين رجال أعمال الإخوان وزملائهم الأجانب.

كما أنه ينتمى إلى عائلة ثرية تمتلك العديد من الاستثمارات فى لندن بشراكة مع بعض المواطنين ورجال الأعمال الباكستانيين من المسلمين المقيمين هناك؛ فشقيقه مدحت الحداد رجل أعمال شهير وهو مؤسس مجموعة من شركات المساهمة وشركات الأشخاص العاملة فى مجال المقاولات والاستثمار العقارى وتنظيم المعارض والتصدير والاستيراد، أما شقيقه الآخر فهو هشام الحداد أحد أبرز قيادات الإخوان فى الإسكندرية، ووالد جهاد الحداد الناشط الإخوانى البارز والمسؤول عن ملف العلاقات الخارجية فى مشروع «النهضة».

وفضلًا عن الحضور الإخوانى المكثف والمعهود ذى الطبيعة الثقافية والاجتماعية فى الدول الغربية – المتمثل فى شكل جمعيات ومنظمات وهيئات مستقلة ليست، بحسب كتابات الصحفى الأمريكى ستيفن ج ميرلي، سوى «واجهات «إخوانية» فى تيار عالمى له أبعاد سياسية مدروسة، بات هناك حضور آخر من طبيعة تجارية يعزز تمدده فى مجتمعاتها من ذلك ما بات يعرف بـ «تجارة الحلال».

وقد ذكر تقرير لمجلة «إنسايدرز» الأمريكية، فى هذا الصدد، أن قيمة تجارة اللحوم الحلال وحدها قدرت بنحو 2.3 تريليون دولار أمريكى سنويًا، وتوقعت التقرير نفسه أن تصل بحلول عام 2020 إلى 6.4 تريليون دولار. كما يتوقع أن ينمو حجم سوق الأغذية والمشروبات الحلال العالمى ليصل إلى 739.59 مليار دولار أمريكى بحلول عام 2025.

 ووفقًا لتقرير جديد صادر عن شركة (Grand View Research, Inc) ستشهد صناعة الأغذية الحلال العالمية نموًا كبيرًا بسبب زيادة أعداد السكان المسلمين، وهو ما يعنى زيادة كبيرة فى استهلاك المواد الغذائية؛ إذ من المتوقع أن يرتفع إجمالى عدد السكان المسلمين من 23٪ فى الوضع الحالى إلى حوالى 30٪ من إجمالى سكان العالم بحلول عام 2030.

وتشرف على منح رخص اللحم الحلال، حسب عدد من المتابعين، عدد من الهيئات الإخوانية أو المخترقة من الإخوان، منها: المركز الثقافى الإسلامى فى جنيف، ومؤسسة ألمانيا الإسلامية (IGD)، والمجلس المركزى للمسلمين فى ألمانيا، واتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا (الذى بات يعرف حاليًا باسم «مسلمو فرنسا»)، وكذلك اتحاد الهيئات الإسلامية فى إيطاليا وبواسطتها «يجنون ملايين الدولارات التى ينفقونها فى ما بعد على تمويل التنظيم العالمى».

كما تم إنشاء وكالة اعتماد الحلال (HAK) لتوفير خدمات اعتماد الحلال لهيئات تقييم المطابقة الحلال الموجودة فى كل من تركيا وخارجها، وتحديد وتطبيق المعايير والتدابير المتعلقة باعتماد الحلال، فضلًا عن توقيع اتفاقيات الاعتراف المتبادل الثنائية أو متعددة الأطراف.

كما أنّ تجارة الحلال لم تعد تقتصر على المأكولات فقط، بل باتت تضمّ قطاعات أخرى، مثل: أدوات التجميل، والأدوات المنزلية والطبية، والسياحة، والقطاع المصرفي، برأس مال قدِّر بـ 2,300 مليار دولار، عام 2017، فى أرجاء العالم كافة[30]. وقد نمت السياحة الحلال عبر العالم بنسبة 30٪، منذ عام 2016. كما توقعت ماستر كارد وكريسنت رايتينغ فى دراسة مشتركة صدرت حديثًا، أن مساهمة هذا القطاع فى الاقتصاد العالمى ستقفز خلال العقد المقبل من 180 مليار دولار إلى 300 مليار دولار. كما تتوفر الجماعة فى أوروبا على عدد من الجمعيات ذات الصبغة الثقافية أو الدينية غير أنها تتصرف واقعيًا كأداة فعالة لجمع وتصريف أموال الجماعة، منها:

- «مؤسسة الإغاثة الإسلامية» التى تتخذ من لندن مركزًا رئيسيًا لها وقد أُنشئت عام 1984 من طرف قيادات إخوانية على رأسهم «إبراهيم الزيات، وهانى البنّا، ورجل الأعمال المصرى الأصل البريطانى الجنسية (عمر الألفي)»؛ وهى تقوم بنشاطها المعلن «تحت بند أنشطة العمل الاجتماعي». ويترأس إدارتها عصام الحداد إلى جانب مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين، على رأسهم العراقى أحمد كاظم الراوى وهانى عبد الجواد البنّا المنصورى.

وقد بلغ دخل المؤسسة وإيراداتها عام 2012 حوالى «130 مليون جنيه إسترليني». كما تجاوز إجمالى ما حصلت عليه هذه المنظمة منذ عام 2008 أكثر من 456 مليون جنيه إسترليني» [34]، وتأتى أكبر نسبة تمويل لهذه المؤسسة من التبرعات داخل بريطانيا بحوالى 46٪، ومنح بعض الشركاء بحوالى 22٪، فضلًا عن المانحين من خارج بريطانيا.

- «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» الذى تأسس فى بروكسل بداية تسعينيات القرن الماضى من أجل «لمّ الشمل والتنسيق بين جماعات الإخوان المسلمين، فى أكثر من عشرين دولة»، حيث يقدر البعض أن الإخوان أسسوا عن طريقه «500 مؤسسة فى 28 بلدًا أوروبيًا». وقد خلصت دراسة للصحفى الأمريكى المتخصص فى شؤون مكافحة الإرهاب ستيفن ج ميرلى بعنوان «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» نشرت فى أكتوبر 2008، إلى أن الاتحاد يتمتع بالقوة المالية والمحافظة على مستقبله بفضل «عدد الأعضاء الذين يناهزون 400 ألف عضو، مع رأسمال يصل إلى 900 مليون جنيه إسترلينى (1.5 مليار دولار)، 40٪ منها ضمن استثمارات عقارية فى بريطانيا وألمانيا واليونان ورومانيا وغيرها».

- «المجلس الأوروبى للفتوى والبحوث» الذى تأسس عام 1997 بدعوة من «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» ومقره بالعاصمة الأيرلندية دبلن، وتناط به مهام «الإفتاء فى القضايا المتعلقة بالأقليات المسلمة فى أوروبا»، وقد أنشأه إبراهيم منير، وبعض معاونيه ليتخذ «وسيلة للتغطية الدينية لعمليات جمع أموال الزكاة والتبرعات، ووضعوا على رأسه الشيخ «يوسف القرضاوي» والشيخ اللبنانى «فيصل المولوي»، والتونسى «راشد الغنوشي»، ومن إسبانيا «الشيخ عبدالرحمن الطويل»، ومن ألمانيا «الشيخ محمد الهوارى».

- «المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية» الذى يتولى مهمة تدريب الأئمة فى ثلاث جامعات موزعة على فرنسا وويلز، فضلًا عن مجموعة من الكيانات الاقتصادية التى تقوم على توصيل الأموال الآتية من مناطق مختلفة إلى المنظمات والحركات التابعة للإخوان، وذلك للتوسع فى عمليات بناء المساجد فى جميع الأنحاء الأوروبية».

وفى هذا السياق أيضًا يأتى «نجاح الإخوان المسلمين فى أوروبا فى تأسيس المنتدى الدولى للبرلمانيين الإسلاميين، الذى يعمل لمساندة الجماعة فى المواقف المختلفة»، بحسب ناثان براون (Nathan Brown) الباحث المتخصص فى شئون الجماعات الإسلامية. وهذا المنظمات على الرغم من اختلاف مسمياتها وشكليات عملها تتلاقى جميعها، حسب إيان جونسون (Ian Johnson)، «فى النهاية عند طرف «جماعة الإخوان المسلمين» عبر شبكة من المستشارين، على رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي. كما تتلقى هذه الهيئات والمنظمات تمويلات سخية من عدد من الجهات الأجنبية».

إن ضخامة الحضور المالى للإخوان فى الدول الغربية لا بد أن يسائل حكوماتها حول تجاهلها لحجم هذه الأموال وطريقة حركاتها وأوجه إنفاقها، سواء داخل مجتمعاتها أو ما ينقل منها إلى المجتمعات العربية الإسلامية، وسواء تعلق بمداخيل التجارة الحلال أو غيرها لا سيما الزكاة بنوعيها زكاة الأموال وزكاة الفطر حيث صدرت فتوى إخوانية، تحرم إرسالها إلى فقراء دولهم الأصل [47]. فهذه الفتوى تنطوى على الدعوة الصريحة إلى صرف الزكاة على الهيئات الإخوانية فى بلاد الغرب، حيث ذكر صاحبها «إن دعم وتمويل المؤسسات الإسلامية وإنشاء وتأسيس المؤسسات التى يحتاج إليها الوجود الإسلامى فى أوروبا من أموال الزكاة هو واجب الوقت وهذا لن يتحقق إلا بالتوقف والامتناع عن نقل الزكاة» [48].

تؤكد هذه الفتوى بما لا يدع مجالًا للشك بأن الدول الغربية قد كانت خلال عقود بمثابة الحديقة الخلفية لأنشطة الجماعة المالية ومرتعًا لنخبتها الاقتصادية، وأنه آن الأوان للتفكير الجدى حول مستقبل النشاط الإخوانى فى الغرب بمختلف أشكاله وتجلياته والعمل على تجفيف مصادره المالية باعتباره الخطوة الأولى فى اتجاه مقاومة الإرهاب بمختلف صوره ومستوياته.