الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

فى وداع ابن المنافى

مريد البرغوثى «طال الشتات» ورحل الغريب

«أتلمَّس أحوالى منذ وُلدتُ إلى اليوم..وفى يأسى أتذكر..



أن هناك حياةً بعد الموتِ..هناك حياة بعد الموت

ولا مشكلة لدي..لكنى اسأل: يا الله.. أهناك حياة قبل الموت؟».. 

لم يكن يائساً ليسأل كل هذه الأسئلة شعرا ورواية وأدباً ولكنه معذر هو من سُرِقَ عمره وتاريخه ووطنه ليسأل عن حياته أين هي؟  وكيف كانت ؟؟؟وفيما انقضت  دون أن يشعر بها؟.. تلك كانت حياة الشاعر الفلسطينى مريد البرغوثى الذى رحل عن عالمنا أول أمس عن عمر يناهز 77 عاماً فى العاصمة الأردنية عمان. 

ولد مريد البرغوثى ببلدة دير غسانة قرب رام الله فى 8 يوليو 1944 ، فى الضفة الغربية تلقى تعليمه فى مدرسة رام الله الثانوية، وسافر إلى مصر العام 1963 حيث التحق بجامعة القاهرة وتخرج فى قسم اللغة الإنجليزية وآدابها العام 1967 وهو العام الذى احتلت فيه إسرائيل الضفة الغربية ومنعت الفلسطينيين الذين تصادف وجودهم خارج البلاد من العودة إليها. 

وعن هذا الموضوع كتب مريد البرغوثى فى كتابه الذائع الصيت «رأيت رام الله «نجحت فى الحصول على شهادة تخرّجى وفشلتُ فى العثور على حائط أعلِّق عليه شهادتي». ولم يتمكن من العودة إلى مدينته رام الله إلا بعد ذلك بثلاثين عاماً من التنقل بين المنافى العربية والأوروبية، وهى التجربة التى صاغها فى سيرته الروائية تلك وروى لحظة ترحيله من القاهرة، وقصة إبعاده عن زوجته الأديبة الراحلة رضوى عاشور، وابنه تميم البرغوثي، وهى الرحلة التى امتدت إلى 17 عام لاحقة كما يسرد البرغوثي»اقتادونى إلى دائرة الجوازات فى مجمع التحرير، ثم أعادونى فى المساء إلى البيت لإحضار حقيبة سفر وثمن تذكرة الطائرة، فى الطريق إلى سجن ترحيلات الخليفة، كنت أنظر إلى شوارع القاهرة نظرة أخيرة، ماذا تحمل الأيام لهذا الطفل ذى الشهور الخامسة، ولرضوى ولى ولنا؟..لم أقم بأى فعل لمعارضة الرئيس السادات لإسرائيل، كان ترحيلًا وقائيًا، ونتيجة وشاية، كما تبين بعد سنوات عديدة، لفقها زميل فى اتحاد الكتاب الفلسطينيين! الحياة صعبة على التبسيط كما ترون»

 نشر ديوانه الأول عن دار العودة فى بيروت عام 1972 بعنوان «الطوفان وإعادة التكوين» ونشر أحدث دواوينه عن دار رياض الريس فى بيروت بعنوان «منتصف الليل» عام 2005. وأصدرت له المؤسسة العربية للدراسات والنشر مجلّد الأعمال الشعرية العام 1997.

فى أواخر الستينات تعرّف على الرسام الفلسطينى الراحل ناجى العلى واستمرت صداقتهما العميقة بعد ذلك حتى اغتيال العلى فى لندن عام 1987، وقد كتب عن شجاعة ناجى وعن استشهاده بإسهاب فى كتابه رأيت رام الله ورثاه شعراً بعد زيارة قبره قرب لندن بقصيدة أخذ عنوانها من إحدى رسومات ناجى أكله الذئب.

فى بيروت تعرف على غسان كنفانى الذى اغتاله الإسرائيليون العام 1972. عرف مريد بدفاعه عن الدور المستقل للمثقف واحتفظ دائماً بمسافة بينه وبين المؤسسة الرسمية ثقافياً وسياسياً، وهو أحد منتقدى اتفاقات أوسلو. سجنته السلطات المصرية وقامت بترحيله العام 1977 إثر زيارة الرئيس المصرى الراحل محمد أنور السادات لإسرائيل وظل ممنوعاً من العودة لمدة 17 عاماً. وكان أول ديوان نشره بعد «طرده» من مصر هو ديوانه الأكثر شهرة قصائد الرصيف 1980.

حصل مريد البرغوثى على جائزة فلسطين فى الشعر العام 2000. وفى كلمته التى ألقاها باسم الفائزين فى كل فروعها يوم استلام الجائزة فى قصر الثقافة برام الله انتقد السلطة الفلسطينية -بحضور قياداتها فى القاعة-على المعلن والمضمر من خياراتها السياسية وكرر ما هو معروف عنه من تشبثه بالدور الانتقادى للمثقف باستقلالية الإبداع. ترجمت أشعاره إلى عدة لغات وحاز كتابه النثرى رأيت رام الله - دار الهلال (1997) على جائزة نجيب محفوظ للآداب فور ظهوره وصدر حتى الآن فى 6 طبعات عربية. وصدر باللغة الإنجليزية بترجمة لأهداف سويف، ومقدمة لإدوارد سعيدفى ثلاث طبعات عن دار النشر بالجامعة الأمريكية فى القاهرة ثم عن دار راندوم هاوس فى نيويورك ثم عن دار بلومزبرى فى لندن. ثم ترجم إلى لغات عديدة.

شارك مريد البرغوثى فى عدد كبير من اللقاءات الشعرية ومعارض الكتاب الكبرى فى العالم. وقدم محاضرات عن الشعر الفلسطينى والعربى فى جامعات القاهرة وفاس وأكسفورد ومانشستر وأوسلو ومدريد وغيرها. وتم اختياره رئيساً للجنة التحكيم لجائزة الرواية العربية لعام 2015

اهتم البرغوثى فى قصائده بالمشترك الإنسانى مما يجعل شعره بالغ التأثير فى قارئه أياً كانت جنسيته، وهو يكتب بلغة حسِّية مادية ملموسة ويعمل على ما يسميه تبريد اللغة أى ابعادها عن البطولية والطنين. وتخلو قصيدته من التهويمات والهذيان وهذا ما ساهم فى توسيع دائرة قرائه فى العالم.