الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الفنان العالمى رمزى يسى فى حوار لـ«روزاليوسف»: انطلقت من مسرح الأوبرا القديمة ثم بدأت مسيرتى نحو العالمية

حالة من العشق والوله يعيشها الفنان العالمى عازف البيانو المصرى رمزى يسى مع آلته المفضلة «البيانو».. يعزف يسى بأنامله على البيانو، وكأنه هم برقصة «فالس» ممتعة مع حبيبته على المسرح، حلم قصير يحلق به مع جمهوره، فى حفلاته على خشبة مسرح دار الأوبرا، قدم السبت الماضى مع المايسترو أحمد الصعيدى إحدى مقطوعات شوبان المحبب إلى قلبه، يعتبر يسى أحد أهم عازفى البيانو بالعالم، يعيش حاليا فى فرنسا ويأتى إلى مصر فى زيارات خاطفة يسعد بها جمهوره، وفى آخر زياراته السريعة  كان له معنا هذا الحوار:



■ ذكرت أنك من أب وأم من صعيد مصر عادة قد لا يهتم أهالى الصعيد بالموسيقى كيف كان تشجيع عائلتك لهذا النوع من الفن؟

على العكس نشأت فى بيئة موسيقية، والدى ووالدتى شجعانى لدخول هذا المجال، كان حظى جيدا لأن أهلى يحبون الموسيقى ومشجعين للفن، لم يكن معتادا أن يحفز الأهل الابن على وجه التحديد لاحتراف هذا الفن، والدتى ولدت فى قنا وخالتها كانت تلعب البيانو فى زمن مضى، للأسف هناك دائما صورة ذهنية سيئة عن الصعيد والتى كانت تصدر دائما فى التنكيت عليهم، فى حين أن الصعيد أخرج الكثير من المبدعين.

■ من بداية الدراسة ثم الاحتراف كيف بدأت الرحلة؟

عندما بدأت كانوا يطلقون علىَّ لقب العازف الشاب رمزى يسى، واليوم أصبحت العب فى الأوركسترا وجميعهم أصغر منى سنا مشوار طويل، أتذكر أول حفل قدمته مع أوركسترا القاهرة السيمفونى كان فى دار الأوبرا القديمة كان لا يعرفنى أحد، أتذكر تاريخها جدا كانت يوم 19 يناير 1963، كان حفلا عاما بتذاكر، فى فترة الدكتور ثروت عكاشة وقت الاهتمام بالفن والثقافة كان هناك بعض من الجمهور القديم الذى لايزال يحب الموسيقى الكلاسيكية، والإيطاليين فى مصر، كان الحفل يقدم يوم السبت أيضا فى برنامج الأوبرا، البروفة كانت الجمعة وكأنها حفلا كاملا، كان سعرها للطلبة «شلن» وهو سعر موحد وقتها، بينما السعر الرسمى للجمهور المقتدر 25 قرشا!، وفى الحالتين يكون المسرح ممتلئ عن آخره،  وفى الثمانينيات فى مسرح الجمهورية اذكر ان الحفلات كانت تعاد مرتين بسبب الزحام الجماهيرى.

■ هل ترى أن الجمهور اليوم لديه نفس الشغف لمتابعة الموسيقى الكلاسيكية كما كان فى زمن مضى؟

عندما حدث الظهور القوى للتليفزيون والقنوات الفضائية، أصبحت الأشياء أسهل وأخذت طابعا تجاريا لكسب المزيد من الأموال وبالتالى أخذت الأضواء بشكل أكبر، هذه الظاهرة اجتاحت أوروبا ايضا، وليست مصر وحدها، من يقدم هذا الفن لم يحصل على حظه الكافى من الدعاية، هناك جزء كبير من أن الدعاية للموسيقى الكلاسيكية ضعيفة بالتأكيد.

■ لكن هناك رواج لفن الأوبرا والموسيقى الكلاسيك فى أوروبا؟

حسب الدول ماذا صنعت بهذا الفن حتى تشجعه ثم تصل به لهذا المستوى من الاهتمام، فى روسيا واليابان والصين، اتذكر اننى عزفت الموسيقى هناك أيام بناء الأوبرا فى مصر، وقتها لم يكن هناك اهتمام بهذا الفن فى اليابان، بينما اليوم هى جزء من القوى الناعمة فى بلد بحجم الصين، تعاملت مع الموضوع بجدية شديدة، زرت الكونسيرفتوار للعاصمة بكين كل فصل يحتوى على 2 بيانو من الماركة الثمينة التى نعمل عليها بمسارح الأوبرا الكبري، يعلمون الشباب مدى أهمية هذا النوع من الفنون.

■ ذكرت من قبل أنك تحرص على قراءة النص الموسيقى هل النص الموسيقى له أبعاد مثل النص الدرامى أو المسرحى؟

بالتأكيد له أبعاد، الموسيقى لغة تعبير، لغة لها قواعد، مثل الشخص الذى يتحدث اللغة العربية، ويستطيع ضبط تشكيل الكلام والحروف، ونستطيع التمييز بين من يضبط النطق نحويا وبين من لا يمتلك هذه الملكة، من الممكن أن اتحدث العربية وتشكيلى يكون خطأ، أو لست دقيقا فى اختيار كلماتي، هذا بالضبط ما يحدث مع الموسيقى، من الممكن تقييم رصيد كل منا ثقافته وتعلميه من طريقة تشكيل الكلمات وطريقة استعماله للقواعد ومفردات اللغة.

■ كيف يتم تحقيق ذلك فى الموسيقى؟

يتحقق فى الموسيقى على سبيل المثال إذا اردت عزف مقطوعة منذ 100 عام أو مائتى عام لأحد المؤلفين الكبار، المؤلف كتب العمل، وهو فى الواقع كتب رموز على النوتة، بينما مؤلف المسرح يكتب كلمات عندما تقرأين مسرحية لكاتب مصرى أو غير مصرى من الممكن فهمها دون عرضها على خشبة المسرح، لست فى حاجة إلى وسيط لترجمة ما كتبه المؤلف، بينما اذا قرأتى نوتة موسيقية من الصعب فهمها بسهولة حتى من درس الموسيقى لن يسمعها، الموسيقى بتركيبتها تحتاج إلى شخص وسيط يقوم بفعل شيء لتوصيلها عن طريق عزفها.

■ هل دور العازف يأتى من إحساسه بترجمة النص الموسيقى؟

يأتى من خلال الإحساس، وكذلك الدراسة والنضج، لأن السن يفرق، عندما أعزف وعمرى فى الخامسة عشرة، قد أقدم أشياء بالفطرة لكن لن أمتلك خبرة فى الحياة مثل من كان عمره أربعين أو ستين وفوق الستين.

■ هل هذا يعنى أن عزفك لـ«شوبان» اليوم اختلف عن زمن مضى؟

بالطبع، العمق والبعد الشخصى يختلف، عندما ترين شابا يكون لديه حماس الشباب والرغبة فى تغيير العالم، بينما نفس الشاب بعد 20 سنة  يصبح أنضج وأرسخ، أولوياته ستكون مختلفة، اهتماماته نظرته للحياة والموسيقى تغيرت عن سن الشباب الذى عادة ما يرى الجانب البراق فى الموسيقى.

■ ما الذى يفرق عازف بيانو عن الآخر فى ترجمته للنص وإحساسه به؟ 

إمكانياته التكنيكية.. هناك أشياء صعبة ليس من السهل أن يهم موسيقى بعزف مقطوعة بشكل مفاجىء دون تدريب مسبق.

■ هل تكنيك اللعب على البيانو صعب؟

لا أحب كلمة صعب لكنه يحتاج إلى انضباط، عازف البيانو من الممكن أن نشبهه بلاعب كرة القدم أو لاعب التنس بالإضافة إلى أنه فنان، لكن لابد أن تكون لديه لياقة، هناك كمية كبيرة من النوت التى نلعبها وبعض الأشياء ليست سهلة فى لعبها معا دفعة واحدة، من الصعب أن يتم لعب كل هذه النوت دون الوقوع فى الخطأ أوإخراجها بشكل منضبط، هذا يحتاج إلى نوع من اللياقة لابد أن يعمل يوميا، مثل الطبيب الذى لابد أن يذهب لعيادته، هو اعتاد على التدريب بشكل مستمر.

■ كيف تحرص على إخراج العزف من البيانو بهذا النقاء الصوتى الشديد هل انت المسئول عن خروج الصوت بكل هذا النقاء؟

هذا الصوت طبيعى ليس له علاقة بأجهزة الصوت، الميكروفونات توضع للتسجيل فقط، هذا هو صميم البيانو، وهذا ما نعمل عليه ونتعلمه هناك جزء طبيعى من الآلة نفسها، الناس لا تقدر أن الموسيقى لغة ولغة واضحة إذا جئت بشخص وجلس فى صالة وهو ليس له علاقة بالموسيقى ليس لديه رصيد معرفة موسيقية كبير، إذا مر عليه مجموعة من العازفين جميعهم يلعبون نفس الآلة، هناك شخص سيفضله عن زملائه، ليس بالضرورة أن يفهم كل شخص الموسيقى حتى يشعر بها، رغم انه غير متخصص لكن الشيء الجيد يظهر نفسه دون أن يتعمق المستمع فى تفاصيله.

■ ما الفرق بين العزف الحى وسماع نفس المقطوعة من إسطوانة جيدة الصنع؟

الفرق بين الحفل والإسطوانة مثل الفرق بين الأكل داخل المطعم و»التيك اوى»، الأسطوانة ليست سيئة هذه ليست إساءة، لكن المطعم الذى سيأتى بالطعام طازجا وهو معد خصيصا للوقت الحالى وأجواء الأكل داخله تكون مختلفة تماما، وليس هناك من يقطع تركيزه للحصول على وجبته داخل المطعم، مثل الحفل يأتى الجمهور الأوبرا فى الساعة الثامنة مساء وحتى العاشرة والنصف، يمنحنا من عمره ساعتين حتى يستمع إلى الحفل، التسجيل والكاست والإسطوانة المستمع يكون محترم الحالة فى وقتها لكن إذا تسبب أى حادث طارىء فى انقطاع استماعه مثل جرس الباب سيترك الإسطوانة وينشغل بأى شىء آخر عنها، الوضع مختلف تماما بين الموسيقى الحية والموسيقى المسجلة مثل الأكل الطازج والمعلبات.

■ هل تزعجك المقارنة مع عمر خيرت؟

دائما الناس تضعنا فى مقارنة معا لأننا نلعب نفس الآلة، عمر خيرت صديق عزيز وقدمنا حفلا معا منذ عامين، عزفت فقرة وعزف معى فى نفس الحفل، لكن هو مؤلف وهو يلعب مؤلفاته، وموسيقى افلامه لكننى لست مؤلفا، أنا عازف اعزف موسيقى جاءت من منطقة أخرى، أعتقد المقارنة ليست فى محلها، وإذا كنت احترفت عزف البيانو اليوم بفضل عمه أبو بكر خيرت هذا بلا جدال، كان عميدا لمعهد الكونسيرفتوار،  ونصح أهلى بضرورة دخولى المعهد وتعهد بأنه سيتبناني، لكن لسوء حظى أصيب الرجل بسكتة قلبية وتوفى سريعا، حزنت عليه حزنا شديدا لأننى كنت مرتبطا به للغاية، كانت صدمة قوية، وبكيت عليه بكاء حارا، كان بالنسبة لى المثال والنموذج الذى كنت سأسند عليه داخل المعهد.

■ لماذا اكتفيت بالعزف ولم تتجه إلى التأليف الموسيقى؟

بحكم احترافى للعزف عادة أمسك الأعمال التى اقوم بعزفها، وأقوم بتحليلها ودراستها، كيف تمت كتابتها، طبيعى اتعلم كيف تم بناء وكتابة النص الموسيقي، وبالتالى من الممكن أن أكتب طالما استطعت تحليل النص ومن الممكن أن أكتب اعمالا قوية البناء، لكن فى الوقت نفسه أجد أن المسألة نوع من الموهبة، المؤلف لا يؤلف لأنه عارف يألف لكنه يكتب لأنه لابد أن يألف، أعتقد أن هذا فى كل المجالات مثل الكاتب الذى يحب الكتابة، القلم هو الميكروفون الذى يتحدث فيه، والبيانو هو ميكروفونى.

■ ماذا تعنى بقدرة العازف على تحليل النص الموسيقى هل هناك معان للمقطوعات الموسيقية؟

لا تحمل معانى، لكنها تعبر عن احاسيس المؤلف الذى كتبها، وتصل إلى احاسيس المستمع الذى يسمعها، لكن صعب أن نحدد موقفا او شكلا للمقطوعة الموسيقية، الموسيقى لغة يتم تحليل اللحن مثلا اللحن مكون من جزءين، الجزء الأول والثانى، ثم تتم إعادته باختلاف معين ثم يحدث له تطوير، أو يتم تركيبه بشكل مختلف، مثل مهندس معمارى قام بتشييد مبنى فخم، هناك ارتباط بين الأشياء يكون الشكل النهائى للمبنى، جعلت الناظر إليه يراه فخما، دائما هناك علاقة تربط أجزاء هذا المبنى جعلته يبدو بهذا الشكل الرائع ليس مجرد طوب واسمنت مسلح.

■ ما أكثر المؤلفات التى تحب تكرار عزفها؟

«شوبان» جدا ولا أعلم السبب عندما ادرس موسيقاه وأعزفها اشعر أن لدىَّ تصوراً للعب الموسيقى الخاصة به، بعض المؤلفين قد يتطلب منى بحثا حتى أفهمه، أبحث عن معنى، لأن العازف هو الذى يدافع عن هذا العمل، لابد أن تكون لدىَّ وجهة نظر فى العمل الذى أعزفه، كلما كنت متمكنا كلما استطعت إقناع الجمهور بالعمل،  مثل لاعب الكرة لو متمكن ومتدرب بشكل جيد جدا، كل تكنيك الكرة الذى تعلمه يجعله قادرا على تحقيق أهداف بسهولة، المسألة لا تقتصر على مجرد قدرته على الجرى السريع أو وضع الكرة بالشبكة، هناك أشياء عديدة، محمد صلاح لديه عقل وراء كل ما يفعله ليس مجرد مهارة فى الجرى لتحقيق الهدف.

■ العلاقة بين قائد الأوركسترا والعازف هذه العلاقة الدقيقة ما التفاصيل التى تجمع العازف بقائد الأوركسترا؟

العملية بسيطة من كتب عمل كتبه على بعضه للبيانو والأوركسترا، انا سوف العب البيانو والأوركسترا يلعب الجزء الخاص به فى النهاية نحن جميعا نعزف عملا واحدا حتى يخرج بشكل جيد لابد ان نكون متفقين على الدخول والخروج، والمكتوب للبيانو احيانا ليس ما كتب له ذو اهمية اولى، لابد أن يكون هناك اتفاق على الخطوط العامة مثل أى فريق عمل، وقد يحدث ارتجال اثناء الحفل.

■ لماذا قد تفضل العمل مع قائد عن الآخر؟

لأننا نكون متفقين فى القراءة للنص الموسيقي، نسير فى نفس الطريق ربما مايسترو أو عازف بيانو قد يتمسك برأيه، هذا غير مطلوب،لابد أن يحدث أتفاق دون صراع داخلى بين المايسترو والعازف، حتى ولو كانا مختلفين هما فى النهاية يقدمان عملا واحدا، صعب يكون الاثنان فى اتجاهين مختلفين لابد من وجود اتفاق نوع من الوفاق حول الموضوع وليس مجرد وفاق شخصي، وأحيانا آخرين قد لا ارتاح معهم لأنه على المستوى الإنسانى قد لا يحب أسلوبى.

■ ماذا عن جولاتك فى أوروبا؟

عزفت فى قاعات كبرى ببلاد عديدة، أكبر قاعات فى فرنسا وانجلترا فيينا، روسيا ايام الاتحاد السوفيتى لأننى من جيله عندما ولدت درست فيه، عاصرته حتى نهايته دول الاتحاد السوفيتى كانت 15 دولة عزفت فى 10 دول منها.

■ لماذا لا تتكرر زياراتك إلى مصر كثيرا؟

فى السنوات الأخيرة عدد الحفلات لم يزد على ثلاث او اربع حفلات فى السنة، مصر وضع خاص، لأننى فى مصر اسمى معروف، لكن ليس هناك أماكن كافية للعب فيها القاعات الجيدة مثل دار الأوبرا التى تمتلك بيانو جيدا تعد على أصابع اليد الواحدة للأسف، وبالتالى يكون من الصعب الحصول على أماكن كثيرة لأنه لابد أن أختار البيانو الجيد حتى يخرج العزف جيدا.

■ ماذا تعنى بالبيانو الجيد؟

أن تكون حالته جيدة، من الممكن أن تشبهيننى ببطل سباق سيارات لابد أن تكون سيارة متقنة الصنع، إذا كانت السيارة سيئة الصنع ستنقلب بسائقها، البيانو الكبير الموجود بالأوبرا موديل قدمت على مثله حوالى 500 حفل، ثمنه مرتفع للغاية حاليا وصل سعره الجديد فى أوروبا إلى 180 ألف يورو.

■ لماذا لم تفكر فى عزف مقطوعات شرقية حتى اليوم؟

 فى الحقيقة لم يحدث أن عزفت شرقى من قبل، ولم أشعر بالسعادة بنفى ذلك، أعتقد السبب يرجع إلى ظروف دراستى وظروف سفرى، عزفت مؤلفات لموسيقيين كتبوا نوع الموسيقى التى اعزفها، لكن بالطبع ليس هناك ما يمنع من القيام بذلك مستقبلا.