الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إسبانيا بؤرة رئيسية للحركات الجهادية فى أوروبا

السلفية فى إسبانيا.. أوهام تحرير الأندلس

ترجمة: سعيــد شعيــب



إسبانيا ليست الاستثناء الأوروبى فيما يخص ظهور الجماعات السلفية والإسلامية المتطرفة وتبلورها، بل ربما هى القاعدة وإحدى البؤر الرئيسية للحركات الجهادية فى أوروبا، التى تتحدث جميعها عن إسبانيا بنوع من الحنين والرومانسية، وبشكل خاص عن أندلس القرون الوسطى التى حكمها المسلمون فى الماضي، والتى تستوجب الجهاد لاسترجاعها بأى وسيلة ممكنة.

فى صيف عام 2014، نشر «داعش» مقطع فيديو قصيراً يظهر فيه أحد مقاتليه برفقة إسباني، وهو يقول: “إننا فى طريقنا للموت من أجل تحرير جميع أراضينا المحتلة، من جاكرتا إلى الأندلس”، وأضاف: “إسبانيا هى أرض آبائنا وأجدادنا، ونحن فى طريقنا لتحريرها بإذن الله».

لم تقتصر التهديدات التى تلقتها وما زالت تتلقاها إسبانيا على «داعش»، إذ وجّه «تنظيم القاعدة» على لسان أيمن الظواهرى الكثير منها فى أوقات مختلفة، ما دفع الأجهزة الأمنية إلى فرض رقابة دائمة على نشاطات الجاليات الجزائرية والمغربية والباكستانية وتحركاتها، وعلى أبناء الجيل الثانى والثالث كونهم يمثلون النموذج الأمثل لتبنى أفكار هذه التنظيمات المتشددة وطروحاتها، وفق ما ذكرته صحيفة «الباييس» الإسبانية.

 كشف تقرير أمنى أن «التهديد الرئيسى للأمن الإسبانى مصدره تزايد أعداد المتعاطفين مع التنظيمات الإسلامية المتشددة»، لافتاً إلى أن «57 فى المئة من الذين تم اعتقالهم عام 2017 للاشتباه بانتمائهم إلى هذه التنظيمات، هم من أصول مغربية». وكان تقرير أعده المرصد الدولى الإسبانى للدراسات حول الارهاب، أوضح أن «المغاربة يتصدرون قائمة المعتقلين بتهم تمجيد الإرهاب (15 فى المئة)، يليهم الجزائريون (4 فى المئة)، ثم المصريون (3 فى المئة)»، مشيراً إلى أن 80 فى المئة من المحتجزين هم من الشباب وبينهم 6 نساء، وتتراوح أعمار هؤلاء الإسلاميين بين 15 و52 سنة.

فى إسبانيا ما يقارب 1260 مركزاً إسلامياً، وتشير التقارير الأمنية الإسبانية الأخيرة إلى ازدياد ملحوظ فى أعداد المهاجرين المسلمين إلى إقليم كتالونيا، وخصوصاً منطقة تاراغونا التى تحوى عدداً كبيراً من الجاليات المسلمة، ولاحظت أيضاً تزايداً ملحوظاً فى نشر الأفكار المتشددة وعدد معتنقيها، خصوصاً فى أماكن بيع اللحوم الحلال والمتاجر التى تديرها الجاليات المسلمة وخصوصاً المراهقون والفتيان الذين يواجهون صعوبات فى الاندماج والانخراط فى المجتمع الإسباني، ويعانون من مشكلات حياتية معقدة، وهو ما يسهل عملية التجنيد وغرس الأفكار المتطرفة.

  وبحسب الخبير فى مجال مكافحة الإرهاب فى «جامعة كومبلوتينز» فى مدريد ميكيل بويزا، فإن “التهديد الجهادى ارتفع منسوبه منذ عام 2016، عندما أدرجت مواقع إسلامية إلكترونية، الأندلس كهدف، وهوالاسم الذى عرفت به الأراضى الإسبانية التى حكمها المسلمون حتى عام 1492. ويبلغ عدد السكان المسلمين حوالى مليونى نسمة (4 فى المئة)، من أصل 47 مليوناً، يشكلون العدد الاجمالى للسكان فى إسبانيا. ويفيد تقرير صادر عن معهد أبحاث «ريال انستيتيوت إلكانو»، بأن «عدد الشباب الذى غادروا البلاد للالتحاق بالجماعات الإرهابية مثل تنظيمى داعش والقاعدة فى سوريا والعراق، يصل إلى 241 شخصاً». ووفق تقرير أعده المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات فإن «الاجهزة الأمنية الإسبانية تواجه مصاعب جدية فى تتبع العناصر المتطرفة، لا سيما مع بروز اتجاه لتجنيد الشباب فى المنازل الخاصة والأماكن الصناعية، بعيداً من المساجد التى تقع تحت الرصد الأمنى المباشر».

 توصّل تقرير أمنى نشرت مقتطفات منه صحيفة «أنا تيراديوس» الإسبانية على موقعها الإلكتروني، إلى أن «نسبة السلفيين الجهاديين ارتفعت بشكل صارخ فى مناطق معينة فى إسبانيا منها (كتالونيا، تاراجونا، لا ريوخا، أراجون، نافارا، وإقليم الباسك)، وهى مدن تمثل مراكز للمهاجرين المغاربة». ووفقاً للتقرير فإن «هؤلاء السلفيين يتبعون أساليب خاصة بهم إذ يندسون ضمن المجتمعات المسلمة وينتمون للجمعيات الثقافية الإسلامية، بغية السيطرة عليها وعلى المساجد المرتبطة بها، يساعدهم فى تحقيق ذلك خطباء هذه المساجد.

وأشار التقرير إلى أن مدينتى سبتة ومليلية تحولتا إلى بؤرة كبيرة للجماعات السلفية الإرهابية، التى تتولى الآن الإشراف على مسجدين فى سبتة، وتحاول من حين إلى آخر طرد كل إمام يتبع الإسلام المعتدل».

ومن بين هذه الحركات السلفية الجهادية التى تمثل خطراً كبيراً على إسبانيا، نذكر على سبيل المثال «تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى»، «حركة الشباب»، «بوكوحرام» وحركة (MSJ)”.

بدأ أول نشاط للجمعيات الإسلامية فى إسبانيا عام 1967 مع صدور قانون الحرية الدينية للجمعيات الدينية غير الكاثوليكية، ما أتاح ترخيص الجمعية الإسلامية فى مليلة والرابطة الإسلامية فى سبتة، عام 1968.  وعام 1871، تم تسجيل جمعية المسلمين فى العاصمة مدريد التى تولى إدارتها رياى تتارى بكري، وهو سورى يدرس الطب ولديه روابط تنظيمية مع الإخوان المسلمين، إضافة إلى نزار أحمد الصباغ الذى هرب من النظام البعثى فى سوريا واستقر فى غرناطة عام 1968، وله أيضاً علاقات وثيقة مع والجمعية العالمية للشباب الإسلامي، ما وفر له إمكان الحصول على تمويلات مالية كبيرة. وحصل أيضاً على الدعم لإطلاق شركة للنشر، The Islamic House، التى قامت بإصدار كتب الإسلام وأدباته ونشرها باللغة الإسبانية، وترجمت كتب حسن البنا وسيد قطب وابى العلاء المودودي. وتنشط فى حى الرابال جمعية «النور» الإسلامية التى تتبع اتحاد الجمعيات الإسلامية فى إسبانيا، ورصد تقرير لمركز «راند كوربوريشن» الأمريكي، صدر عام 2007، وجود علاقة تنظيمية وثيقة بين المركز وحركة الاخوان المسلمين السورية».

 تزدحم السجون الإسبانية بعدد كبير من السجناء من جنسيات عربية وإسلامية، بتهم الإرهاب أو الانتماء لجماعات ارهابية. ووفقاً لتقرير لوزارة الداخلية نشرته وكالة الانباء الألمانية «دويتشه فيلله»، 55 فى المئة من السجناء هناك، محتجزون أو محكومون بارتكاب أعمال إرهابية. ونبه تقرير صادر عن معهد ( إلكانو) الملكى إلى أن “ثلثى المتهمين بارتكاب جرائم إرهابية ممن تم اعتقالهم فى الفترة 1996- 2013 هم من كتالونيا، على رغم أن المدينة تشكل 15 فى المئة فقط من العدد الكلى للسكان.

فى كتابها «الإسلام فى إسبانيا: قصة عدد من التيارات»، الصادر عن «مركز حوران للدراسات المعاصرة»، فى الدوحة، تقول الباحثة آنا بلين سواج: «كان المتحولون إلى الإسلام أوالعائدون إلى دينهم، يزدادون كثيراً فى ذلك الوقت، وابتداء من منتصف السبعينات، شهدت منطقة الأندلس الجنوبية ظهور مجتمع محلى. وأضافت: «دخل كثيرون الإسلام من خلال الصوفية بإشراف المتحول الاسكتلندى المرشد إيان دالاس المعروف باسم عبد القادر الصوفى، الذى أسس حركة مرابطون العالمية. وتراوح عدد المتحولين بحسب التقديرات بين 5 آلاف و20 ألفاً، فيما أشارت تقديرات أخرى إلى أنهم وصلوا إلى 50 ألفاً، لعبوا دوراً بارزاً فى المجتمع الإسلامى».

لفت الهجوم الثانى فى إسبانيا فى ساحة (لاس رامبلاس) فى آب/ أغسطس عام 2017 الانتباه إلى وجود الجماعات السلفية فى البلاد، لا سيما فى كتالونيا وفالينيسيا المجاورة، التى هى مركز تجمع الجزائريين ووصل كثر منهم فى التسعينات فراراً من الحرب الأهلية بين النظام والجبهة السلفية للدعوة الإسلامية. 

تضم الحركة السلفية تيارات مختلفة، وأكبرها جماعة «التبليغ» وجمعية التوعية، وهى حركة «أممية» تأسست فى شبه القارة الهندية فى عشرينات القرن الماضي، وهى موجودة الن فى أكثر من 100 بلد حول العالم. وفى أوروبا لها أنصار وهيئات كثيرة ناشطة، وخصوصاً فى بريطانيا. ومقرها الأوروبى الرئيسى فى Dewsbury، غرب يوركشاير- وكذلك فى فرنسا وبلجيكا هولندا.

وكانت الحركة وصلت إلى إسبانيا فى منتصف الثمانينات وتتمتع بحضور كبير فى كل البلاد، وبخاصة فى كتالونيا وفى سبتة، وعناصرها وأعضاؤها معظمهم من المهاجرين الباكستانيين، الذين يقيم جزء كبير منهم فى برشلونة، ولها حضور بين المغاربة والإسبان المتحولين إلى الإسلام. وتقوم جماعة التبليغ بنشر عقيدتها التى تدعوإلى العنف، ورفض القيم الديمقراطية والليبرالية.

كتالونيا حاضنة الجهاد العالمي

«حالة الخطر واضحة جداً فى كتالونيا». بهذه العبارة وصف تقرير لوزارة الخارجية الامريكية عام 2010 الخطر والتهديد الكامن للجماعات السلفية والجهادية فى كتالونيا، التى تعتبر «ملتقى لتحركات ونشاطات مثيرة للقلق»، بحسب ما ورد فى موقع «ويكيليكس». يتجمع فى هذا الإقليم عدد ضخم من المهاجرين المسلمين الذين لا يخفى قسم منهم توقه للانخراط فى العمل الجهادى المسلح. وتحول الإقليم إثر تدفق المهاجرين من شمال أفريقيا وباكستان وبنجلاديش حوله إلى «مغناطيس للتجنيد الجهادى». ولكتالونيا تاريخ طويل مع النشاط السلفى والجهادي. وكان محمد عطا الذى اختطف طائرة الركاب ليصدمها بأحد برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك عام 2001، أمضى فترة فى كتالونيا قبل تنفيذ الهجوم الإرهابى.

يبلغ عدد الجالية المسلمة فى كتالونيا نحونصف مليون نسمة، وهى تنقسم إلى مجموعتين كبيرتين: الأولى المغاربة والثانية هم الإسبان المتحولون للإسلام، وينتمى إلى المجموعة الأولى مسلمون من الباكستان وغامبيا والجزائر والسنغال. ومن هؤلاء، ظهرت تيارات متشددة وعنفية تنجذب إلى الحركات الجهادية. ويتجمع هؤلاء فى مسجدى ريوس وليريدا، ومقر اتحاد التعاون الإسلامى والمسجد التابع له، ابن حزم، وكذلك جمعية الهلال الثقافية، التى تنشط بشكل مكثف فى بلدة خيرونا، التى تعتبر واحدة من التجمعات الكبرى للمهاجرين فى الإقليم. وفى كتالونيا أكثر من 800 مسجد ودار صلاة، غير مرخصة ما يجعلها غير قانونية. وبرأى مدير مركز الدراسات الأمنية الدولية فى معهد الخدمات فى لندن رافايللوبانتوشى «عندما تنظر الجماعات الإسلامية المتشددة إلى أوروبا، فإنها لطالما عدت إسبانيا جزءاً من الخلافة العالمية التى فقدتها فى الماضي، وهذا يساعدها فى جذب الشباب عبر خطاب الكراهية وحرف مشاعرهم ضد وطنهم الأم».

حى الرابال فى كتالونيا يبرز كأحد أكبر الحواضن الإرهابية فى إسبانيا، وهويمثل برأى الباحثين فى الشأن الإرهابى «الغيتو» الأخطر للإرهاب، لأنه يحتضن الجماعات الجهادية والمتطرّفة، وذلك على رغم التنوّع البشرى الكبير الذى تتمتّع به برشلونة، لكونها منطقة جذب سياحي. ويظل هذا الحى أحد المعاقل الأساسية للجهاديين كونه لا يبعد إلا بمسافة قصيرة من الرامبلاس، المنطقة الرئيسية فى برشلونة التى تعد بمثابة شريان المدينة السياحية. وبحسب رئيس وحدة التحليل فى الشرطة الإسبانية الوطنية رافائيل خيمينيس، هناك شبه كبير بين الرابال وبين غتيوالمهاجرين فى بروكسيل (مولنبيك)، الذى أنتج وما يزال التطرف والعنف فى أوروبا. تحول الرابال إلى مرتع ليس للجهاديين والمتشددين الآتين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحسب، إنما أيضاً بؤرة للدعارة والاتجار بالمخدرات والسلاح. وقالت كارولا غارسيا إن «2 فى المئة من الجهاديين الذين تم اعتقالهم جاؤوا من برشلونة». 

دولة الإسلام فى كتالونيا

هناك صراع أزلى ما بين كتالونيا وأسبانيا حول الانفصال – وتأرجحت العلاقة ما بين الاثنين ما بين السكوت على مضض من قبل كتالونيا وقبول التابعية لأسبانيا مع وجود شيء من الحكم الذاتى وما بين المطالبة الصريحة بالاستقلال

كتالونيا منطقة ثرية جدا ولها اقتصاد قوى يعتمد على الصناعة والتجارة حيث أن برشلونة كانت دائما مركزا تجاريا مهما فى حوض البحر المتوسط. وتمثل صادرات كتالونيا ٣٠٪ من إجمالى صادرات أسبانيا. يطالب أهلها بالانفصال لأنهم يرون أن مواردهم الاقتصادية يتم استغلالها فى مقطاعات أخرى فى أسبانيا. 

ولكن انفصال كتالونيا سيكون له أبعاد أخرى إسلامية. يشكل المسلمون ٦٪ من سكان كتالونيا (٤٥ ألف) – وفى بعض المدن التى يتركزون فيها قد تصل نسبتهم إلى ٤٠٪. لوانفصلت كتالونيا عن أسبانيا، ستحتل المركز الثالث من حيث نسبة المسلمين فى أوروبا الغربية (بعد فرنسا وبلغاريا)

السبب فى ارتفاع هذه النسبة هو الهجرات القادمة من المغرب وتونس والجزائر، وأيضا من باكستان وبنجلادش. نسبة كبيرة من المسلمين ذكور غير متزوجين وبلا عمل، ولا يتكلمون لغة البلد، ولا يمتلكون وثائق رسمية. رفض كتالونيا الاندماج مع أسبانيا وإصرارها على الانفراد جعلها منطقة جذابة جدا للإسلام الأصولى.

عن Daraj