الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بريد روزا

قرارات لا تدعم أصحابها

 كل التحية والتقدير لبريد روزا وبعد..



أنا محاسب فى أواخر العقد الثالث من العمر أعيش بالريف وأنتمى لأسرة ميسورة الحال لكنها بسيطة، والدى رحمه الله كان عاملًا بمدرسة - ليس لحاجته المادية بل لأنه لا يعترف بأن ميراث الأرض الزراعية التى ورثها ويعمل بها هى ما يجب أن تكون عمله الوحيد، خصوصا أنه أجاد مهنة والده وهى النجارة، أما والدتى فكانت سيدة حكيمة تمتلك الكثير من الخبرات بما يدفعها للنجاح مع زوجها واحتواء قوة شخصيته أو جبروته غير المبرر أحيانا، تدعم أبناءها بالنصح، تفهم طموحاتهم وتشجعهم، هذا ما انعكس على شقيقتى الوحيدة فتفوقت وأصبحت صيدلانية، وأنا أيضًا لا أنكر أن نجاحى فى عملى بفضل أمي، فقط كنت أتمنى أن تعيش حتى نتزوج وتفرح بنا لكنها غادرت حياتنا وتركتنا قبل والدى بخمسة أعوام، تلك الفترة كانت كفيلة بتغيير حياتنا جذريا بعد تحمل كلينا لأعباء مسئولياته دون مساندة معتادة وحانية من ست الحبايب، عندما وصلت لسن ٢٦ عاما وتوفيت والدتى رزقنى الله بوظيفتى الحالية كمحاسب بأحد البنوك فأدركت حينها أنه لا مهرب من الزواج بأسرع وقت لأجد إنسانة تملأ  ولو جزء صغير من الفراغ الذى تركته أعز الناس، كانت إحدى زميلاتى بالجامعة لم تتزوج بعد ولاتزال علاقة الإعجاب التى تحولت لحب بيننا تأجج مشاعرى تجاهها ولم يعد هناك ما ينقص تتويج تلك المشاعر إلا الزواج، خصوصا بعد التحاقى بسوق العمل إلى جانب أملاك والدى التى تفى بالغرض وأكثر،، أخبرته بأننى أريد الزواج من تلك الفتاة فوافق بتردد ثم رفض رفضًا قاطعًا بعد علمه بأن والدها أستاذ جامعي، علل ذلك بأننى يجب أن أتزوج بمن هى فى نفس مستواىَّ الاجتماعى حتى لا تتعالى علينا الرءوس يومًا، على الجانب الآخر وبنفس الثقة المهزوزة والإحساس بالدونية رفض والدى مهندسًا من المدينة تقدم لشقيقتى وزوجها بقريتنا من موظف بقطاع التعليم حاصلًا على مؤهل عالِ - لم يكن هو فتى أحلام أختى التى لاتزال تعانى معه حتى الآن، ومع الضغوط التى لا تحتمل وافقت أنا الآخر على الزواج من ابنة أحد المزارعين التى لا تمتلك إلا جمالًا فى الشكل لم يشفع لها عندى بعد جهلها وعدم استكمال دراستها، كل ما كان يشغلنى حينها هو إرضاء والدى فتزوجتها وأنجبت منها ثلاثة أبناء ذكور. لكن بعد عشرة مر عليها ١٣ عاما فى صدامات فكرية ومحاولات فاشلة من جهتى لمساعدتها فى تطوير قدراتها المعرفية – لم أعد أحتمل كل هذا الكم من الصراع وتقليلها من اهتماماتى فى الحياة وطموحاتى فيها، حتى أننى أفكر بقوة الآن فى الزواج من زميلة لى بالعمل مطلقة ولها ابن وحيد لكنها تختلف كليًا عن زوجتى التى تكره راحتى وكلما رأتنى أجلس بالبيت بعد عودتى من العمل تطلب منى البحث عن عمل آخر لتأمين مستقبل أولادنا، جادة بشكل لا يطاق ولا تعرف شيئا عن الرومانسية وحادة الطباع.. مشكلتى الحقيقية أستاذ أحمد أنها لن تتقبل بأى حال من الأحوال هذا الزواج لأنها تظن بأنها صاحبة رحلة كفاح معي، كذلك فإننى لا أعرف كيف يستقبل أبنائى هذا الخبر، وإذا طلبت أمهم الطلاق فماذا سيكون مصيرهم مع زوجة أب لن تحل محل والدتهم بكل تأكيد، فماذا أفعل!؟

إمضاء ر. ن

 

عزيزى ر. ن تحية طيبة وبعد …

يبدو لى من خلال مشكلتك أن تعدد أطراف الصراع الذى ذكرته ما بينك وبين أبيك رحمه الله تارة ومع زوجتك تارة أخري، كان سببه الرئيسى هو تفضيلك للهروب من ضغوط أى مواجهة عقلانية مع والدك لتقريب وجهات النظر والتأكيد بأن ترشيحه لتلك الفتاة التى أصبحت زوجتك ثم أم ابنائك لن يعود عليك بأى استقرار لوجود فوارق شاسعة بينكما. وهو ما حدث بالفعل وأدى بالتبعية إلى خلق جبهة جديدة من الصراع المتجدد معها، والحقيقة فإن اللوم والمسئولية الأكبر تلقى على عاتقك أنت، لأنك كتمت اعتراضك داخلك وعدم البوح به لأقرب الناس وهو والدك، معللا ذلك بخوفك من غضبة الأب وخسارة رضائه عنك، فى حين أن الله سبحانه وتعالى ميزك بالعلم وقوة الحجة والقدرة على التحليل، والدليل على ذلك هو قدرتك على وصف شخصيته وتفاصيل علاقته بالأسرة وتركيبته الاجتماعية، لذا كان يجب أن تحاول مرارًا وتكرارًا التمسك بأهدافك وتطلعاتك فى شريكة حياتك - بدلاً من الرضوخ الكامل والانصراف عن بذل أى مجهود إقناعى لإثبات أن الزمن تغير ومن حقك الارتباط بالإنسانة المناسبة من حيث الثقافة والميول والطموح فى التطور بكل أشكاله،، وعطفًا على ما سبق فإننى أنصحك بالبدء دون كلل أو ملل فى محاولة استمالتها مجددًا صوب هذا التغيير الذى تريد تحقيقه فى شخصيتها باستكمال تعليمها أو حتى تثقيفها شيئا فشيء،، وكى يحدث ذلك لابد أن تؤمن بأن المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، تحتاج فقط لصبر وإرادة فى ظل ما تعانيه زوجتك من ضعف ثقتها بنفسها، وربما تواضع قدراتها التحصيلية وهذا لا ذنب لها فيه لأن تلك القدرات كالرزق لا حيلة فيها، مما جعلها تُسقط هذا القصور الذاتى لديها عليك بتصدير الإحساس لك بأنك أنت المُقصر،  فدفعتك لمزيد من الصراعات الوهمية التى تلهيك عن الفوارق بينكما - أو التقليل من اهتماماتك وهواياتك وطرق استمتاعك بالحياة بعد عناء يوم عمل، ربما كل هذا الكم من الإسقاط بسبب شعورها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بأنك تضغط عليها نفسيًا من أجل محو تلك الفروق الفردية بطريقة مُذلة - وهذا سببٌ آخر لاتساع تلك الفجوة الاتصالية بينكما، وعليه فإن مهمتك الأولى أصبحت هى ضرورة احتوائها وكسب ثقتها فيك حتى تستطيع بث روح جديدة لعلاقتكما الفاترة. حاول أن تعدد الصفات الحسنة ونقاط القوة ومواطن الجمال فيها لإعادة ثقتها فى نفسها كى تقبل هى منك فرضيات تطويرها ودفعها للأمام، وإذا نجحت وأنا متأكد من بلوغ هذا الهدف حتى لو جزأيا، فعليك تقبل ما استطاعت إنجازه مهما كان قليلًا أو متواضعًا من وجهة نظرك، ولا تفكر فى الزواج من زميلتك المطلقة لأن هذا التوجه ما هو إلا هروب جديد سيوسع دائرة صراعاتك فى الحياة ولن يكون عائده إيجابيًا عليك أو على أبنائك، بل يجب التمسك بترابط أسرتك ولحمتها وتحقيق سعادتها بمزيد من الصبر والعطاء. 

دمت سعيدًا وموفقا دائما ر. ن