الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د.شوقى علام مفتى الجمهورية لـ«روزاليوسف»: من ظن خطأً غروب الشمس ودخول وقت الإفطار فأفطر.... فصومه صحيح

 مع بداية شهر رمضان تتحول أنظار المسلمين إلى العلماء واهل الفتوى ويتسابقون لمعرفة رأيهم فى قضايا الصوم ورمضان، ولا شك أن القائم على رأس دار الافتاء يعد من اهم العلماء الذين يبحث الناس عن رأيه، باعتباره الرأى الوسطى والصحيح المعبر عن دار الافتاء  كهيئة، والموضح لصحيح الدين... ولذلك كان لنا هذا الحوار مع بداية شهر رمضان مع فضيلة د. شوقى علام مفتى الجمهورية. 



■ بداية فضيلة المفتى ما المطلوب من المسلم مع بداية شهر رمضان؟ 

- شهر رمضان هو شهر القرآن، وشهر العبادة والذكر والصدقة، هو شهر الرحمة والمغفرة، وهو سيد الشهور كلها، اختصه الله تعالى بالخير العظيم فأكثر فيه من الغفران، فشهر رمضان هو فرصة عظيمة علينا ألا نفوتها بل نغتنمها ونستفيد منها، بالنسبة للعلم والعبادة والطاعة لله تعالى فى كل شئون حياتنا.

ونحن إذ نستقبل شهر الطاعات وشهر الرحمات وشهر المغفرة علينا أن نتأسى بمعلِّم البشرية كلِّها النبى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان يلقاه كل ليلة من رمضان، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة» وفى المسند: «ولا يُسأل شيئًا إلا أعطاه»، وقال الحسن البصري: «إن الله تعالى قد جعل رمضان مضمارًا لخلقه، يَسْتَبِقُون فيه بطاعته»، 

■ البعض قد يعتمد فى صومه على الأذان فى بعض الإذاعات، وقد يخطئ فى الإفطار، فما حكم صومه؟ 

- من كان صائما وظن غروب الشمس ودخول وقت الإفطار فأفطر ثم تبين له أن وقت الإفطار لم يدخل فصومه صحيح على قول من قال بهذا، وهم الظاهرية، وهو وجه عند الشافعية وقول عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية، مستدلين بأن الخطأ هنا كالنسيان لعموم قوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)، والنسيان لا يفسد به الصوم، فكذلك الخطأ.. ويتجه الأخذ بهذا القول عند عموم البلوى، والقاعدة الفقهية تقول: مَن ابتُلِى بشيءٍ مما اختلف فيه فليقلد مَن أجاز. 

■ وما الحكم فيما لو أفطر شخص أياما عديدة فى رمضان بسبب المرض وعدم استطاعته قضائها؟

- فى هذه الحالة يتم النظر إلى بعض الأمور واستبيان هل العجز عن الصوم هو عجز مستمر بشهادة الأطباء أم لا؟ وإن كان كذلك يقوم بإخراج طعام مسكين عن كل يوم، ويجوز إخراج الكفارة لأى مسكين مهما كانت درجة قرابته.

■ وهل يتم الاستعانة بمتخصصين فى بعض فتاوى الصوم؟

- نحن لا ننفصل أبدًا عن العلم لأنه توأم الدين ولا ينفصل عنه، ولا بد من الرجوع إلى أهل التخصص فى كافة المجالات، وهو ما فعلناه فى سؤال عن حكم صيام شهر رمضان فى ظل وباء كورونا؛ إذ اجتمعنا بالمتخصصين وقد أفادوا بأن الصيام مفيد ولا يضر فأصدرنا الفتوى قبل رمضان الماضى بناءً على استشارتهم.

■ وما رأيكم فى صحة القول بأن الشعب المصرى متدين بطبيعته؟

- عبارة «الشعب المصرى متدين بطبعه» هى عبارة كاشفة للبيئة والواقع الذى نعيش فيه، والإنسان المصرى ذو طبيعة خاصة ولا شك أن البيئة المحيطة تؤثر فيه حيث إن البيئة هى جملة من التقاليد الممزوجة والمتفقة مع مقررات الدين الإسلامي؛ ولذلك ترى مفردات كثيرة فى حياتنا تنبئ عن أن الإنسان المصرى هو إنسان يحمل طبيعة خاصة يعلو فيها جانب التدين.

وأفضل من عبر عن تلك القضية هو الدكتور جمال حمدان فى مؤلفات كثيرة لعل أبرزها الكتاب الذى تعرض فيه للشخصية المصرية حتى إنه تعرض للديانة المسيحية عندما جاءت الى مصر فقال إن هذه الديانة كأنها -من وجهة نظره- تقولبت وَفق الشخصية المصرية وأصبحنا نرى الإنسان المسيحى المصرى يختلف فى مفردات كثيرة جدًّا عن الإنسان المسيحى فى بلاد أخرى.

■ وبماذا تفسر سيادتكم كثرة الفتاوى التى تصدر عن دار الافتاء بحيث تتراوح ما بين 100 ألف فتوى و130 ألف فتوى شهريًّا للجمهور؟ 

- إن هذا لا يعنى مطلقًا وجود وسوسة عند الأغلب من الناس، ولا تعنى كذلك المبالغة فى اللجوء إلى الدين على حساب الحلول المفترضة الأخرى، لكن الردود والفتاوى تتعلق بجوانب شرعية غالبًا ما تشمل بيان الحكم الشرعى المطلوب بالإضافة إلى مراعاة العامل النفسى للمستفتين.

■ هناك من يرى ان هناك عدم إنصاف الفقهاء للمرأة بالمخالفة لأوامر القرآن والسنة فما رد فضيلتكم؟

- الفقهاء والعلماء المعتبرون أنصفوا المرأة امتثالًا وخضوعًا لأوامر الشرع الشريف، فها هم الفقهاء والعلماء يعتمدون على المرأة فى العلم والفقه والحديث ويستفيدون من علمها وفقهها كالعالمات من الصحابة والتابعين.

والمتتبع للنموذج النبوى يراه نموذجًا منفتحًا فى تقرير حقوق المرأة؛ فقد كانت النساء فى عهده صلى الله عليه وآله وسلم يقمن بتكاليف اجتماعية كثيرة، فضلًا عن مشورتهن فلم ينتقص من قدرهن، ولعل خير دليل أخذه صلى الله عليه وسلم بمشورة السيدة أم سلمة (رضى الله عنها) فى البدء بالحلق أثناء صلح الحديبية، فكل ذلك كان تطبيقًا عمليًّا وفعليًّا منه صلى الله عليه وآله وسلم لتأكيده على حق المرأة فى ممارسة حقوقها المشروعة.

■ هناك بعض القضايا بدأت تظهر على الساحة بقوة ومنها قضية تنظيم الأسرة، التى اعتبرها البعض اعتراضا على قدر الله فكيف نرد على هذا الأمر؟ 

- تنظيم النسل لا يكون اعتراضًا ولا تدخلًا فى قدر الله تعالى؛ لأنه من باب الأخذ بالأسباب، مع التاكيد على أن الإنجاب حق وواجب فى ذات الوقت؛ فهو حق للزوجين، وواجب على المستوى العام والكلى لأنه مطلب وجُودِى لاستمرار بقاء النوع الإنسانى الذى لا يبقى إلا عن طريق التناسل المنضبط.

أما الاعتراض على تنظيم النسل بظاهر النصوص الواردة فى الحث على كثرة التناسل والأولاد، فلا يصح أن تؤخذ ألفاظ بعض النصوص الصحيحة على ظواهرها وبطريقة فردية دون مراعاة الأدلة الشرعيَّة الأخرى، التى لم يرد من بينها نص واحد يحدد -ولو تلميحًا- عدد الأولاد المطلوب إنجابهم لكل أسرة، وعلى العكس أيضًا لم نجد نصًّا يحرم تنظيم النسل أو الإقلال منه.

■ وما تعليقكم على من يزعمون بأن ما يحدث الآن ليس تجديدًا دينيًّا للخطاب الدينى لكنه هدم للدين؟

- عندما نكون فى الاتجاه الصحيح فنحن أمام تجديد للخطاب الدينى، أما إذا حِدنا عن المنهجية العلمية الرصينة التى وضعها الأسلاف واستقيناها من علمائنا الكبار المعتبرين نكون أمام خطاب آخر مدمر.

إننا نريد فهمًا رشيدًا لهذا الدين؛ لأن هناك فرقًا بين فهم النصوص القرآنية وسنة رسول الله، وبين المفاهيم المختلفة على مر التاريخ للنص الشريف، حيث إن لدينا نصًّا مقدسًا يتمثل فى القرآن الكريم ويتمثل فى سنة الرسول الثابتة عنه ثبوتًا صحيحًا، هذا كله لا نقترب منه من ناحية الإضافة أو الحذف أو الإجمال، لكننا وفق إطار علمى محدد نفهم ونتعامل مع هذا النص الشريف وننزله إلى أرض الواقع بمنهجية لا عشوائية نستعمل فيها الخطاب الوضعى بهدف إدراك الواقع، وهو ركن ركين من عمل الفتوى، إذا أدركناه فإننا نأتى إلى منطقة النص الشرعى وننزلها بناءً على فهمنا للخطاب الوضعى من توافر الشرط والأسباب وانتفاء الموانع، وإننا إذا تعاملنا مع القضية هكذا نكون قد جددنا.