الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

تحسين السلوك وتنمية الأخلاق يحقق غاية الصوم

لا شك ان كثيرا من الناس يحرصون فى رمضان على بذل وسعهم فى الطاعة والعبادة من اجل الفوز بالثواب من الله، لكن قد يغفل الكثيرون على ان الطاعة فى شهر الصوم لا تكمل بدون تقويم السلوك والأخلاق، حيث اعتبر العلماء ان تهذيب النفس وتقويم السلوك، والعودة إلى الأخلاق فى كافة التعامات هو غاية الصوم، وجميع العبادات.



بداية يؤكد د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ان شهر رمضان خاصة هو شهر مكارم الأخلاق يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «الصيامُ جُنة، وإذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّه أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ» (رواه مسلم)، ومعنى (جُنة) أى وقاية يقى صاحبه من الزلل فى الدنيا ومن عذاب الله يوم القيامة، فإذا لم يكن وقاية لصاحبه فى الدنيا من الوقوع فى المعاصى، فصاحبه على خطر أن يقع فى دائرة قول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ» (رواه النسائي).

أضاف أن بعض العامة قد يُستفزُّ فى رمضان، فيقول آخر دعه فإنه صائم وأخلاقه ضائقة، وكأن الصوم يضيِّق الأخلاق لا يوسعها مع أن الأمر على العكس من ذلك، حيث يؤكد الحديث الشريف على ضبط الصائم لسلوكه وألفاظه، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إنى صائم. وقد وردت كلمة «سابَّه» وكلمة «قاتله» بصيغة المفاعلة للتأكيد على رباطة جأش الصائم، ومهما حاول أحد أن يستفزه بالمساببة أو المشاتمة استمسك بما يمليه عليه صيامه فقال «إنى صائم، إنى صائم».

وشدد على ان العبادات تهذب السلوك والأخلاق، وتقومها وتنهى صاحبها عن الفحشاء، والمنكر، موضحا انه إذا كانت هذه هى أخلاق الإسلام بصفة عامة، فإن الاستمساك بها فى هذا الشهر العظيم أولى، فقد كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) أجود الناس، غير أنه كان أجود ما يكون فى رمضان، لما فى هذا الشهر العظيم من الخير والبركات ومضاعفة الحسنات.

من جهته يرى د. عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية أن الأخلاق الحميدة غاية دينية، ولذلك حين حدد النبى (صلى الله عليه وسلم) منهج رسالته قال: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) فالأخلاق هى الغاية والهدف الذى يريد التشريع أن يصل إليه بأحكامه من خلال العبادات بما فيها الصوم والمعاملات بكافة ميادينها وأحوالها.

وشدد على أن الغاية المنشودة من العبادات هى تحسين السلوك وتزكية النفوس بالأخلاق وتقوية صلة الإنسان بربه وخالقه وبمن يعيشون معه، فالصلاة مثلًا تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِى إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}، والزكاة تطهر النفس وتزكيها من أدران السلوك وضغائن الأحقاد، قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

واستشهد د. النجار على رأيه بأن الصوم يدعو إلى تقوى الله فى السر والعلانية وفى الظاهر والباطن من السلوك والأعمال والاعتقاد، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ غير أنه يدرب المسلم على الصبر ومحاسن الأخلاق، لافتا إلى ان العبادات بدون أخلاق لا يمكن أن تؤدى رسالتها فى الحياة، ولا يمكن أن تثمر العبادة ثمرتها إلا إذا انعكست فى صورة أخلاق حميدة، تتجسد فى السلوك وفى التصرف مع الناس.

وأوضح أن الفرد لا يمكن أن يسعد فى دنياه وأن يربح فى معاملاته إلا من خلال الأخلاق، فالأخلاق هى التى تجذب الناس نحو الإنسان، وهى التى تخلق الثقة فيه، وتجعل منه إنسانا مؤمنًا كامل الإيمان. 

ويذهب د.النجار إلى أن الأخلاق غاية للأحكام الشرعية بل غاية للتكليفات التى كلف الله بها عباده من أجل أن تستقيم حياتهم على طاعة الله (عز وجل)، ولو أننا استقرأنا الأخلاق الحميدة التى يدعو إليها الإسلام وتدعو إليها كل أديان السماء مثل الكرم، والوفاء بالعهد، والرحمة، والشجاعة، والنجدة، وإغاثة الملهوف، والصدق والأمانة، والإيثار، وبر الوالدين، واحترام الكبير والمسن، هذه وغيرها جملة من الأخلاق التى يدعو إليها الإسلام والتى تنسجم مع الفطرة السوية ومع النفس التقية البارة التى تستقيم على طاعة الله تعالى.

واستطرد قائلا: الشريعة الإسلامية بأحكامها وعباداتها جاءت فى الأساس لتهذب السلوك وتقومه وتسمو بالنفس إلى أعلى درجات الرقى والتحضر وحسن التعامل مع الآخرين، ولما كان النبى (صلى الله عليه وسلم) أعبد الناس وأتقاهم لله وأخشاهم له كان أحلم الناس، وألينهم قولًا، وأطهرهم فعلًا وخلقًا، فكان الإسلام بعباداته وأخلاقه يتمثل فى سلوكه وأفعاله، لذلك لما سئلت عائشة (رضى الله عنها) عن خلق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قالت: « كان خلقه القرآن»، فكان نعم الأسوة ونعم القدوة فالسلوك الحسن القويم يفتح مغاليق القلوب، ويورث المحبة والمودة ويدل على سمو الدين ورفعته، ولهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا الفاحش ولا البذيء».

الشيخ محمد عيد كيلانى من علماء الأوقاف يتفق مع د. النجار على اهمية حسن السلوك والسمو بالأخلاق لتحقيق الغاية المنشودة من الصوم وكافة العبادات، وعلل ذلك بأن الأخلاق هى التى تعصم المجتمعات من الانحلال، وتصونها من الفوضى والضياع، كما أن سلامة الأمة وقوة بنيانها، وسمو مكانتها وعزة أبنائها يتحقق بتمسكها بالأخلاق الفاضلة.

وأوضح أن الأخلاق فى الإسلام هى مفتاح الرقى للمجتمعات وسر سعادة البشرية، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم أمرنا بالقول الطيب الحسن فقال سبحانه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، فالقرآن الكريم أمرنا أن نتعامل مع جميع الناس بالخلق الطيب والقول الحسن اقتداء بالنبى (صلى الله عليه وسلم) فقد شرح له صدره، وأعلى شأنه، ورفع ذكره، وجمع له مكارم الأخلاق والآداب، فقال سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وقد كانت الرحمة التى أودعها الله تعالى قلب رسوله (صلى الله عليه وسلم) رحمة عامة وشاملة، مصداقًا لقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، لم يقل رب العزة رحمة للمؤمنين وحدهم ولا للمسلمين وحدهم، وإنما قال رحمة للعالمين.

وشدد أننا إذا أردنا أن نرتقى بأخلاقنا ومجتمعنا فلا بد من الاقتداء بالقدوة الحسنة، فالقدوة عامل أساسى فى تكوين الأخلاق، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا.