الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أبناء النيــل 2

سد النهضة.. «قنبلة مياه» على النيل

حدد السفير محمد حجازى مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية السابق 4 سيناريوهات للتعامل مع الموقف الراهن الخاص بمفاوضات سد النهضة، ولحماية الحقوق التاريخية لدولتى المصب مصر والسودان من نهر النيل، فى حالة إذا شرعت إثيوبيا على الملء الثانى للسد دون اتفاق.



وقال حجازى إن إثيوبيا لديها تاريخ طويل من التنصل من الاتفاقيات، وأنه يجب أن يكون هناك تحرك من المجتمع الدولى فى هذا الملف، مشيرا إلى أن التحرك الأفضل يمكن أن يكون من دولة مثل أمريكيا تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع الدول الثلاث، حيث تستضيف مؤتمرًا تفاوضيًا على غرار ما تم فى اتفاقية كامب ديفيد، ولا يخرج ممثلو الدول الثلاث دون اتفاق.

السفير حجازى قدم تحليلًا شاملًا لموقف المفاوضات وقضية السد وتداعياتها على المنطقة فى حواره مع «روزاليوسف» وإلى نص الحوار..

 

■ بداية على مدى حوالى 10 سنوات من مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا دون اتفاق حتى الآن بماذا تفسر هذا المشهد؟

- المفاوض المصرى بذل كل ما يستطيع أن يبذله من قواعد القانون الدولى وحسن الجوار، من أجل أن يسعى إلى تحقيق أهداف مصالح الجميع.. مفاوضات المياه بطبعها مفاوضات صعبة وممتدة «مفاوضات النفس الطويل».. وبالتالى مصر خلال 10 سنوات من التفاوض تؤكد لإثيوبيا أنها ليست ضد هذا السد أو ملئه، ولكن ضد أن يتم بإرادة منفردة خاصة أننا نتعامل مع نهر دولى تتشاطىء عليه عدد من الدول وخصوصا مصر والسودان وأثيوبيا. وبالتالى لا يمكن لطرف أن يتحكم فيه أو أن يفرض إرادته على باقى الأطراف خاصة أنه من المعلوم أن نهر النيل هو المصدر الوحيد والحياة لمصر و100 مليون ونشأت عليه حضارة عظيمة لا يمكن أن يقبل المساس بمقدرات الشعب.

نفس الشىء السد يشكل تهديدًا على السودان بوصفه «قنبلة مائية».. لابد من التنسيق والتشاور بشأن إدارته، كل المنشآت الهندسية التى تقام على أحواض الأنهار الدولية لابد من أن يتم تبادل المعلومات والتنسيق وفقًا لقواعد قانونية واتفاقية منظمة للعلاقة، أيا كانت الدولة ومستوى علاقتك بها.. إذا كنت تبحث ملف المياه يجب أن توقع اتفاقًا قانونيًا ملزمًا كما هو الحال فى مصر والسودان، وإليه فض المنازعات مهمة جدا فى مثل هذه الحالات إذا ما اختلف الطرفان.

■ هل يوجد نماذج مماثلة لأزمات حول سدود على أنهار دولية أخرى جرى بشأنها التفاوض؟

- على سبيل المثال فى اتفاقية نهر السن بين الهند وباكستان، عندما سعت الهند لبناء سدود على أعالى النهر، بارتفاع توربينات عالية، لجأت باكستان والهند للتحكيم الدولى وأقر المحكم السويسرى لباكستان بأن تقوم الهند بالبناء مع تنزيل فتحات توربينات السد لأسفل السد وليس لأعلى بما لا يضر بمصالح باكستان ورضخت الهند لقرار التحكيم الدولى، هذه ميزة التحكيم الدولى فى مفاوضات المياه، عموما أثيوبيا تملك 960 مليار م3 مياهًا، و12 نهرًا آخرين فى الأراضى الأثيوبية، وليس هناك سبب يجعل إثيوبيا على هذا القدر من الحدة فى التعامل مع الملف الماىء، فليست القضية مرتبطة بتوليد الكهرباء كما تدعى بل يمكن توليد هذه النسبة من الكهرباء من منسوب مائى أقل مما تسعى أثيوبيا لتنفيذه، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام 

ولكن إذا كانت لأثيوبيا، تطلعات مستقبلية وحصص.. فليس هذا مكانهم، لأن اتفاق المبادىء الذى وقع فى مارس 2015 حدد أسلوب التعامل مع سد النهضة، وليس من بينها مناقشة حصص مياه النيل لدول الحوض او  الاتفاقيات التى وقعت فى دول حوض النيل   وحدد إعلان المبادئ قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة، وحدد فى بنده الخامس عدم الملء الأول بدون التوصل لاتفاق.

■ بعد فشل المفاوضات الأخيرة فى كينشاسا بالكونغو، فما رأيك  فى السيناريوهات المطروحة للتعامل مع تلك القضية؟

 - المشهد الحالى يستدعى إما أن تلتزم إثيوبيا بعدم الملء لحين انتهاء التفاوض، أو تقدم إثيوبيا التزامها لمصر والسودان باحترام حصص مصر والسودان المائية وفقا للقواعد التى تم الاتفاق عليها فى مفاوضات واشنطن التى اختارت ان يتم الملء وفقا للحالة الهيدرولجية للنهر، أى حسب نسبة الفيضان إذا كان مرتفعًا يتم حجز نسب أكبر وإذا كان متوسطًا يتم حجزه بنسب متوسطة أو جافًا يتم تقليل مستوى التخزين

هذه القواعد وافقت عليها إثيوبيا، ولكن إثيوبيا كالعادة تتفاوض للمرحلة النهائية، ووقتها تجد من الأعذار ما يساهم فى التهرب.

■ هل حدث وأن تكررت سياسة التعنت الإثيوبى من قبل؟

- مثلا عام 1989 كلفت الأمم المتحدة أحد أهم خبراء المياه العالمى جون أوتر برج، التجول فى كل دول حوض النيل، وصاغ منظومة تقرير للتعاون المشترك بين دول حوض النيل رفضته إثيوبيا بحجة أن الأمم المتحدة محابية لمصر.

إثيوبيا لها تاريخ طويل من التنصل، أذكر كنت عضو وفد تفاوض فى بوروندى فى الجولة السابعة لمفاوضات عنتيبى تم القبول بمقترح أوغندى لحماية الأمن المائى لدول المنابع ودول المصب، الاستخدامات الحالية والمستقبلية وصاغ الوفد الأوغندى هذه الفقرة التى لاقت ترحيبًا كبيرًا، بعد أن وافقت إثيوبيا واحتضنت الوفود بعضها البعض عادوا لاديس أبابا وبعدها بـ3 أسابيع أرسلت إثيوبيا وفودًا لدول حوض النيل لتعلن تنصلها من هذا الاتفاق وتعبر عن رفضها لما تم التوصل اليه، ونفس الشىء ما حدث فى واشنطن، عندما تصل لاتفاق تنسحب منه.

■ حقوق مصر والسودان التاريخية من مياه النيل، مثبتة وفقا لاتفاقيات دولية ويحفظها القانون الدولى، فى رأيك ما الذى يلزم الجانب الإثيوبى بعدم المساس بهذه الحقوق؟

- النظام القانونى لنهر النيل، كل الاتفاقيات التى تم توقيعها وتنظم حركة المياه فى حوض النهر، ملزمة للدول قبل الاستعمار أو بعد الاستعمار، وتتوارثها الدول، ونصوص القانون الدولى والأعراف الدولية الخاصة بالأنهار الدولية، والمجتمع الدولى ومجلس الأمن قادر على إلزام الجانب الإثيوبى بصيانة هذه الحقوق.

■ إلى أى مدى فكرة اللجوء للتحكيم الدولى مجدية فى هذه القضية؟

- التحكيم الدولى يستلزم موافقة الأطراف الثلاثة، ومشكلة التحكيم مثل ما حدث بين مصر وإسرائيل فى تحكيم طابا أن اتفاق السلام كان ينص على التحكيم الدولى .. وهذا الإجراء يحتاج لوقت، والتحدى الأساسى أمامنا هو عامل الوقت، وبالتالى الأفضل أن يصدر من مجلس الأمن قرار باستئناف عملية التفاوض وعدم الملء الثانى لحين استكمال عملية التفاوض.

■ ما البدائل والمسارات المطروحة أمام مصر والسودان بعد توقف عملية التفاوض؟

1- حركة نحو العواصم الرئيسية للضغط والتأثير على الموقف الإثيوبي

2- تحرك فاعل ونابه تجاه إثيوبيا فى أى مرحلة تراها القيادة مناسبة، لتوجيه رسالة واضحة ان استمرار إثيوبيا فى هذا المسار سيقود لتدهور العلاقات وإلى مواجهة إقليمية. 

3- دعوة المؤسسات المعنية بالسلم والأمن وهو مجلس الأمن، لديه المادة 36 تفوض له الحق إذا رأى وجود خطر أن يدعو لجلسة لمجلس الأمن حتى بدون موافقة الأطراف .. أو المادة 38 التى تتيح لك كدولة مضارة أن تبحث تهديد ما يضر بأمن وسلم المنطقة

4- تحرك آخر مع طرف رئيسى مثل الولايات المتحدة الأمريكية لها تأثير استراتيجى وعلاقات راسخة بالأطراف الثلاثة يدعو لمؤتمر تفاوضى مغلق للوفود الثلاثة على غرار ما حدث فى اتفاقية كامب ديفيد ينتهى بدعوة قادة الدول الثلاثة لتوقيع الاتفاق.. بحيث لا تغادر الوفود بدون التوقيع خاصة أننا سنستند لاتفاقية واشنطن. 

■ تحدث الرئيس السيسى عن فكرة تعقيد أزمة سد النهضة سيترتب عليه عدم استقرار فى المنطقة، كيف ستؤثر القضية على استقرار المنطقة؟

- عدم التعاون سيقودك لمواجهة واضطراب كبير فى المنطقة وانقطاع فى العلاقات وتشتيت لجهود التنمية وإعاقة عملية التنمية فى البلدان الثلاثة، مواجهة إقليمية قد تتشارك فيها دول أخرى وقد تتشارك فيها دول إقليمية.

عدم الاستقرار يبدأ ولا ينتهى.. انظر للمواجهة فى سوريا مثلا، 10 سنوات من بدأ الحرب لا تستطيع أن توقفها وتداعيتها ستكون ضخمة، وإذا قلنا فيه عدم استقرار إقليمى، سيضر الجميع.

■ فى حالة تأثرت مصر والسودان بالسد، فى رأيك ما أشكال المواجهة التى يمكن أن تتعامل معها مصر؟

- المواجهة ممكن تأخذ أشكالًا أخرى ،ممكن تكون فى شكل اقتصادى أو مقاطعة أو حتى على الأرض مثل التحالفات الإقليمية ،الضغوط المتبادلة، التوازنات داخل مناطق الصراع المحيطة بالبلدين.

■ كيف تتابع التوتر الحدودى بين السودان وإثيوبيا هل سيكون له تأثير على قضية السد؟

- هذه أحد أشكال الاضطراب فى المنطقة الذى تسببت فيه إثيوبيا بدخولها فى الأراضى السودانية، محددة وفقا لاتفاقية سنة 1902.. والسد مقام على أرض بنى شنقول معروف وفقا لاتفاقية 1902 التزمت إثيوبيا بعدم إقامة أى مشروع يضر بالسودان على هذه الأرض، وكانت هذه الأرض محل توافق بين البلدين.