الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سمير غانم صاحب مدرسة الكوميديا والارتجال

«سيحزن الكثيرون لفقدك.. وما أشقى أولئك الذين يدخلون المسرح من بعد فيجدونه خاليا منك».. كانت تلك الكلمات التى قالها أحد الحكام لمراجعة المهرج فليمون فى عصر من العصور، عندما رفض أن يقدم قربانا للآلهة لأنه مسيحى، تمسك المهرج بمسيحيته، وراجعه الحاكم أكثر من مرة حتى لا ينفذ فيه حكم الإعدام، وكانت تلك الكلمات رثاء له ولشعبه الذى سيفتقده بزوال مرحه وخفة روحه، بعد أن تصعد روحه للسماء، كان هذا حال المصريون يوم إعلان خبر وفاة الكوميديان الراسخ، صاحب مدرسة خاصة فى الكوميديا والارتجال الفنان سمير غانم، الذى رثاه الجميع من مصر والعالم العربى وحزن عليه جمهوره أشد الحزن، وفى كل مسرح سواء قطاع عام أو خاص أعلن أصحابه مع بدء كل عرض الوقوف دقيقة حدادا على روح الفقيد، وعلقت لافتات بمدخل مسرح طيبة الذى يقدم حاليا العرض «أبوالعربى فى مهمة رسمية» بطولة هانى رمزى وإخراج تامر كرم، بالداخل والخارج صورا للكوميديان الراحل، فهو الأب الروحى للقطاع الخاص والكوميديا فى مصر، وهو ملك الارتجال، أخذ صك صناعة البهجة بتفرد وامتياز.



ثلاثى بالمصادفة  

 لم يكن سمير غانم ضمن فريق ثلاثى أضواء المسرح فى بداية تكوينه، بدأ معهم عادل نصيف الذى هجر الفريق بعد عرضه الأول لانشغاله بالسفر خارج البلاد، ثم كان الحظ الكبير والمصادفة التى جمعت سمير بالثلاثى لينطلقوا معا، ذاعت شهرتهم منذ عام 1962 وتأسس الفريق عام 1967، التقوا بلعبة القدر التى منحت جورج سيدهم رئاسة فريق السمر بجامعة عين شمس، وكذلك كان سمير غانم فى جامعة الإسكندرية والضيف أحمد بجامعة القاهرة، كان الثلاثة يتنافسون على كأس الجامعات للتمثيل وفازوا معا بكأس الجامعات، قدمهم المخرج محمد سالم للمرة الأولى فى برنامج تليفزيونى باسم «ثلاثى أضواء المسرح» أول اسكتش تم تقديمه «دكتور الحقنى»، ثم وضع لهم برنامج فوازير رمضان ثم اقترح عليهم تكوين فرقة مسرحية تحمل نفس الاسم، وبالفعل بدأوا من مسرح الشاطبى بالإسكندرية، ثم انتقلت الفرقة للقاهرة على مسرح الهوسابير الذى ظل لسنوات طويلة مرتبطا باسم ثلاثى أضواء المسرح، كان العرض الأول للفريق عبارة عن سهرة منوعات بعنوان «حواديت وبراغيت» إخراج محمد سالم، ثم توالت أعمالهم المسرحية المميزة مثل «حدث فى عزبة الورد»، «طبيخ الملائكة»، «أحدث امرأة فى العالم»، «كل واحد وله عفريت»، الراجل اللى جوز مراته» إخراج الضيف أحمد والذى توفى فجأة قبل افتتاحها واستكمل الثنائى جورج سيدهم وسمير غانم مسيرة الفريق بعروض «أنت اللى قتلت عليوة»، «فندق الأشغال الشاقة»، «موسيكا فى الحى الشرقى»، «جوليت وروميت»، «فندق الثلاث ورقات»، «من أجل حفنة نساء»، «المتزوجون»، «أهلا يا دكتور» وكانت المسرحية الأخيرة التى شارك فيها سمير غانم حيث انفصل بعدها عن الفريق ليقدم أعمالا مسرحية بمفرده..مادة علمية من كتاب»المسرح المصرى 150 عاما للدكتور عمرو دوارة، و«جورج سيدهم ملاك البسمة» لطاهر البهى».

الخروج عن النمط

لم تكن الكوميديا النمطية أو المتوقعة طريق أو سبيل نجاح فريق ثلاثى أضواء المسرح، بل كان تفردهم وحرصهم على الاستثناء بالخروج عن الأنماط السائدة، بتقديم كل فرد منهم نهجه الخاص وأسلوبه فى صناعة وصياغة الضحك، جورج سيدهم الذى كان يعتمد على بدانته وشكله الجسمانى، وكذلك الضيف أحمد ضعف بنيته الجسدية، وقوة وطول سمير غانم، وبالتالى شكلوا حالة من التضاد والتناقض التى خلقت من خلالها صناعة مواقف كوميدية كثيرة اعتمدوا عليها سواء فى الاسكتشات الغنائية أو أعمالهم المسرحية، بجانب اعتماد سمير غانم بشكل رئيسى على قدرته المميزة والغير متكررة فى الإرتجال والسخرية الدائمة، وحركات جسده المبالغ فيها، وكأنه استطاع أن يسخر كل ما يملك من مظهر خارجى لتطويعه فى صناعة شكل من الكوميديا انفرد به وحده، حتى آخر عمل مسرحى قدمه مع المنتج أحمد الإبيارى «الزهر لما يلعب» إخراج طارق الإبيارى على مسرح مكتبة مصر الجديدة.

ثنائية الإبيارى وسمير غانم

 أصبح لسمير غانم لون وطعم خاص بمجال القطاع الخاص وفن الإرتجال الذى اتقنه على مدار حياته بحرفة عالية من نسيج النص والعمل المسرحي، هذا اللون الذى احتفظ لسمير غانم بجماهيرته حتى سلم روحه إلى بارئها، حيث يذكر دائما المنتج والمؤلف أحمد الإبيارى عن علاقته بسمير غانم التى امتدت إلى ثلاثين عاما متصلة قائلا.

«سمير غانم أكثر من جمعتنى به علاقة جيدة من النجوم، شخص مريح ويحترم العمل، مميزاته كثيرة للغاية اهم شىء فى النجم الكواليس حتى يستطيع العمل على المسرح، فهو من أفضل النجوم الذين شكلت ثنائية فنية معهم، لأنه وجد المنتج والمؤلف المدرك لمفاتيحه جيدا مهما عرضت عليه من أعمال يبقى معى بلا تردد، قدمت معه «دورى مى فاصوليا»، عن صعود نجم المطرب الشعبى شعبان عبد الرحيم كانت المسرحية عنه، تدور حول سمير غانم مطرب شعبى ومشكلته هو شعبان عبد الرحيم، حيث اتفقا معا على تقسيم مناطق مصر على بعض، حتى وجد فى يوم شعبان يغنى فى إحدى المناطق التابعة له، من هنا بدأت الأزمة أصبح الإثنان يحاربان بعضهما البعض، عندما جلسنا معا قلت لشعبان عبدالرحيم..» خد النص يا شعبان عشان تقرأ الدور»، قال لي..» نص ايه انا مش بعرف اقرأ».. طبعا كانت صدمة، شعرت بإحباط ودهشة وتساءلت كيف مضيت العقد، كان يمضى برسم قلب وسهم، ويكتب «شعبان» فى وقت طويل جدا، بالطبع سمير غانم رفض الفكرة و قال.. «هنمثل ازاى مش هينفع»،  جلست أفكر ماذا افعل؟!، قررت تغيير دور شعبان عبد الرحيم إلى ممثل مش حافظ دوره، والممثل أمامه يذكره بالشخصية والدور طوال العرض، هكذا يكون المؤلف هذا ما ورثته عن أبى الإسعاف السريع اثناء العرض، لا بد من تطويع النص على الظرف الحالي، بدأنا بروفات مع طلعت زكريا ابتهجوا جدا، هذا العمل استمر سبع سنوات متصلة أغلقته بسبب زهقى منه، لكننى عشت سبع سنوات معه.

«أنا ومراتى ومونيكا»

 ويضيف الإبيارى.. «أخذت سمير غانم فى «أنا ومراتى ومونيكا» كانت المرة الأولى التى يوافق فيها على تقديم مسرحية تحمل شيئا من السياسة، لأننى لم أقدم سياسة بالمعنى الحرفى للكلمة بينما أحرص على نسجها فى قالب اجتماعى، من الممكن أن أكون صاحب خطاب على المسرح، هذه المسرحية حضرها احمد زويل وأخذ سوكسيه عاليا يومها، تدور قصتها حول عالم كلاب ماهر يتزوج من امرأة تتعرف عليه بسبب كلب، وأرادت يوم عرسهما أن يظل الكلب بينهما وبالتالى هو لا يستطيع معاشرتها بشكل طبيعى كزوجين، اخترع مصلا للكلاب، علمت امريكا بفكرته، فكروا فى خطف الكلب، حتى يستطيعوا الوصول لشيء، ثم خطفوا سمير غانم نفسه  فى أمريكا حتى يعلموا السر، رفض منحهم سر تركيبة المصل رغم أنهم عرضوا عليه اشياء كثيرة، يختتم العرض بحكمة أن لو كل واحد باع علمه للغرب لا يمكن أن تتطور بلادنا، اتذكر أننا سافرنا إلى تونس لتقديم «أنا ومراتى ومونيكا» على خشبة المسرح البلدى كنا متعاقدين على تقديم ثلاث ليالى فقط، من شدة إعجاب الجمهور بالعرض تم تقديمه لمدة 21 يوما متصلة، وكذلك فى سوريا قدمنا مسرحية «المستخبي» إخراج حسن عبد السلام 30 حفلة وفى لبنان 10 حفلات.

ويضيف: اتذكر أننى أغلقت مسرحية «مراتى زعيمة عصابة» بعد سنة كاملة وكانت كامل العدد، الخلاف الوحيد حدث مع اثنين من الممثلين، لا يخضعون للتوجيهات فيما يخص قبولى لحجم الارتجال بالمسرحية لأننى اتركك تقول وتبدع على المسرح وترتجل لكن تحترم النص، لا تخرج عن روحه لا تصبح مجرد مونولجست منفصل عن الرواية، سمير غانم ماهر فى الارتجال الذى يحتمى بالنص،  جمعتنى به علاقة طيبة منذ عام 1992 واستمرت حتى وفاته وآخر عمل قدمناه معا «الزهر لما يلعب» قبل وفاته بأسبوعين هاتفنى وقال لى «يا أحمد أنت أحسن منتج فاهم مسرح فى مصر، ويقول..»جمعتنا الكثير من المواقف الفنية والحياتية أتذكر أننا ذهبنا لأداء العمرة معا ووقتها فتحوا له الكعبة خصيصا وهذا لا يحدث مع أى شخص عادى لا بد أن يكون قد حظى بمحبة وأهمية كبرى».

حكاية «ميزو»

يعتبر الفنان سمير غانم الأب الروحى للكوميديا والارتجال دائما ما يروى عنه كل من عمل معه بأن الأكثر قدرة على تخليق مواقف والارتجال عليها أو السخرية من أى شىء حوله فهو قادر وبشدة على تحويل أى شىء إلى مادة للكوميديا والسخرية بمهارة واقتدار، وكذلك وصفته الأستاذة فاطمة المعدول زوجة الكاتب الراحل لنيين الرملى فى نعيها له.. «مضحك كبير يجمع بين الكلاون الغربى والاراجوز المصري، وتراث الكوميديا دى لارتى مع فن القافية المصرى، أتذكر انه فى منتصف التسعينينات من القرن الماضى أن تطاول عليه صحفى فى اخبار اليوم فى عده مقالات ناعتا اياه أنه مجرد كومبارس واراجوز مضحكاتى، وكان لينين الرملى يتعجب ويقول (وهو حد طايل يبقى عنده الملكات العظيمة دى وهى ديه شتيمة؟) والسؤال هل كان سمير غانم ممثلا كبيرا؟؟ هل كان يدخل فى أهاب أى شخصية بالمعنى الكلاسيكى؟ ويتنقل من شخصية لشخصية؟ الحقيقة التى أثبتتها الاعمال المختلفة على مدار ٦٠ عاما ان سمير غانم لم يكن يتخلى أبدا عن شخصيته الحقيقية فى أى دور يلعبه بل كان يبلع الشخصيات المكتوبة على الورق لتصبح هى وهو شيئا واحدا، وكان يفعل ذلك بفطرة وسلاسة وبساطة شديدة، لقد ظل سمير غانم يقدم لنا شخصية سمير غانم الحقيقية، بتنويعات ودرجات مختلفة فى كل أعماله، سمير غانم كان حالة خاصة متفردة فهو كوميديان ومضحكاتى، لكنه يتمتع بالوسامة وهى فى العادة ضد الكوميديا، فهو لم يكن قصيرا مكعبرا أو نحيفا بشكل ملحوظ أو خلقتة مشلفطة، ولا سمينا بشكل مبالغ فيه ولم يحتاج أبدا أن يبالغ فى الأداء، ولايضرب كل من حوله او يتلفظ بألفاظ سوقية أو يعاكس الممثلات بشكل فج ولم يتخل أبدا عن وسامته فى أغلب الأدوار، ولا خفة دمه، حتى فى المواقف المحزنة، بل كان يستخدم مخزونه النفسى الرايق الجميل المنبسط ليرسم البسمة الرايقة اللطيفة قوى، حينما كنا فى المعهد فى أول عام كانت انطلاقة الثلاثى، وكنا جميعا معجبين بالضيف وجورج لكن لينين فاجأنا ان اخطرهم هو «سمير» كانت حركاته الجسدية تموته من الضحك، ولا مثيل لها فى الممثلين المصريين، ولذلك حينما التقى سمير غانم مع لينين الرملى فى اليونان حيث كان يتم تصوير بعض مسرحيات لينين الرملى تليفزيونيا كان لقاء وديا ولطيفا تبادلوا فيه الإعجاب مع بعضهم البعض، واتفقوا بسرعة وبشكل لطيف أن يكتب لينين عملا ليقدمه سمير فى التليفزيون المصرى، وقد ظلوا يلتقون حوالى ٣ سنوات حتى كتب لينين (ميزو )، وذلك بعد أن فهم كل منهما الآخر جيدا سمير عرف تشدد لينين واعتزازه بما يكتب ولينين عرف قدرات سمير ليست التمثيلية أو الارتجالية فقط بل طريقه تفكيره وكانت «ميزو» ،، التى كلما قرأ لينين لسمير مقطع منها يتعجب سمير ويقول له بجد «ده أنا يالينين ده كلامى هوه أنت كنت عايش معايا؟»

وتواصل حكيها..» حتى دخلوا الاستوديو، وكنت خائفة جدا ان يخرج سمير عن النص ويصطدم مع لينين ويتفشكل العمل أو يخسروا بعض، «فى الأيام دى كان المؤلف حتى لو جديد مهم جدا وله كلمة مسموعة وماكنش العمل اسمه ورق كان اسمه نص»، المهم دخلوا الاستوديو كان لينين يعود الى المنزل وهو فى غاية التعب، ولكنه فى غاية السعادة سمير غانم يجلب معه كل يوم شنطتين سفر كبار مليانين «اكسسورات» ويقعد يفرج لينين ويقول له أيه رأيك اطلع ده فى المشهد الفلانى ولينين الرملى مسخسخ على روحه من الضحك واطلق عليه اسم «الرايق».. كان يقول لى رايق قوي، حتى لو ماعجبهوش حاجة لا يتكلم ولا يعترض بل يقول إفيه، حينما توفى لينين الرملى كتب الناقد الكبير طارق الشناوى أن سمير قال له فى أحد اللقاءات إن كل الإفيهات التى قلتها قى كل اعمالى من عندى، ولم يكتبها مؤلف إلا مسلسل «ميزو» لم أخرج فيه على النص، والحقيقة أن لينين الرملى أحب سمير غانم جدا واحترم قدراته فذهب اليه فى ملعبه وكتب له وعلى لسانه ما يحبه وما يستطيعه رحم الله سمير غانم ولينين الرملى.