«الألعاب الإلكترونية» مسلك التطرف الجديد لعقول الأطفال
عمر حسن
يجلس الأطفال على مدار ساعات طويلة أمام أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية فى حالة استعداد تام لاستقبال أى محتوى رقمى دون رقابة الآباء، وتحت مسمى التسلية والترفيه، لتظهر ألعاب إلكترونية تعزز من ثقافة الانتقام والعنف لدى الأطفال، فيصبحون أكثر عدوانية ويميلون للتطرف فى ردود أفعالهم، الأمر الذى حذر منه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، فى حملةً بعنوان: «حمايتهم واجب عليك»؛ تهدف إلى التوعية بخطورة التطرف على أفراد الأسرة.
أكدت رسائل الحملة أن عناية الأسرة بالأبناء واحتواءها لهم يمثِّل حائط صدٍّ أمام البحث عن الاحتواء الذى تستغلُّه التنظيمات الإرهابية كوسيلة للاستقطاب، محذِّرة من ممارسة الأطفال للألعاب الإلكترونية العنيفة المشتملة على مشاهد القتل والدماء، والتى تعزِّز لديهم ثقافة الانتقام، وتجعلهم فريسة سهلة للتنظيمات الإرهابية.
من جهته يُحمل الداعية الإسلامي، الشيخ خالد الجندي، الآباء مسئولية كل ما يتعرض له الأبناء من محتوى غير سوى عبر الوسائط التكنولوجية من ألعاب ومقاطع فيديو، معتبرا أن التقصير فى حق أبنائهم بمثابة خيانة للأمانة التى أودعها الله فى حوزتهم.
وقال الجندى لـ«روزاليوسف»: «إن العلاقة بين الأبوين والطفل هى علاقة أمانة وليست امتلاك وحرية، وحينما يتسبب الأبوان فى إحداث ضرر نفسى أو ذهنى للطفل – بقصد أو بدون – فإنهما سيُسألان أمام الله – عز وجل – يوم القيامة عن ذلك التقصير الذى تسبب فى مشاكل نفسية واجتماعية للطفل».
واستشهد الداعية الإسلامى بحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، مُشددًا على ضرورة إنزال العقوبة بالوالدين نظير السماح لأطفالهم بالاستخدام المُبكر للتكنولوجيا «استسهالًا» فى التربية.
أعباء إضافية يتحملها المجتمع جرّاء المشاكل التى تنتج عن الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا، حسبما يرى «الجندى»، منها إصابة الطفل بتشوهات نفسية تعيقه عن التواصل مع المجتمع بشكل سوي، فضلا عن الهواجس التى قد تصيبه جرّاء المشاهد غير الرشيدة لمواد بصرية غير ملائمة لسنّه، نتيجة غياب إشراف الأبوين.
من جانبه أكد الدكتور أحمد حسين، عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، ضرورة مراقبة الآباء لأبنائهم خاصة لو لم يبلغوا سن الرشد، فهم غير مسئولين عن أفعالهم. وتابع د. حسين: «المجتمع يستقبل إفرازات البيوت ويتحمل تبعاتها بكل ما فيها من سوء»، موضحا أن الألعاب الإلكترونية أكثر ما يجذب الأطفال ويستحوذ على تفكيرهم، ويمكن من خلالها زرع أى أفكار فى عقل الطفل يصعب تغييرها فيما بعد».
وتساءل عميد كلية الدعوة: « لماذا لا يتحمل الوالدان نتيجة كل هذا الإهمال فى تربية الأبناء فى حين يتحمله المجتمع والدولة؟، فينتج للمجتمع طفل تنمو معه عقدة نفسية وربما جنسية، وكل ذلك يتحمل تبعاته المجتمع».
وشدد الدكتور حسين على أن الطفل لم يُخلق للإلهاء وإنما للعناية والمتابعة، وسيلقى الأبوان ثوابًا فى الدنيا والآخرة عن تربية أبنائهم بشكل سوى، متابعًا: «الطفل يجب أن يتلقى التوجيه المباشر من الأبوين، لكن الآن النصائح تُوجه من الآباء للأبناء عبر مواقع التواصل الاجتماعى!».
إلهاء الطفل يحوّله لـ«دُمية»
الفرق بين الطفل والدُمية التى يلعب بها يزول بفعل الاستخدام غير الرشيد للتكنولوجيا، حسبما تعتقد أستاذ علم الاجتماع، الدكتورة سامية خضر، فتقول: «الأم تسعد بتفاعل طفلها مع الهاتف الذكي، وتعتقد أنه أكثر ذكاءً وحيوية من أقرانه، ولكن هذا فى بادئ الأمر، حتى يتحول الطفل إلى مجرد دُمية يُحرّكه الهاتف الذكى، ويصم أذنيه عمّا حوله».
يزداد تعلّق الطفل بوسائط التكنولوجيا كلما تضاءلت قدرة الأم على التواصل معه والإجابة عن تساؤلاته المبكرة، أو حتى إشباع رغبته فى اللعب، فيجد فى الهاتف الذكى خير جليس وونيس، على حد وصف أستاذ علم الاجتماع.
وتابعت «خضر»: «من هنا تأتى ساعات الانفراد بين الطفل وأى محتوى يتعرض له، مثل الألعاب التى تعلمه العنف والعدوانية وتجعل ميوله غير سوية وقد يؤثر ذلك عليه فى الكبر أيضا، فالطفل ورقة بيضاء تتأثر بكل ما يكتب عليها».
تُعوّل أستاذ علم الاجتماع على وسائل الإعلام مسئولية تنوير الآباء بخطورة تلك العادة السيئة، متابعة: «ظاهرة إلهاء الطفل بالهاتف الذكى أصبحت كالاغتيال البطىء لأطفال الوطن العربى، فهى تُحوّل الطفل لإنسان آلى، فاقد لقدرات التواصل مع الغير، وأكثر عُرضة للاكتئاب المبكر».
أضرار نفسية
أما عن الأضرار النفسية التى تطرأ على الطفل جراء ممارسة الألعاب الإلكترونية العنيفة، فقال أستاذ الطب النفسى، هاشم بحري: «مبدئيًا يجب منع تعرض الطفل للتكنولوجيا تمامًا حتى عُمر سنتين، ثم يتم السماح بساعة واحدة فقط يوميًا حتى عُمر 5 سنوات، ثم ساعتين، وهكذا، حتى لا يصاب الطفل بالتوحد الكامل مع ما يشاهده من محتوى رقمى».
وتابع أستاذ الطب النفسى: «هناك أضرار نفسية عديدة تنتج عن انخراط الطفل مع المحتوى العنيف سواء ألعاب أو غير ذلك، وأولها أن يصبح الطفل عنيفا ولديه الاستعداد للعنف فى ردود أفعاله، وهنا تأتى أدوار الآباء والمدرسة حيث يتم إكساب الطفل مهارات التواصل الأساسية بمنأى عن المحتوى الإلكترونى، فيصبح الطفل قادرا على تمييز المحتوى العنيف وإدانته فلا يتوحد معه، بل يصبح كارها لهذا النوع الذى هو ضد الفطرة الإنسانية السوية». واستبعد «بحرى» القدرة على فرض رقابة الدولة على الألعاب الإلكترونية قائلا: «نحن فى عالم مفتوح ومسئولية الأسرة أوقع من مسئولية الدولة فى مثل تلك الحالات، والحقيقة أن الأسرة أول من يحصد نتاج التربية والسلوك الذى يتعلمه الطفل سواء عنف أو سلبية أو عدوانية أو تطرف».