السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أنا مش مسئول

مغامرة مسرحية فى موسم صعود الكوميديانات الجدد

«إذا ما انفتح الفم طلبا للضحك.. تستطيع أن تدخل فيه شيئا من طعام الفكر».. فرجينيا توبر..بهذا المبدأ يلعب المخرج محمد جبر والمؤلف محمد عز الدين بفريق عرض «أنا مش مسئول» المعروض اليوم على خشبة مسرح الهوسابير؛ حيث قرر الاثنان صناعة وصياغة مسرح كوميدى جديد؛ وقطاع خاص هادف للربح المؤجل؛ يسعيان لتقديم شكل آخر للقطاع الخاص؛ والمسرح بشكل عام؛ هدفه فى المقام الأول صناعة عمل كوميدى يحمل قيمة فنية؛ وشيئا من الفكر؛ يغذى به جمهور الحاضرين مع الحرص على المتعة والضحك بمبالغ وأسعار تذاكر زهيدة الثمن تترواح بين المائة والخمسة وسبعين جنيها فقط!



 مغامرة فنية وانتاجية كبيرة تقودها المنتجة أروى قدورة مع مجموعة من شباب الفنانين بقيادة المخرج محمد جبر والمؤلف محمد عز؛ كما ذكرنا يهدف العمل للربح لكنه ربح مؤجل؛ ففى البداية قرر صناعه الانطلاق بعناصر إنتاجية تبدو محدودة لتقديم عمل مسرحى محترف مكتمل الأركان؛ متبنين شعار الاعتماد على الجودة الفنية والقيمة المسرحية وليس النجم؛ وتعتبر هذه مخاطرة ضخمة فى مجال القطاع الخاص؛ فأبطال هذا العمل مجموعة من الكوميديانات الجدد؛ بثقة وجرأة شديدة يطرحهم جبر على الجمهور فى عمل فنى محترف؛ وليس مجرد عمل مسرحى لفرقة مستقلة قرروا تأجير مسرح لتقديم تجربة على خشبته؛ وهنا تكمن قيمة العرض المسرحي؛ الذى يسعى إلى ترسيخ مستوى آخر وشكل مختلف فى مجال القطاع الخاص العائد من الزمن الجميل؛ ففيه تستنشق رائحة ملوك القطاع الخاص فى زمن مضى؛ بدءا من نجيب الريحانى وفؤاد المهندس مرورا بفرقة الفنانين المتحدين وثلاثى أضواء المسرح الذين كانوا نجوما للهوسابير فى وقت ما؛ ثم محمد صبحى ولينين الرملى وقد يمثلان جبر وعز معا عودة لتلك الثنائية الفنية فى العصر الحديث؛ إذا سمحت لهما الظروف بالاستمرار بهذا المنطق الصعب؛ فإن كانت عودة القطاع الخاص اليوم أصبحت مرهونة بمنتج تليفزيوني؛ وعودة مقيدة وتدريجية معتمدة على مجموعة من الأشخاص؛ وليس الفرق الفنية كما كان من قبل؛ قد يشكل جبر وعز بهذه الفلسفة الجديدة بناء تدريجيا لصناعة فرق فنية بمجموعة من الشباب الموهوبين معتمدين على جودة النص وجودة المنتج الفني؛ بمصاحبة منتجة جريئة ومثابرة مثل أروى قدروة؛ آمنت بالفكرة واستجابت للمواهب الشابة وانتظرت ثمار التجربة بعد حين من نضجها؛ انطلاقا من هذا الإخلاص للقضية والإجادة الفنية قد تتحقق على ايديهم المعجزة ويصبحون نجوما فى أماكنهم من خشبة المسرح كما عهدناه سابقا مصنع النجوم على مدار تاريخه؛ يحتاج الأمر إلى مزيد من الصبر والاجتهاد للوصول إلى غاية أصبحت اليوم صعبة المنال فى ظل سرعة إيقاع العصر الحالي؛ لكنها جرأة وتحد كبير يستحق عليه جبر وفريقه والمنتجة كل تقدير ودعم واحترام؛ وسبق أن قبل جبر وفريق جامعة عين شمس التحدى فى عرض «1980 وانت طالع» وحققوا به ناجحا جماهيريا مذهلا؛ ربما كان هذا النجاح دافعا لإعادة خوض التجربة على نطاق أوسع ومحترف.

«أنا مش مسئول»..عرض مسرحى مستوحى من الفيلم الأجنبى «المنتجان»؛ كتبه المؤلف محمد عز بما يتوافق مع واقعنا الحالى على ما يعانيه الفن اليوم من ازدواجية وما يعانيه أصحاب الرؤى الفنية التى تحمل قيمة ومعنى حقيقى أمام منتجى الفن الهابط الباحثين عن الربح السريع والمتاجرين بعبارة «الجمهور عاوز كده»؛ صراع يخوضه مخرج مسرحى صاحب فريق صغير مع أحد المنتجين الكبار لإنتاج مسرحية «هاملت» يغريه بالأموال أولا؛ ثم يفرض شروطه بالشكل الفنى الذى يريد أن تخرج عليه «هاملت» بمقاييس العصر الحالي؛ ويطالبه بضرورة الاستعانة بأحد فرق المهرجانات الشهيرة بفرقة «الشابولي» مع ضرورة احتواء العرض على نجم كبير؛ بالطبع يقع هذا المخرج صاحب الرؤية المسرحية والطموح الفنى فى حيرة ويواجه أزمة فى التفاهم مع فريق المهرجانات؛ فكلاهما مختلفان فى مستوى الطموح والفكر والهدف من العمل الفني؛ ومع وقوع الخلاف حول الهدف والرؤية؛ تبدأ أحداث العرض الذى يقرر فيه المخرج التآمر على المنتج والمسرحية بإفشالها انتقاما منه.

تتعدد مستويات إفشال العرض المسرحي؛ ومعها تعددت وتنوعت مستويات الضحك ومدارس الكوميديا بالعرض؛ مع البدء فى استدعاء مخرج عاطل عن العمل؛ ثم ملحن تائه وممثل متلعثم لا يجيد الكلام بشكل واضح لديه أزمة فى مخارج ألفاظه؛ كل هؤلاء مع فرقة المهرجانات وفريق المخرج المسرحى صاحب الرؤية الثاقبة؛ تتوالى أحداث المسرحية ويتصاعد ضحك الجمهور على هذه المواقف الحرجة التى يضع المخرج فيها المنتج؛ ويفرد محمد جبر مساحات لإظهار مواهب الكوميديانات أعضاء الفريق؛ وموهبته هو كممثل بجانب موهبته الإخراجية فى ضبط العمل المسرحى وخروجه فى أفضل صوره؛ من النادر أن يتقن المخرج عمله بجانب التمثيل فى نفس العرض؛ فمن الصعب أن يرى المخرج نفسه على المسرح ويضبط ايقاع أدائه وحركته مع الممثلين؛ لكن محمد جبر استطاع بمهارة المحترفين إجادة دوره كممثل وكوميديان كبير؛ مع متابعة وإجادة العمل والسيطرة عليه إخراجيا بدقة شديدة؛ ففى هذا العرض ستعيد اكتشاف موهبته كممثل وكوميديان؛ مع تتابع إكتشاف مواهب أبطال العرض بالكامل والكوميديانات المعاصرين للواقع الحالي؛ على رأسهم يأتى عاصم رمضان فى دور الملحن بثقة وسلاسة ومهارة واقتدار تمكن رمضان من انتزاع الضحك من الجمهور ربما  تميز عن زملائه بمهارته فى تقمص شخصية الملحن التائه بخفة روحه وحركة جسده تشعر عند رؤيته وتتبعه على المسرح وكأن الفنان محمد عوض بعث من جديد؛ يشبهه رمضان شكلا وفى مدرسة الأداء المعتمد على اللعب بطبقة صوته وحركة الجسد الأشبه بالإنسان الآلي؛ يليه فى المهارة محمد خليفة فى دور المخرج العاطل كذلك وضع خليفة تفاصيل على شخصية هذا المخرج الذى يرى نفسه عظيما دون أن يفعل شيئا؛ نموذج للشخص الفاشل المعتز بذاته وفشله دون تحقيق نجاح يذكر؛ امتع خليفة الحضور بوضع لمساته على الشخصية وأدائها بذكاء شديد؛ وكذلك مروة الصباحى أحد أعضاء فرقة الشابولى والتى تعتبر اكتشافا كبيرا ككوميديانة قادمة للوسط الفنى ومقتحمة لهذا المجال الذى أصبح عزيزا على النساء؛ فمجال الكوميديا اليوم يتسيده الرجال بشكل كبير؛ سواء فى سن الشباب أو الأكبر سنا؛ ابتعدن الكثيرات عن الكوميديا إلا قليلا؛ وعلى استحياء قد نرى تجربة أو اثنتين بينما تطرح مروة نفسها فى هذا العرض وتفصح عن موهبة كبيرة لكوميديانة متمكنة وبقوة؛ ثم حسين الزوربا فى دور القهوجى اتقن حسين دوره فى لعب شخصية القهوجى الغبى أحول العينين؛ وكذلك مصطفى السحت أحد اعضاء فرقة الشابولى كان له حضور خاص وأداء مميز فى دور رئيس الفريق العصبى والمتعجل فى ارتكاب جريمة؛ ومحمد العتابى فى دور حسن السيوفى ابن اخت المنتج الذى يتابع تطور العرض مع رئيس الفريق فتحى بركة شكل العتابى ثنائية مميزة مع جبر فى جولاته بالعرض لتتابع تنفيذ «هاملت» المتفق عليه وكان له الفضل فى إضفاء حالة من الإتزان على العمل؛ حيث ضبط به المخرج ايقاع الكوميديا وكأنه الآلة الهادئة التى تخرج بعزفها الرقيق فى الوقت المناسب؛ ثم اجتمع اعضاء الفريق وابطال العرض جميعا بالتمثيل والاستعراض والغناء قدموا عزفا جماعيا لعمل كوميدى موسيقى استعراضى وكأنهم مجموعة من الأوركسترا بقيادة مايسترو ذكى جمعوا بين تحقيق القيمة الفنية والبهجة فاكتمل العزف بمهارة واداء كل من يوسف حسن فى دور الممثل المتلعثم؛ خلود عبد العزيز المترجمة؛ وفرقة الشابولى شريف غانم وحسين أشرف؛ وفرقة المخرج أسامة مهنا؛ ميرنا واصف؛ شذا شيريت؛ شيرى خالد؛ ضحى محمد؛ آلاء النادي؛ أحمد كريستا؛ أشرف رشاد؛ أيمن سرور؛ وليد جمال؛ عمر عدلي؛ تصميم استعراضات أسامة مهنا؛ ديكور دكتور حمدى عطية؛ تصميم اضاءة حسن محمد؛ ملابس أميرة صابر؛ توزيع موسيقى إبراهيم الطرابيشي؛ تأليف الأغانى أميرة فوزي؛ مهرجان «أنا مش مسئول» تأليف أحمد حسن ومحمد حسن.