السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المايسترو العالمى نادر عباسى فى حوار لـ«روزاليوسف»: نجاح حفل المومياوات أثَّر إيجابيًا على مستوى تذوق المصريين للموسيقى

حلم كان صعب المنال، استطاع المايسترو نادر عباسى أن يدركه بصدق إحساسه ودأبه على تحقيقه، أن يتعرف عليه الجمهور ويسعى إليه ولحفلاته بدار الأوبرا مهما كان نوع الحفل، أقام مؤخرا حفله مع الأوركسترا السيمفونى بمشاركة مطربة الأوبرا أميرة سليم، وكانت المفاجأة الزحام الجماهيرى وسعى الناس لحضور حفل أوركسترا سميفونى والاستماع لمطربة أوبرا..!، وهو ما لم يكن مألوفا من قبل، تمكن عباسى من استقطاب الجمهور المصرى على اختلاف فئاته العمرية من شباب وكبار لهذا النوع من الموسيقى وتحققت المعجزة على يديه، بالطبع كان لنجاح حفل المومياوات أثر كبير فى هذا الإقبال الجماهيري، عن حفله الأخير وكواليس استعداده لحفل المومياوات وتفاصيل قيادته لفنون الأوبرا حدثنا عباسى فى هذا الحوار:



 

■ هل كنت تتوقع هذا الإقبال الجماهيرى على حفل أوركسترا سيمفونى مع مطربة أوبرا؟

- فى الواقع لم أتوقع خاصة أن النصف الأول من الحفل كان كلاسيكيا جدا، بعد نجاح حفل المومياوات والتأثير، توقعت أن يتابعنى الجمهور، لكن توقعاتى اقتصرت على حضور حفل عادى قد تكون مومياوات أو حفلا عربيا، لكن حفلا كلاسيكيا تماما كان من الصعب توقعه، كما أن أميرة سليم لم تكن موضوعة على برنامج الحفل منذ البداية، كانت منى رفلة وأميرة التحقت بنا فى اللحظات الأخيرة، وكانت الناس قد حجزت بالفعل، وهذا كان الخوف بالنسبة لي، اتمنى ألا يتراجع الجمهور، بعد انبهارهم فى حفل المومياوات بالأوركسترا  والعازفين، كنت أخشى أن يتوقف الانبهار عند هذا الحد، وفى الحفل الأخير البرنامج كان ثقيلا، خشيت من حدوث ملل، وهذا البرنامج لم أكن وضعته بنفسى بل وضعه مدير الأوركسترا السيمفونى المايسترو أحمد الصعيدى، وأحيانا تحدث تغييرات قد اختار واقترح هذا التقليد دائم بيننا، وجدته وضع «كونشيرتو بروكوفييف» لأيمن الحانبولى هذا صعب فى السمع، وصعب على المتخصصين، لذلك نقلت برنامج أميرة للنصف الثانى، وهذا مهم لقائد الأوركسترا، كيف يضع برنامجا ويختار الترتيب، اخترت الترتيب حتى أحافظ على مستوى صعود الحفل، كانت البداية قوية جدا، ثم ثقيلة وتوقعت استمرارهم لأنهم يريدون سماع النصف الثانى.

 ■ هل ترى أنك استطعت تحقيق حلم صعب المنال؟ 

- هذا هو الهدف منذ أتيت إلى مصر أن تصل الموسيقى لأكبر عدد ممكن من الجمهور لفئات عمرية متنوعة أن نصل لهذا الشكل من الإقبال والتعريف بالموسيقى الكلاسيكية، من 2002 إلى 2011 احاول أن أحبب الناس بالموسيقى، لكن الناس تحتاج إلى جرأة الذهاب للأوبرا، لا بد أن نزيل عنهم رهبة الدخول إلى الأوبرا خاصة أن اسعار التذاكر ليست باهظة التكاليف، وأعتقد أننى أحدثت تأثير بالتدريج عن طريق ظهورى فى «صاحبة السعادة» ثم مع «عمر خيرت» وبالتالى أصبح لدىَّ جمهور أكثر، غير معتاد على الكلاسيك لكنه حابب هذه الحالة.

حفل المومياوات

■ هل ترى أن نجاح حفل المومياوات أثر على مستوى تذوق المصريين للموسيقى، وهل كنت تتوقع هذا الاستقبال؟

- لم اتوقع بالطبع هذه الدرجة الكبيرة من الاستقبال الجماهيرى على مختلف طبقاته، كنت أظن أنه سيقتصر على متابعى الأوبرا بشكل أكبر لكن وصل الأمر إلى العديد من طبقات المجتمع مثل حارس المبنى، وسائق الميكروباص، اتذكر أن سيدة كتبت «بوست» تروى.. «أنها كانت أحد ركاب ميكروباص من مدينة السلام إلى امبابة السائق وضع الترنيمة وأعادها علينا 15 مرة والركاب مستمتعون للغاية».. لا يمكن كنت أتوقع هذا الشكل من الحفاوة والاهتمام، استقبال البسطاء بهذا الشكل كان اهم شيء بالنسبة لى مثل المكوجى وغيره الكثير، إحدى صديقاتى مديرة شركة طيران فوجئت بسماع الموسيقى وجدت رجلا بسيطا يضع الترنيمة رنة على هاتفه.. ذهبت إليه تسأله.. قال لها .. «دى اصولنا».. أعجبنى التعبير أن مصر قبل المومياوات غير مصر بعد المومياوات.. حدثت نقلة طالت الشعب كله.

■ كيف قرأت هذا المشهد؟

- الشعب المصرى منح درسا للمسئولين، الجمهور فاجأ المسئولين، لم يتوقع أحد هذا الشكل من الاستقبال، عادة أتوقع أن الشيء الذى يقدم بشكل جيد يحدث أثرا كبيرا خاصة موسيقى هشام نزيه لا يمكن آلا يتأثر أحد بها، بما أننى متخصص أعلم ما الذى سيعجب المصرى العادى أوالإنسان العادى فى أوروبا أومصر، لأنه حتى أوروبا رغم مواظبة البعض على حضور حفلات الأوركسترا، إلا أن هناك أحيانا بعض الحفلات قد تكون ثقيلة على الجمهور، ونحن نعلم ذلك جيدا، الموضوع ليس سهلا هناك اشياء بسيطة فى الأعمال الموسيقية تعجب كل الناس فى أفلام الأبيض وأسود، هناك نوع موسيقى اعتدنا عليه فى أفلام فاتن حمامة من أعمال كلاسيكية لكننا ارتبطنا بها وأثرت علينا، لأنها سهلة أعلم أن هذه الموسيقى ستحدث تأثيرا قويا، المسئولين كانوا يعارضوننا أنا وهشام نزيه أحيانا أثناء التحضير للحفل فى بعض الأشياء، كان ردى أن يتركونا نعمل ويتركونه يألف كما تمنى، لأنه كان يحلم دائما بتقديم عمل بهذه الضخامة الفنية ليس مجرد موسيقى تصويرية لفيلم، توقعت التأثير لكن ليس بهذا الشكل مصر كلها تجتمع وتتأثر وفجأة يشعرون أن هويتهم كانت مختفية.

■ إذن هل علينا أن نعيد حساباتنا فيما نقدمه من شكل موسيقى للجماهير؟

- المساحة التى تمنحيها للموسيقى الدارجة والمهرجانات أعتقد جعلت هناك حالة من الاستسهال، تخيلنا معها أن هذا ما ينال الإعجاب وحده، أنك ترقص الناس بلدى فقط، كل الناس تحب الرقص وتعشق الموسيقى، أنا شخصيا احيانا اسمع موسيقى المهرجانات، ولكن لو منحنا الشعب المساحة الكبيرة لموسيقى راقية مثلما كان يحدث من قبل فى الدراما والسينما والبرامج فى استضافة شخصيات مهمة فى هذا المجال، هذا دور الإعلام أن يمنح مساحة 90% للرقى وبالتالى سيصبح هذا هو الطبيعى أن يعتاد الجمهور على هذ االشكل والنوع من الموسيقى، دور الإعلام قوى جدا.

■ كيف كانت كواليس الاستعدادات لحفل المومياوات خاصة مع هشام نزيه؟

- هشام نزيه كانت لديه الحرية الكاملة التى اشجعه عليها بنفسى لفعل ما يشاء، لأننى كنت اتمنى تقديم شغلى كأكاديمى بشكل يؤثر فى المصريين، الوصلة كانت صعبة أن تأتى بهذا الشكل لأننى كنت أحيانا أفعل ذلك عن طريق عمر خيرت أو ماجدة الرومي، عندما وجدت هشام يريد تأليف هذا الشكل من الموسيقى، قلت.. «اعمل اللى نفسك فيه وانا معاك»، واذا اعترض أحد كنت اقول لهم اتركونا، ودائما كنت اقنعهم بأن الموضوع أكبر من أى شيء المومياوات «ملوك مصر» لابد أن يقدم لهم شيئا لم نقدمه من قبل، كان يؤلف الموسيقى ويرسلها لى دائما كل الأجزاء التى ينتهى منها، ثم نجلس معا، حتى اضبط معه طول المقطوعة الموسيقية على الوقت المتاح لنا احيانا كنت اطلب زيادة دقيقة أو 40 ثانية حتى تسير الموسيقى مع السيارات، وهكذا استمر العمل بيننا شهور يرسل لي.. اسمع ..واتحدث مع طاقم الإخراج حتى اقيس الوقت الحقيقى لمرور السيارات لخروج المتحف، ثم الوقت الحقيقى لوصول المتحف الجديد، اطلب منه زيادات بسيطة لأنه مؤلف كنت لا أريد إزعاجه بهذه التفاصيل نضع أغنية لريهام عبد الحكيم تليق عليها، ثم اميرة، كنت لا اقبل اقتراحات اصوات من أى شخص لأننى أعلم جيدا شكل كل صوت والمناسب لما كتبه هشام نزيه، رأيت معه ضرورة تقديم اصوات مصر المختلفة العربى الأوبرالى والموسيقى الخفيف المرن الذى يستطيع غناء الإثنين، ثلاثة اصوات يغنون معا، نماذج مختلفة نظهر للدنيا كلها أن مصر تمتلك هذه الأنواع.

ترنيمة هيروغليفية

■ كيف جاءت فكرة الترنيمة ومدى صعوبة تقديم لحن على كتابة هيروغليفية؟

- الموسيقى تم تأليفها فى البداية، والشعر نزل عليها، كان رأى ألا نضع كلاما له أى معنى، مثلا ألا نقول «مصر عظيمة» وهذه العبارات الرنانة المكررة، لا أريد أن اتحدث، كنت أريد أن يشاهدنا العالم دون كلام مكرر وبالتالى المصرى القديم كان الأنسب، عندما اخترت مع هشام ابتهالات من المعبد، جاء لى أكثر من شعر لشاب اسمه ريمون ملاك من الكورال لديه دكتوراه عن الأشعار والابتهالات الفرعونية القديمة، اخترت نصًا قرأته لهشام أعجبه للغاية، بالطبع تمكنت من قراءته عن طريق ذهابى لمجموعة من المتخصصين فى «الإيجبتولوجى» المتخصصين فى النطق باللهجة الفرعونية أرسلوا لى كيف تنطق هذه الكلمات، ومعناها لم اتوجه للعالم باللغة الإنجليزية، لأننى مصرى اتحدث عن حضارتى فلماذا لا أحدثه بلغتى القديمة، حتى ولو كانت ميتة لماذا لا أحيها، وبالتالى سوف يسمع العالم كله لغة لا يفهمونها وسيبحثون عن معناها فيجدون معانى تحمل رسالة عظيمة للبشرية.

■ كيف استطعت ضبط الوقت بين العزف الموسيقى وميدان التحرير بهذه الدقة الشديدة كم من الوقت استغرقت البروفات على هذا الأمر؟

 - كنت أعمل مع الإخراج يوميا لمدة أربعة أشهر، قمت بتدريب طلبة تربية رياضية فى الاستاد على الإيقاع على النبض، لم أكن مايسترو فقط كنت أعمل فى كل شىء بمنتهى الحب، تمرين الموسيقات العسكرية على ايقاع هشام نزيه، وكذلك السائرين كان لديهم وقت لابد ألا يسيروا بشكل سريع أو بطيء، كان يلزمهم ضبط موعد الوصول لآخر الشارع مع الموسيقى، كان عذاب لمدة أربعة أشهر حتى يخرج الأمر بهذه الدقة، دقة غير طبيعية بالثانية، كنا نبدأ بروفة الساعة واحدة صباحا بعد إغلاق الميدان لتحريك السيارات حتى نقيس سرعتها اول سرعة كانت 15 ثم 20 و30 نسمع الموسيقى بالأسطوانة ثم نعيد السيارات على سرعة 15، كان الخوف ألا يصل الصوت بشكل جيد جدا، وألا يكون هناك تأخير، الحقيقة الستالايت نقل بمنتهى الدقة والأجهزة كانت على أعلى مستوى كانت احدث أجهزة بحيث ألا يحدث تأخير ويصلنى على شاشة العرض بلا تأخير، ضبطنا كل شىء فى البروفات، كنت اشاركهم فى كل شىء بلا تردد اساعد المخرجين لو لم اتدخل بهذا الشكل فى تدريب التربية الرياضية والموسيقى العسكرية من سيمرنهم على السرعة جيدا هذا دورى كقائد للعمل، لأنها فى النهاية دراستى أن يعزف الجميع بالثانية طوال البروفات، تجميع كل هؤلاء يلعبون فى انضباط مع بعض لحظات الطلوع والنزول ثم توصيل فكرة العمل ماذا أراد هشام نزيه بما كتب، كيف أمنح الإحساس الدرامى الصحيح الخاص بالموسيقى.

■ ما الأثر الذى يتركه المايسترو لدى المتلقى حتى أقرر النزول لحضور حفلك على وجه التحديد؟

- أعتقد الصدق فى العمل، وليس الثقافة وحدها،  إلى جانب الكاريزما والتكنيك والتأثير بالأداء الجسماني، الذى يعجب الكثيرين حتى فى اوروبا يتحدثون دائما عن يدى اليسرى، فى مقالات عديدة، يتحدثون عن يدى اليسرى التى تحمل الدينامك كله خبرتى وفكرى الموسيقى دخولى 300 المائة فى الموسيقى لأننى أحبها للغاية، أمنح هذا التأثر الداخلى للعازفين يأخذونه منى ويخرجون تأثيرهم بى فى هذه الطاقة التى تنتقل للجمهور، ام كلثوم كانت تؤدى حركة معينة مع كلمة محددة فيصرخ الجمهور، لأنها خرجت صادقة تقول بصدق شديد، هناك اساتذة ومدراس تعلمت منهم الكثير، الصدق مع الوقت يحدث تأثير كبير أصبح الجمهور يشعر بى وأنا أمنحهم ظهرى فهم لا يرون وجهي، عندما كنت مطربا كان استاذى فى سويسرا للغناء الأوبرالى يقول لى لا تحاول افتعال كلمات الأغنية، لأن الجمهور ذكى جدا، لو قلت بإحساسك الداخلى سيصله هيفهم لأن الصدق من الداخل، وإذا كنت غير صادق لن يتأثر بك أحد.

■ الأسبوع المقبل لديك باليه «روميو وجوليت» ما الفرق بين قيادة الباليه والأوركسترا والأوبرا؟

- الباليه صعب جدا، غير السيمفوني، لأننى فى السيمفونى حر، الأوركسترا معى وأؤدى كل شىء، بينما فى الباليه الراقصون يؤدون بروفاتهم على اسطوانة، هذه الاسطوانة لها سرعة، وهذه السرعة مصمم الرقصات صمم عليها حركات، كل تسجيل له سرعة، شهرزاد من الممكن أن اسمعها من مايسترو بسرعة ومن مايسترو آخر بسرعة أخرى، أبطىء أو أسرع الراقص أخد اسطوانة معينة تمرن عليها، وبالتالى ضبط حركته على تلك السرعة لو ابطأت هينزل أسرع وانا بطىء، ولو أسرعت فى الموسيقى ستسبق الحركة، لابد أن أسمع الاسطوانة التى تمرن عليها، هل اعجبنى شغل المايسترو فى الاسطوانة، أو لا، لابد أن تكون البروفات معهم يوميا على نفس سرعة الاسطوانة بالضبط، وألغى إحساسى يجب أن أسير بالتكنيك عن طريق ضبط السرعة مع حركة الراقصين، وبالتالى لابد هنا أن يسيطر المايسترو على الأوركسترا ويتحكم فيه مثل اللجام، عندما تصبح لدى ثقة مع الراقصين بعد بروفة واثنين وعرضين، قد أحاول تطويعهم على السرعة التى كنت أرى أنها انسب للعب هذه الموسيقى لكن بعد وقت.

■ وماذا عن عملك مع الصوليست مثل رمزى يسى؟

- الموسيقى ليست واحدة، على سبيل المثال محمد عبد الوهاب غنى «أصبح عندى الآن بندقية» وأم كلثوم قدمت نفس العمل لكن الاثنان قدماها، بطريقة وأداء وإحساس مختلف، رمزى يسى يدرس العمل لمؤلف معين، كل واحد بيعزف بطريقة أبطيء وآخر يقدمها اسرع لكن لابد أن نتفق على الشكل الذى سيتم لعب هذا العمل به، نتفق على السرعات وعلى الأداء، القائد هو الأساس هو المتحكم فى الأوركسترا لابد أن يريح الصوليست وآلا من الممكن أن يقتله.

■ هل قيادة الباليه والأوبرا والسيمفونى دراسات مختلفة أم جميعهم دراسة واحدة؟

- هى دراسة واحدة، لكن هناك من يصبح ماهرا فى شكل دون الآخر، بمعنى هناك من يصبح ماهرا فى الباليه أكثر، هناك آخرون لا يستطيعون قيادة الأوبرات لأنها صعبة للغاية تحتوى على الكورال والغناء والأوركسترا والباليه هى أصعب شىء، استمتع فى الحقيقة بقيادة كل الأشكال، كل منهم له متعته لكن الأوبرا أصعبهم، هناك اوبرات رومانتيكية بها اعداد ضخمة جدا، وهناك أوبرات صغيرة مثل موتسارت، «الناى السحري»، «زواج فيجارو»، لابد معها من دراسة كل عصر من العصور، المايسترو يجب أن يكون على علم بعصر النهضة، الباروك، الكلاسيكى، الرومانتيكى، لابد أن يكون درسه ومارسه كعازف أو مطرب، أو كمساعد مع أكثر من مايسترو حتى يكون على دراية جيدة بما يفعل.