السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الشاعر محمد أبوزيد: القصيدة منقذ العالم والمغامرة والتجريب أصل الفن

للتجريب جرأة وإغراء شاطئ يشئ بالمتعة ويعد بالمغامرة، هذا ما سعى خلفه الشاعر محمد أبوزيد الحاصل عل جائزة الدولة التشجيعية عن ديونه الأحدث «جحيم» والصادر 219 عن دار روافد.



بدأ محمد أبوزيد إصدار دواوينه الشعرية فى العام 2003، بإصدار ديوان «ثقب فى الهواء بطول قامتي»، والذى صدر عن هيئة قصور الثقافة، ثم ديوانه «قوم جلوس حولهم ماء» عام 2005 عن دار شرقيات، ديوان «مديح الغابة» عام 2006 عن هيئة الكتاب، «طاعون يضع ساقا فوق الأخرى وينظر للسماء» عن دار شرقيات عام 2009، ديوان «مدهامتان» عن شرقيات عام 2012، ديوان «مقدمة فى الغياب» عن دار شرقيت عام 2013، و أخيرا «سوداء وجميلة» عن شرقيات عام 2015 وديوان الجحيم 2019.. حول تجربته الشعرية والموارد التى نهل منها إبداعه دار الحوار معه.

■  سمة التجريب واحدة من أهم سماتك الإبداعية، فكيف تشكلت؟

ـــ أعتقد أن المغامرة والتجريب هما أصل الفن، والفن إحدى سماته الأساسية هى مخالفة المتوقع وتجاوزه.. وما وصل إليه الأدب من تقدم على مدار القرون الماضية لم يحدث إلا لأن شخصاً جرؤ أن يكسر هذا الحاجز التقليدى وأن يغامر، وأن يجترح شيئاً جديداً، لأنه إذا لم يحدث ذلك سيصاب الإبداع بالجمود والتكرار ما قد يقتله، والتجريب لا يكون فى الشكل فقط، بل فى اللغة، فى البناء، فى الصورة، وأعتقد أن سمة التجريب موجودة لدى كل كاتب يؤمن بأهمية أن يقدم صوته الخاص، وأن يحاول تجاوز ما كتبه من قبل وما كُتِب قبله، منطلقاً منه كشرط أساسى للتجريب، قد ينجح وقد لا ينجح، لكن يبقى عليه أن يفعل وأن يحاول.

■  «محمد أبوزيد فى الأدغال» «كلمة حلوة وكلمتين» «ببلوجرافيا» كلها عناوين لافتة فكيف انتقيت عناوينك؟

ــ يقولون إن العنوان هو عتبة النص، لكنى أعتقد أن العنوان يجب أن يكون نصاً موازياً، أو مكملاً للنص، أو يفتح الباب للقارئ ليعيد قراءة القصيدة مرة أخرى، أو تلميح إلى مغزى ما قد يخفى على المتلقي.. لا أضع العنوان قبل كتابة القصيدة ولا بعدها، غالباً تأتينى فكرته أثناء كتابة القصيدة، لأنى أعتبره جزءاً أساسياً من بنية النص.. وأعتقد أن العنوان كلما كان بسيطاً وواضحاً كلما كان أقرب للقارئ وأكثر إدهاشاً.

■  تميزت كتابتك بالتلقائية والبساطة رغم عمقها فكيف توازن بينهما دون الوقوع فى فخ السطحية؟

ـــ أعتقد أن بناء القصيدة لديّ تطور طوال عشرين عاماً من النشر والكتابة. فلو رجعت لديوانى الأولى ستكتشفين أن القصيدة كانت تهتم ببناء الصورة أكثر، على عكس الديوان الأخير، الذى أظن أنه تخلص من الكثير مما كان يثقل القصيدة وقتها. يمكن أن تلاحظى هذا حتى من عناوين الدواوين الأولى: «ثقب فى الهواء بطول قامتي»، «طاعون يضع ساقاً فوق الأخرى وينظر للسماء»، وستجدين عناوين الدواوين الأخيرة من كلمة أو كلمتين بوضوح وببساطة «جحيم»، «سوداء وجميلة»، وأظن أن هذا يرجع لتطور رؤية الشاعر ـ أى شاعر ـ للكتابة، فالتطور طبيعي، وأعتقد أن القصيدة تصل بعد فترة من الكتابة إلى أن تصفو تماماً، وتتخلص من كل ما يثقلها، ويكون إخلاصها الحقيقى فقط لروح الشعر، وفى ظنى التلقائية والبساطة هما أحد شروط القصيدة الجميلة.

■  لاحظت بعض الأحاديث عن الموت والموتى ببعض قصائد ديوان الجحيم فلماذا كان المرور عليهم فرض عين بهذا الديوان؟

ـــ لأن هذا ما نراه يومياً، يمكنك مطالعة الموت فى نشرات الأخبار، فى صفحات التواصل الاجتماعي، فى الجرائد، أصبح الموت حدثاً عادياً لا يستدعى حتى الوقوف أمامه، وهو ما جردنا من إنسانيتنا، وهذا موت مواز آخر، أننا صرنا موتى يسيرون فى الشارع، يتنفسون ويتحركون، موتى يمزحون ويتزوجون ويتكاثرون وينجبون موتى جدداً. ثمة شيء ما بهت ثم اختفى من البشر؟ هل هو الروح؟ هل هى الإنسانية؟ هل السبب هو أن كل هذا الضغط التقنى حولنا إلى كائنات معزولة لا تحتاج إلى بعضها البعض ولا تريد حتى أن تتبادل الحديث عبر الهاتف، وتكتفى برسائل وإيموجى مفتعلة عبر منصات التواصل الاجتماعي؟ هل هى التغيرات السياسية والاقتصادية التى نشهدها منذ قرن والتى أخرجت أسوأ ما فينا وجردتنا من ذواتنا؟ نحن موتى.. ودور الشعر أن ينفخ فى أرواحنا، فربما نبعث من جديد.

■  تكتب قصيدة النثر والرواية كيف تتنقل بينهما؟

ــ أكتب الرواية على مهل، لدى روايتان كتبتهما على مدار أربعة عشر عاماً، وبدأت رواية ثالثة ولست متعجلاً فى كتابتها، وطوال الوقت لديّ فكرة رواية جاهزة، كتبت سطوراً منها ولا أكملها.. فى المقابل أرى الشعر فى كل التفاصيل، قد تأتى فكرة القصيدة الآن، وقد تغيب عاماً كاملاً.. وفى النهاية لا أرى داخلى صراعاً بين الفنين، بل أرى أنهما يكملان بعضهما، أحد أقرب دواوينى إليّ هو ديوان «مدهامتان» والذى صدرت طبعة جديدة منه قبل أسبوعين عن دار «رواشن» بالإمارات العربية المتحدة، وقد كتبته فى العام 2011، بعد أن أنهيت روايتى الأولى «أثر النبي»، وأعتقد أن سبب قربه لى أننى استفدت فيه من تقنيات كتابة الرواية، وهذا ما حدث أيضاً فى ديوان «جحيم» الذى كتبته بعد رواية «عنكبوت فى القلب»، واستفدت فيه أيضاً من اكتشافات و »فتوحات» الكتابة السردية إذا جاز التعبير، وفى الرواية الأخيرة ستجدين فى بداية كل فصل إشارة إلى أحد الدواوين، لأنها مبنية بالأساس على شخصية شعرية هى ميرفت عبدالعزيز، موجودة فى دواوينى السابقة، فى النهاية أظن أن الكتابة تكمل بعضها، وتمتح فنونها من بعضها البعض، وأعتقد أن هذا لصالح الفن فى النهاية. 

■ كيف تشكلت ذائقتك الأدبية منذ الطفولة؟

ـــ تشكلت على عدة محاور، أولهما دراستى الأزهرية التى أتاحت لى أن أحفظ القرآن الكريم صغيراً وأنهل من كتب التراث ما أفادنى كثيراً، ثم كانت هناك مكتبة خالى فى البيت الذى تربيت فيه وهى مكتبة تجمع بين كتب التراث والأدب، ثم كان الدور الأساسى لأستاذى فى المرحلتين الإعدادية والثانية الشاعر بهاء الدين رمضان، الذى فتح أمامى الباب على عشرات الدواوين من الشعر الحديث، وكان قارئى الأول والأهم ولا زال، وهو ما أحدث نقلة كبيرة لدى وساعد فى تطور كتابتى من تلك السنوات.

■  كيف ترى واقع جوائز الشعر فى العالم العربى وخاصة قصيدة النثر؟

ـــ فى الحقيقة لا توجد جوائز للشعر فى العالم العربى إلا نادراً، كم جائزة موجهة للشعر فى مصر أوفى العالم العربي؟ يمكنك عدها على أصابع اليد الواحدة فى المقابل فإن كل الجوائز موجهة للرواية، وكل الاحتفاء يتم بالرواية، فضلاً عن أن عدداً كبيراً من دور النشر تمتنع عن نشر الشعر لأنه لا يحقق لها المكسب المادى الذى تريده، رغم أن هذه الدور تحصل فى الغالب من المؤلف على ثمن نشر الديوان قبل طباعته. تردد جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية أن «الشعر هو ديوان العرب»، لكن الواقع يقول إن جميع هذه المؤسسات لا تهتم بالشعر، ولا يبدو أنها تريد.

■  هل تعتبر النقد إبداعًا موازيًا أم مكملًا للعملية الإبداعية وأين هم النقاد من أعمالك؟

ــ يمكن أن أقول أن إجابة السؤال السابق تصلح لإجابة هذا السؤال، ففضلاً عن أن النقاد الأكاديميين المتخصصين قلة، وأن معظم ما ينشر هو قراءات نقدية مُحِبّة لها كل الشكر طبعاً، إلا أن معظم هذه القراءات موجهة للرواية، وتقريباً لا توجد كتابة نقدية عن الشعر إلا نادراً ويكتبها إما مخلصون للشعر أو محبون للشاعر وأصدقاء له. هذه هى الحقيقة بجلاء. أعرف أن الكتابة النقدية عن الشعر أصعب من الكتابة عن الرواية، لكن هذا هو دور الناقد على أية حال. نحن نكتفى بالقول إن هناك أزمة فى الشعر، حسناً؟ ما هو الحل؟ هناك مئات الدواوين التى تصدر سنوياً، لو تدخل النقد وقام بدوره سيتغير المشهد الثقافى بأكمله، لكن هذا لن يحدث للأسف، لأن المشهد الثقافى أصبح يميل للأدب الاستهلاكى وتقديمه والترويج له، إلا من رحم ربي.  

■  حدثنا عن مشروعك الأدبى المتجسد فى الرواية والشعر؟

ـــ ربما يكون هذا دور النقاد، ما أستطيع قوله هو أنى أحلم للشعر أن يتجاوز لحظته الراهنة، لأنى أؤمن أن هناك تطوراً كبيراً سيحدث للقصيدة الحالية، وأن عليها أن تستفيد من كل التطورات الثقافية والاجتماعية والتقنية التى تحدث فى العالم. القصيدة هى منقذ العالم، وهى التى ستقوده لتجاوز كل أزماته، فقط إذا أخلصنا لها.